النظام الأساسي الجديد لأجراء- ات التعليم العمومي: النضالُ مستمرٌّ طالما الاستغلالُ قائم

بقلم: نقابيو-ات تيار المناضل-ة

عملت دولة البرجوازية منذ سنوات على توجيه ضربة قاصمة للوظيفة العمومية في القطاعات الاجتماعية الحيوية من صحة وتعليم وغيرهما، بهدف تحويل الخدمات إلى سلع تخضع جزئيا أو كليا لمنطق السوق الرأسمالية من حيث الوظيفة وعلاقة الشغل داخلها. هكذا جرى إخراج شغيلة قطاع الصحة من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية منذ منتصف سنة 2021، بمساعدة الأحزاب البورجوازية والنقابات التابعة لها والمتبنية وجهة نظرها الاقتصادية والسياسية، المُتَضَمِّنَةُ تفكيك الوظيفة العمومية التعليمية وفرض التوظيف الجهوي، المُعْتَبَرُ رافعة لتفكيك منظومة التوظيف العمومي وتسهيل فرض آليات فرط الاستغلال المستقدَمة من القطاع الخاص.
يبلغ التفكيك عنفه بقطاع التعليم منذ سنة2016 بفرض التعاقد مع الأكاديميات الجهوية، وهو توظيف تميز بأجور متدنية و هشاشة علاقة الشغل. غير أن ردة الفعل النضالية القوية لتنسيقية المفروض عليهم-ن التعاقد وفئات من المرسمين فرض على الدولة البحث عن مخرج ضمن تمسكها باستراتيجتها، مستعملة المناورات منذ معركة مارس 2019 عبر ورقة النظام الأساسي الذي سيوحد جميع فئات الشغيلة، ويلبي مطالبها عبر تحسين للوضعية. كما جرى استدراج النقابات الخمس الأكثر تمثيلية إلى ركح إخراجها عبر ماراطون “الحوار” في إطار لجنة تقنية انطلقت أشغالها بالتزام “الشراكة” طبقا لاتفاق 18 يناير2022.
اندمج التنسيق النقابي الخماسي فيما دعي حوارا دون ميزان قوى فعلي يسنده، و سادت فوضى الإعلان عن الإضرابات من قِبَل تنسيقيات المرسمين- ات المتنوعة، التي ينشط معظم قيادييها في النقابات، ما أنهك الشغيلة في معارك لا طائل من ورائها عمليا ما دام من يناضل لا يفاوض ومن يفاوض لا يناضل. لم تكترث القيادات النقابية لنضال المفروض عليهم- هن التعاقد فعليا، كما لم تحرك ساكنا باتجاه توحيد نضالات شغيلة الدولة، باعتبارهم ينتمون لمركزيات نقابية تضم قطاعات أخرى من الوظيفة العمومية تعرضت لنفس الهجوم أو مهددة به، ما يفضح قبولها العملي بالتوظيف الجهوي وبالتعاقد.
أوهمت الدولة وقياداتُ النقابات “المحاورة” الشغيلةَ المُجَزَّئينَ إلى فئات، بإمكان نيل مكاسب مالية لقاء قبول خطة الدولة لترسيم التوظيف الجهوي، وتكثيف الاستغلال.
ومع انتهاء “المفاوضات” متم العام 2022، وانكشاف نية الدولة تمرير النظام الأساسي دون تنازلات مالية، امتعضت أطراف نقابية من هذه الوضعية التي سيصعب الدفاع عنها وتمريرها للشغيلة، هكذا جاءت احتجاجات التنسيقيات المختلفة متم العام 2022، ومطلع العام 2023، التي استغلتها قيادات النقابات “المحاورة” لتخويف الوزارة من طوفان الشغيلة، فجاء تنازل مسموم شمل خارج السلم للفئات التي كانت محرومة منه، فأسرع التنسيق النقابي لتوقيع اتفاق 14 يناير.
هكذا افتتحت الدولة العام باتفاق إطار جديد يحدد المضامين الأساس للنظام الأساسي الجديد مع أربع نقابات، بينما رفضت الجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي التوقيع عليه مع مواصلتها المطالبة بعدم إقصائها من المشاركة في “حوار” تنزيله.
شكل هذا الاتفاق ضربة قاصمة للنضالات الجارية، مفككا التعبئة التي استثارتها معركة مقاطعة تسليم النقط من قِبَلِ التنسيقيات مطلع عام 2023، وملحقا ضربة ماحقة بميزان القوى الذي بدأ بالتشكل. وكانت النتيجة شهورا إضافية من “الحوار” بين التنسيق النقابي الرباعي والوزارة توج بالنظام الأساسي المصادق عليه حكوميا يوم 14 شتنبر 2023 والذي كان فيه للدولة ما أرادت.
إن تمرير النظام الأساسي، بالصيغة التي جرى بها، انتصار لدولة البرجوازية وهزيمة للشغيلة، التي استفاقت أقسامها الواعية على ترسيم الهشاشة وبؤس الأجور وتكريس انحدار المستوى المعيشي، وهو ما يُبقي النضال ضد سياسات الدولة التفقيرية والقمعية ذا راهنية أكبر، لكنه لن يُخاضَ بأساليب وأدوات أثبتت التجربة محدوديتها.. لا بل أفقها المسدود.
ستظل النقابة بما هي أداة نضال وتضامن وتوحيد للشغيلة، وسيلة لا غنى عنها للنضال، لكن نقابة تتَّسِمُ بحياة داخلية سليمة ونشطة وبفهم عمالي وبأجهزة مُنتخبة ديمقراطيا ومراقبة من القاعدة. نقابة تسود فيها المحاسبة المتبادلة بين مكوناتها. نقابة لا تتعهد في محضر رسمي بالتكتم على مجريات التفاوض إزاء أعضائها وإزاء عموم الشغيلة. نقابة مُسْتَرْشِدَة برؤية سياسية طبقية للوضع في البلد، مناقضة لسياسات الطبقة البورجوازية والمؤسسات المالية الدولية. نقابة لا تقبل الشراكة مع الرأسمال ودولته. نقابة توحد الشغيلة ولا تعمل على تجزيئهم إلى فئات. نقابة تقود الشغيلة كفاحيا ولا تكتفي ببلاغات الدعم ومساندة المعارك.
رغم الهزيمة التي يرمز لها تمرير النظام الساسي الجديد، هناك مكاسب مهمة تجلت في تمرس ألوف من الشبان والشابات بقطاع التعليم على النضال والكفاح بجانب المئات من النقابيين والنقابيات الرافضين والرافضات للوضع الراهن، والمتطلعين- ات لوضع أفضل على كافة المستويات.
إن هكذا وضع يتطلب إجراء تقييم شامل لمجريات النضال السابقة لأجل وضع خطة نضالية وبرنامح عمل ينبثق من نقاش بين كل الرافضين- ات لتفكيك الوظيفة العمومية و سحق النقابة.

5 أكتوبر 2023

شارك المقالة

اقرأ أيضا