النسوية الايكولوجية: من أجل عالم مغاير ممكن

مقابلة مع أليسيا بوليو Alicia Puleo

أليسيا بوليو غارسيا دكتورة في الفلسفة بجامعة Complutense في مدريد. أستاذة بجامعة الفلسفة الأخلاقية، وعضو بمجلس كرسي دراسات الجندر في جامعة فالادوليد. صدرا لها كتاب بعنوان: النسوية الايكولوجية من أجل عالم مغاير ممكن.

 

  • ما فحوى النسوية الايكولوجية؟
  • أنا أفهمها بما هي التقاء الوعي النسوي والايكولوجي والسلمي والمدافع عن الحيوانات في القرن واحد وعشرين حيث لا غنى من إعادة النظر في فهمنا لمكانة البشرية على أرضنا. ليست النسوية الايكولوجية مجرد حفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض. فالنسوية الايكولوجية تربط الانشغال بالعدالة إزاء البشر بالإيكولوجيا الاجتماعية. لكن يجب أن أؤكد مع ذلك على أنني أجيب على سؤالكم انطلاقا من موقعي النسوي الايكولوجي. لكن ثمن طرائق متباينة للتفكير في النسوية الايكولوجية، فالبعض لا يهتم بموضوع “الحيوان الآخر”. ما يتقاسمه الجميع هو الانشغال بالمواضيع الايكولوجية المتعلقة خصوصا بالنساء. نحن النساء شديدات التأثر بيولوجيا وهرمونيا بالمواد السامة المستعملة حاليا، ونحن معنيات كمستهلكات وكمنتجات سواء بسواء.

أتناول مثال النساء الفلاحات، وحتى نساء يعشن في مناطق قريبة من حقول الزراعة، إنهن معرضات جدا لمبيدات الأعشاب ومبيدات الحشرات في تلك المناطق. المواد السامة المستعملة في الزراعة هي مسببة لاضطرابات الغدد الصماء، مواد كيماوية شبيهة بالأستروجين قادرة على التسبب في أمراض نسائية خاصة. هذا لا يعني طبعا أن الرجال لا يتأثرون بالمواد الكيماوية الخطيرة. لكن متلازمة الحساسية الكيماوية المفرطة المتعددة تمس النساء بوجه خاص، وتؤكد دراسات عديدة أن تزايد سرطان الثدي في العقود الأخيرة ناجم عن التعرض للمواد السامة الزراعية، وللديوكسينات التي تطلقها في الطبيعة أفران الإحراق وللراتنجات الاصطناعية في مواد الصباغة، الخ.

ومن جانب آخر، وكما سبق لفاندانا شيفا Vandana Shiva أن أكدت، شهد وضع النساء القرويات والفقيرات فيما يسمى “العالم الثالث” تدهورا مع “التنمية السيئة”. لقد دمرت الثورة الخضراء (خضراء ليس بالمعنى الايكولوجي لأن هذا الاسم أطلق على تكثيف الإنتاج الصناعي للزراعات الأحادية) الإنتاج العائلي الفلاحي. ومع عولمة الرأسمالية، جرى تحويل مساحات كبيرة برية. إحدى دوافع ميلاد النسوية الايكولوجية في الجنوب هي بالضبط الانخفاض الحاد لجودة حياة ملايين النساء التي يتعين عليهن حاليا السير كيلومترات عديدة لإيجاد المياه أو الحطب لبيوتهن لأن أراضيهن مخصصة للسوق العالمية.  الاستغلال العملاق للمناجم، وتدمير الأراضي بزراعة الصويا المعدلة جينيا، يجبران البشر على الرحيل ويقضيان على “غير البشر”. تسميم الماء والأرض والهواء هي الشكل الجديد والأخير للاستعمار. وهي أشد ما شوهد وحشية وشمولية. النسوية الايكولوجية شكل مقاومة ضد السيطرة والجشع بلا حدود ووهم الجبروت الذي يجعل الإنسان كائنا مختلفا كليا ومنفصلا عن الطبيعة.

 

 ما هي إسهامات النسوية الايكولوجية لصالح النسوية ولصالح الايكولوجيا؟

 

 اغتنت النسوية بالحساسية البيئية وبفهم الأزمة الايكولوجية العميقة التي نعيش. كما تفتح أبوابا لنقد نزعة مركزية البشر التي تعتبر الإنسان جديرا بالاعتبار الأخلاقي. وتساعد على إدراك وجود بعد ايكولوجي في بعض المشاكل التي تعاني منها الجماعة النسائية، وكذا في الحلول. كانت النسوية دوما منفتحة على النظريات والموضوعات الجديدة. وليس مفاجئا أن تنفتح اليوم على الايكولوجيا.

الايكولوجيا تستفيد في الآن ذاته لأن المفاتيح التحليلية للنسوية مفيدة لها، ومطالب المساواة تجعلها أشد جاذبية للنساء. أحد المخاوف التي تثيرها الخطابات الايكولوجية لدى النساء هي تدهور إضافي لأوضاعهن السيئة. يجب أن تكون الايكولوجيا واضحة ومستعدة للعمل ضد الميز الجنسي ونزعة مركزية الذكور.

أخيرا أود الإشارة أن ثمة نقاطا مشتركة بين ما سمي “المواطنة الايكولوجية” كشكل مأمول للعيش في العالم و “أخلاق الرعاية” التي درستها النظرية النسوية في السنوات الأخيرة. الاثنان نموذجا تعاون ومسؤولية، والاثنان يقترحان التخلي عن استبداد المنطق الأناني والتجاري.

 

  • أنت تدافعين عن نسوية ايكولوجية للإيضاح. ماذا تعني؟

 

تكلمت عن “نسوية ايكولوجية نقدية” أو مُوضِّحة لتحديد موقفي النظري. يستتبع هذا مراجعة لتراث الإيضاح (الأنوار) الذي يميز بين ما يجب تغييره وما يجب الحفاظ عليه. مثلا، لا يمكن إنكار حقوق الإنسان، ثالوث الحرية والمساواة والأخوة، التي هي أصل حركات التحرر مثل الاشتراكية واللاسلطوية والنسوية أو تقدير الحيوانات “غير البشرية” في العالم الغربي. يُسعى إلى تطبيق التفكير النقدي الموضح على الإيضاح ذاته دون بلوغ التآكل. للإيضاح تراث مزدوج، كما أبرزت النسوية بتنديدها بأشكال البطريركية الأخوية المنبثقة مع الثورات البرجوازية. أو مثلا بممارسات السيطرة على الطبيعة.

 

  • هل ثمة نقاط مشتركة بين النسوية التي تدافعين عنها ونسوية نساء الجنوب، أم أن نسوية الإيضاح لا تخاطب سوى نساء الشمال؟

 

طبعا ثمة نقاط مشتركة بين النسوية التي أدافع عنها والنسوية الايكولوجية للجنوب. فبيان النساء من أجل السيادة الغذائية (نييليني، مالي، 2007) يبدو لي نصا متطابقا تماما مع أفكارنا. مثلا قول البيان: “بإدراج نضالنا في النضال من أجل المساواة بين الجنسين، لم نعد نقبل التعرض لاضطهاد المجتمعات التقليدية ولا لقهر المجتمعات الحديثة، ولا السوق. نريد انتهاز هذه الفرصة لنترك خلفنا كل مُسبقات الميز الجنسي، وتطوير رؤية جديدة للعالم قائمة على مبادئ الاحترام والمساواة والعدالة والتضامن والسلم والحرية”؛ فيه تعرف على نوعين من اضطهاد النساء، وتعبير عن الحاجة إلى النضال ضدهما معا. ليس ثمة إضفاء للطابع المثالي على الماضي، ولا رؤية غير نقدية لــ”التنمية” المدمرة.  يجب أن تتحد نسويات الشمال والجنوب في التضامن العالمي من أجل بناء مشروع مشترك لعالم مغاير ممكن.

 

  • ما تفسير هذا القدر من المقاومة في القطاعات النسوية وفي الحركات الاجتماعية لتملك هذا الموضوع؟

 

اعتقد أن لدى الأغلبية إغفال للتيارات البنائية الأحدث. يجري تحديد النسوية الايكولوجية بمنطق إضفاء ثنائية قطبية على الجنسين دون إعلام بأن ثمة خيارات أخرى. يعتقد العديد من النسويات بأن النسوية الايكولوجية مرادف لمماثلة المرأة مع الطبيعة والأمومة. أعارِكُ منذ أمد بعيد من أجل البرهنة أن هذا غير صحيح. ثمة أيضا الخوف من تقديس الحياة الراهنة، وهذا قد يهدد الحقوق الجنسية والإنجابية، لاسيما في الوقف الإرادي للحمل. أحد محاور النسوية الايكولوجية النقدية التي اقترح هو الاعتراف بهذه الحقوق المكتسبة بجهد أجيال النساء اللائي ناضلن من أجل هذا. وليست النسوية الايكولوجية الوحيدة التي تمثل هذا. نفس النسويات الايكولوجيات الروحانيات بأمريكا اللاتينية في شبكة Con-Spirando ينتمين إلى “كاثوليكيات من أجل الحق في القرار”.

 

  • هل يمكن لرجل الدفاع عن النسوية الايكولوجية؟

 

طبعا، يمكنه ذلك! ليس للنسوية الايكولوجية كما أقدمها أساس أنثروبولوجي فلسفي جوهراني، ولا بنائي. نحن، رجالا ونساء، أفراد بهويات اجتماعية تتغير مع الزمن وتتحسن. وتتمثل نقطة أساسية في إعادة تثمين مواقف وممارسات الرعاية، معممةً في العالم غير البشري وشموليته. نحن قادرون وقادرات على تطويرها. هذا مع يجعل التربية الايكولوجية ضرورية، لاسيما للنضال ضد المُنَمَّطات الذكورية المفصولة عن المشاعر، من قبيل التعاطف والإشفاق، المنمطات المدمرة المهيمنة في تاريخ السيطرة. ثمة اليوم الكثير من الرجال الناقدين لهذه النماذج والساعين لتغييرها. لذا يمكن أن تكون النسوية الايكولوجية خيارهم!

أجرى المقابلة خوان تورتوزا، ترجمة المناضل-ة

المصدر: https://www.cadtm.org/spip.php?page=imprimer&id_article=14838

شارك المقالة

اقرأ أيضا