حزب الله لا يمثل مصالح العرب في منطقة الشرق الأوسط

خشي الكثيرون من أن تؤدي الحرب بين إسرائيل وحركة حماس إلى تدخل حزب الله. لكن هذا الأخير فَقَدَ ما كسب من دعم واسع النطاق عندما هزم إسرائيل عام 2000، وذلك بسبب تعاونه مع الأسد في سوريا وعلاقاته الوثيقة بأوساط الأعمال في لبنان.

بقلم: جوزيف ضاهر

إن حرب إسرائيل ضد سكان غزة، التي أودت بحياة ما يفوق 3500 شخص [لحظة كتابة المقال. م]، ودمرت بنيات تحتية أساسية، خاصة مدارس، ومخابز، ومستشفيات، مستمرة منذ ما يفوق أسبوعين. منذ شن إسرائيل حملة القصف، بعد عملية حركة حماس العسكرية التي خلفت قتل 1400 إسرائيلي، منهم مدنيون كثر، في 7 تشرين الأول/أكتوبر، يخشى المراقبون من أن يؤدي النزاع إلى تدخل جهات إقليمية مثل حزب الله في لبنان، المدعوم من مُموِّله الرئيسي إيران.
وهذا يفسر جزئيا تردد إسرائيل في غزو بري لقطاع غزة، على الرغم من تهديدها بذلك منذ بداية النزاع. يشكل حزب الله، بما يفوق 50000 جندي، قوة عسكرية هامة، وأدى احتمال فتحه جبهة شمالية في الحرب الجارية إلى تهدئة روع أكثر العناصر تشددا في الدولة الأمنية الإسرائيلية، وأجبر الولايات المتحدة الأمريكية على تحذير الأطراف الخارجية من التدخل.
لكن العقبات التي تحول دون انخراط حزب الله في الحرب أشدُّ تعقيدا مما توحي به ادعاءات كل من أعضائه وإيران بأنهم مستعدون لمواجهة عسكرية جديدة. إن ثمة مصالح متضاربة متعددة، سواء داخل الحزب اللبناني، أو في المنطقة برمتها، مما يحول دون التحدث بثقة عن منظورات تصعيد الحرب.
مع ذلك، بات النزاع الإقليمي أكثر احتمالا اليوم مما كان عليه منذ عقود. ويستمد جذوره من تاريخ حزب الله، وتطور قاعدة دعمه. وقد تشكلت هذه الأخيرة نتيجة للاحتلال الإسرائيلي المستمر لفلسطين وقمع السكان الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
الانتماء الطبقي
تأسس حزب الله رسميا عام 1985، رُغم أنه شَرع في تنظيم صفوفه عام 1982. ومنذ ذلك الحين، حظي حزب الله بدعم جمهورية إيران الإسلامية سياسياً، وعسكرياً، واجتماعياً، ومالياً. شكل هذا الدعم مصادر تمويل حزب الله الرئيسية. وعلى مدى العقد الماضي، طور الحزب اللبناني أيضا مصادر دخل أخرى في لبنان، وأيضاً في سوريا، حيث جمع أموالا عبر تورطه في التهريب، وتجارة المخدرات.
منذ سنوات 1990، أصبح حزب الله الناطق الرسمي باسم سكان لبنان الشيعة، متجاوزا الحزب الشيعي الرئيسي الآخر، حزب حركة أمل. واكتسب هذه المكانة البارزة عبر منح السكان الشيعة معونة اجتماعية، وخدمات عن طريق شبكاته الخاصة من منظمات، ومؤسسات، وبوصفه جهة فاعلة رئيسية في المقاومة العسكرية ضد إسرائيل. وقد تضافر هذان الجهدان بفضل دعم إيران المالي.
اتسعت قاعدة حزب الله وتطورت منذ تأسيسه. وأصبح حزبا تتزايد هيمنة فصيل من البرجوازية الشيعية، ومن الطبقة الوسطى العليا، وخاصة في بيروت، على أعضائه وأطره. ما يعني قطيعة دالة للمتدينين والطبقات الشعبية مع جذور الحزب. وغدت عائلات ثرية عديدة، وغالبية التجار من مؤيدي حزب الله الموثوقين، في الضواحي الجنوبية للعاصمة. وساهم تطور الحزب في بروز فصيل جديد من البرجوازية مرتبط به عبر رساميل إيران. وبالموازاة، اصطفت باطراد سائر الفصائل الشيعية البرجوازية، في لبنان والشتات على حد سواء، تحت لواء حزب الله.
كما تنامى نفوذ الحزب في الجمعيات المهنية، وبعض المقاولات الخاصة، لاسيما في قطاعات العقار، والسياحة، والتجارة. واكتسبت هذه المصالح قوة في عالم الأعمال اللبناني، تحت تأثير حزب الله مباشرة. ونتيجة لذلك، أصبح الحزب فاعلا اقتصاديا مهما في لبنان، عن طريق تعزيز علاقاته مع مصالح تجارية متعددة تُشغّل عشرات آلاف الأشخاص. وأدى ذلك، إضافة إلى شبكة الحزب في منظمات المجتمع المدني، وجناحه المسلح، إلى تثبيت شعبيته وصونها.

تمكن حزب الله، في الآن ذاته، من تحقيق مكانة مهيمنة بين سكان لبنان الشيعة عبر توليف متوازن من الرضى والإكراه. يقوم الأول على تقديم الحزب خدمات ضرورية لقطاعات واسعة من السكان الشيعة، والثاني على تدابير قمعية ضد من يَتَحَدَّوْنَ طموح الحزب إلى احتكار حركات المقاومة ضد إسرائيل في لبنان.

بعد اندلاع انتفاضة لبنان في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، لم يتردد حزب الله في الاحتشاد، فجمع أنصاره، وأعضائه بداية لترهيب المتظاهرين، ومهاجمتهم في مناطق مختلفة، وسط بيروت، أو في مدينة النبطية جنوب لبنان.

أدى تبرجز حزب الله إلى عواقب أخرى أكثر من مجرد حفز تحول الحزب إلى عدو الاحتجاجات الشعبية. كما كان سببَ تغير توجه الحزب سياسياً نحو النظام السياسي الطائفي والنيوليبرالي في لبنان. تحول حزب الله من صوت معارض راديكالي ضد النظام السياسي الطائفي والنيوليبرالي إلى مدافع عن عقد التسويات، والمشاركة في الهياكل السياسية القائمة في لبنان. إضافة إلى ذلك، أصبح من المدافعين الرئيسيين عن النظام السياسي في لبنان، إلى جانب سائر الطبقة الحاكمة في البلد.

جذور حزب الله

جرى تبرير جزئي لغزو إسرائيل للبنان عام 1982 بتطور حزب الله. كانت أولى عمليات حزب الله العسكرية، قبل تأسيسه رسميا عام 1985، تفجيراتٍ انتحاريةً ضد سفارات، وأهداف غربية، فضلا عن عمليات خطف غربيين في سنوات 1980. لكن منذ ذلك الحين، وحتى عام 2000، ارتبط تطور الجهاز المسلح لحزب الله ارتباطا وثيقا بما تقوم به المنظمة من أنشطة مقاومة ضد إسرائيل.

طرد حزبُ الله إسرائيلَ من جنوب لبنان عام 2000، مُنهيا احتلالاً قائما منذ عام 1978. وحافظ الحزب على هذه المنطقة منذ ذلك الحين، على الرغم من عمليات تبادل إطلاق الصواريخ على جانبي الحدود. وشنت إسرائيل حربا جديدة على لبنان، وحزب الله عام 2006. فتكبد لبنان آنذاك ما يفوق 1500 ضحية، بينهم 1200 مدني؛ وفقدت إسرائيل 160 من مواطنيها، ضمنهم 120 جنديا.

لم تتمكن إسرائيل من بلوغ أهدافها في الحرب على لبنان، على الرغم من تباين عدد الضحايا، الأمر الذي اعتبره حزب الله انتصاراً. وسيستخدم الحزب هذا الظفر لتعزيز شعبيته في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط برمتها. كان جنوب لبنان أكثر المناطق التي عانت من هجمات إسرائيل، وغزواتها، واحتلالها، وأتاح شن حزب الله مقاومة ضدها توسيع قاعدته الاجتماعية بين السكان الشيعة.

لكن منذ حرب عام 2006، أصبحت مقاومة حزب الله ضد إسرائيل، التي كانت في صلب هويته، خاضعة بشكل متزايد للأهداف السياسية الأخرى للحزب ولراعيته إيران. انعكس ذلك بوجه خاص في تدخل حزب الله عسكريا في سوريا، ما أدى إلى تعزيز صفوفه إلى حد كبير من وجهة نظر عسكرية عبر زيادة التجنيد في جناحه العسكري. وتمكن الحزب أيضا من الاستفادة من تعلم استراتيجيات جديدة، واكتساب الخبرة القتالية في مسرح الحرب هذا، بتحالف مع نظام بشار الأسد الاستبدادي، وروسيا، وإيران.

لكن من وجهة نظر التزام حزب الله بقضية فلسطين، شكلت الحملة السورية تحولا دالاً مقارنة مع قتاله ضد إسرائيل. مما لا يعني أن الجناح العسكري للحزب لم يقم بدور في علاقاته مع إسرائيل، او انه لا يقوم به، لكن بعد حرب عام 2006، نشر حزب الله قواته باطراد لأغراض أخرى.

قوة متنامية، ودعم أضعف

تنامت مقدرات حزب الله العسكرية، وكذا أعداد قواتهـ، إلى حد كبير منذ حرب عام 2006. ووسع ترسانته بوجه خاص، وبات يتحكم بعدد كبير من الصواريخ والقذائف.

لم يتصادف نمو القوة العسكرية هذا مع تنامي الدعم الشعبي. إذ أصبح حزب الله، على الصعيد الوطني، معزولا بشكل متزايد، سياسيا، واجتماعيا على حد سواء، خارج نطاق السكان الشيعة. وتورط الحزب في عدد من الحوادث الطائفية في لبنان. على سبيل المثال، حادثة خَلدة، التي وقعت في آب/ أغسطس عام 2021 في مدينة جنوب بيروت. إذ اندلعت في هذه المنطقة نزاعات بين حزب الله وقبائل عربية سنية محلية، ما أسفر عن مقتل ثلاثة من أعضاء حزب الله. وبالمثل، اعترض شبان غاضبون شاحنة صغيرة تقل مقاتلي حزب الله محملة بقاذفات صواريخ، في نفس الشهر، في قرية شوايا ذات الأغلبية الدرزية. كانت خطة رجال ميليشيا حزب الله استهداف إسرائيل من المنطقة. مع ذلك، اضطر مقاتلو حزب الله إلى التراجع، بسبب معاملة الشبان الدروز، الذين انتزعوا منهم قاذفات الصواريخ.

بعد شهرين، في تشرين الأول/أكتوبر عام 2021، وقع حادث كبير آخر. بعد تظاهرة نظمتها عناصر من حزب الله، وحليفه حركة أمل احتجاجا ضد القاضي طارق بيطار، المسؤول عن التحقيق في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس عام 2020. سرعان ما تحول التجمع إلى قتال شوارع في حي الطيونة بضاحية جنوب بيروت.

خلفت المواجهات 7 قتلى و32 جريحا. وجرت المواجهات بين مقاتلين شيعة من حزب الله وحركة أمل ضد أقليات أخرى في أحياء مسيحية، يُرجح أنها من أعضاء حزب القوات اللبنانية، وهي حركة مسيحية يمينية متطرفة. وقد أثار هذا الحدث مخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة.

ترى الأحزاب السياسية الطائفية المعارضة لحزب الله، ومعها قطاعات أوسع من سكان لبنان، أن حزب الله يشكل العقبة الرئيسية بوجه تحقيق العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت. على سبيل المثال، هدد رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، بـ “التخلص” من القاضي بيطار. وحتى حلفاء الحزب السياسيون في فترة سابقة، مثل التيار الوطني الحر، يبدون نقدا متزايدا ازاءه.

تواصل الجهات السياسية الفاعلة الرئيسية، في لبنان برمته، مثل الحزب التقدمي الاشتراكي، ووليد جنبلاط زعيمه منذ فترة طويلة، التعبير عن دعم النضال الفلسطيني في قطاع غزة. لكن مع تأكيد رفض أي خرط لبلدها في حرب جديدة مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، يواجه البلد أزمة اجتماعية واقتصادية عميقة دائمة منذ تشرين الأول/أكتوبر عام 2019. إذ ارتفع معدل الفقر إلى حد كبير، أثناء هذه الحقبة، من نسبة 25٪ عام 2019 إلى ما يفوق نسبة 80٪. وترى قطاعات واسعة من السكان أن البلد عاجز عن تحمل حرب أخرى. ما يعني أن ما كان يحظى به حزب الله من دعم شعبي واسع عام 2006 لم يعد قائماً اليوم.

بالإضافة إلى مشهد لبنان الداخلي، أدى قيام حزب الله بدعم نظام سوريا الاستبدادي عسكرياً لسحق الانتفاضة الشعبية في البلد إلى تقويض شعبية الحزب إقليميا.

فضلا عن ذلك ابتعد حزب الله، منذ بداية انتفاضة سوريا عام 2011، عن استراتيجيته المتمحورة أساساً حول المواجهة المسلحة مع إسرائيل. ويُفسر ذلك جزئيا بكون إيران، راعيته الرئيسية منذ بداية انتفاضة سوريا، ترفض إضعاف حزب الله بنحو كبير في حرب إسرائيلية جديدة ضد لبنان. ورغم أن قاعدة الحزب هي في لبنان، ورغم درجة من الاستقلال السياسي النسبي، ورغم أن الحزب ليس قوة منتدبة سلبية تنتظر أوامر إيران، فإنه مرتبط إلى حد بعيد بمصالح الجمهورية الإسلامية.

 

كان دور حزب الله في المنطقة حاسما في توطيد شبكة حلفاء إيران إقليمياً وتوسيعها، سواء كانت جهات فاعلة حكومية، أو غير حكومية. وبعد اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الذي يمثل جزءا من الحرس الثوري الإسلامي مسؤولا أساساً عن الأنشطة السرية وخارج الحدود، ازدادت أهمية حزب الله بالنسبة لدولة إيران. أصبح حزب الله، والحالة هذه، الحارس الرئيسي للنظام النيوليبرالي الطائفي في لبنان، والمدافع الرئيسي عن مصالح إيران الجيوسياسية. وبعبارات أخرى، أصبح حزب الله في الآن ذاته فاعلاً سياسياً لبنانيا في السلطة، يشتغل اليوم كحارس رئيسي للنظام السياسي النيوليبرالي الطائفي في البلد، بنفوذ يتجاوز الحدود الوطنية، ويمثل أثمن قنوات نفوذ طهران السياسي في المنطقة.

ورغم تحفظات حزب الله، التي تشاطرها إياه طهران، بشأن اندلاع حرب جديدة مع إسرائيل، يتعين على حساباته، مهما كانت، ضرورة صون الحزب بقدر ما علاقاته مع حليفه السياسي، حركة حماس، وما يعتبره مكاسب سياسية حققتها هجمات عملية 7 أكتوبر. أدت هذه الأخيرة إلى تعزيز موقف إيران وحزب الله وحركة حماس في المنطقة. وتمكنت حركة حماس من تثبيت موقعها مرة أخرى كفاعل سياسي فلسطيني رئيسي على ساحة السياسية الفلسطينية، ما زاد تهميش السلطة الفلسطينية الضعيفة أصلا. أعيدت مسألة فلسطين، وضرورة معالجتها سياسيا، إلى جدول الأعمال في إسرائيل وإقليميا. وقد أدى هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ورد إسرائيل عليه، إلى تقويض سيرورة التطبيع التي قادها دونالد ترامب، وواصل مسارها جو بايدن، ما يُؤمن استحالة تجاهل الاحتلال على طريق تهدئة العلاقات التي كانت عدائية بالمنطقة. وقد ردت المملكة العربية السعودية، بعد وقت وجيز من اندلاع الحرب، بوقف أي تقدم في إبرام اتفاقات ثنائية مع إسرائيل.

بينما تتطور الحرب، بات جلياً تعذر مسار نحو الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بتجاهل احتلال فلسطين واستعمارها. ويلزم أن تكون المهام الرئيسية لليسار، والجهات الفاعلة التقدمية في المنطقة، بناء استراتيجية قائمة على تضامن من أسفل إقليميا. الأمر الذي يستدعي معارضة تحالف القوى الغربية وإسرائيل من جهة، والقوى الاستبدادية الإقليمية، والقوى السياسية المرتبطة بها من جهة أخرى. تمثل هذه الاستراتيجية القائمة على صراع الطبقات من أسفل السبيل الوحيد لتحرر الطبقات الشعبية في منطقة الشرق الأوسط من قبضة الأنظمة المدعومة بالقوة الامبريالية للولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين.
ترجمة المناضل-ة

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا