صرخات ارتعاب من الشعب في مجلس المستشارين

سياسة13 مايو، 2023

بقلم: شيماء النجار

الكادحون- ات فقراءٌ  إلى وعي قوتهم- هن. وفي الوقت الذي يستهين فيه العديد من مدعي التمثيل السياسي للكادحين- ات بقوة هؤلاء، يدرك ممثلو الطبقة السائدة جيدا ما ينطوي عليه الشعب من قوة حين يقف على قدميه. هذا الإدراك الغريزي، في جانب منه والواعي في جانب آخر، محكوم بكون الطبقة السائدة لديها ما تخسره، وهو بالضبط ما سلبته ونهبته من الشعب: الخيرات واعتصار قوة العمل.

أدى استمرار تداعيات الأزمة الاقتصادية-الاجتماعية التي فجرتها جائحة كوفيد- 19، وفاقمها الجفاف البنيوي وآثار حرب روسيا على أوكرانيا والغلاء، إلى ارتفاع ما يُطلِق عليه ممثلو الطبقة السائدة السياسيون (ومعهم المعارضة الليبرالية، ناقصة النزعة الديمقراطية، وبيروقراطيو النقابات) “منسوب الاحتقان الاجتماعي”. وهو إشارة ضمنية إلى حساسية الوضع الاجتماعي الذي أصبح تفجريا بشكل يرعب الحاكمين، فتراهم يسعون إلى التحكم فيه، بخليط محسوب من القمع وبرامج “اجتماعية” للاحتواء.

انعقدت بمجلس المستشارين يوم 8 مايو 2023 جلسة مساءلة شهرية لـ”رئيس الحكومة” عزيز أخنوش حول موضوع “السيادة الغذائية”. وكان جزء كبير من النقاش مركزا على موجة الغلاء التي شهدته مواد الاستهلاك الأساسية، بمقدمتها المواد الغذائية (الخضر، الفواكه، اللحوم، الزيوت… إلخ) ومشكل الماء، وتأثير كل ذلك على “السلم الاجتماعي” والاستقرار السياسي.

اتفقت جميع الفرق البرلمانية والمجموعات النيابية داخل مجلس المستشارين على أمر واحد: الوضع يهدد “السلم الاجتماعي” والاستقرار السياسي. تحدث إسماعيل بنبي، من الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، عن الاستقرار واصفا إياه بـ”العملة الأصعب” التي يجب الحرص عليها أكثر من الحرص على جلب العملة الصعبة عبر التصدير، أو بالأحرى هي ضامنة جلبها.

ولأن كل الفرق والمجموعات داخل مجلس المستشارين متفقة على التسبيح بحمد ضامن هذا الاستقرار وذاك “السلم”: النظام الملكي، فإنها تقاذفت المسؤوليات بينها، مركزة على تفاصيل مخطط “المغرب الأخضر” وتقنيات السياسة الحكومية، في تفادٍ تام لتوجيه أي إشارة إلى صانع القرار السياسي الحقيقي داخل البلد: المَلكية.

تكلم ممثلو- ات الفرق البرلمانية والمجموعات النيابية بنفس قاموس الهلع والخوف من الشعب، ومنهم- هن من نقل مباشرة الصرخات كما نطقها أفراد الشعب داخل الأسواق. وبينما حثت فرق “الأغلبية” الحكومية” على أن الوضع حساس لدرجة يجب معها ألا يكون موضوعَ “مزايدات سياسية وخطابات شعبوية”، اتفقت أحزاب “المعارضة” كلها على أنها “معارضة مسؤولة بناءة” حريصة على “أمن الوطن واستقراره السياسي”. قال عبد الرحيم شهيد عن الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية: “أود أن أؤكد لكم أننا نناقش… من موقعنا في المعارضة كما نفهمها، ونعي جيدا التزاماتنا تجاه المصالح العليا للوطن ومصلحة المواطن”. وهي نفس لغة رشيد حموني عن فريق التقدم والاشتراكية: “سيواصل حزب التقدم والاشتراكية من داخل البرلمان ومن خارجه بقوة الدستور والقانون وبقوة ما تفرضه الممارسة الديمقراطية السليمة مساءلة حكومتكم لعلها… تستشعر فعليا دقة الأوضاع الاجتماعية بما تشهده تدهور خطير للقدرة الشرائية للمغاربة، من استمرار للغلاء الفاحش ومن توسع كبير لدائرة الفقر والبطالة، ومن تصاعد للاحتقان والغضب في كل أوساط المجتمع”.

أما عن الفريق الحركي، فقد تحدث ممثله محمد والزين، لغةً مليئة بالهلع مما يعتمل في أعماق المجتمع، وأشار إلى مخاطر الغلاء، وما يسببه من جوع على استقرار الوطن: “كنا نخشى على بطوننا من الجوع واليوم نخشى على أوطاننا من تبعات الجوع”، رغم أن ادعاءه خشيته على بطنه من الجوع أمر مشكوك فيه بشكل مطلق. وهو نفس التحذير الذي أطلقه بلال التليدي مثقف حزب العدالة والتنمية، بعد هزيمتها الانتخابية بقول: “المؤشرات لحد الآن مقلقة، لكنها ليست حاسمة، لكن إذا تعمقت أزمة الغذاء وتزايدت نسب التضخم، واستمرت أسعار المواد الغذائية في الارتفاع، وسارت أسعار المحروقات في نسق تزايد مطرد، فإن انتفاضة البسطاء ستكون قدرا اقتصاديا واجتماعيا”[1].

واصل والزين ارتعابه بقول: “الحقد المجتمعي وصل إلى درجة أن مواطنا مغربيا- وأكيد أنكم سمعتموه- يصرخ: “بغينا الجفاف، ونموتوا كلنا بحال الكسيبة”. وهذا كلام خطير يجب أن نقف عليه”. ولا بد أنه في لحظة ارتعابه هذه تذكر بمقولة مغني الهيب- هوب الأمريكي الشهير توباك شاكور: “يوماً ما لن يتبقى للفقراء شيء ليأكلوه غير لحم الأغنياء”.

من جهتها ردت الفرق البرلمانية لأحزاب الأغلبية بشراسة معتبرة أي انتقاد للسياسة الحكومية “مزايدةً سياسية وشعبوية ضيقة المصالح”. وخاطب عزيز أخنوش النائبَ محمد والزين مؤنبا إياه على استعمال خطاب تحريضي لا يليق بزعيم “حزب كبير”: “الأمين العام البرلماني، لاحظتُ أنك انتقلتَ من الشعر إلى التهييج. هل تعرف السيد والزين بأنك جئت بعد السيد العْنْصر وبأنك لديك حزب كبير، إنها مسؤولية كبيرة وأن تأخذها بهذا النوع من كلام، تهييجٌ للمواطنين، سأقول لك “باز”. ولا بد أن السيد والزين قد فهم الرسالة. فالوضع شديد التفجر لا يحتمل أي تهييج، خصوصا من داخل “مؤسسة دستورية”، تهييج قد يتلقفه الشعب الغاضب ويحوله إلى أفعال.

لكن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة لا تترك لدولة أرباب العمل، الخاضعة كليا لمؤسسات رأس المال العالمي، أي هامش للاستجابة لصرخات الهلع هذه. استجدى محمد والزين رئيسَ “الحكومة” بتخصيص الضريبة المستخلَصة من المواطنين (أي 10 مليارات درهم من أصل 40 مليار درهم)، مؤكدا أن ذلك لن يضر في شيء الحرص على التوازنات المالية: “إذا أخذنا 10 مليارات درهم ووجهناها لهؤلاء المساكين، فماذا سيقع مثلا في مُلك الله؟”، وهنا يلتقي السياسي البرجوازي بالبيروقراطي النقابي،  الميلودي موخاريق الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، عشية فاتح مايو 2023 في حوار مع جريدة الصباح، إذ قال: “ماذا تساوي بعض ملايين الدراهم زيادة في الأجور مقارنة بنعمة السلم الاجتماعي الذي تنعم به البلاد”.

رغم كل هذا، كان رد رئيس حكومة الواجهة صارما وحازما: بدل التهييج والمزايدات السياسية “على الجميع أن يقوم بدوره ويقول الحقيقة للمغاربة، نحن أمام وضعية تشبه تماما تلك التي وجد فيها المغرب نفسه بداية الثمانينات عند فرض برنامج التقويم الهيكلي، وسنة 1995 مع تقرير البنك الدولي الذي ترجمه الحسن الثاني إلى خطاب “السكتة القلبية”. ويعني ذلك، أن أي حديث عن مطالبة فرق المعارضة للحكومة ترجمةَ شعارها “الدولة الاجتماعية” إلى وقائع، أمر مستحيل، وأن الخيار الوحيد هو التقشف والاستمرار في نفس الخيارات الاقتصادية المراعية لمطالب أرباب العمل والمحمِّلة أكلاف الأزمة للشغيلة والكادحين- ات.

هكذا لن تثني صرخاتُ الهلع التي أطلقها بعض ممثلي الطبقة السائدة الحزبيين، الدولةَ، عن مواصلة نفس السياسات التي ستؤدي لا محالة إلى تفجر الغضب الشعبي. كلُّ ما تفعل صرخات الارتعاب تلك هو خداع أقسام من الشعب (خصوصا تلك الأقسام الأشد تخلفا سياسيا) بأنه قد يكون لمؤسسات واجهة الاستبداد دور في التخفيف من معاناتها، وبالتالي تأجيل ذلك الانفجار الاجتماعي.

لكن مفعول الخداع/ القمع الأيديولوجي لن يدوم إلى الأبد، كما هو أيضا مفعول القمع المادي. وآجلا أو عاجلا سيقوم الشعب (الطبقة العاملة وفقراء القرى والمدن) للنضال والاحتجاج، كما وقع طيلة ربع القرن الأخير. أحد شروط الانتصار هو أن يعي الشعب مكمن قوته، وأن القوة الظاهرة لعدوه (أرباب العمل والاستبداد) تخفي هلعا شديدا من الشعب حين يمتلك ذلك الوعي ويتسلح بنقابات كفاحية وحزب عمالي اشتراكي ثوري. إذ ذاك ستتبدد كل الأسطورة القائمة على أن الدولة/ المخزن لا تقبل لي الذراع. آنذاك سيكون لصرخات الارتعاب المنبعثة من داخل مجلس المستشارين ما يبررها واقعيا.

—–

[1] – انظر- ي: “سنة بعد هزيمة حزب العدالة والتنمية الانتخابية: عجلة احتياط الاستبداد والنيوليبرلية”، 19 سبتمبر 2022، https://www.almounadila.info/archives/11152.

شارك المقالة

اقرأ أيضا