تحرير فلسطين والأنظمة الإقليمية

غير مصنف20 يناير، 2024

بقلم، جوزيف ضاهر، مجلة L›Anticapitaliste رقم 151 (ديسمبر 2023)

أدان قادة الدول العربية والإسلامية، في قمة مشتركة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي عقدت في 11 نوفمبر 2023 في العاصمة السعودية، الأعمال «البربرية» لقوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، لكنهم أحجموا عن اتخاذ إجراءات اقتصادية وسياسية عقابية ضد إسرائيل.
طالب البيان الختامي مجلس الأمن الدولي بتبني قرار «ملزم» لإنهاء «العدوان» الإسرائيلي. يدل هذا التقاعس عن اتخاذ إجراءات على التباينات بين الدول المختلفة، ولكن قبل كل شيء محاولات من قبل آخرين للبقاء مكتوفي الأيدي بوجه الحرب الإسرائيلية على غزة أو استغلال هذه القضية الفلسطينية من أجل خدمة مصالح كل دولة، بعيدا عن أي اعتبار للطبقات الشعبية الفلسطينية. يندرج هذا الوضع ضمن المعالم التاريخية الإقليمية.
بعد النكبة والعروبة والقضية الفلسطينية
بعد النكبة عام 1948، انخرط فلسطينيون عديدون في منظمات سياسية ذات نزعة عروبية. كان القوميون العروبيون، إلى جانب حركات العالم الثالث الأخرى، من نواح كثيرة جزءا من منظور التحويل الاجتماعي التدريجي للهياكل الاجتماعية والاقتصادية للقمع والهيمنة. تميزت السياسة الاقتصادية للحركات القومية العربية لعبد الناصر والبعث في ستينيات القرن العشرين برأسمالية الدولة التي روجت، من ناحية، لاستراتيجية معادية لرأس المال الأجنبي وبعض القطاعات الخاصة المحلية، ومن ناحية أخرى، سياسة تهدف إلى إعادة توزيع واسعة للثروة داخل مجتمعاتها. كما جرى ترجمت هذا التوجه أيضا إلى دعم المقاومة الفلسطينية الوليدة ضد العدو الإسرائيلي. ومع ذلك، فقد كرست هذه الأنظمة غياب مرجعية ديمقراطية مشتركة. وبالمثل، فإن أي استقلال ذاتي للحركة العمالية وأي شكل من أشكال المعارضة اليسارية والتقدمية جرى قمعه بعنف، وغالبا ما تكون الأقليات القومية هدفا لسياسة قمعية، مثل الأكراد في سوريا.
هبت، في جميع بلدان المنطقة، بعد هزيمة حرب الأيام الستة عام 1967، رياح تجذر قوي، أثرت بالخصوص على الشباب وشكلت جزء من موجة التجذر العالمية التي بلغت ذروتها عام 1968. كان التعبير الأكثر وضوحا عن هذا التجذر في الشرق الأوسط هو التوسع السريع جدا لمنظمات الكفاح المسلح بين اللاجئين الفلسطينيين، أولا في الأردن، واستيلائهم على منظمة التحرير الفلسطينية، التي أنشأتها جامعة الدول العربية في البداية، تحت وصاية مصر. بعد هزيمة حرب الأيام الستة، سرعان ما تجذرت منظمة التحرير الفلسطينية، واعتمدت ميثاقا وطنيا جديدا (في تموز/يوليوز 1968)، ودمجت مختلف المنظمات الفلسطينية المسلحة. وفي عام 1969، حصلت المنظمات الفلسطينية على استقلالها الذاتي عن الدول العربية. وسيطرت فتح على منظمة التحرير الفلسطينية وأصبح ياسر عرفات زعيمها.
والحال، أن أزمة الأنظمة القومية العربية عميقة. لقد مثلت هزيمة الأنظمة الجذرية في مصر وسوريا أثناء حرب الأيام الستة نقطة تحول ساطعة على المستوى الإقليمي، بما في ذلك بالنسبة للقضية الفلسطينية. ستتخلى مصر وسوريا ودول أخرى تدريجيا عن سياساتها الاجتماعية الجذرية والمناهضة للإمبريالية السابقة، وستبدأ أساليبها التنموية الرأسمالية المرتكزة على الدولة في الركود. ونتيجة لذلك، اختارت هذه الدول التقارب مع الدول الغربية وحلفائها في ممالك الخليج، وتبنت النيوليبرالية، واضعة حدا للعديد من الإصلاحات الاجتماعية التي أكسبتها شعبية بين قطاعات العمال والفلاحين. كما ستنقلب الأنظمة القائمة على الحركة الوطنية الفلسطينية ساعية عقد تسويات مع إسرائيل.
الأنظمة الإقليمية تخون النضال التحرري
ابتداء من سبعينيات القرن العشرين، طبع قمع الحركة الوطنية الفلسطينية والتقارب أو التطبيع أو شكل من أشكال التسوية الضمنية مع دولة إسرائيل العقود التالية. وقع الاشتباك الأول في الأردن: سحق النظام الملكي الحركة الوطنية الفلسطينية عام 1970 خلال الأحداث المعروفة باسم أيلول الأسود، ما أسفر عن مقتل الآلاف من الناس وطرد منظمة التحرير الفلسطينية.
وفي مصر، بعد وفاة الزعيم عبد الناصر في سبتمبر 1970، فرض النظام الجديد، بقيادة أنور السادات، اتجاها جديدا على السياسة المصرية، مخالفا السياسة الناصرية. فمن ناحية، سيقيم تحالفا ضمنيا مع حركة الإخوان المسلمين ضد القوى القومية والتقدمية في البلاد، ومن ناحية أخرى سينفذ سياسة الانفتاح، أي في الأساس سلسلة من الإجراءات المعززة للتحرير والخصخصة الاقتصادية. وبالمثل، حدث تقارب تدريجي لتوطيد أواصر متينة، ولا يزال هذا مستمرا حتى يومنا هذا، بين واشنطن والقاهرة بعد إبرام اتفاقيات كامب ديفيد والتوقيع الرسمي على اتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979. هكذا أصبح النظام المصري ثاني أكبر متلق للمساعدات الأمريكية (العسكرية بشكل أساسي) بعد إسرائيل، لتصل قيمتها إلى أكثر من مليار دولار سنويا. وتبعا لذلك، تتعاون مصر في الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عام 2007.
كما يمثل صعود حافظ الأسد إلى السلطة في سوريا قطيعة مع سياسة سلفه صلاح الجديد، الذي دعم الأعمال الفلسطينية المسلحة المنطلقة من الأراضي السورية. جاء حافظ الأسد مما يسمى القسم «البراغماتي» في حزب البعث، الذي لم يكن مؤيدا للسياسات الاجتماعية الجذرية والمواجهة مع الدول المحافظة في المنطقة، مثل ممالك الخليج. كان هدف الأسد هو ضمان استقرار نظامه وتراكم رأس المال باسترضاء أقوى قطاعات مجتمع الأعمال السوري. وفي الوقت نفسه، يعني وضع حد للأعمال المسلحة الفلسطينية، وبصورة أعم لجميع أشكال المقاومة من سوريا ضد إسرائيل، بما في ذلك تحرير الجولان السوري المحتل. لم تطلق، بين عامي 1974 و2011، رصاصة واحدة من الأراضي السورية ضد إسرائيل. والأسوأ من ذلك أن النظام السوري لن يتردد في قمع ومهاجمة الفلسطينيين والحركة الوطنية الفلسطينية.
في عام 1976، تدخل نظام حافظ الأسد السوري في لبنان ضد المنظمات الفلسطينية واللبنانية اليسارية كي يدعم الأحزاب اليمينية المتطرفة اللبنانية. كما قام بعمليات عسكرية ضد المخيمات الفلسطينية في بيروت في عامي 1985 و1986. وفي عام 1990، كان حوالي 2500 سجين سياسي فلسطيني محتجزين في السجون السورية.1 إذا رحب النظام السوري بحماس ودعمها لفترة، فإنه خفض مساعداته لها على نحو كبير عندما رفضت دعم الثورة المضادة للنظام ضد الانتفاضة الديمقراطية في العام 2011 وطردها في العام 2012. عادت العلاقات السياسية بينهما في عام 2022 بعد وساطة حزب الله اللبناني. ويخدم هذا التطور مصالح طهران في تعزيز نفوذها في المنطقة واستعادة العلاقات بين حليفيها.
وفي الآونة الأخيرة، تهدف عملية التطبيع غبر اتفاقيات إبراهام في عام 2020، التي بدأها الرئيس الأمريكي ترامب وواصلها بايدن، إلى تعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة بتعزيز التكامل السياسي مع دول المنطقة، وتعزيز الاندماج الاقتصادي لدولة إسرائيل في الشرق الأوسط. وكان هذا أيضا أحد أهداف اتفاقات أوسلو (التي ولدت ميتة) بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993. وتهدف عمليات التطبيع الرسمي بين إسرائيل وحلفائها في المنطقة، وخاصة دول الخليج، التي كان لمعظمها علاقات سابقة مع إسرائيل، إلى زيادة عزلة القضية الفلسطينية، بالموازاة مع تعزيز تحالف إقليمي يدعم الولايات المتحدة ويعارض إيران ويضمن الاستقرار الاستبدادي النيوليبرالي في المنطقة.
وتسعى أنظمة إقليمية أخرى، مثل إيران وتركيا، إلى دعم بعض الجماعات الفلسطينية لخدمة أهدافها السياسية. وفي حين حافظت إيران على علاقاتها السياسية مع حماس، إلا أنها خفضت مساعداتها للمنظمة بعد أن غادرت المنظمة الفلسطينية سوريا عام 2012 وما تلاها من خلاف حول هذه القضية. لم يفتح الباب أمام علاقات أوثق بين حماس وحزب الله وإيران إلا بعد استبدال خالد مشعل بإسماعيل هنية كرئيس لحماس في عام 2017. وعلاوة على ذلك، فإن تعيين الشيخ صالح العاروري – أحد مؤسسي الجناح العسكري لحماس، كتائب القسام – نائبا لرئيس المكتب السياسي للحركة، سهل هذا التطور أيضا. وكذلك كان شأن انتخاب يحيى السنوار، وهو عضو مؤسس آخر في كتائب القسام، زعيما للحركة في غزة. في الواقع، حافظ الجناح العسكري دائما على علاقات وثيقة مع إيران، على عكس المكتب السياسي للحركة التي يقودها مشعل. في الواقع، عارض قادة كتائب القسام محاولات مشعل خلال فترة ولايته لإبعاد حماس عن إيران وحزب الله، لصالح تحسين العلاقات مع تركيا وقطر وحتى المملكة العربية السعودية في مرحلة ما. ومع ذلك، لم تخل العلاقات المتجددة والمتعمقة مع إيران من الانتقادات داخل قطاع غزة وحتى بين القواعد الشعبية لحماس. تعرضت صورة لقائد فيلق القدس الإيراني الراحل الجنرال قاسم سليماني، معروضة على لوحة إعلانية في مدينة غزة، للتخريب والهدم قبل أيام فقط من الذكرى السنوية الأولى لوفاته. وقد أدانت حماس بشدة اغتيال سليماني بضربة أمريكية في بغداد عام 2020، حتى أن هنية سافر إلى طهران لحضور جنازته. واتهم المحرض على العملية، مجدي المغربي، سليماني بأنه مجرم. كما تم إزالة العديد من لافتات سليماني الأخرى وتخريبها، حيث أظهر مقطع فيديو شخصا يصفه بأنه «قاتل السوريين والعراقيين». ناهيك عن تعاون طهران مع الإمبريالية الأمريكية في أفغانستان والعراق. لهذا السبب، خلال الانتفاضة العراقية عام 2019، سار المتظاهرون تحت شعار «لا الولايات المتحدة ولا إيران»2. هذه الأمثلة وحدها تفكك فكرة أن إيران حليف موثوق للقضية الفلسطينية أو أنها دولة معادية للإمبريالية.
وبالمثل، تحافظ تركيا، على الرغم من انتقاد رجب طيب أردوغان لإسرائيل، على علاقات اقتصادية وثيقة مع ذلك الكيان. زاد أردوغان حجم التجارة مع تل أبيب من 1.4 مليار دولار عندما وصل إلى السلطة إلى 6.5 مليار دولار في عام 2020 3. وهكذا، فإن الأنظمة تقصر دعمها للقضية على المجالات المعززة لمصالحها الإقليمية وتخونها عندما لا تخدم ذلك. وفي الآونة الأخيرة، دعمت تركيا وإسرائيل عدوان أذربيجان واحتلالها العسكري لكاراباخ، التي كان يسيطر عليها الأرمن في البداية، ويسكنها الأرمن أساسا. أثبتت الطائرات بدون طيار الإسرائيلية والتركية، فضلا عن دعم أجهزة الاستخبارات في كلا البلدين، أنها ضرورية لانتصار أذربيجان على القوات المسلحة الأرمينية. وقد دفع هذا الاحتلال أكثر من 100 الف شخص إلى الفرار من إجمالي عدد السكان البالغ 120 الف نسمة.
استراتيجية الحركات السياسية الفلسطينية وٍحدودها
بعد فشل استراتيجيتها المتمثلة في الاعتماد على الدعم السياسي للأنظمة الإقليمية والتحالف معها، تحولت منظمة التحرير الفلسطينية إلى نهج أكثر تدميرا يتمثل في السعي إلى التوصل إلى اتفاق سلام بوساطة الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى. كان الأمل هو تحقيق تسوية الدولتين غبر اتفاقيات أوسلو عام 1993. إنه فشل ذريع على كافة المستويات بالنسبة للفلسطينيين.
وعلى نطاق أوسع، لا يقترح أي من هذه الأحزاب فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وغيرها استراتيجية سياسية قادرة على أن تؤدي إلى تحرير فلسطين.
لا ترى الأحزاب السياسية الفلسطينية المهيمنة الجماهير الفلسطينية والطبقات العاملة الإقليمية والشعوب المضطهدة بمثابة قوى قادرة على كسب تحرير فلسطين. وبدلا من ذلك، تسعى إلى تحالفات سياسية مع الطبقات الحاكمة في المنطقة وأنظمتها كي تدعم نضالها السياسي والعسكري ضد إسرائيل. إنها تتعاون مع هذه الأنظمة وتدعو إلى عدم التدخل في شؤونها السياسية، حتى حين تضطهد هذه الأنظمة طبقاتها الشعبية الخاصة والفلسطينيين-آت داخل حدودها.
يعد الأردن عام 1970 أحد الأمثلة الرئيسية على تطور هذا النهج، وبلغ ذروته في الأحداث المعروفة باسم أيلول الأسود. ورغم قوة منظمة التحرير الفلسطينية وتنظيمها وشعبيتها في الأردن – البلد الذي يشكل الفلسطينيون 70 في المئة من سكانه – رفضت قيادة فتح بقيادة ياسر عرفات في البداية دعم حملة للإطاحة بدكتاتور البلاد الملك حسين. وردا على ذلك، وبدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل، أعلن حسين الأحكام العرفية، وبوجود حكومات عربية إقليمية سلبية إلى حد كبير، هاجم حسين معسكرات منظمة التحرير الفلسطينية، وقتل آلاف المقاتلين والمدنيين الفلسطينيين، وفي النهاية طرد منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن إلى سوريا ولبنان.
وعلى الرغم من هذا التاريخ، وتجاربها اللاحقة في المنفى، اتبعت منظمة التحرير الفلسطينية استراتيجية التعاون وعدم التدخل في الشؤون الداخلية هذه لعقود. يدعم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بشكل عام النظام السياسي القائم في المنطقة. والجدير بالذكر أن عباس بعث برسالة تهنئة إلى الطاغية السوري بشار الأسد بمناسبة «إعادة انتخابه»4 في أيار/مايو 2021، رغم حملة القمع الوحشية التي شنها الأسد على الفلسطينيين المشاركين في الانتفاضة السورية وتدمير مخيم اليرموك للاجئين.
تتبع حماس استراتيجية مماثلة؛ فقد أقام قادتها تحالفات مع ممالك الخليج، وآخرها قطر، وكذلك مع النظام الأصولي في إيران. وفي عام 2012، أشاد إسماعيل هنية، رئيس وزراء حكومة حماس في غزة حينئذ، ب «الإصلاحات» في البحرين 5 عندما سحق النظام، بدعم من حلفائه الخليجيين، الانتفاضة الديمقراطية في البلاد. واعتبرها العديد من قادة حماس انقلابا «طائفيا»6 من قبل شيعة البحرين المدعومين من إيران.
وفي أبريل 2018، أشاد زعيم حماس السابق خالد مشعل بغزو تركيا واحتلالها لعفرين، سوريا، خلال زيارة إلى أنقرة. وقال إن «نجاح تركيا في عفرين يعد مثالا قويا»، متمنيا أن يتبعه «انتصارات مماثلة للأمة الإسلامية في العديد من الأماكن حول العالم». والحال أن احتلال عفرين من قبل القوات المسلحة التركية ووكلائها السوريين الرجعيين أدى إلى طرد أكثر من 150 ألف شخص، معظمهم من الأكراد، وقمع من بقوا هناك.
لسوء الحظ، نفذ اليسار الفلسطيني، في معظمه، نسخته الخاصة من نفس الاستراتيجية. امتنع هو أيضا عن انتقاد قمع حلفائه لشعبهم. فالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، على سبيل المثال، لم تعترض على جرائم النظام السوري، بل إنها دعمت جيشه ضد «المؤامرات الأجنبية»، معلنة أن دمشق «ستبقى شوكة في وجه العدو الصهيوني وحلفائه». وتسير علاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع الثيوقراطية الإيرانية على نمط مماثل.
ختاما
إن مفتاح تطوير استراتيجية تحرير أفضل هو وضع فلسطين في السياق الإقليمي. هناك علاقة جدلية بين نضالات الفلسطينيين-آت والطبقات الشعبية الإقليمية: عندما يقاتل الفلسطينيون-آت، فإن ذلك يؤدي إلى حركة تحرر إقليمية، والحركة الإقليمية بدورها تغذي نضال فلسطين المحتلة. وعلاوة على ذلك، نرى في المظاهرات الأخيرة للتضامن مع الشعب الفلسطيني أن الانتقادات الموجهة لسياسات هذه الأنظمة شديدة الصلة بتنازلاتها تجاه إسرائيل وسلطتها.
اعترف الوزير اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان بالخطر الذي تشكله الانتفاضات الشعبية الإقليمية على إسرائيل في عام 2011 عندما قال إن الثورة المصرية التي أطاحت بحسني مبارك وفتحت الباب أمام فترة من الانفتاح الديمقراطي في البلاد كانت تهديدا أكبر لإسرائيل من إيران.
إن استراتيجية الثورة الإقليمية القائمة على الصراع الطبقي من الأسفل في قاعدة المجتمع هي السبيل الوحيد لكسب التحرر ضد إسرائيل من جهة والأنظمة الاستبدادية الإقليمية من جهة أخرى، فضلا عن داعميها الإمبرياليين، من الولايات المتحدة إلى الصين وروسيا.

*************

 * جوزيف ضاهر ناشط في الأممية الرابعة في سويسرا، وأستاذ زائر في معهد الجامعة الأوروبية في معهد الجامعة الأوروبية. وهو مؤلف كتاب «سوريا، استشهاد ثورة، 2022»، طبعات منهج، 20 يورو، وحزب الله: أصولية دينية في اختبار النيوليبرالية، 2019، طبعات منهج، 20 يورو.

*********

إحالات: 
1. لمزيد من المعلومات حول التعاون بين الحركات اليسارية السورية والفلسطينية في سوريا خلال هذه الفترة، انظر «حزب العمل الشيوعي السوري. الخبرة والإرث»، جوزيف ضاهر، Contretemps web، 9 فبراير 2021.
2. «لا لأمريكا … لا لإيران: حركة الاحتجاج في العراق في ظل الجغرافيا السياسية»، طيف الخضري، مدونة مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، 20 يناير 2020.
3. «التجارة بين تركيا وإسرائيل تزداد سوءا – تقرير»، أحوال تركية، 15 مايو 2021.
4. «عباس يهنئ الأسد على إعادة انتخابه رئيسا لسوريا»، ميدل إيست مونيتور، 26 يوليو 2014.
5. «جلالة الملك يستقبل هنية ويشدد على أهمية توحيد الصف الفلسطيني»، الأيام، 4 شباط/فبراير 2012.
6. «الضوء في نهاية أنفاقهم؟ حماس والانتفاضات العربية، تقرير الشرق الأوسط رقم 129»، ريوورلد، 14 أغسطس/آب 2012.
7. «من هي الجهات الفاعلة الراضية عن فوز أردوغان؟»، نزهة إتسادو سالتانه، مجلة السياسة الدولية، 3 مايو 2018.
8. «مباركة خامنئي على نتيجة الانتخابات. الجبهة الشعبية تهنئ إبراهيم رئيسي على فوزه في الانتخابات الرئاسية الإيرانية»، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، 20 حزيران/يونيو 2012.
9. «مصر أخطر من إيران»، هيلاري زاكن، تايمز أوف إسرائيل، 22 نيسان/أبريل 2012.

************************************************** 

إفلات إسرائيل من العقاب يفاقم حدة التوترات الإقليمية

بقلم ضاهر جوزيف، الخميس 4 يناير 2024

منذ بداية حرب إسرائيل على قطاع غزة في أعقاب عمل حركة حماس المسلح في 7 تشرين الأول/أكتوبر، تصاعدت التوترات الإقليمية باطراد دون تحولها (حتى الآن) إلى حرب مفتوحة ومباشرة. تزداد أخطار اندلاع اضطرابات إقليمية أكثر دموية، بوجه عنف جيش الاحتلال الإسرائيلي المدعوم من حلفائه الإمبرياليتين في الغرب.
قامت دولة إسرائيلية خاصة بتكثيف عمليات قصفها وهجماتها على لبنان وسوريا في الأسابيع الأخيرة. في 25 كانون الثاني/ديسمبر 2023، جنوب دمشق، اغتالت صواريخ إسرائيل العميد رضي موسوي، أبرز قادة فيلق القدس، فرع العمليات الخارجية، ووحدة النخبة في الحرس الثوري، جيش جمهورية إيران الإسلامية الأيديولوجي. وعد قادة إيران بالرد على هذا الاغتيال.
أخطار تدهور الأوضاع على الجانب اللبناني
مع ذلك، تأتي أكبر المخاطر من لبنان، وخاصة بعد اغتيال جيش الاحتلال الإسرائيلي في هجوم على ضاحية جنوب بيروت في يوم 2 كانون الثاني/يناير 2024، صالح العاروري، الرجل الثاني في المكتب السياسي لحركة حماس، وأحد قادة جناحها العسكري، كتائب القسام. كما قتل في الهجوم شخصان آخران من حركة حماس، وهما سمير فندي وعزام الأقرع، فضلا عن أربعة آخرين منتمين إلى الحركة، لكن أيضاً إلى الجماعة الإسلامية اللبنانية.
كان زعيم حركة حماس العاروري مقيما في لبنان منذ عام 2018. سجن مرتين، وأمضى اثني عشر عاما في معتقلات إسرائيل قبل إطلاق سراحه في نيسان/أبريل عام ل 2010. كان أفضل محاوري الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. حتى الآن، لم يكن حزب الله، وحتى داعمه إيران، راغبين في نشوب اشتباك عسكري كبير جدا ومكلف ضد إسرائيل. اكتفت المنظمة اللبنانية بكونها «جبهة ضغط» ضد تل أبيب، على حد تعبير حسن نصر الله مرارا وتكراراً.
مع ذلك، أسفرت هجمات إسرائيل بالفعل عن مقتل 140 من أعضاء حزب الله بين 8 تشرين الأول/أكتوبر عام 2023، وأوائل كانون الثاني/يناير عام 2024. كما أدى ما يشنه جيش الاحتلال الإسرائيلي من غارات جوية، وطائرات بدون طيار، على قرى جنوب لبنان إلى نزوح ما يفوق 64 ألف شخص إلى مناطق أكثر «أمانا»، وألحق أضرارا بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والمساكن. لكن، قد يفضي اغتيال الزعيم الفلسطيني العاروري في ضاحية جنوب بيروت إلى تصعيد التوترات بين لبنان وإسرائيل بشكل خطير، مع رد فعل محتمل من حزب الله في الأيام المقبلة.
الحوثيون ضد القوات المسلحة الأمريكية في البحر الأحمر
وعلى النحو ذاته، على الجانب اليمني، تتصاعد التوترات بين حركة الحوثيين السياسية والمسلحة في اليمن والقوات المسلحة الأمريكية. كثف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر ضد سفن يعتبرونها «مرتبطة بإسرائيل»، منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، تضامنا مع الفلسطينيين/ات. وردا على ذلك، أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل كانون الأول/ديسمبر قوة بحرية متعددة الجنسيات لحماية السفن في البحر الأحمر، الذي تعبره نسبة 12%من التجارة العالمية. في 31 كانون الأول/ديسمبر عام 2023، قتل عشرة مسلحين حوثيين في البحر الأحمر بعد اعلان الجيش الأمريكي اغراق ثلاثة من زوارقهم ردا على هجمات على سفينة شحن دنماركية. كانت هذه أول ضربة قاتلة ضد الحوثيين منذ اعلان الولايات المتحدة الأمريكية إنشاء القوة البحرية متعددة الجنسيات. بالإضافة إلى هذه الإجراءات، فرضت واشنطن عقوبات ضد قنوات تمويل الحوثيين، وعديد من الأفراد والكيانات في اليمن وتركيا التي ترى تورطها في هذه التمويلات.
بينما لا تتوقف حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، ويؤكد قادة حكومة إسرائيل مواصلة الحرب ضد قطاع غزة «طوال عام 2024»، يشكل إفلات إسرائيل من العقاب تهديدا دائما على الطبقات الشعبية الإقليمية، ويفاقم استمرار أخطار حرب إقليمية.

شارك المقالة

اقرأ أيضا