نتائج مؤتمر جامعة موظفي الجماعات إ.م.ش في مقابلة مع مُناضل بالجامعة

جرى تنظيم مؤتمر الجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، يوم 25 فبراير 2023. تابع أشغال المؤتمر 570 مؤتمرا، منهم 60 مؤتمرة، من 10 جهات بالمغرب، تمثل أكثر من 50 إقليما، وتم انتخاب ربع المؤتمرين/ات أعضاء في اللجنة الإدارية من 139 عضو/ة.
وعقدت اللجنة الإدارية للجامعة يوم 8 أبريل 2023 اجتماعا أشرف عليه أعضاء من الامانة الوطنية للاتحاد (نور الدين سليك ،سعيد خير الله وأحمد بهنيس) أفضى إلى تشكيل قيادة جديدة.
انعقد هذا المؤتمر في سياق مطبوع بتصعيد الهجوم البرجوازي على الشغيلة، على جبهات متعددة متنوعة، وبحالة تراجع عام للحركة النقابية وللنضال الاجتماعي إجمالا. ويمثل شغيلة هذا القطاع إحدى فيالق الطبقة العاملة المغربية الأهم كميا ونوعيا، والتجربة النضالية لهذه الجامعة إحدى نقاط الضوء في المشهد النقابي المتأزم. لتوضيح مجريات هذا المؤتمر أجرت جريدة المناضل-ة المقابلة التالية مع مناضل بالقطاع، نتمنى أن تكون إسهاما، تعقبه آراء أخرى، يحفز النقاش الرفاقي بما يخدم مستقبل النضال العمالي.

**

س: ركز ما يُتداول حتى الآن عن مؤتمر الجامعة على الجانب التقني من المؤتمر، وبالخصوص على تشكيل الجهاز القيادي، وهو يولد انطباعا أن أطرافا يسارية تعاونت مع الأمانة الوطنية لنزع قيادة الجامعة من رفاق النهج الديمقراطي العمالي… ما حقيقة ذلك؟ وبماذا يبرر يساريون تحالفا مع البيروقراطية ضد يساريين؟
ج: تحية لطاقم جريدة المناضل-ة- ولقرائها الكرام
في الحقيقة أجد صعوبة كبيرة في وصف الطرف المتعاون مع الأمانة الوطنية لإجهاض وجود المناضلين الكفاحيين في الأجهزة الوطنية لجامعة الجماعات طرفا يساريا، لكن رغم ذلك يمكن القول أن الطرف المعني كان محسوبا على جزء من «البرنامج المرحلي» بجامعة محمد الأول بوجدة في فترة الجامعة، ولا أعتقد أننا يمكن أن نسمي هذا الطرف مجموعة أو تيارا أو طرفا يساريا، لأنه لا ينطلق من منظور عمالي أو حتى اشتراكي ديموقراطي في ممارسته للعمل النقابي، فهذا المنظور يتطلب من بين ما يتطلبه أن يحدد الاصطفافات داخل الحركة النقابية بدقة، ويميز بين خصم الطبقة العاملة وصديقها، وهذا الطرف تحالف مع التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية، (قد أعود للحديث بتفصيل في مناسبة لاحقة عن تشكيلة المكتب الجامعي حسب الانتماء الحزبي لكل عضو بما في ذلك رؤساء جماعات ونواب رؤساء وجدوا أنفسهم أعضاءً في المكتب الوطني لنقابة عمالية بالأساس).
كما أنه خطط مع أردءِ العناصر داخل بيروقراطية الاتحاد (سليك وبهنيس) لذبح الوجود التنظيمي لعشرات المناضلين النشيطين بقطاع الجماعات، والمعروفين بمشاربهم اليسارية المختلفة بدءا من النهج الديموقراطي العمالي والفيدرالية والاشتراكي الموحد والعديد من الأفراد المحسوبين على جسم اليسار الماركسي بشكل عام دون أن يكون لهم ارتباط تنظيمي مع هذا الحزب أو ذاك (وهم الأغلبية)… كلهم وجدوا أنفسهم خارج قيادة الجامعة الوطنية رغم أنهم يشكلون العصب الأساسي في دينامية الجامعة بالأقاليم والجهات.
لذلك أعتقد أن جوهر الصراع داخل نقابة الجماعات لم يكن فقط التخلص من الإزعاج الذي يخلقه وجود قيادة محسوبة على النهج الديمقراطي العمالي على رأس تنظيم يواجه بشكل مباشر وزارة الداخلية بمطالب صعبة، ويضع على طاولتها ملفات حارقة (الإنعاش الوطني، التدبير المفوض، تجميد التوظيف، تفويت اغلب خدمات الجماعات للخواص…) بل الهدف أيضا هو تفكيك كل التراكمات الديموقراطية داخل تنظيم الجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات، لأنها كانت تشكل حالة معزولة وسط مركزية تشتغل بمنطق تنفيذ التعليمات لا بمنطق التجاوب مع تطلعات القواعد المناضلة وتفعيل الأجهزة التقريرية (المجلس الوطني واللجنة الإدارية والتنظيمات القاعدية…).
وعلى هذا الأساس، أعتبر بأن الصراع في جوهره بنقابة الجماعات لم يكن صراعا بين طرف يساري وآخر يساري، بل بين بيروقراطية غارقة في التواطؤ مع وزارة الداخلية والدولة، مستعينة بالطرف الذي يدعي الانتساب «لليسار» من أجل مواجهة مناضلين يساريين منهم محسوبين على النهج الديمقراطي العمالي، وأغلبهم مناضلون جذريون يجتمعون حول خيار النضال النقابي الكفاحي والديمقراطي قادمين من تجارب طلابية وسياسية مختلفة كما أشرت سابقا.
أما مصير هذا الطرف الذي تم استعماله من طرف بيروقراطية المركزية، فسيكون أسوء مما يتوقعه، لأنه لن يملك من خيار آخر غير الخضوع الكامل لتعليمات الأمانة الوطنية والاندماج الكلي في مسار التعاون الطبقي مع أعداء الطبقة العاملة بعد أن خذل كل مكونات اليسار، واختار أن يكون اليد التي تخرب آمال المناضلين والمناضلات في صون وتعزيز خيار العمل النقابي الديموقراطي والكفاحي بالقطاع، وحتى إن أراد أن يسلك لنفسه مسارا آخر منتصر لتطلعات الشغيلة الجماعية، فسيتطلب الأمر منه مراجعة جذرية في علاقاته وتحالفاته داخل الجامعة، ونقدا ذاتيا جديا لمسلسل طويل من التخاذل والتآمر، وهو الأمر الذي أستبعده كليا انطلاقا من تجارب سابقة لهذا الطرف.

س: ألم يكن هناك نقاش حول الجوهر، أي قضايا النضال وليس فقط تشكيل الجهاز؟
ج: كانت الجامعة تعرف نقاشات قوية بين مناضليها خاصة بعد عودة «التوجه الديمقراطي» للعمل وسط الاتحاد المغربي للشغل بداية سنة 2015، وقد ظل نقاش آفاق العمل داخل المركزية حاضرا في العديد من المناسبات بين عدد لا يستهان به من المناضلين والمناضلات، خاصة الذي عاشوا تجربة «التوجه الديمقراطي»، حيث عرفت الجامعة تنظيم العديد من الندوات الحضورية وعن بعد حول قضايا تهم القطاع، وعلى هامشها كانت تجري نقاشات مهمة حول مستقبل العمل النقابي بالجماعات وداخل المركزية ككل، وعادة ما كان يتجنب الطرف الآخر- الذي خطط مع قيادة المركزية لنسف جهود المناضلين والمناضلات- أي نقاش في هذا الاتجاه، بل ورفض أي آلية من آليات تعزيز تنظيم هذا النقاش وتطويره لعله يؤسس لمنظور جماعي للعمل النقابي بالجماعات على الأقل، وكان الهاجس الدائم لهذا الطرف هو نقاش الأجهزة، حتى أن المؤتمر القبلي الذي نظمته الجامعة سنة 2020 وترأسه الكاتب الوطني السابق للجامعة الفقيد «سعيد الشاوي» رغم عراقيل بيروقراطية المركزية، رفض هذا الطرف المشاركة فيه تحت ذريعة المطالبة بمنح عدد أكبر من المؤتمرين لجهة الشرق عن باقي الجهات.
ومنذ رحيل الكاتب الوطني للجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية الفقيد سعيد الشاوي، ظل النقاش مع هذا الطرف محصورا في الجانب التنظيمي لا غير، وكل محاولة لمناقشة القضايا الأخرى معه كان يتهرب منها، مع سعي متواصل لخلق المزيد من الهوة بينه وبين المناضلين اليساريين مقابل تعزيز العلاقة والتنسيق والتواصل الدائم مع عناصر لا تربطها بالنقابة سوى مصالحها وامتيازاتها، ومع الأمانة الوطنية التي فرضت لأكثر من مرة تأجيل المؤتمر، وسعت بكل قوة إلى جعل هذه المحطة لحظة انقلاب على كل المسار الذي سعى المناضلون إلى بنائه وتطويره طيلة سنوات.

س: ماذا سيكون في نظرك تأثير ما جرى على مستقبل هذه الجامعة المهمة؟
ج: أعتقد أن إزاحة « التوجه الديمقراطي» بشكل كامل من قيادة الجامعة الوطنية للجماعات لم يكن اختيارا خاصا ببيروقراطية المركزية، بل كان لوزارة الداخلية أيضا دخل في الموضوع من خلال توجيهها لأكثر من إشارة وفي أكثر من مناسبة لقيادة المركزية بأن نقابة الجماعات تسير عكس تيار الأمانة الوطنية التي تدخلت في قطاعي التعليم والصحة للتوقيع على اتفاقات فارغة، والموافقة على مشاريع الأنظمة الأساسية المدمرة لمكاسب هذه القطاعات، وهو الأمر الذي جعلها تسعى بكل قوة إلى التحكم في زمام الإعداد للمؤتمر منذ وفاة الكاتب الوطني للجامعة، وكم من مرة صرحت الأمانة الوطنية بأنها لا تريد افتعال مشاكل مع وزارة الداخلية، بل وأثناء تعبير المجلس الوطني للجامعة عن موقفه الرافض للتوقيع على محضر اتفاق فارغ مع وزارة الداخلية سنة ، 2019 ، صرح أحد أعضاء الأمانة الوطنية وهو نائب الكاتب الوطني الحالي للجامعة ورئيس مقاطعة «المعاريف» بالدار البيضاء بأنه لو كان كاتبا وطنيا لوقع على الاتفاق دون العودة للمكتب الوطني والمجلس الوطني.
لذلك أعتقد أن مستقبل الجامعة والعمل النقابي داخل قطاع الجماعات بشكل عام، مرهون بقدرة كل المناضلين اليساريين والديموقراطيين على استرجاع الأنفاس، ونفض غبار الإحباط العام الذي خلفه المؤتمر وبعده تشكيل المكتب الجامعي، خاصة وأنه من المتوقع أن تسعى بيروقراطية المركزية والمكتب الوطني للجماعات بشكله الراهن إلى عزل المناضلين الديمقراطيين حتى داخل الأجهزة الاقليمية والجهوية التي ينشطون فيها، طبعا إن لم يستجمعو قواهم ويوحدو جهودهم على قاعدة تحفيز الشغيلة الجماعية للتصدي للمخططات القادمة وفي مقدمتها «النظام الأساسي للموارد البشرية بالجماعات» كما سمته وزارة الداخلية، والذي يوجد في مراحله النهائية قبل إخراجه، حيث يعتبر أسوأ نظام أساسي مقارنة مع كل الأنظمة الأساسية التي تم إخراجها لحد الآن بباقي القطاعات، ويكفي أن أشير إلى أنه يؤسس للتشغيل بالتعاقد في الجماعات، ولا يتضمن سوى 18 مادة كلها إحالات على نصوص وقرارات تنظيمية سيصدرها وزير الداخلية لاحقا.
في كل الأحوال أظن أننا ،من جانب آخر، نجني تبعات الأخطاء التي ارتكبتها «قيادة التوجه الديمقراطي» سنة 2014 بفرضها العودة للمركزية كقطاعات دون الخوض في نقاش عميق حول سؤال ماذا بعد العودة، حيث تعاملت بيروقراطية الاتحاد بذكاء مع أحد أهم عوامل قوة التوجه الديمقراطي آنذاك، وهي وجود ثلاث تنظيمات وطنية تشتغل في قطاعات واسعة من حيث بنيتها البشرية وانتشارها الجغرافي (الجماعات، الفلاحة، التعليم،) ناهيك عن الاتحاد النقابي للموظفين والعديد من الاتحادات المحلية والإقليمية، حيث تم تفكيك وحدة هذه القطاعات وأصبح كل قطاع عاجزا لوحده عن فرض قرارات أو اختيارات داخل المركزية، وهو الأمر الذي سهل كذلك من عملية اختراق كل قطاع على حدة. وأظن أن البيروقراطية ستتصرف أيضا إزاء مؤتمر القطاع الفلاحي المقبل بنفس الآلية، وستجد له أكثر من منفذ لإضعاف وجود اليسار داخل قيادته بما في ذلك النهج الديمقراطي العمالي الذي يعيش على وقع إشكالية «غياب الخلف» للعناصر القيادية التي كانت تشكل رموزا لبناء هذه الجامعة.

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا