الوقف الارادي للحمل*: معركتنا نحن النساء لفرض حقنا في التحكم في أجسادنا

النساء16 يناير، 2023

في نفس شهر الاحتفاء باليوم العالمي للحق في الوقف الارادي للحمل (28 شتنبر من كل سنة)، فارقت الطفلة مريم ذات 14 سنة الحياة إثر نزيف حاد نتيجة عملية اجهاض سرية (في 7 سبتمبر 2022)، في ظروف تفتقر لشروط صحية، لإيقاف حمل غير مرغوب فيه بقرية بومية بإقليم ميدلت المغربية.

أعادت وفاة الطفلة مريم إلى الواجهة واقع العنف والاضطهاد المركب الذي تكابده النساء والفتيات في المغرب وذكورية القوانين، كما جددت مطلب الاعتراف بالحق في الوقف الإرادي للحمل وتقنينه.

تستند روح القانون الجنائي المغربي ومنطوقه على مرجعية ذكورية نكوصية يفرضان وصاية كلية على أجساد النساء، ويسلبانهن الحق في تقرير مسار حياتهن الإنجابية وحرية التصرف في أجسادهن. ويفرضان على طفلات في بداية حياتهن الاحتفاظ بحمل غير مرغوب فيه غالبا ما ينتج عن اغتصاب.

الوقف الإرادي للحمل في المغرب

لم تكن الطفلة مريم الضحية الأولى لعمليات سرية بغرض إيقاف حمل غير مرغوب فيه والتي تجرى في ظروف سرية غير آمنة، أودت هذه العمليات السرية بحياة نساء وفتيات كثيرات وتسببت في مضاعفات خطيرة لأخريات (منها العقم).

تبلغ حالات الحمل الغير مرغوب فيه في المغرب ألف حالة يوميا حسب الجمعية المغربية لمناهضة الإجهاض السري، وتعزى إلى أسباب مختلفة عدة منها:

  • ضعف فعالية وسائل منع الحمل أو غيابها الكلي
  • اغتصاب
  • زنا المحارم
  • حمل القاصرات
  • حمل نساء فوق 45 سنة

حسب نفس الجمعية تتراوح حالات الوقف الإرادي للحمل السرية بالمغرب بين 600 و800 حالة يوميا، ويبقى هذا الرقم تقريبيا وهو معتمد منذ أكثر من عقد من الزمن لغياب إحصائيات رسمية، كما يصعب الوصول إلى كل الحالات بفعل سريتها.

تجرى ما بين 500 و600 عملية سرية يوميا من قبل أطباء أمراض النساء، جراحين، وأطباء الطب العام، إلخ. تعتبر هذه العمليات مربحة لكلفتها الباهظة (1500 درهم إلى 15000 درهم) حسب المريضة ومدة الحمل ومن سيجري العملية.

الحالات المتبقية بين 150 إلى 200 حالة لا تتم معالجتها من طرف أخصائيين، وتجرى في ظروف كارثية تنعدم فيها أدنى شروط الصحة والسلامة من طرف ممرضين/ات أو قابلات، أو تستعمل فيها وصفات أعشاب تقليدية معظمها سام. كلفة هذه الحالات منخفضة مقارنة مع تلك التي يعالجها أطباء مختصون، لكن المضاعفات بالغة الخطورة. تسبب هذه العمليات وفيات بنسبة 13% من مجموع وفيات الأمومة في المغرب.

تؤدي النساء والفتيات المتحدرات من أصول شعبية كادحة ثمنا مضاعفا لهذه العمليات، فانتمائهن لأسفل الهرم الطبقي يجعل من حصولهن على فرصة وقف طبي وآمن لحملهن شبه منعدمة. وتمنعهن ظروف القهر المادية وجبروت التقاليد الرجعية الراسخة التي تكابدانها من السفر بمفردهن خارج مكان إقامتهن، ولا قدرة لهن لشراء الأقراص الطبية أو توفير مبلغ لإجراء عملية في مصحة، تجبرهن هذه الظروف على اختيار أقل الطرق الأقل كلفة لوقف حمل غير مرغوب فيه، تؤدي في الغالب إلى مضاعفات صحية كثيرة قد تُفضي إلى الوفاة.

كما أن للحمل غير المرغوب فيه أبعادا أخرى تعكسها محاولات الانتحار لنساء وفتيات هربا من نظرة وعقاب مجتمع رجعي منافق، والتخلص المؤلم من المواليد عبر سماسرة أو رميهم ببساطة في أماكن عمومية، وتتحدث الأرقام الرسمية عن 4458 طفل متخلى عنه في سنتي 2018 و2019 منهم 644 حديثي الولادة.

القانون الجنائي المغربي:

ينص القانون الجنائي المغربي على تجريم عمليات الوقف الإرادي للحمل في عشرة فصول ضمن الباب الثامن المتعلق بالجنايات والجنح ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة، أي الفصول من 449 إلى 458، يرسي عبرها تحكما كليا في أجساد النساء، وخياراتهن وقراراتهن.

ينص الفصل 449 من القانون الجنائي على ما يلي: “من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو من دونه، سواء أكان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية، أما إذا نتج عن عملية الإجهاض موت السيدة فعقوبة الفاعل تصبح السجن من 10 إلى 20 سنة”.

كما ينص الفصل 454 منه على ما يلي “تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة مالية كل امرأة أجهضت نفسها عمداً أو حاولت ذلك أو قبلت أن يجهضها غيرها أو رضيت باستعمال ما أعطي لها لهذا الغرض”.

لا يتيح القانون الجنائي المغربي الحالي عمليات الوقف الارادي للحمل إلا في حالة واحدة مع تشديد الشروط. ينص الفصل 453 على: “لا عقاب على الإجهاض إذا استوجبته ضرورة المحافظة على صحة الأم متى قام به علانية طبيب أو جراح بإذن من الزوج ولا يطالب بهذا الإذن إذا ارتأى الطبيب أن حياة الأم في خطر غير أنه يجب عليه أن يشعر بذلك الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم، وعند عدم وجود الزوج أو إذا امتنع الزوج عن إعطاء موافقته أو عاقه عن ذلك عائق فإنه لا يسوغ للطبيب أو الجراح أن يقوم بالعملية الجراحية أو يستعمل علاجا يمكن أن يترتب عنه الإجهاض إلا بعد شهادة مكتوبة من الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم يصرح فيها بأن صحة الأم لا تمكن المحافظة عليها إلا باستعمال مثل هذا العلاج”.

يحصر هذا الفصل الـوقف الإرادي للحمل في ضرورة المحافظة على صحة “الأم” وتجدر الإشارة هنا أن المشرع المغربي يحصر صحة الأم في الصحة الجسدية فقط في تناقض حتى مع تعريف منظمة الصحة العالمية للصحة: “الصحة هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، لا مجرد انعدام المرض أو العجز”، المحافظة على صحة الأم إذا تقتضي الحفاظ عليها من كل ما من شأنه أن يهدد سلامتها البدنية والعقلية والاجتماعية.

حتى في حالة كانت السلامة الجسدية للأم مهددة لا يخول لها القانون حق التقرير في حياتها، بل يفرض موافقة الزوج قبل القيام بالعملية وإن تعذر تقديم موافقته فلا يحق للطبيب أو الجراح التدخل بأي شكل لإنقاذ حياتها إلا باتباع مسطرة والحصول على الموافقة من طرف الطبيب الرئيسي للعمالة أو الإقليم.

النقاش القائم حول الوقف الإرادي للحمل في المغرب:

فرض تزايد حالات الوقف السري الارادي للحمل، وما يخلف من مآسي، تتداولها بشكل دائم الصحف والجرائد الإلكترونية، نقاش هذه المسألة حتى من طرف إعلام الدولة ومؤسساتها.

تخلُّف القانون الجنائي المغربي عن الواقع الاجتماعي المتغير بشكل سريع يفرض بشكل أو بآخر ضرورة تغييره أو تعديله ليتلاءم مع خصائص المجتمع المغربي الحالي.

شكلت في مارس 2015 بأمر ملكي لجنة مكونة من وزير العدل والحريات ووزير الأوقاف ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أسندت إليها مهمة إطلاق مشاورات لمراجعة القوانين المتعلقة بـ”الاجهاض”.

أصدرت هذه اللجنة بعد شهرين من تشكيلها توصيات لتعديل القانون الجنائي في ما يخص حالات وجوب سماح القانون بـ”الاجهاض”، وهي “اغتصاب أو زنا المحارم، والحالات التي تكون فيها الحامل مصابة بمرض من الأمراض المعتبرة في حكم الخلل العقلي، وحالات ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية خطيرة غير قابلة للعلاج وقت التشخيص، وعندما يشكل الحمل خطرًا على حياة الأم أو على صحتها”.

صادقت الحكومة في 2016 على مشروع القانون، وأرسلته إلى لجنة العدل والتشريع البرلمانية، لإصداره إلا أنه ظل حبيس اللجنة منذ ذاك الوقت.

النضال من أجل فرض الحق في الوقف الارادي للحمل:

يعتبر الوقف الإرادي للحمل شرطا من الشروط الأساسية لصحة جنسية وإنجابية آمنة للنساء، وهو من أكثر الحقوق التي تبقى في حقل صراع دائم مع الأنظمة الذكورية، فما أن تفرضه النساء بنضالاتهن الجبارة حتى يسعى أعداءهن للانقضاض عليه كلا أو جزءا عبر تقليصه.

إن الهجوم على هذا الحق وتجريمه يمد جذوره في تاريخ السيطرة على أجساد النساء وإنسانيتهن وحقوقهن الإنجابية واعتبار أجسادهن وأرحامهن ملكية خاصة للعائلة وملكية عامة للمجتمع والدولة.

تُحمل المجتمعات والأنظمة الذكورية النساء بشكل قسري مسؤولية الحمل والانجاب أو تفرض عليهن في حالات أخرى سياسات تحديد النسل والتعقيم الإجباري، فانتُزِعت إثر ذلك حرية الاختيار من يد النساء حول مصيرهن وأصبحن مجبرات إما على قبول حمل غير مرغوب فيه أو التخلي عن حقهن الانجابي.

إن الوقف الارادي للحمل حق خالص للنساء، من منطلق حقهن في التصرف في أجسادهن بكل حرية ويعتبر ضمانا لحقهن في الحياة والصحة والسلامة الجسدية والنفسية والاجتماعية، يجب أن يكفل القانون هذا الحق دون قيد أو شرط باعتباره من الحقوق الأساسية للنساء، ويجب تنظيمه ضمن منظومة صحية عمومية تكفل لكل النساء حق الولوج والاستفادة من رعاية طبية عمومية جيدة ومجانية.

ينبغي أن نواصل نحن النساء، وكل تنظيمات النضال في بلدنا، معركة هدم كل البنى الرجعية المتكلسة الراعية للتحكم في أجسادنا وقراراتنا، بنى ثقافية وقانونية تديم الدونية والتمييز والعنف ضدنا عبر المطالبة الآنية بما يلي:

* إلغاء كل القوانين المجرِّمة للوقف الإرادي للحمل.

* إدراج الوقف الإرادي للحمل في قائمة خدمات الرعاية الصحية الأساسية.

* توفير المعدات والأدوية اللازمة للوقف الإرادي الحمل بالمجان في كل المستشفيات والمستوصفات العمومية عبر ربوع البلد.

* توفير أطقم طبية كافية.

* توفير متابعة نفسية من طرف أخصائيين خلال العمليات.

بقلم: أ.م

——–

* الوقف الإرادي للحمل: إنهاء الحمل لأسباب غير طبية بناء على قرار الحامل، يندرج ضمن حق المرأة في التصرف في جسدها واختيار ما إذا كانت تريد أن تصبح أما أم لا.

شارك المقالة

اقرأ أيضا