الانهيار بعد الارتفاع: الاقتصاد العالمي اليوم

بلا حدود20 ديسمبر، 2022

مقابلة مع ميكائيل روبرتس Michael Roberts

يواجه الاقتصاد العالمي أزمة ركود تضخمي غير مسبوقة منذ سنوات 1970. تشهد الأنظمة الاقتصادية القومية تباطؤا أو حالة ركود، وترفع المصارف المركزية معدلات الفائدة في محاولة للتحكم بالتضخم، وتتحمل الطبقة العاملة والشعوب المُضطهَدة مرة أخرى وطأة الأزمة وحلولها المزعومة.  يطرح آشلي سميث، رئيس تحرير مجلة Spectre ، أسئلة على ميكائيل روبرتس حول الانهيار العالمي، وتفسيراته الرسمية منها والماركسية، وما يلزم أن يطالب به اليسار ويدافع عنه اليوم.

آشلي سميث: تعرض كبرى وسائل الإعلام مقالات حول التضخم والركود الاقتصادي وخطر انحسار عالمي. ما هي حالة الاقتصاد العالمي، من البلدان الرأسمالية المتقدمة إلى البلدان النامية أو المتخلفة؟

ميكائيل روبرتس: تشهد الاقتصادات الكبرى تباطؤاً سريعاً بعد طفرة الانتعاش في عام 2021. وتتجه الآن إلى انهيار جديد في عام 2023، بسبب ميل المردودية إلى الانخفاض (هوامش الربح المذهلة لعام 2021 في حالة انهيار متسارع). سيؤدي ذلك إلى تباطؤ نمو حجم الاستثمارات. تظل حالات الاختناق في سلسلة التوريد العالمية في الآن ذاته أشد مما كانت قبل الجائحة. يعني هذا أن التضخم الذي ارتفع عام 2020 وتسارعت حدته بسبب غزو روسيا لأوكرانيا، وما فرضته الدول الغربية من عقوبات، لن يعود قبل مرور بعض الوقت إلى مستويات قريبة من مستويات ما قبل جائحة كوفيد، وحتى لن يصلها بأي وجه.

والواقع أن البنوك المركزية، في محاولة تحكمها بالتضخم المرتفع عن طريق رفع معدلات الفائدة وتقليص الكتلة النقدية، إنما تؤدي إلى انهيار أثمان العقار، وارتفاع تكاليف خدمة ديون المقاولات والقطاع العام، وبالتالي انهيار حجم الاستثمارات. يسبب الدولار القوي تفشي هذه الأضرار الجانبية في سائر العالم، وخاصة في الاقتصادات الفقيرة والمتخلفة لما يسمى بلدان الجنوب، التي باتت تواجه ارتفاع كلفة الدين بالدولار، وانخفاض المداخيل، وانهيار قيمة العملات.

كتب آدم توز Adam Tooze مؤخرا مقالا في صحيفة نيويورك تايمز واصفاً بصورة واضحة جدا أزمة الرأسمالية العالمية. ما سبب الركود التضخمي حالياً؟ هل هو مجرد عاقبة جائحة كوفيد والاخلال بنظام سلاسل التوريد أم أنه أعمق من ذلك؟

يكتسي هذا السؤال أهمية بالغة. لا تكفي معرفة كيف تطورت أزمة الإنتاج الرأسمالي، ولكن لماذا تطورت خاصة. وإلا فلن نتمكن من توقع ما سيحدث وما إنما كانت معالم أزمة أخرى تلوح في الأفق. لا تستطيع الرأسمالية كنمط إنتاج تطوير القوى المنتجة اللازمة لتلبية حاجات ملايير البشر على هذا الكوكب، ولكنها تبدأ أيضا على نحو تراكمي بتدمير النظام البيئي في الكوكب بالذات.

يشهد تنامي حجم الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والخدمات العامة والسلع والخدمات الأساسية تباطؤاً منذ عقود. وفي الواقع، أصبحت الاقتصادات الكبرى منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، غارقة في ما أسميته الكساد طويل الأمد، والمتسم بضعف نمو حجم الاستثمار والإنتاجية وركود أجور معظم السكان الفعلية. ولم يستفد سوى أصحاب الثراء الفاحش (للغاية) من طفرات المضاربة في الأصول المالية والعقار، والتي حلت محل الاستثمارات المنتجة.

مع ذلك، تشهد هذه الفقاعات انفجاراً الآن. أدى تباطؤ النشاط خلال الجائحة إلى الحاق أضرار دائمة بالاقتصادات الكبرى، إذ أصبح ميل النمو منذ جائحة كوفيد أضعف مما كان قبلها، في حين شهد العقد السابق للجائحة نموا أبطأ من الذي عرفته الحقبة التي سبقت الأزمة المالية. هناك ما يسميه الاقتصاديون حالة هستيريا في الاقتصادات الكبرى، أو بالأحرى إن شئتم، جائحة كوفيد اقتصادية طويلة الأمد.

يتلاشى انتعاش عام 2021 الاقتصادي قصير الأمد بسرعة، وتنهار الاقتصادات مرة أخرى، وهذا ما كان سيحدث في عام 2020 لو لم تكن الجائحة تفشت. لكن الانتعاش هذه المرة كان مرافق تسارع نسبة التضخم بمستويات لا مثيل لها بأي وجه منذ 40 عاما. وبالتالي، فإن انخفاضا شديدا وحسب هو ما سيتيح تباطؤ معدلات التضخم وتخفيضها. يبدو أن البنوك المركزية عازمة  على تحقيق ذلك، على تطبيق علاج بالصدمة، استنادا إلى نهج سياسة نقدية صارمة ذات طابع تقييدي.

ما هو التفسير الماركسي بوجه التحديد، للتضخم عموما والتضخم حالياً، وكيف يختلف عن غيره من التفسيرات؟

تدور التفسيرات الاقتصادية السائدة حول محورين. يتمثل المحور الأول في وجود أموال هائلة تطارد السلع النادرة للغاية. وعلى حد تعبير عالم الاقتصاد في النظرية النقدية ميلتون فريدمان: “يشكل التضخم دوماً ظاهرة نقدية”. ويتجلى المحور الثاني في أن ارتفاع نسبة التضخم ناجم عن ارتفاع التكاليف، وخاصة عندما تضيق أسواق العمل [ندرة في اليد العاملة-المترجم]، بحيث بوسع الطبقة العاملة فرض زيادات في الأجور، وبالتالي بروز دوامة الأسعار والأجور. هذا هو التفسير الكينزي. تلقي النظرية النقدية باللوم على النقد والبنوك المركزية، وتدين النظرية الكينزية الطبقة العاملة. النظريتان خاطئتان نظريا وتجريبيا.

أثناء حقبة سنوات 1990 إلى 2019، كانت معدلات التضخم منخفضة للغاية وحتى تقلصت في حين أن الكتلة النقدية والدين كانا قيد الانفجار. يعمل هذا تجريبيا على دحض النظرية النقدية. لا يعود ارتفاع معدل التضخم على مدى العامين الماضيين إلى زيادة الكتلة النقدية؛ بل إن الكتلة النقدية تتناقص عكس ذلك. ترتكب النظرية النقدية خطأ نظريا أساسيا في افتراض أن النقد يحدد الأسعار، في حين أن العكس هو الصحيح.

كما أن نظرية كلفة الأجور غير صحيحة تجريبيا. في سنوات 1970، ارتفع معدل البطالة الجماهيرية وفقدت الطبقة العاملة قوتها على التفاوض، لكن التضخم ارتفع ارتفاعا حادا. حدث تزوير ما يسمى بمنحنى فيليبس، الذي كان من المفروض أن يعكس علاقة بين انخفاض معدل البطالة وارتفاع معدل التضخم. وينطبق الشيء نفسه اليوم على ذلك. شهدت اقتصادات عديدة معدل بطالة منخفض للغاية (بالأقل رسميا)، لكن معدل التضخم كان منخفضا جدا أيضا، حتى انعطاف انتشار الجائحة. وفي الواقع سارعت البنوك المركزية إلى رفع معدلات التضخم انسجاماً مع أهدافها.

ما التفسير الماركسي للتضخم إذا؟ علينا بادئ ذي بدء، تحليل ما يحدث لقيمة السلعة. يتكون سعر منتوج أو خدمة من كلفة استخدام الآلات والمواد الأولية (ما أسماه ماركس الرأسمال الثابت) وخلق قيمة جديدة من خلال العمل في الإنتاج. يكرس الرأسماليون جهودهم لتراكم الرأسمال (الربح)، وبناء عليه كانوا يسعون باستمرار إلى تقليص كلفة العمل (الأجر) من خلال إدخال تكنولوجيا تروم تقليل كمية عمل البشر.

لكن ينزعون أثناء قيامهم بذلك إلى تقليص الزيادة في القيمة الجديدة بالنسبة إلى السعر الإجمالي لسلعة. وبالتالي، على هذا النحو يميل تضخم الأسعار إلى التباطؤ بمرور الوقت. لكن ثمة  عوامل أخرى قائمة أيضا. أولا، يمكن أن ترتفع أسعار المواد الأولية بسرعة (وهذا ما يحدث حالياً). ثانيا، يمكن للسلطات النقدية تغيير الكتلة النقدية في الاقتصاد. يمكن لهذا الأخيرة إبطال ميل نمو القيم الجديدة إلى التباطؤ من خلال تحقيق معدلات تضخم منخفضة للغاية وزيادة سعر صرف النقد.

وهذا يعني أن نمو القيمة الجديدة سيتباطأ حتى يصبح صفرا أو سلبيا، إذا شهدت الاقتصادات تباطؤا: هذا هو الانكماش الاقتصادي. إذا واصلت السلطات النقدية أيضا إيقاف تدفق الأموال، ستصبح معدلات التضخم صفراً. حسناً سنرى.

في تفسيرك للأزمة الحالية، تؤكد أنها عاقبة أزمة مردودية كامنة، وانخفاض في معدل الربح، ما يؤدي إلى انخفاض حجم الاستثمارات في الاقتصاد الفعلي. قد يؤدي ذلك أحياناً إلى ارباك الناس، الذين يشيرون إلى أن المنشآت الكبيرة تملك مبالغ مالية ضخمة. ويدعي آخرون أنها ناجمة عن التلاعب بزيادات مفرطة في الأسعار التي تؤدي إلى تضخم أرباح المنشآت. ما هو الفرق وما هي العلاقة الحالية بين المردودية والأرباح الضخمة والتلاعب بزيادات مفرطة في الأسعار؟

حققت المنشآت الكبيرة جدا، بوجه خاص، أرباحا ضخمة. وكان هناك ما يسميه البعض زيادات مفرطة في الأسعار من قبل المنشآت الاحتكارية، مثل منشآت الطاقة والخدمات العامة. لكن بالنسبة للأغلبية الساحقة من المنشآت، كانت التنافس شرسا في أسواقها ويعمل ارتفاع كلفة المواد الأولية والآن معدلات الفائدة على تقويض نسبة مردوديتها.

وبالتالي عندما نقرأ مقالات عما حققته من أرباح هائلة منشآت قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والإعلام، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها تشكل أقلية. يقترب متوسط معدل المردودية (كنسبة من الرأسمال المستثمَر) من أدنى مستوى له منذ 70 عاما. لم تعد تحقق نسبة 15% إلى 20٪ من المنشآت أرباحا كافية لتسديد دفوعات خدمة ديونها: يمكن تسميتها منشآت الزومبي، المنشآت الميتة الحية.

من المهم للغاية عدم افتراض أن التضخم وارتفاع الأرباح ناجمان أساسا عن التلاعب بزيادات مفرطة في الأسعار وعن مواقف احتكارية، لأن هذا قد يعني أن عملية تسقيف الأسعار وإنهاء الاحتكارات ستؤدي إلى استمرار الإنتاج الرأسمالي دون أية مشاكل ودون تضخم. قد تبدو تدابير مثل تسقيف الأسعار مفيدة مؤقتا للعمال، لكن الأزمات الرأسمالية لن تختفي، وستتواصل أزمة كلفة المعيشة.

إن المِلكية والرقابة العموميتين، ليس للاحتكارات الطبيعية وحسب، بل حتى للمنشآت الاستراتيجية الكبيرة وللمؤسسات المالية، في إطار خطة استثمار وتشغيل وتحكم بالمناخ، هي التي يمكن أن تنهي التضخم دون وقوع في الركود.

يؤكد السيد آدم توز بوجه خاص أن الزيادات غير المنسقة في أسعار معدل الفائدة تهدد العالم بخطر ركود حاد. إلى أي مدى هذا الخطر قائم، وهل يمكن تفاديه بنهج سياسة نقدية أكثر تنسيقا؟ هل هذا التنسيق حتى ممكن؟

زيادات غير منسقة؟ هل إذا كانت منسقة والحالة هذه، سيكون كل شيء على ما يرام؟ لا أعتقد ذلك. والواقع أن ارتفاع معدلات الفائدة في العالم، والذي يذكيه انخفاض أسعار السندات وتدخلات البنوك المركزية، هو بالفعل عمل منسق إلى حد ما، حيث على كل بلد أن يحذو حذو البلد الآخر أو رؤية عملته الوطنية في حالة انهيار.

لن يَحُول تنسيق السياسات النقدية دون ركود اقتصادي إذا لم يكن يعمل على ايقاف هذه الزيادات ويعكس مسارها. لم يكن لما يسمى باتفاقية بلازا عام 1985، التي تنص على تقليص قوة الدولار، إلا تأثير ضئيل في النمو الاقتصادي للاقتصادات الكبرى. ومن غير المرجح إبرام مثل هذا الاتفاقية حالياً. إذا كانت ضرورة تنسيق قائمة، يجب أن يشمل خطة استثمار شاملة، ومراقبة المناخ، والحد من الفقر. وما من فرصة لحدوث ذلك.

كيف تؤثر زيادات معدلات الفائدة في مختلف فروع اقتصاد العالم؟ ما هي تأثيراتها في البلدان الرأسمالية المتقدمة؟ وما هو تأثيرها في بلدان الجنوب، وخاصة في البلدان المثقلة بالديون؟ هل سنشهد أزمات دين سيادي ضخمة مرة أخرى؟

تعاني اقتصادات ناشئة متخلفة عديدة بالفعل من ضائقة مالية، وتتجه نحو التخلف عن سداد الدين (سريلانكا وباكستان وزامبيا). يتوقع صندوق النقد الدولي سداد مزيد من ديون كثيرة مستحقة له في العام المقبل، ما سيؤدي إلى اثقال كاهل الفقراء بمزيد من الديون وإخضاعهم لما يمليه صندوق النقد الدولي من انضباط مالي. لا يعني هذا سوى مزيد من التقشف بالنسبة لهذه البلدان. لكن من المرجح أن يؤثر هذا الوضع أيضا على الاقتصادات المتقدمة، لأن الدول تخفض حجم نفقاتها في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد وتسعى إلى تقليص تنامي مستويات الديون، الخاصة والعامة على حد سواء.

أكدت أننا في سياق كساد عالمي طويل الأمد، متسم بأشكال ركود وانتعاش ضعيف. كمن أحد أسباب ذلك في أن الدول دعمت المنشآت الكبيرة العاجزة على المنافسة، أي منشآت “الزومبي”، بمعدلات فائدة منخفضة وخطط عملية إنقاذ. في نهاية سنوات 1970، أتاحت الزيادات الحادة في معدلات الفائدة، التي قام بها بول فولكر، التحكم أخيراً بالتضخم ومهدت الطريق لازدهار نيوليبرالي طويل الأمد، لكن على حساب حالات إفلاس عديدة، وارتفاع معدل البطالة، وأزمة ديون هائلة في بلدان الجنوب. هل يمكن قيام البنوك المركزية بنفس الشيء وفتح دورة جديدة من نمو رأسمالي من خلال ما يسمى بالتدمير الخلاق؟

جرى تفادي التدمير الخلاق، أو العلاج بالصدمة على طريقة فولكر في نهاية سنوات 1970، أثناء الانهيار المالي العالمي في عام 2008. والواقع أن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي آنذاك بيرنانكي تبنى السياسة المعاكسة، وذلك عبر زيادة الكتلة النقدية وحصول القطاع الرأسمالي على الديون لإنقاذه (حصل للتو على ما يسمى بجائزة نوبل بسبب ذلك).

ثم، كانت المنشآت تحصل على ديون بمعدلات فائدة قريبة من الصفر مع مستويات تضخم منخفضة للغاية لإتاحة تطورها، ولكن تطوراً بطيئاً جداً. حل كساد طويل الأمد محل التدمير الخلاق. تم الإعلان عن ركود جديد عام 2019. من غير المرتقب اليوم تخطيط ضخ جرعات قروض في عام 2022، بل على العكس من ذلك تماما، بسبب ارتفاع معدل التضخم. تسعى البنوك المركزية إلى تطبيق علاج بالصدمة على التضخم، بدل ذلك.

يبدو أن هياكل الرأسمالية العالمية التي تطورت تحت الهيمنة الأمريكية خلال حقبة النيوليبرالية قيد التفكك. إن مشاكل سلاسل التوريد في العالم التي أبرزتها جائحة كوفيد وتصاعد التوترات الجيوسياسية، خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وكذلك روسيا، إنما تعني أن البلدان المنشآت تتخلى عن نزعة العولمة كما عرفناها. هل هذا صحيح؟ هل انحدار التجارة العالمية مؤقت، أم أن هناك نمطا ناشئا لتقسيم اقتصاد العالم إلى تكتلات منفصلة؟

ينقسم الاقتصاديون الكلاسيكيون حول مسألة ما إذا كانت العولمة جزءا من التاريخ أم لا. ويقصدون بهذا التعابير توسيع التجارة العالمية بدون تعريفات جمركية أو حصص (كوطا) وزيادة الاستثمارات المالية في العالم. لكن منذ الأزمة المالية العالمية، شهدت التجارة العالمية في قطاع السلع نموا بمعدل أبطأ من نمو الناتج الداخلي الخام (الذي كان ضعيفا جدا بالفعل)، في حين أن تدفقات الرساميل العالمية، وخاصة باتجاه الاقتصادات الناشئة، شهدت نضوباً.

يؤكد البعض بأن عولمة التجارة في قطاع الخدمات ستحل محل عولمة التجارة في قطاع السلع، على نحو يكفل استمرار العولمة على قيد الحياة. لا دليل على إمكانية أن يحل قطاع تجارة الخدمات، المتسم بحجمه الصغير، محل انحدار تجارة السلع، خاصة مع التوترات القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وارتفاع الحواجز الجمركية والعقوبات ضد روسيا وإيران، الخ.

إن فترة الاعتدال العظيم وحقبة العولمة في عداد الماضي. وهذا يعني تصاعد شدة التنافس والنزاع، ليس في التجارة والاستثمار وحسب. وكما قال ماركس، فإن الرأسماليين يتصرفون كإخوة مخلصين ضد الطبقة العاملة، ولكن كإخوة أعداء يحارب بعضهم البعض.

مع ذلك، فإن العولمة بمعنى مختلف مازالت على قيد الحياة وبصحة جيدة، أي التكتل الإمبريالي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تطبق تدابير لإضعاف أي قوة وكل بلد يعارض مصالح التكتل. يتسلح التكتل الإمبريالي ضد تنامي معارضة قوى المقاومة التي ترفض قبول السيطرة الأمريكية. لكني غير متأكد من أن هذا يستتبع وجود تكتل معارضة منسقة. يبدو أن المعارضة لا تزال مشتتة للغاية.

وفي آخر المطاف، سيكون للدول الأكثر قوة وسياسات بنوكها المركزية تأثير مدمر في صفوف الطبقة العاملة والأمم المضطهَدة. يبدو الأمر وكأنه ما شهدناه سابقاً من صراع طبقات وإمبريالية. ما الذي يجب على الحركات العمالية والأمم المضطهدة المطالبة به الآن؟ ما الذي يجب أن يدافع عنه اليسار على المديين القصير والطويل؟

يجب، على المدى القصير، النضال ضد ارتفاع تكاليف المعيشة. يجب دعم معارك النقابات، المدافعة الوحيدة عن العمال في مكان العمل. يلزم النضال لانتزاع أجر معيشي لائق وزيادات في الأجور مساوية لمعدلات التضخم حفاظاً على الأجور الفعلية بالأقل. يلزم معارضة أي زيادة في معدلات الفائدة وأي تدابير أخرى لتقليص نفقات الميزانية في مجال الخدمات والرفاه الاجتماعي و/أو أي زيادة في الضرائب بالنسبة للأغلبية.

يمكن التحكم بالتضخم وخفضه معدله إذا تحكمنا بالقطاع المصرفي وقطاعات الاقتصاد الاستراتيجية. يجب الاستعاضة عن سوق الطاقة، الخ، بنهج الدولة تخطيطا ديمقراطيا، لتلبية الحاجات الاجتماعية والاستثمار في التكنولوجيا ومناصب الشغل الملائمة.

يلزم وضع حد للحروب المدمرة التي شهدناها في القرن الحادي والعشرين في العراق وأفغانستان وأوكرانيا وأفريقيا جنوب الصحراء، وتلك التي قد تندلع في آسيا الوسطى. فهي لا تؤدي إلى خسائر في الأرواح وتدمير سبل عيش مئات ملايين الناس وحسب، ولكن أيضاً إلى تبذير هائل للموارد وتسديد ضربة مدمرة للبيئة.

وبعبارات أخرى: عدم تخفيض مستويات المعيشة؛ وعدم تقليص النفقات العامة العائدة بالنفع على الشعب؛ ولا حروب جديدة، ودفاعا عن اقتصاد عالمي مخطط، وملكية عامة في إطار رقابة ديمقراطية من قبل مؤسسات الشعب وليس من قبل أصحاب الملايير الجشعين والسوق الرأسمالية.

اجرى المقابلة: آشلي سميث  ASHLEY SMITH

28/10/2022

ترجمة المناضل-ة

الرابط الأصلي

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا