حادثة احتراق مصنع روزامور: كارثة اختنق واحترق فيها عشرات العاملات والعمال حتى الموت والتفحم..

بقلم:  حي بن يقظان

يصادف يوم السادس والعشرين (26) من شهر أبريل/نيسان من العام 2023 الذكرى الخامسة عشرة (15) لـ«محرقة روزامور» (حادثة احتراق مصنع روزامور وبداخله ما يزيد عن 100 عامل-ة-) المقترفة من طرف طبقة برجوازية المغرب والدولة في حق طبقة عاملاته وعماله يوم السبت 26 أبريل 2008.

ألف- بداية الحريق: رغم التضارب حول سببه المباشر، انعدام شروط السلامة والصحة المهنيتين السبب الأساس لاندلاعه وتعذر احتوائه.
بسبب تماس كهربائي، أو شرارات قاطع كهربائي «لامون»، أو قنينة غاز، أو بسبب سقوط عقب سيجارة من أحد العمال (تقرير الشرطة اعتبره فقط سبب أساس)، تضاربت الآراء حول سبب نشوب الحريق، ولا يمكن الحسم لسبب دون الأسباب الأخرى، اندلع الحريق في المصنع المكون من أربعة طوابق، صبيحة يوم السبت 26 أبريل 2023.
والمؤكد أن الشرارة الأولى للحريق انطلقت من الطابق الأول، حيث تتواجد أعمال النجارة، لتأكل النار بسرعة فائقة باقي الطوابق، نتيجة المواد سريعة الاشتعال المستعملة في الإنتاج، من خشب، وإسفنج، وجلد، وقماش أو ثوب، وصباغة، ودهان، ومواد لاصقة «الكولا»، ومواد كيماوية خطيرة وشديدة الاشتعال، خاصة «الدوليو»،…

باء- انعدام شروط الصحة والسلامة في المصنع وغياب وسائل الوقاية والإنقاذ رفع عدد ضحايا الحادثة… : من يتحمل المسؤولية؟
كانت أوضاع العمل في المصنع قاسية ومزرية من كل النواحي.
بمبرر خوفه من تهريب وسرقة منتجات المصنع ذي الأربعة طوابق، وضع صاحبه «عبد العالي مفاريح» شبابيك حديدية لكل النوافذ، فيما الأبواب الرئيسية تبقى دائما مُغَلَّقَة من الخارج لمراقبة دخول وخروج العاملات والعمال، كما أن باب سطح المعمل يُقفل هو الآخر بإحكام بشكل أوتوماتكي، وقد زود كل الأبواب بأقفال إلكترونية.
أما السلالم الإسمنتية (الدروج) فقد كانت ممتلئة عن آخرها بتلك السلع سريعة الاشتعال. «…لم يكن يظهر من الخياطين سوى رؤوسهم لكثرة السلع حولهم» (من شهادة مديح حسين (30 عاما) عامل ناج متزوج وأب لثلاثة أطفال، مختص في التفصيل والخياطة).
ولإحكام المراقبة أضاف رب العمل سلما حديديا لولبيا وسط المصنع يظهر من خلاله العاملات والعمال وما يعملون أثناء العمل. واعترف في محاضر الشرطة، أثناء التحقيق معه، بعد اعتقاله، غداة الحادثة، بأنه أضاف تعديلات كثيرة على مصنعه من دون ترخيص. مثل السدة الحديدية بالدور الأسفل، وقبل فترة من الحادثة قام بأشغال توسعة المصنع عبر بناء الطابق الرابع ثم إعلاء جدران سطحه وتغطيته بالزنك أو القصدير. كان يخطط لتحويل السطح إلى مطعم.
أظهر التحقيق أن مصنع روزامور كان يشغل 130 عاملا(ة)، من بينهم 50 عاملة، 9 منهم فقط مصرح بهم باسم الشركة والباقي جرى تشغيله عن طريق شركتين للوساطة. وقد يشغل خلال فترات الذروة بضع مئات من العاملات والعمال.
تؤدى للعاملات والعمال، كل 15 يوما، أجورا زهيدة، مقابل تشغيلهم ساعات طوال، مستغلا في ذلك فرصة استشراء البطالة والفقر وجهل العاملات والعمال بحقوقهم وبمخاطر العمل، لاسيما وأن المعمل يتواجد بمحيطه واحد من الأحياء السكنية العشوائية الشعبية (حي ليساسفة).
أما تلك الحقوق الأولية البسيطة المنصوص عليها في قوانين الشغل، مثل: تسجيل العاملات والعمال في الضمان الاجتماعي، احتساب الساعات الإضافية، العطل والأعياد، يوم الراحة الأسبوعي…، فلا وجود لها.
وفي معامل كهذه، حيث سطوة رب العمل مستحكمة، وسعيه لاعتصار أقصى مردودية من قوة عمل العاملات والعمال، وعاملات وعمال في وضع هش اجتماعيا وفي التشغيل، تكون كل أشكال تنظيم العاملات والعمال، ولو أولية (لجنة الصحة والسلامة، مناديب الأجراء، مكاتب نقابية…) منعدمة وغير مسموح بتواجدها.
هاته الأشكال على أوليتها وبساطتها من شأنها لعب دور وقائي من مخاطر العمل، وتخفيف الاستغلال المكثف والمدمر لقوة العمل من طرف رب العمل.
هكذا كان عاملات وعمال مصنع روزامور يعملون في ظروف بالغة السوء والقساوة، أشبه ما يكونون بعبيد العمل القسري في المحتجزات، لا عبيد العمل المأجور في نظام الإنتاج الرأسمالي.

يوم الحادثة، كان المصنع يشغل ما يزيد عن مائة (100) عامل(ة).
(لاحِظوا أن عدد العاملات والعمال في المعمل يوم الحادثة لم يُعرف بالضبط، وسيبقى غير معروف إلى اليوم، رغم أن مالك المعمل كان يغلق الأبواب عليهم، ولا حرية ولا إمكانية لهم في الدخول أو الخروج متى أرادوا؛ أهناك استهتار بالأرواح بعد هذا؟).
وبعد مغادرة رب العمل، تم كالعادة إقفال أبوابه إقفالا محكما على العاملات والعمال بداخله، وبعد أن شب فجأة الحريق، بحث العمال عن منافذ لإنقاذ أنفسهم، فلم يجدوا ولو منفذا صغيرا للهرب. ما وضعهم في مواجهة مباشرة مع كتلة لهب من نيران حمراء، وأدخنة سوداء، كثيفة، خانقة… فكان الاختنــــاق، وكان الاحتــــراق، حتى الموت والتفحم…، وأُتْلِفَـــت بعض الجثث بعدما تحولت الى رمــــاد.

جيم- الإنقاذ (الوقاية المدنية): كالعادة تأخر الاستجابة وتدني الفعالية…
لم يصل الإطفاء (الوقاية المدنية) إلى مكان الحادثة إلا بعد مرور ساعة على الأقل من اندلاع الحريق، وكانت تنقصهم لوازم هامة: كانوا فريقاً صغيراً، مستعمِلاً وسائل وقاية فردية من القرن الفائت، بدا أنه غير مدربٍ وغير مؤهلٍ لمواجهة الحريق الضخم، وكان بطيء التدخل…، بمخزون مائي قليل وخراطيم فاسدة…؛ وعند بحثهم عن مصادر مياه إضافية لم يجدوا في المنطقة، رغم أنها منطقة صناعية يا حسرة، مصادرَ مياه خاصة للوقاية المدنية تستعمل في مثل هذه الحالات، وقد انشغلوا حوالي ساعة أخرى في هذا البحث، مما اضطرهم لنشر خرطوم مياه طويل (حوالي 1 كلم) لجلب الماء.
ونظرا لضعف إمكاناته في إنقاذ الأرواح أولا، استعان طاقم الإطفاء بجرافات «تراكسات» لهدم واجهة المصنع، وقام عدد من العناصر بالقيام بإبعاد السلع المتراكمة داخله، وبدا أن الهدف إنقاذ السلع والسيطرة على الحريق، لا إخراج العاملات والعمال العالقين أولا.
ونتيجة التأخر وبطء التحركات في الإنقاذ وعدم جدواه وفعاليته، وزاد في ذلك غياب منافذ الاغاثة في المصنع وإغلاق كل أبوبه ونوافذه بإحكام؛ و»غياب أبسط إجراءات السلامة، وعدم وجود منافذ لإخلاء المصنع، بالإضافة إلى الكميات الكبيرة للمواد القابلة للاشتعال الموجودة داخل المصنع، كلها عوامل زادت من حدة الكارثة، وجعلت عملية الإنقاذ صعبة للغاية» (تصريح مصطفى الطويل، قائد الوقاية المدنية بالدار البيضاء).
نتيجة ذلك اندفع سكانٌ بمحيط الحادثة، كانوا قد حجوا للمكان بعد انطلاق الحريق وشيوع خبره، وباشروا عملية الإطفاء بأنفسهم، مستعينين بأسطل بلاستيكية وبطانيات مبللة، وخراطيم مياه عادية «تِيُوَّات»؛ وحاولوا إنقاذ العاملات والعمال المحتجزين داخل المصنع وقد أصبح كتلة لهبٍ.
قام عدد منهم بفتح كوة في جدار الطابق الثالث لأحد واجهات المصنع بواسطة لوج بناء خشبي (un madrier de bois) بإحداث ثقب في الجدار الفاصل بينه وبين عمارة توجد في المراحل الأخيرة من البناء ملاصقة للمصنع، فلم يندفع نحوهم سوى رائحة الأجساد المحترقة، وصهد النار وألسنتها وكأنها تقول هل من مزيد؛ ولم ينقذوا للأسف أحداً.
«…كان العمال يصرخون ويطلبون النجدة من النوافذ في الطابق الثالث، وصعدنا للطابق الموازي في العمارة المجاورة، وحطمنا الجدار. لكننا للأسف وصلنا متأخرين. فما أن فُتح الثقب في الجدار حتى لفحنا اللهيب ورائحة الأجساد المحترقة…» (شهادة أحد المتطوعين لإنقاذ العاملات والعمال المحتجزين داخل كتلة اللهب).
في النهاية، لم يتم إنقاذ إلا القليل من العاملات العمال الذين كانوا داخل المصنع، فيما عدد آخر منهم تمكنوا بأنفسهم، بتعاونهم ومساعدة بعضهم البعض، من «النجاة» من الموت احتراقا.
إذ تمكن ثلاثة عمال من كسر شباك أحد نوافذ الطابق الثاني وألقوا بأنفسهم خارجا إلى الأرض، هربا من الجحيم؛ الموت بسبب السقوط أرحم من اصطلاء النار وهجيرها حتى الموت…
وقفز عاملان من الطابق الثالث، بعد أن حاصرتهما النيران، وتمكنا من النجاة بعد إصابتهما بكسور ورضوض، وقال أحدهما «إن الإصابة بكسور أفضل من الموت متفحماً بالنيران».
فيما تمكن عدد آخر من النجاة عبر سطح البناية، «كنت في الطابق الثالث حيث ورشة الخياطة التي يعمل فيها زهاء 40 شخصا جلهم من النساء. وفي نحو الساعة الحادية عشرة، صعدت عاملات من الطابق السفلي حيث ورشة النجارة، وهن يصرخن بأن حريقا شب في الاسفل. فهربنا إلى الأعلى. عدد الذين استطاعوا الوصول إلى سطح العمارة لم يتجاوز العشرة، ثلاثة نساء وسبعة رجال» (شهادة عاملة ناجية من الحريق).
«القدر الإلهي كان معي ومع الناجين، إذ إن باب السطح كان مفتوحا لحظة الحريق على غير العادة، وعندما اندلعت ألسنة اللهب ووصل دخانها الخانق إلى الأعلى سارعتُ ومعي عدد من الرجال إلى إغاثة النساء والفتيات اللواتي أغمي عليهن؛ أبلى صديقي امحمد الخباز البلاء الحسن في عمليات الإغاثة، لكنه عندما أراد الالتحاق بنا أُغلِقَ الباب في وجهه بطريقة أوتوماتيكية، وظل يصرخ ويدق على الباب مدة نصف ساعة تقريبا إلى أن انقطع صوته. ويرجح أنه احترق بعدما حاول النزول إلى الطابق الأسفل.» (من شهادة مديح حسين، 30 عاما، عامل ناج، متزوج وأب لثلاثة أطفال، مختص في التفصيل والخياطة).
لكن زوجة امحمد الخباز لم تتسلم جثة زوجها حتى الآن، ولبست ثياب الحداد البيض بعدما أخبرتها السلطات بوفاته. في خضم كل كارثة يبزغ بطلات وأبطال.
وفي سطح المبنى، واجه الفارون من النار جدران عالية وسقف قصديري. ومن حسنِ حظهم أن عمال البناء الذين اشتغلوا قبل أيام في إعلاء جدار السطح وتسقيفه، تركوا سلماً وحبالا استعان بها الفارون للنزول إلى سطح العمارة المجاورة.
دال- إخماد الحريق بعد جهد جهيد، وبدأ عملية التعرف على الضحايا..
لم تتأتى بداية السيطرة على الحريق إلا بعد مرور أكثر من أربع ساعات، وقد تمت تعبئة حوالي 100 عنصر إطفاء و 7 شاحنات إطفاء الحريق، وخمس سيارات إسعاف.
وخلال تدخل عناصر الوقاية المدنية لإخماد الحريق أصيب أربعة منهم باختناق بعد استنشاقهم للدخان السام الناتج عن الحريق، الأمر الذي استدعى نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وتواصلت عمليات الإنقاذ طوال ليلة السبت، وتمت الاستعانة بكلاب مدربة للبحث وسط الأنقاض عن جثث ضحايا.
وفي صباح اليوم التالي، الأحد 27 أبريل 2023، كشف ضوء النهار عن هول الكارثة، كان حريقا ضخما، أكبر حريق شهدته مصانع المغرب. كانت شدة الجحيم ساحقة. كانت رؤية أن النار وقد أكلت حجارة، وإسمنت، وحديد المعمل ناطقة بالضرر البالغ الذي لحق العاملات والعمال. كانت صدمة حقيقة.
والتفتت عيون الإعلام وعيون المجتمع إلى أسوء كارثة في أماكن العمل في المغرب.
واستوعبت الدولة منذ البداية أنه قد تكون هناك بعض الضغوط، سواء من طرف المجتمع عبر بعض إطاراته (أحزاب، نقابات، إطارات حقوقية…)، أو من طرف الصحافة، يتعين امتصاصها وتحملها، لذا عملت على التوصل إلى بعض النتائج في أسرع وقت ممكن.
وكان من الصعب معرفة عدد الضحايا في الواقع، وتوجب الانتظار يوما آخر.

دال- حصيلة رسمية مفجعة وجد ثقيلة رغم إغفالها الكثير ممَّا تسببت فيه الكارثة : حصيلة لم يسبق أن بلغتها كارثة في مصنع…
1- الحصيلة الرسمية للحادثة: مفجعة وثقيلة، رغم تجاهلها لأعظم جزء فيها
تطلب التعرف على هوية جثث الضحايا وحصرها، الذي بدأ منذ مساء السبت 26 أبريل حتى الاثنين 28 أبريل 2008، تنسيق النيابة العامة المختصة مع الأطباء التابعين لمعهد الطب الشرعي والخبراء المختصين في علم الحمض النووي، وذلك من خلال أفراد عائلاتهم.
ويوم الاثنين 28 أبريل 2008، قدمت الدولة، عبر نيابتها العامة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء (الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء) في بلاغٍ، حصيلة الحريق الرسمية، وكانت كما يلي :
– 55 قتيلا(ة)، 29 امرأة و 26 رجلا.
– 17 مصابا(ة) بحروق وكسور، 11 منهم من المصابين بحروق وجروح متفاوتة الخطورة غادروا المستشفى بعدما تلقوا العلاجات الضرورية في الوقت الذي لا يزال الستة المتبقون تحت المراقبة الطبية.
– جثث الضحايا قد سلمت كلها في الوقت المناسب إلى ذويها للقيام بمراسيم دفنها.
– فيما يتطلب الكشف عن هوية الجثث التي لم يتم التعرف عليها بعد مواصلة الشرطة العلمية تحرياتها لبلوغ ذلك.
ترى هل سيتم إنطاق الرماد؟

2- الحصيلة الأعظم للحادثة: تجاهل رسمي عن قصد لإخفاء حجم الكارثة..
على الرغم من أن العدد الدقيق للذين قضوا في هذه الحادثة لم يعرف (ولم يعرف عدد الذين كانوا في المعمل يوم الحادثة)، فإن المؤكد أن البعض من العشرات مِمَّن ماتوا تحولت جثثهم في المحرقة إلى رماد، وسيتعذر التعرف على هوياتهم؛ وتفادت أجهزة الدولة إعطاء معطيات ولو تقريبية لإخفاء جانب مهول من الكارثة، وتفاديا لكل رد..
إضافة إلى ذلك لم تأخذ الحصيلة الرسمية للمحرقة في الحسبان الأضرار الإنسانية والاجتماعية الناجمة عن المحرقة :
– أن أغلب الناجيات والناجين حكم عليهم بأن يعيشوا بعاهات مستديمة (12 عامل(ة)).
– نظرا لكون رب العمل لم يكن يصرح بالعاملات والعمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فإن أيتام وأرامل الضحايا والمصابين بعاهات والعاجزين عن العمل لن يستفيدوا من معاشات.
– صدمة الناجيات والناجين نفسيا من هول المصاب، وفقدانهم مناصب عملهم، وصحتهم، ومن ثمة مصدر عيشهم…
– ما خلفه المتوفون والمتوفيات من ثكالى وثواكل، وأيتام ويتيمات، وأرامل، وأسر بلا معيل…، دموع وحزن وآلام…
تلك أمور لا تدخل في حسابات آلة الانتاج الرأسمالي وحارستها : الدولة. قوة عمل العاملات والعمال في حسابات أرباب العمل مورد كباقي الموارد من مواد أولية وطاقة… من أجل الإنتاج والربح.

خلاصة أولية:
– انعدام شروط الصحة والسلامة ووسائل الوقاية والإنقاذ في مكان العمل؛
– وتأخر الإنقاذ (الوقاية المدنية) وتدني فعاليته، وغياب التجهيزات والبنيات التحتية للحي الصناعي ليساسفة؛
– وغياب المراقبة الفعلية لأجهزة الدولة لتطبيق شروط السلامة والصحة المهنيتين في أماكن العمل، بتغاضيها وعدم تفعيلها عقوبات على صاحب المعمل، رغم ضعف هذه العقوبات وعدم كفايتها لردعه؛
– وغياب اهتمام منظمات الطبقة العاملة، خاصة منظماتها النقابية، بشروط السلامة والصحة المهنيتين؛
كلها عواملٌ تظافرت فزادت حدة الكارثة، ورفعت عدد الضحايا، وفاقمت حدة الإصابات وخطورتها. فكانت الكارثة بحصيلة فاقت التوقعات، لتبقى إلى اليوم شاهدة على إجرام أرباب العمل في حق عاملات المغرب وعماله، وتواطئ الدولة معهم وتغاضيها عنهم، وتقاعس منظمات الطبقة العاملة، خاصة منظماتها النقابية، عن النهوض بأولى مهامها…
هاء- ما بعد الفاجعة : دولة نشطة لاحتواء تداعيات الكارثة، ومنظمات الطبقة العاملة متفحمة..
1- جندت الدولة امكاناتها لتفادي كل ردود فعل محتملة وامتصاص غضب أسر الضحايا..
منذ الساعات الأولى لحصول الحادثة، عملت الدولة على تفادي أية ردة فعل سواء من طرف أسر وأهالي الضحايا، او من طرف العاملات والعمال، أو من طرف المنظمات النقابية والحقوقية…
فسوقت عبر إعلامها على نطاق واسع غداة الفاجعة لإجراءات قضائية وإدارية في حق مالك المصنع وبعض موظفيها، ومبادرات إزاء الضحايا وأسرهم؛ من بينها:
– اعتقال مالك المصنع «عبد العالي مفاريح» وأحد أبنائه الذي كان مسيرا إلى جانب والده للمصنع، وكذا أحد العمال المتهم أنه المتسبب في الحريق، للتحقيق في أسباب الحريق وظروف التشغيل، محاوِلَةً تحميل المسؤولية الكاملة لصاحب المعمل.
– التكفل بمصاريف العزاء.
– الإعلان عن دعم ومواساة أسر الضحايا، ومساندة المصابين.
– الإعلان عن اتخاذ جميع التدابير اللازمة لإسعاف الضحايا ومواساة عائلاتهم، مع تعبئة طاقات المستشفيات المتوفرة على مصالح متخصصة في علاج المحروقين، بما فيها المستشفى الجامعي ابن رشد، والمستشفى العسكري محمد الخامس بالرباط، قصد معالجة المصابين في أحسن الظروف.
(ملاحظة: أليست هذه حقوق لهم، وواجب الدولة توفيرها لهم؟ ومساعدتهم في هذا الظرف الطارئ على الولوج إليها بأسرع وأيسر ما يمكن؟ وإلا ستكون مقصرة في القيام بمهامها إزاء مواطناتها ومواطنيها؛ ما فائدة هذه الدولة إذن للعاملات والعمال إذا لم تتدخل بسرعة لتنقذهم من الموت، وتيسر لهم كل السبل للوصول إلى العلاج والاستشفاء…)
– وعود بفتح تحقيق معمق وشفاف حول أسباب هذه الكارثة. وأسباب الحريق، والمسؤوليات في ما يتعلق بظروف العمل واحترام تدابير السلامة.
– وعود باتخاذ جميع التدابير والإجراءات الضرورية لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث.
– توصل الأسر بدعم مادي (مبلغ 50 ألف درهم).
– مساعدة غذائية عبارة عن زيت ودقيق وسكر…
هذا وقد حل بمكان الحادثة مساء السبت 27 أبريل 2023 عدد من موظفي الدولة: وزير الداخلية آنذاك شكيب بن موسى، وقائد الدرك آنذاك حسني بنسليمان، والمدير العام للأمن الوطني آنذاك الشرقي اضريس، ووالي جهة الدار البيضاء آنذاك محمد القباج….
بعد أن هدأت نار الفاجعة وانطفأت، تبخرت الوعود، واضمحل العطف والاهتمام والمساندة، وانقطع الدعم…، لكن بقيت المعاناة…
كشفت هذه الفاجعة مرة أخرى كما مرات سابقة ولاحقة عديدة (مثلا في فاجعة طنجة حيث غرق ما يزيد عن 28 عامل(ة) في معمل-قبو «سري» للأسباب ذاتها، ما يؤكد أن لا شيء في ظروف العمل تحسن، بل تردى أكثر من السابق)، كشفت أن عاملات وعمال المغرب في حاجة إلى إعلام عمالي، إعلام قادر على مواجهة دعاية الدولة الكاذبة، ويكشف لهم حيلها وألاعيبها إلى جانب أرباب العمل، ويدلهم على حقوقهم وعلى خطوات فعلية لنيلها…
2- ماذا قدمت منظمات الطبقة العاملة، خاصة النقابات العمالية، خلال وبعد المحرقة ؟
بادرت منذ البداية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالدار البيضاء بتأسيس لجنة وطنية للتضامن مع عائلات الضحايا والناجين من محرقة روزامور، بهدف المساعدة في تتبع الجاني ومن معه، ومساعدتهم في نيل حقوقهم..
كما قامت جمعيات أخرى وإطارات بتقديم الدعم والمساندة في عدد من المحطات خلال رحلة الضحايا من أجل إنصافهم ونيل حقوقهم…
أما قيادات النقابات العمالية فعوض أن تحشد التضامن وتفضح واقع انعدام شروط السلامة والصحة المهنيتين في كل أماكن العمل في المغرب، وتوقف عجلة الإنتاج في المجتمع بدعوة لإضراب، وتنظم مسيرات وقوافل تضامن نحو مكان المحرقة، ونحو أهم أجهزة الدولة المسؤولة عن حصول مثل هذه الفواجع، خاصة وأن الفاجعة حدثت أربعة أيام قبل فاتح ماي، ويومين قبل اليوم العالمي للسلامة والصحة في أماكن العمل، وتطالب بفورية تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الحادثة، أو تشكيل لجنة وطنية للتحقيق يمثل فيها ممثلي العاملات والعمال ومناصريهم تمثيلا حقيقيا.
وتطالب على ضوء ذلك بمراجعة جذرية لتشريعات وقوانين الشغل، خاصة مخاطر الشغل، والوساطة في التشغيل…
استنكفت عن كل ذلك، وغيره، واكتفت أساسا بالاحتجاج والتنديد والاتهامات اللفظية، في بيانات فاتح ماي 2008 وخلال تظاهراته، دون أن تنسى تقديم نصائحها للدولة ولأرباب العمل للحد من مصائب الشغل، أي للحد من مصائب ملازمة لنظام الإنتاج الرأسمالي. دون هذا لن تكون قيادات وفية لخط تعاونها الطبقي والسلم الاجتماعي.
اكتفت كما الأحزاب الموجودة في البرلمان بتوظيف الكارثة العمالية لحساباتها السياسية الخاصة، في مواجهة «خصومهم» السياسيين وأحزابهم يمينا ويسارا، وليس من أجل مصلحة عاملات المغرب وعماله.
لازالت أحزاب طبقة عاملات وعمال المغرب الحقيقية ضعيفة القوى لتنهض بكذا مهام سواء في المنظمات العمالية أو في البرلمان.

ثانيا : تبعات قضائية وإدارية…
ألف- توبع قضائيا بعد الحادثة ثلاثة أشخاص :
– رب العمل «عبد العزيز مفاريح» والمسؤول عن إدارة الشركة، ابنه «عبد الله» بتهم «عدم توفير متطلبات وتجهيزات السلامة اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء، والقتل الخطأ والجرح الخطأ والإصابة غير العمدية، وعدم تقديم المساعدة لأشخاص في خطر»؛
– العامل الذي قيل إنه السبب في هذا الحريق بتهمة «التسبب عن غير عمد في حريق أملاك عقارية ومنقولة نتج عنه موت أكثر من شخص وإصابة آخرين بجروح».
وفي يونيو من العام 2009 قضت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بعقوبة أربع سنوات من الحبس النافذ وغرامة مالية ألف (1000) درهم على صاحب المصنع، وحكمت على ابنه المسؤول عن الإدارة بسنتين وبنفس الغرامة. فيما حكمت بحبس أربع سنوات مع غرامة قدرها ألف (1000) درهم في حق العامل المتهم بالتسبب عن غير عمد في حريق نتج عنه موت أكثر من شخص.
حكم سيتم لاحقا تأييده من قبل محكمة الاستئناف. حكم اعتبرته أسر الضحايا وعدد من الإطارات غير منصفٍ، لمَ ؟
رب عمل وإدارته أطلقت الدولة يده الطولى لتشغيل ما يزيد عن 100 عامل(ة) في بناية لا شروط فيها للعمل والراحة وهم محتجزون فيها باستمرار، وعامل مسكين محتجز داخل البناية مزاحم في مكان العمل قد يكون تسبب في الحريق بسبب العمل حيث تنعدم شروط السلامة والصحة ووسائل الوقاية والإنقاذ، أو لأنه أراد تدخين سيجارة وأخذ قسط راحة حيث لا فضاء للراحة، ينالان نفس الحكم على ما وقع في هذه المحرقة.
أما كان يجدر بها أن تلتمس الأعذار للعامل المصدوم المحطم نفسيا بسبب الحادثة؛ وأن تصادر ممتلكات وأموال رب العمل وأفراد إدارته وتحويلها لفائدة الضحايا كتكملة لتعويض عما لحقهم من أضرار.
ولكنها عدالة دولة أرباب العمل…

باء- إزاحة بعض المسؤولين بإجراءات إدارية…
– تم إزاحة بعض المسؤولين في الوقاية المدنية من مناصبهم.
لكن هذه الحادثة كما أحداث سابقة، كشفت عن خلل كبير ليس فقط في طريقة عمل عناصر الوقاية المدنية، بل في نظام الإنقاذ ككل، حيث يجب إعادة النظر فيه جذريا، وعلى كل المستويات: التسيير، التجهيزات والوسائل، العناصر وتدريبها وتأهيلها، وظروف عملها…
– وعود وحديث (في الإعلام) عن تحقيقات لتحديد المسؤوليات فيما يتعلَّق بالترخيص لمصنعٍ لا يحترم قانون الشغل والتهيئة الجغرافية، تبقى طي الكتمان إن أنجزت، والغرض من الحديث عنها الإلهاء وإسكات الأصوات المطالبة بكشف الحقائق…

جيم- إجراءات إدارية:
قامت الدولة غداة المحرقة بتشكيل لجنة وزارية من أجل المساهمة في الوقاية من الأخطار والحرص على السلامة بوحدات الصناعة والخدمات، تلاها إحداث معهد وطني لظروف الحياة المهنية، أوكلت له مهمة تفعيل الاستراتيجية الوطنية للصحة والسلامة المهنية.
لكنه ظل للأسف معهدا بدون صوت، وافتقد للنجاعة، إذ لم يتمكن سوى من برمجة حملة تواصلية يتيمة بعد 4 سنوات من إحداثه، أي خلال سنة 2014، وبعدها عاد إلى سباته، وأُقبر المرصد الذي قيل أنه سيتم إحداثه، شأنه في ذلك شأن كل البرامج التي كان من المفروض أن يباشرها، كما هو الحال بالنسبة للمخطط الوطني للصحة في العمل المرتبط ببرامج قطاعية والذي حدد له فترة من 2014 إلى 2017، الأمر الذي طرح وما يزال جملة من علامات الاستفهام عن أسباب فرملة عجلة هذا المعهد وتجميده، خاصة وأنه لحدّ الساعة بدون فريق مسيِّر منذ انعقاد آخر مجلس إداري له سنة 2015 ؟
فيما أعدت وزارة الشغل خطة عمل جديدة لتقوية دور التفتيش بالمناطق الصناعية، ورفع درجة اليقظة والمراقبة على المقاولات التي تزاول أنشطة ذات مخاطر على صحة وسلامة العمال، اعتمادا على خريطة وطنية تحدد مواقع هذه الأنشطة وبرنامج زيارات ميدانية مصحوبة بإجراءات زجرية للمخالفين بتنسيق مع وزارة الداخلية.
لكنها كانت بغرض الاستهلاك الإعلامي والاحتواء…، فجهاز تفتيش الشغل تمَّ عمداً شله منذ سنوات، وعاجز عن القيام بكل هذه المهام.
كما تم إصدار قرار لوزير التشغيل والتكوين المهني رقم 93.08 صادر في 6 جمادى الأولى 1429 (12 ماي 2008) بتحديد التدابير التطبيقية العامة والخاصة المتعلقة بالمبادئ المنصوص عليها في المواد من 281 إلى 291 من مدونة الشغل ليحل محل «القرار الوزيري المؤرخ في 15 صفر 1372 الموافق لـ 4 نونبر 1952».
لكن وحتى في هذه الظرفية حيث إمكانية أن تضغط القيادات النقابية من أجل التنصيص على الأقل قانونيا على إجراءات وقوانين لصالح العاملات والعمال في مجال حفظ سلامة وصحة الأجراء في أماكن العمل، كان فيه للأسف تراجع عن مكاسب كان منصوصا عليها في الأول.
ألهذا الحد احترقت، حتى تفحمت وصارت رمادا، قيادات منظمات الطبقة العاملة النقابية في محرقة التعاون الطبقي والسلم الاجتماعي مع عدوها طبقة أرباب العمل الذي لم يتعاون يوما، ولا كف مرة عن حربه في سحق العاملات والعمال من أجل مصالحه وأرباحه ؟

ثالثا: حصول الضحايا على التعويضات: رحلة ماراثونية، مصاريف، تعقد المساطر الإدارية والقضائية، طول انتظار بسبب حيل شركات التأمين… و في الأخير تعويضات هزيلة للغاية.
مباشرة بعد الفاجعة واجه الضحايا، من ناجيات وناجين، وذوي حقوق المتوفيات والمتوفين مشاكل أخرى، بعد تلك المصيبة، إلى جانب رفع دعاوى قضائية ضد صاحب المعمل. من أجل الحصول على التعويضات قطعوا رحلة عذاب طويلةً طويله، من إدارة إلى إدارة، ومن جلسة في محكمة إلى جلسة، زادتهم معاناة وآلام…، وكلفتهم كثيرا من الوقت والجهد والمال، رحلة دامت أكثر من 10 سنوات، بنهاية مخيبة ومخزية.
فقد بقي الملف يتأرجح بين ردهات ودهاليز المحاكم ضد شركتي التأمين «أكســا/ سهام»؛ حكمــت فيه المحكمة الابتدائية، في 5 ماي 2014، أي بعد مضي ست سنوات على الفاجعة، بأن الحادثة هي فعلا «حادثة شغل».
وبتعويضات هزيلة، تمثلت في تسليم كل ضحية مبلغا ماليا يتراوح ما بين 200 درهم و 400 درهم شهريا و 10 ملايين سنتيم لأســــر الهالكين و6 ملايين سنتيم للضحايا الذين مازالوا على قيد الحياة بإعاقات مختلفـــــة. الحكم الذي لم يرق لشركة التأمين فاستأنفته.
ولم تمض بعد ذلك إلا أقل من سنة لتصدر محكمة الاستئنـــــاف للدار البيضاء، القطب الجنحي، يوم 13 يناير 2015 حكما يقضي برفض وإلغاء قرار المحكمة الزجرية الابتدائية الصادر في 5 ماي 2014 القاضي بتخصيص التعويضات التكميلية المدنية لفائدة عائلات ضحايا معمل روزامور. حكم نزل كالصاعقة على الضحايا والإطارات المناصرة لهم.
(لاحِظوا، لإصدار حكم لفائدة العاملات والعمال على هزالته وعلاته تطلب 6 سنوات وافية (من 26 أبريل 2008 إلى 5 ماي 2014) من البحث و و و وجرجرة عشرات الضحايا والأسر، ولإصدار حكم لفائدة شركات التأمين لم يتطلب أكثر من سنة (من 5 ماي 2014 إلى 13 يناير 2015). إنها عدالة دولة أرباب العمل).
لماذا نزل هذا الحكم الجديد كالصاعقة على الضحايا والإطارات المناصرة لهم؟ لأنه لن يسمح للضحايا بالاستفادة من التعويضات -الهزيلة أصلا- التي حكم لصالحهم فيها ابتدائيا والتي تنص على أن تعوض شركتا التأمين (أكسا وسهام) عن كل ضحية ب 100 ألف درهم و60 ألف درهم لكل ناجي من العمال. فيما نص على تعويض كل عائلة بين 200 و 250 درهم في كل شهر.
ما فرض على الضحايا الاستمرار في رحلة العذاب بحثا عن حقوقهم، مرة ثانية، لأكثر من 3 سنوات ونصف السنة، خاضوا خلالها وقفات احتجاجية مطالبين بإنصافهم وضمان حقوقهم، لتضطر شركة التأمين إلى صرف التعويضات المقررة لأسر الضحايا على دفعات لفائدتهم بداية من يوليوز 2018.
لذا يتعين من الآن، وتجسيدا لمبدأ التضامن العمالي مع ضحايا مخاطر العمل (ضحايا حوادث الشغل والأمراض والمهنية) وفيما بين هؤلاء الضحايا، أن يطالب عاملات وعمال المغرب، ومعهم إطارات ضحايا مخاطر العمل وكذا الإطارات الحقوقية والمناصرة لحقوق وقضايا العاملات والعمال بإحداث نظام إجباري للتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية معاً موحَّداً، لكل فئات الطبقة العاملة في المغرب، وأن يسند تدبيره للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛ (إسوة بعديد دول العالم، وتماشيا مع توصيات منظمة العمل الدولية في هذا الباب، كما أنها واحدة من بين توصيات أحد مؤسسات الدولة الرسمية «المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي»).
وذلك من أجل ضمان حصول الضحايا وذويهم على تعويضات بشكل شهري ودائم (لا رجعة فيها ولا تراجع عنها)، وبأسرع ما يمكن بعد حصول الحادثة؛ تعويضات تضمن لهم العيش الكريم، وإراحتهم من تلك الرحلات الماراثونية، وإغنائِهم عن مصاريف هم في أمسِّ الحاجة لها، ومن تعقيدات المساطر الإدارية والقضائية، وطول انتظار بسبب حيل شركات التأمين… وفي الأخير تعويضات هزيلة للغاية لا تحول للضحية إلا كل ثلاثة أشهر، وقد تقوم شركة التأمين فجأة بوقف صرفها، برفعها دعوى قضائية من جديد؛ فيما شركات التأمين الغنية أصلا تزداد غنى.
رابعا : شروط السلامة والصحة المهنيتين في مصنع روزامور وظروف التشغيل فيه: مثال لأوضاع العمل القاسية في المغرب..
كل ما فعلته محرقة مصنع روزامور أنها كشفت ظروف العمل القاسية التي يكدح فيها عاملات وعمال المغرب في كل وحدات الإنتاج، حيث انعدام شروط السلامة والصحة المهنيتين، وغياب وسائل الوقاية والإنقاذ بأماكن العمل، كما تنص على ذلك قوانين الشغل، رغم قلة المطلوب من أرباب العمل في هذه القوانين توفيره، وعدم كفايته في حماية العاملات والعمال من مخاطر العمل وأضراره (حوادث الشغل والأمراض المهنية).
واقعٌ تعترف الدولة، مرةً مرة، خاصة عند حصول كارثة في وحدة استغلال ما، على لسان موظفيها (وزراء، كتاب عامين،…)، أو في تقارير رسمية لمؤسساتها (المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المندوبية السامية للتخطيط…)، وتعد بتحسينه. لم تقم بذلك إلى الآن.
فقد أثبتت تحقيقات وزارة التشغيل، بعد المحرقة، أن 14% فقط من المقاولات والمصانع تحترم مقتضيات السلامة التي ينص عليها قانون الشغل.
وأظهرت الدراسات أن حوالي :
– 80 ألف حادثة شغل تحصل في سنويا، 20% منها خطيرة و80% منها تحدث بسبب تجاهل معايير السلامة والوقاية.
– 25% فقط من المقاولات التي تشغل أكثر من 50 أجيرا تتوفر على مصلحة مستقلة لطب الشغل.
– %17 في المئة فقط من المقاولات تتوفر على لجنة للصحة والسلامة المهنية.
– كما تبينت نقائص ومعيقات جهاز تفتيش الشغل: قانونية، تنظيمية، قلة العنصر البشري…، وعجزه عن القيام بمهامه.
– ووجود نقص كبير في مفتشي وأطباء الشغل الذين لا يتعدى عددهم الإجمالي 12 طبيبا يتمركز معظمهم في مدينتي الرباط والدار البيضاء.
– ووجود نقص كبير في عدد المهندسين المتخصصين في الوقاية، إضافة إلى مشكل عدم التنسيق بين مختلف المتدخلين في عملية التفتيش.
لكن وبعد مرور 15 سنة على كارثة محرقة روزامور، فقد تواصل تكرار حوادث الشغل المفجعة في أماكن العمل، وفي الطريق منه أو إليه، أما عدد من فتكت بهم الأمراض المهنية فلا معطيات عنهم.
تحجم الدولة قصدا عن تقديم معطيات وإحصائيات عن عدد الضحايا، لضمان استمرار آلة الإنتاج الرأسمالي واستقرارها.
وما يزال معدل الحوادث في المغرب الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوقوع 47.8 حادثة شغل مميتة لكل 100.000 عامل ومعدل مخاطر في مجال حوادث الشغل أكبر 2.5 مرة من معدل المخاطر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (حسب تقديرات منظمة العمل الدولية سنة 2019).
لن يوقف الموت بسبب العمل غير نضال العاملات والعمال.
لن يقوم أرباب العمل ولا الدولة بتوفير شروط الصحة والسلامة في أماكن العمل، ما لم تتوحد صفوف العاملات والعمال للمطالبة بإعادة نظر شاملة وجذرية في قوانين الشغل، خاصة شروط الصحة والسلامة المهنية، وجعلها في مقدمة مطالبهم، واعتبارها مطلبا لا يقل أهمية عن المطالب الأخرى.
ما يزال معمل روزامور بناية منتصبة شاهدة على المحرقة، وقد أصبحت مهملة، الأجدر أن تتحول إلى مكان لنصب تذكاري لضحايا هذه الكارثة.

شارك المقالة

اقرأ أيضا