تعديلات سطحية لقانون حوادث الشغل، ومطلب توحيد صناديق الحماية الاجتماعية

بقلم، ابراهيم موناصير

يحاول المحللون الليبراليون إضفاء الطابع الانساني على العمل الماجور الذي يستعصي فهمه دون الإلمام بطبيعة النظام الرأسمالي المنقسم إلى طبقتين رئيسيتين واحدة مالكة لوسائل الانتاج، وتستطيع الادخار والاستثمار، ومراكمة الارباح، والأخرى تبيع قوة عملها مقابل أجر، ولا يمكنها ان تراكم أرباحا تغنيها عن التبعية والعبودية. تحاول البرجوازية، مالكة وسائل الإنتاج، حصد الارباح بأقل تكلفة، وفك أزماتها على حساب البروليتاريا، ما يعني ظروف عمل سيئة وأجورا زهيدة، وضمان إخضاع طبقة العمال لدوام الاستغلال. استطاع أرباب العمل، بعد 10 سنوات من الصراع، تعديل قانون الشغل بالمغرب بإصدار مدونة شغل مرنة سنة 2004، ويحاولون الآن إضفاء مزيد من المرونة على العلاقات الشغلية بمبرر تشجيع الاستثمار وإنعاش الاقتصاد، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل امتدت الهشاشة الى القطاع العام بإملاءات المؤسسات الامبريالية.

لا غرابة ادا في كون المغرب رغم اصدار عدة قوانين شكلية لحفظ الصحة والسلامة بأماكن العمل، فإنها تواجه عقبات في التنفيذ، تشكو اشارت مدونة الشغل 2004 في مجموعة من بنودها الى حفض الصحة والسلامة من ضعف التنفيذ، وهذا ما شار إليه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره المتعلق ب “الصحة والسلامة في العمل :دعامة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”، ويتجلى ضعف تطبيـق مقتضيـات مدونـة الشـغل هذا فـي القطـاع الخـاص حيـث إن عـدد المقـاولات التـي تتوفـر علـى لجنـة السـلامة وحفـظ الصحـة لا يتجـاوز 17 فـي المائـة. فـي حيـن تـكاد تنحصـر المصالح الطبيـة للشـغل فـي بعـض المقـاولات الكبـرى والمقـاولات المنظمـة فقـط.

يعد المغرب من بين الدول التي تشهد ارتفاعا مهولا في حوادث الشغل والامراض المهنية،” وهذا راجع من جهة الى جهاز تفتيش ضعيف، فعدد مفتشي الشغل بالمغرب ليس سوى 589، منهم 415 ممارس فعلي، و343 فقط بالمصالح اللاممركزة”. ومن جهة أخرى إلى ضعف اليات المراقبة والجزر التي تتضمنها القوانين المنظمة للعلاقة الشغلية.

قانون حوادث الشغل: تغييرات شكلية تتسم بطول المساطر وضعف جبر ضرر ضحايا حوادث الشغل 

صدر مشروع القانون رقم 27.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 12.18 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل. هذا المشروع كغيره من القوانين جاء بتغيير شكلي ينص على اسناد ممارسة الاختصاصات المتعلقة بالحماية الاجتماعية في مجال حوادث الشغل لوزير الصحة والحماية الاجتماعية، وعلى إسناد الاختصاصات التي ينص عليها القانون رقم 18.12 على ممارستها من قبل الوزير المكلف بالشغل، إلى السلطة الحكومية أو السلطات الحكومية التي ستحدد من يتولاها بموجب مرسوم، مع إحلال عبارة “الإدارة المختصة” محل عبارات “المديرية الجهوية أو الإقليمية للتشغيل المختصة”، و”المصالح المختصة بالمديرية الجهوية أو الإقليمية للتشغيل” و”المدير الإقليمي للتشغيل”.

كانت كل التعديلات التي شهدها قانون18.12 المتعلق بحوادث الشغل في المغرب تعديلات شكلية حيث حافظ هذا الأخير على جوهر ما جاء به قانون 03/02/1963، لأن التعويضات المقدمة للمؤمنين وغير المؤمنين هي تعويضات هزيلة وجزئية لا تغطي كامل الأضرار النفسية والجسدية التي تخلفها حوادث الشغل، ولا ترقى الى مستوى التعويضات التي جاء بها القانون 18.01 الصادر في الجريدة الرسمية 5031 بتاريخ 19 غشت 2002 ص 2367 – والتي تراجعت عنها الدولة بعد مضي ستة اشهر من إصداره -، حيث حافظ هذا القانون على تفس النهج في احتساب التعويضات والايرادات، كما أن المادة 11 والمادة 29 رغم إثارتهما لإلزامية التأمين على الأمراض المهنية إلا أن قانون حوادث الشغل لا ينظم آثار هذه الأمراض. تحمل المادة 11 و29 في طياتهما تناقضا صارخا، إذ كيف يمكن أن تطبق أحكام قانون 18.12 على المستخدمين والمصابين بأمراض مهنية وفي نفس الآن تنص على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالأمراض المهنية أي إحالة هذه الأخيرة إلى ظهير 31 ماي 1943…

أشار القانون إلى إلزامية مسطرة الصلح قبل اللجوء إلى القضاء. إن عدم تساوي ضحايا حوادث الشغل وشركات التأمين في القدرة على إبرام الصلح غير القضائي قد يجعل الضحية ضعيفا أمام الإمكانات الهائلة التي تتوفر عليها شركات التأمين، أما في حالة حدوث نزاع حول الصلح قد يلجا الضحية إلى رفع دعوى قضائية مما يزيد من طول المسطرة بدل تخفيفها، كما أن القانون 18.12 في المادة 23 يلزم ذوي الحقوق كغيره من القوانين السابقة بإرفاق التصريح بحادث الشغل بالشهادة الطبية المنبثة للوفاة، أي أن ذوي الحقوق المتوفى عنهم نتيجة حادث شغل قاتل، والذي أسفر عن فقدان الضحية سينتظر مدة سنة على الأقل لبداية الإجراءات الضرورية للاستفادة من التعويض وعلى رأسها تتبع مسطرة الصلح.

عقوبات ضعيفة ومشجعة على خرق الفانون

نص قانون حوادث الشغل على العقوبات في قسمه الثامن من المادة 181 إلى المادة 192 غير أن العقوبات التي تطال أرباب العمل وشركات التامين هي عقوبات مادية هزيلة ماعدا ما ورد في المادة 184 والتي نصت على غرامة مالية فقط دون العقوبة الحبسية من 50000 درهم إلى 100000 درهم ضد كل من امتنع عن إبرام عقد التأمين المنصوص عليه في المادة 29 وتساهلت أيضا في حالة العود إذ لم تجزم بعقوبة الحبس المشار إليها في حالة العود. وهذا ما يفسر ضعف تأمين الأجراء، بحيث يبلغ عدد الأجراء الذين يشملهم التأمين ضد حوادث الشغل حسب قطاع التأمين، 2,6 مليون شخص، بينما تبلغ الساكنة النشيطة (عدا القطاع العام) ما يقرب من 10 ملايين شخص.

ضرورة فتح نقاش واسع وجاد بين المناضلين حول ماهية التعديلات الطارئة على الحماية الاجتماعية

إن ضعف الطبقة العاملة وعدم انخراطها في النقابات، وتراجع نضالاتها جعل أرباب العمل ودولتهم يشنون هجمات متتالية عليها، كما أن القيادات النقابية تتحمل جزءا من المسؤولية في عدم فتح نقاش واسع بين الشغيلة والاكتفاء بمناوشات محصورة في غرفة المستشارين، وهذا ما حدت للتعديلات التي طرأت على قانون الشغل سنة 2004، وهذا ما حصل أيضا للتعديلات التي طرأت على القوانين المنظمة للحماية الاجتماعية بما فيها قانون 18.12 المنظم لحوادث الشغل، وهذا ما سيحصل لمدونة الشغل المرتقب تعديلها.

لدى يجب فتح نقاش جاد بين المناضلين من أجل تداول هذا الموضوع، ومن أجل طرح ورقة ومسودة مطالب تتطرق إلى إشكالية الحماية الاجتماعية بشكل عام و”الاصلاحات الكبرى” التي تسعى الدولة وأرباب العمل على حد سواء لفرضها انطلاقا من مرجعية ما يسمى الاصلاحات السياسية الكبرى في هذا الباب. أي أن النقاش الجاري حاليا إنما يختزل التغييرات التي تهم الحماية الاجتماعية، في إجراءات قانونية محضة لا تتجاوز النظرة الاقتصادية الضيقة. وهذا ما يجعل جزءا مهما من النقابيين تستصغر المطالب المطروحة من أجل تحسين أوضاع العمل بشكل عام والحماية الاجتماعية بشكل خاص.

لكل هذا، يعد مطلب توحيد صناديق الحماية الاجتماعية في صندوق واحد، واسناد تدابير حوادث الشغل والأمراض المهنية له مطلبا هاما جدا لأنه يقطع مع سياسة الدولة في مجال الصحة التي تسعى الى خوصصتها هي والحماية الاجتماعية…

شارك المقالة

اقرأ أيضا