في بريطانيا، الحركة الاجتماعية لم تلق سلاحها

بلا حدود6 أبريل، 2023

تييري لابيكا 22 مارس، 2023

استمرت حركة الإضراب من أجل زيادة الأجور المنطلقة في يونيو 2022 في بريطانيا وتوسعت في الأشهر الأخيرة، مستهدفة على نحو مباشر خيارات ميزانية الدولة.

***

تظل الأزمة التضخمية المشكلة المركزية: كان التضخم لا يزال عند 10.7 في المئة في ديسمبر (بانخفاض طفيف من 11.1 بالمائة)، وعند 14 في المئة – بانخفاض بنسبة 0.2 في المئة – إذا أخذنا بالحسبان تقلبات معدلات القروض العقارية. ومع ذلك، هناك عاملان غيرا سياق النضالات والمطالب الجارية: الدخول في حالة ركود وإعلانات الميزانية التي أدلى بها وزير المالية جيريمي هانت في منتصف نوفمبر.

الدخول في حالة ركود

بعد مرحلة انكماش كبيرة في الربع الثالث من عام 2022 (-0.2٪ بين يوليوز وسبتمبر، و -0.6٪ في سبتمبر)، دخل الاقتصاد البريطاني في حالة ركود في الربع الأخير من العام الماضي. وهذا التطور، المتوقع منذ أيار/مايو، هو نتيجة مباشرة لانخفاض استهلاك الأسر (التضخم وارتفاع أسعار الفائدة) الذي يطال قطاع السلع المصنعة على وجه الخصوص. تراجع الاقتصاد البريطاني الآن بنسبة 0.4 في المئة عن مستواه في عام 2019.

أكيد أن الصعوبات الاقتصادية لا تقتصر على بريطانيا، التي لا يزال وضعها فريدا. إنها الدولة الوحيدة في مجموعة السبع الكبار G7 التي شهدت انخفاض اقتصادها في الربع الثالث بينما نمت اقتصاديات ألمانيا أو فرنسا أو إيطاليا بنسبة 0.2 أو 0.5 في المئة خلال نفس الفترة. وهي الآن أول دولة تدخل حالة الركود. وإذا ارتسم هذا الاحتمال نفسه بمكان آخر، فإنه ربما أكثر استدامة في بريطانيا: قد يبلغ عامين، وفقا لبنك إنجلترا، وهي أطول مرحلة ركود تشهدها بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية. يُحتمل حدوث ارتفاع كبير في البطالة، على خلفية استمرار ارتفاع التضخم، وإن كان يتراجع (حوالي 7 في المئة).

تقشف متجدد دوما

تزامنت إعلانات الميزانية الصادرة في 17 نوفمبر مع نقطة التحول هذه في اقتصاد بريطانيا. ربما بدا أنها تقدم بداية إجابة بشأن بعض النقاط. نذكر خاصة الربط المتوقع لمداخيل الحد الأدنى بالتضخم اعتبارا من أبريل 2023، وزيادة قدرها 2.3 مليار في ميزانية التعليم، و3.3 مليار للخدمة الصحية الوطنية (سنويا، على مدى العامين المقبلين). وفي المقابل، حدد وزير المالية أهداف أداء فعال ومكافحة التبذير و”أوجه القصور” الأخرى.

غير أن كثيرين لاحظوا أن ربط الحدود الأدنى للمداخيل أتت متأخرة جدا نظرا لخطورة الحالة بالنسبة لملايين الأسر. للتذكير: يعيش 14.5 مليون بريطاني تحت خط الفقر. بين 2008-2009 و2020-2021، زاد عدد مستخدمي بنوك الإطعام (بما في ذلك أجراء) من 26000 إلى 2.56 مليون. يوجد حاليا أكثر من 2500 بنك إطعام في بريطانيا ويعاني قرابة 10 ملايين بالغ (9.7 مليون) من انعدام الأمن الغذائي اعتبارا من سبتمبر 2022 (أي 18.4 في المئة من الأسر البريطانية). ويعيش أطفال ال 20 في المئة من أسر “العمال الأساسيين” (أي من لا يمكن الاستغناء عنهم على سبيل المثال، الشغيلة الصحية (م)، الذين جرى التصفيق لهم كثيرا من النوافذ، تحت خط الفقر. كان زهاء مليون طفل (لفئة “العمال الرئيسيين” هذه وحدها) معنيين في عام 2022، أي زيادة 65000 طفل عما كان عليه الوضع عشية الوباء.

يلاحظ أيضا كون “الزيادة” في ميزانية المرحلة الثانوية لا يتعدى إعادة الإنفاق عن كل طالب إلى مستواه في عام 2010 (بعد انخفاض بنسبة 9 في المئة خلال العقد 2010-2020)، ما يعني أن الزيادة بالتالي هي دون نمو صاف في ميزانية المدرسة منذ ما يقرب من أربعة عشر عاما. ولكن في الواقع، لا يزال هذا المبلغ البالغ 4.6 مليار على مدى عامين أقل من توقعات الضغوط التضخمية، وستظل موارد المدارس في الواقع أقل من مستواها في عام 2015، ومن المقرر أن يتم تخفيض العديد من الأنشطة أو إلغاؤها.

وبالمثل، فإن الزيادة المخصصة لهيئة الصحة العمومية تعوض عن الزيادة التضخمية، ولكن بالكاد تبلغ نصف ما تحتاجه الهيئة للخروج من أزمتها العميقة: أكثر من 133,000 منصب شغل بدوام كامل شاغرة في هيئة الصحة العمومية في بريطانيا. بالنسبة لهذه الأخيرة، يوجد أكثر من 7 ملايين شخص على لوائح انتظار الهيئة لتلقي العلاج. زاد، بين نوفمبر وأوائل يناير 2023، عدد المرضى المضطرين للانتظار أكثر من اثنتي عشرة ساعة لدخول قسم الطوارئ بنسبة 355 بالمائة ويموت قرابة 500 مريض كل أسبوع بسبب طول آجال دخول غرف الطوارئ.

نزع الضبط والقمع

ومع ذلك، تظل أولوية الحكومة هي ضمان “المالية العمومية التي تتوقعها الأسواق” عبر ملء ما يعتبره الحزب الحاكم “الثقب الأسود الضريبي” – 54 مليار جنيه إسترليني – والذي يجب بالتالي “سده” بواسطة 24 مليار من الزيادات الضريبية و30 مليار من تخفيضات الميزانية. وبعبارة أخرى، فإن إعلانات الإنفاق الإضافي الضئيلة لا تخفي أو تخفف المرحلة الجديدة من عنف التقشف الذي اختارته الحكومة.

ويرافق هذه الاستراتيجية عنصران. من ناحية، مع وصول مشروع قانون الاتحاد الأوروبي (الإلغاء والإصلاح) إلى البرلمان في سبتمبر، تخطط الحكومة لإزالة جميع الشبكة التشريعية والتنظيمية الموروثة من فترة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (بحلول 31 ديسمبر 2023)، والتي ساهمت، في السياق البريطاني، في تشكيل مجموعة من المعايير وأشكال الحماية لقانون العمل، والمستهلكين والبيئة. علاوة على ذلك، يمكن القيام بهذا الإلغاء الشامل دون أي سيرورة برلمانية، وعن طريق إنكار صريح للحقوق التي يفترض أنها مخولة لبرلمانات الحكم الذاتي في اسكتلندا وويلز.

ومن ناحية أخرى، تواصل الحكومة تشديد النظام الأمني لقمع الحركات الاجتماعية والنقابية. إن مشروع قانون النظام العام، الذي جرى تقديمه في البرلمان في نوفمبر الماضي، هو أحدث تطور متشدد بموجب قوانين سنة 2020 بموجب قانون حصانة “شرطة التجسس” وقانون 2022 بشأن توسيع سلطات الشرطة، الذي يمثل تراجعا في الحريات المدنية، بدءا من الحق البسيط في الاحتجاج: في ظل نظام الجريمة، وقانون الشرطة والحكم والمحاكم لعام 2022، يمكن معاقبة تفكيك تمثال الرقيق بصورة مضاعفة (تصل إلى عشر سنوات) مثل الاغتصاب (خمس سنوات) …

خطأ، من؟

ربما يكون مغريا نسب المسؤولية عن هذه الكوارث إلى بوريس جونسون، أو ليز (تروس) (رئيسا وزراء سابقين)، أو، كما هو متوقع، إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما يبدو ذلك مسلما به من قبل العديد من التعليقات الجارية.

لم تبدأ الميول الأخيرة مع جونسون أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بل هي جزء من فترات زمنية أطول تتطلب منا العودة إلى الرد التقشفي على أزمة عام 2008، وبشكل أعم، إلى الظروف السياسية الموجودة في أصل سوق العمل منخفض الأجور للغاية، وغير المنظم للغاية، ومجتمع بريطاني معاصر متسم بتقاطبات رأس المال-العمل، الأغنياء والفقراء وكذلك، الشمال والجنوب، الأقوى من أي مكان آخر في أوروبا.

بينما يطرح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي اليوم مشاكل حقيقية للغاية، إلا أنه لا يمكن استخدامه بأي حال من الأحوال لإخفاء التفاقم المتسارع لهذه التقاطبات على مدى العامين الماضيين. وعلى سبيل المثال لا الحصر: أرباح الشركات المدرجة في مؤشر FTSE 350 في بورصة لندن التي تزيد بنسبة 73 في المئة عن مستواها قبل الأزمة الصحية؛ وزيادة بنسبة 29 في المئة في دخل نخبة الباطرونا بين عامي 2020 و2021؛ وزيادة بنسبة 22 في المئة في متوسط في ثروات المليارديرات المقيمين في بريطانيا خلال نفس الفترة، أو 170 مليار جنيه إسترليني من الأرباح “الفائضة” المتوقعة لصالح شركات الطاقة الكبيرة على مدى العامين المقبلين (…)

أبرزت أبحاث جديدة، ضد “القاعدة” التي فرضتها حكومة سوناك ( رئيس الوزراء الحالي)، أنه سواء حدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أم لا، فإن الإصلاحات البسيطة على ضريبة أرباح رأس المال و/ أو الدخول المرتفعة من شأنها أن تبدد وهم “الثقب الأسود”: مجرد ضريبة سنوية بنسبة 1 في المئة على الثروات التي تزيد عن 500 ألف جنيه إسترليني على مدى خمس سنوات ستجلب 260 مليار جنيه إسترليني.

لم تعد النضالات موجهة ضد أرباب العمل، بل أيضا وبشكل مباشر ضد خيارات الميزانية للدولة. يبقى أن نرى ما إذا كانت رغبات التقارب الضروري ستتحقق في نهاية المطاف، ليس فقط ضد سياسة الحكومة، ولكن أيضا ضد الكابحين المتمثلان في قيادة TUC (الكونفدرالية النقابية البريطانية) وقيادة حزب العمال اليمينية المشغولة تماما بإدارة مكانتها باستطلاعات الرأي منذ التقهقر قصير العمر لليز تروس. إن هذه العقبات الكبيرة هي أيضا فرصة للابتعاد، أو حتى للتحرر من هذه الوصاية التاريخية.

ترجمة المناضل-ة 

شارك المقالة

اقرأ أيضا