الحماية الاجتماعية بالمغرب طور جديد من الهجوم النيوليبرالي

الافتتاحية7 يونيو، 2023

 

ترزح غالبية الشعب تحت وطأة الفقر وتسارع الغلاء المتواتر، إضافة إلى ضعف الخدمات وسوء تدبير المتاح منها، بسبب سياسة الدولة التابعة لتعليمات المؤسسات المالية الدولية الرامية إلى نسف مجانية الخدمات العمومية وتفكيك طابعها العمومي، والذي طال جميع القطاعات الاجتماعية من تعليم وصحة وتقاعد ووظيفة عمومية وصندوق دعم المواد الأساسية.

صادق “مجلس النواب” يوم الاثنين 15 مارس 2021، في جلسة عامة وبالإجماع، على مشروع القانون الإطار 21-09 المتعلق بالحماية الاجتماعية.

أطلقت قبله وبعده حملة إعلامية ضخمة جدا هدفها إقناع عمال- ات وكادحي- ات المغرب أن معاناتهم- هن مع الرعاية الصحية المتدهورة أصبحت من الماضي وأن الدولة  ستتحمل رعاية صحية تامة لفقراء الشعب غير المؤَمَّنين. شاركت القيادات النقابية وطيف أحزاب سياسية وأذرع الدولة من جمعيات، وهلّلت المؤسسات المالية الإمبريالية الراعي الفعلي لمخطط الحماية الاجتماعية في نسخته المغربية.

صرح رئيس حكومة الواجهة في جلسة ب”مجلس المستشارين” يوم 10 يناير 2023  قائلا: ” نجحت الحكومة، وفاء بالتزاماتها وقبل انقضاء سنة 2022 تعميم وتوسيع خدمات التأمين الإجباري عن المرض، لتمكين كل المغاربة، على قدم المساواة، من الاستفادة من خدمات تغطية صحية موحدة بغض النظر عن فئاتهم الاجتماعية أو المهنية.”

لجأت الدولة إلى القروض الخارجية لتمويل فترة انتقالية قبل تطبيق استراتيجيتها وتجميع جميع أنواع الدعم المالي لضخه في تمويل مخططها الحالي، كتصفية صندوق المقاصة وإعادة توجيه صندوق دعم الأرامل، ومنحة “تيسير” لتشجيع المتمدرس…. الخ.

سيؤدي تطبيق خطط الدولة إلى نتائج وخيمة على عمال وصغار البرجوازيين بالمغرب، إذ سيتحملون فاتورة تمويل الرعاية الصحية التي يتعرض طابعها العام والمجاني للتدمير. ستواجه صناديق التأمين العمومي (أنظمة التقاعد، التعاضديات) عملية نهب منظمة من جانب رأسماليي الخدمات الصحية وفي مقدمتها المقاولات والمختبرات الصحية، وحينها سيجبرون العمال وصغار البرجوازيين على رفع اشتراكاتهم السنوية تحت طائلة الحرمان.

ستُشدد شروط استفادة المفقرين المستفيدين من “AMO تضامن ” من خلال السجل الاجتماعي الموحد RSU لاحتساب المؤشر الاجتماعي والاقتصادي للأسر الذي يتم اعتماده لتحديد الأفراد والأسر المستحقة والراغبة في الاستفادة من مختلف برامج الدعم التي تقدمها الدولة ، وفي مقدمتها في المستقبل “AMO تضامن” والتعويضات العائلية. سيكون هذا التشدد في المعايير آلية حرمان أقسام واسعة من الكادحين بحجة قدرتهم على تأمين أنفسهم.

وفي المقابل يتهرب أرباب العمل من التصريح بالعمال في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبالعدد الحقيقي لأيام اشتغالهم في الشهر وبكامل الأجر. وتتجنب الدولة تشديد الرقابة والعقوبات المفترض أن تجبر الرأسماليين على التصريح الفوري والمكتمل. لا بل تعفيهم دوريا من حق عمالي مستحق باسم حماية “المقاولة المغربية” وتأمين قدرتها على المنافسة. هذا ما يرمي بقسم عظيم من العمال خارج أي تأمين وبلا معاش تقاعد. ولا معنى لقرار تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3240 يوم اشتراك إلى 1320 يوما، ما لم تسن عقوبات جزرية وشديدة في حق كل المتهربين من أداء حقوق العمال الخاصة بالحماية الاجتماعية. والواقع أن غاية القرار ليست مصلحة العمال، بل مسح أثار جرائم البرجوازية بتعميم معاشات البؤس على منخرطي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتشجيع أرباب العمل للاستمرار في انتهاك حقوق العمال في الحماية الاجتماعية.

ليست الحماية الاجتماعية المغربية سوى إعادة تدوير لأموال الدعم المعتادة مع مواصلة سياسة الدولة المتقشفة في تمويل الخدمات الاجتماعية، مع إعطاء نفس جديد لضرب مجانية وعمومية تلك الخدمات وفتح المجال للشركات الخاصة للتوسع بتوفير قدرة شرائية جماعية لزبائن غير قادرين على الدفع بشكل فردي.

إن خطة الحماية الاجتماعية التي تسعى الدولة حصرها في سجل اجتماعي موحد ليست مجانية ولا عمومية، بل هي هجوم جديد لتغطية الآثار الكارثية لتقويض الصحة العمومية والاستمرار في نهب جيوب المواطنين. فقد حددت تسعيرة من أجل الاستفادة من الخدمات الصحية على المواطنين، وكذا فرض ضريبة على صغار التجار، وفتح الخدمات الاجتماعية والصحية أمام الرأسمال الأجنبي بفتح مزاولة مهنة الطب أمام الأجانب، وحفز رأس المال العالمي المتاجر في خدمات الصحة على العمل والاستثمار في القطاع الصحي بالبلد.

سيتأثر عمال وكادحو المغرب من ضرب نهائي لصندوق المقاصة في ظل التحرير الشامل للاقتصاد ما يجعل غلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية تبلغ درجة خطيرة جدا.

وضعت الدولة والمؤسسات الدولية نصب أعينها تدمير ما تبقى من الخدمات العمومية والمجانية، مما يستوجب استراتيجية نضال دفاعا عن الطابع العمومي والمجاني وجودة الخدمات العمومية، ومن أجل حماية اجتماعية حقيقية شاملة ومضمونة. يتأتى تحقيق ذلك عبر مقاومة حقيقية من المنظمات النقابية والحركات الاجتماعية، فلا حماية اجتماعية دون تسجيل جميع العمال/ات في صندوق الضمان الاجتماعي والتصريح الكامل بهم/هن، وضمان دخل للمعطلين- ات والعاجزين- ات عن العمل يضمن للجميع كرامة العيش وكذا إقرار أجور متحركة تواكب الغلاء، وكذا سياسة حقيقة في الخدمات الصحية بالزيادة في عدد الاطباء والممرضين وبناء مؤسسات صحية عمومية، ووقف تدمير صندوق المقاصة، ورفع ميزانيته ليشمل مواد أخرى، وتعزير مكتسبات التقاعد ووقف الهجوم على صناديقه، وسن ضريبة تصاعدية على الثروة و الأرباح، وكذا نقل تعويضات المرض وحوادث الشغل والأمراض المهنية لمؤسسات عمومية وخاضعة للرقابة. وإقرار سياسة حقيقة في الشغل للحد من البطالة لأجل استمرارية المكاسب العمالية، وتعزيز قانون الشغل لخدمة مصالح الأجراء لا أرباب العمل.

إن السبيل الحقيقي هو بناء أدوات النضال العمالي والشعبي من نقابات وجمعيات شبابية وتنسيقيات شعبية، وصهر الطلائع المجربة في حزب عمالي اشتراكي، وبناء ميزان قوى طبقي يفرض على المالكين ودولتهم التراجع عن سياستهم التدميرية وإجبارهم على تمويل خدمات عمومية جيدة بقسط من أرباحهم الطائلة وهذا لن يحصل إلا بنضال عمالي وشعبي حازم.

المناضل-ة

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا