تقشف وشح إزاء قطاع التعليم والخدمات الاجتماعية العمومية؛ وتبذير وسخاء إزاء رأس المال

الدولة15 ديسمبر، 2023
في حين تتذرع الدولة بمختلف أنواع الأزمة بوجه تصاعد مطالب الشغيلة، لفرض تقشفها وتبرير شحها إزاء قطاع التعليم والخدمات الاجتماعية العمومية، تكشف الوقائع زيف تلك الادعاءات، وتبين  مدى تبذير الدولة وسخائها إزاء مختلف قطاعات رأس المال.

وهذه بعض العناوين العريضة، كأمثلة بسيطة، للفساد المعمم الذي يمتص أموالا طائلة ستتيح تعبئتها الجواب عن تطلعات شغيلة القطاعات الاجتماعية والمستفيدين من خدماتها وتمتعهم بحياة كريمة ولائقة…

أموالٌ جزءٌ غير يسيرٍ منها يتم امتصاصه،عن طريق آليات ضريبية غير عادلة وغيرها،من جيوب الشغيلة والكادحين وتوجيهها إلى أرصدة أرباب العمل وشركاتهم…

1- أسطول سيارات الدولة المفرط

توجد في المغرب نحو 120 ألف من سيارات الدولة موضوعة رهن إشارة موظفيها.ويستهلك هذا الأسطول ازيد من 100 مليار سنتيم سنويا، وقودا، وإصلاحا، وتأمينا.

بينما في أمريكا هناك 72 ألف سيارة فقط  لـــــ 21 مليون موظف!

أكد المجلس الأعلى للحسابات أن حظيرة السيارات التابعة للقطاع العام (الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية) استهلكت خلال 2013 أزيد من 160 مليار سنتيم (مليار و605 ملايين درهم) من المحروقات، فضلا عن الميزانية المرتبطة بالصيانة والتأمين والسائقين. وهذا نفس ما أكدته معطيات الشركة الوطنية للنقل والوسائل اللوجستيكية حصيلة تدبيرها لحظيرة سيارات الدولة في سنة 2019، موردة أن مصاريف المحروقات فقط كلفت 100 مليار سنتيم.

2-الغلاء/التضخم

ينهش الغلاء والتضخم القدرة الشرائية، إذ بينما لم تشهد الأجور أي زيادة معتبرة منذ سنة 2011، زاد الغلاء بوتيرة معتدلة لسنوات قبل أن يتفجر في السنوات القليلة الأخيرة، ويصل تضخم أسعار المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع إلى أزيد من 20 في المئة.

تشير المندوبية السامية للتخطيط إلى أن الرقم الاستدلالي للأسعار عند الاستهلاك، ارتفع شهريا بنسبة 5 بالمئة. وشمل الارتفاع مجموعة من المواد الغذائية الأساسية كالخضر والفواكه واللحوم ومنتجات الحليب، مبينة أن أسعار هذه المواد شهدت ارتفاعاً بنسبة 16.8 بالمئة.

دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره حول تسويق المنتجات الفلاحية الصادر في 2022، إلى وضع إجراءات للحد من تضخم الوسطاء بين المنتجين الفلاحيين والمستهلكين، مسجّلا أن “دورة تسويق المنتجات الفلاحية في المغرب “تتسم بالحضور القوي للوسطاء الذين يشكلون حلقة حاسمة في سلسلة القيمة”.

ويتشكل “لوبي” الوسطاء من التجار الذين يقومون بتجميع المنتجات من عند الفلاحين، والسماسرة، وتجار الجملة، وتجار نصف الجملة، وهيئات التخزين البارد، والمؤسسات التعاونية، وتجار التقسيط، والفضاءات التجارية الكبرى…

و”ينعكس الحضور القوي لهؤلاء بشكل سلبي جليّ على المنتج والمستهلك على حد سواء، خاصة بالنسبة للفواكه والخضروات، حينما لا تواكب بمراقبة صارمة ومستمرة ومكثفة بالقدر الكافي”، بحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

3-الاثراء غير المشروع لأرباب شركات المحروقات

هذا الإثراء غير مشروع بفعل احتكار السوق من قبل قلة ضئيلة من الشركات من جهة، ومن جهة أخرى لأن ارتفاع أسعار المحروقات الناتج عن ذلك، وعن تقلبات السوق الرأسمالية العالمية، يقود إلى غلاء كل السلع الأخرى. هذا علما أن مجلس المنافسة غرم تسع شركات محتكرة للسوق بما قيمته 1.84 مليار درهم في تسوية حبية لا يمكن وصفها سوى بالسخية بالنظر إلى أن القيمة المفترضة لذلك التغريم كانت تذهب لأكثر من ذلك بكثير.

نسبة أرباح شركات المحروقات بالمغرب تصل إلى 15 بالمئة في حين لا تتعدى النسبة 2 إلى 5 بالمئة في عدد من الدول الأوروبية؛ على سبيل المثال، الأرباح التي حققتها هذه الشركات خلال الفترة من 2016 إلى 2023، مُقدرة بزهاء 50 مليار درهم. زد على ذلك أن الزيادات بمبرر الغلاء في السوق العالمية تبقى في الغالب سارية المفعول حتى حين تتراجع الأسعار بالسوق العالمية، ولذر الرماد في العيون يجري خفض الأسعار بسنتيمات معدودة في حين تكون الزيادات بدراهم كاملة.

4- مخصصات سخية للأجهزة  القمعية؛ توظيفا وأجورا ومعدات…

سنة 2022 جرى إحداث 26 ألف و860 منصب مالي برسم الميزانية العامة للسنة المالية 2022، هيمنت إدارة الدفاع الوطني ووزارة الداخلية على النصيب الأكبر منها بنسبة تزيد عن 64 في المئة. وتعتبر تلك المناصب الأعلى مقارنة بالعشر سنوات السابقة، حيث بلغت 23312 منصبا عام 2020، ولم تتجاوز 21256 منصبا عام 2021.

وبخصوص توزيع المناصب المالية لسنة 2022، جاءت إدارة الدفاع الوطني في الرتبة الأولى بـ 10800 منصب، تليها وزارة الداخلية بـ 6544 منصبا، ثم وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بـ 5500 منصب، وبعدها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بـ 800 منصب.

5– الضريبة ومنها الضريبة على القيمة المضافة

من يدفع الضريبة في المغرب هم الأجراء، وتقتطع من المصدر، وخاصة الأجور الدنيا والمتوسطة بعد أن جرى خفض نسبة الضريبة على الأجور المرتفعة. زد على ذلك أن الأجراء هم من يتضرر من الضرائب غير المباشرة وعلى رأسها الضريبة على القيمة المضافة التي تطال مواد الاستهلاك الجماهيري، بينما لا توجد ضريبة على الثروة، ولا ضرائب تصاعدية فعلا على الدخل، ولا زجر حقيقي للغش والتهرب الضريبيين، ما يفقد الدولة أموال طائلة، أضف لذلك ما يسمى نفقات جبائية، وهي أموال هائلة لا تدخل ميزانية الدولة تقدر قيمتها السنوية بين 27 و33 مليار درهم منذ بداية جردها وتقييمها سنة 2005، وهو ما يصل خلال 10 سنوات فقط إلى ما يقدر ب 300 مليار درهم على الأقل…

عند مناقشة قانون مالية 2023، رفضت الحكومة إحداث ضريبة على الثروة وتضريب شركات المحروقات بمبررات واهية، مبينة بذلك من تخدمه بالفعل.

6-كلفة الديون

وصلت الديون الخارجية 49 مليارا و29 مليون دولار في 2018 مقارنة بـ 49 مليار و796 مليون دولار في 2017، وبذلك يكون نصيب كل مغربي من هذه المديونية 1361 دولارا، وتشكل الديون الخارجية 41.5% من الاقتصاد المغربي الذي تناهز قيمته 118 مليار دولار.كلفة مديونية ثقيلة، علما أن لا علم بكيفيات التعاقد عليها ولا على ما صرفت، وكيف صرفت، وحتى عند توفر معلومات عن ذلك، فإن كيف صرفت يبقى غير معلوم، بينما تنتشر فضائح فساد صرف ميزانيات مخصصة لمشاريع حكومية من قبيل فضيحة الأموال المخصصة لما سمي برنامجا استعجاليا في مجال التعليم…

7– كلفة التسلح

تمثل ميزانية إدارة الدفاع الوطني في المغرب أكثر من 3.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام. كشف مشروع المالية لسنة2024، عن تخصيص المغرب 128 مليار درهم لقطاع الدفاع، بهدف اقتناء وإصلاح معدات الجيش، إضافة إلى دعم وتطوير صناعة الدفاع، مما يرفع ميزانيته هذه السنة بـ 4 مليارات درهم مقارنة بسنة 2023.

وتكشف ميزانية الدفاع عن وجود منحى تصاعدي للمغرب في مجال توفير الأموال للدفاع في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت بـ 4 مليارات درهم عن سنة 2023، وبـ 9 مليارات درهم عن سنة 2022، وذلك تماشيا مع المخطط العسكري المغربي الرامي لتحديث الترسانة العسكرية للقوات المغربية وتوفير الأسلحة المتطورة للجيش.

وفقًا لتقرير “اتجاهات الإنفاق العسكري في العالم 2022″، تم رصد ارتفاع في ميزانية الإنفاق العسكري في المغرب إلى 5.4 مليار دولار أمريكي (حوالي 48 مليار درهم) في العام الماضي. وبهذا الرقم، يحتل المغرب المرتبة الثالثة في إفريقيا، بعد نيجيريا التي قدرت ميزانيتها بحوالي 5.9 مليار دولار.

هذه فقط أمثلة، غيض من فيض، تكشف أن مبررات التقشف في تحسين شروط التعليم والتعلم وباقي الخدمات الاجتماعية مبررات واهية، وأن ذلك التقشف هو نتاج سياسة نظام اجتماعي اقتصادي تخدم مصالح أقلية من أرباب العمل والأغنياء على حساب أغلبية المجتمع: أجيرات وأجراء وكادحين وفقراء.

بقلم سامر وائل

شارك المقالة

اقرأ أيضا