فهم العنف القائم على النوع الاجتماعي في عصر النيوليبرالية

النساء2 مارس، 2024

بقلم، تيثي باتاشاريا،27 مايو 2019

ترجمة جريدة المناضل-ة

في هذه المقالة، تقترح تيثي باتاشاريا تأريخ وتقديم فهم شامل لتطور الجرائم القائمة على النوع الاجتماعي في العالم منذ الأزمة الاقتصادية. وتكشف، بالاعتماد على تكهنات وافتراضات النسوية الماركسية، الروابط المعقدة بين أيديولوجية التقاليد، وصعوبات الوصول إلى المنتج الاجتماعي، واستراتيجيات رأس المال في عصر النيوليبرالية.

لتحميل الملف، اضغط-ي على الرابط:فهم العنف القائم على النوع الاجتماعي في عصر النيوليبرالية

لنبدأ بهذا المشهد: رجل أبيض عار يلاحق امرأة سوداء، طالبة لجوء، تتقاضى أجرا منخفضا في قاعات فندق باهظ الثمن في مانهاتن في محاولة لإجبارها على ممارسة الجنس معه. الرجل، كما ستفهم، هو إذن دومينيك شتراوس كان، مدير صندوق النقد الدولي، والسياسي الفرنسي. وكانت المرأة، البالغة من العمر حينها 33 عاما، هي نفيساتو ديالو، خادمة في الفندق الذي كان يقيم فيه شتراوس كان، والتي كانت تطلب اللجوء في الولايات المتحدة بعيدا عن موطنها غينيا، وهي مستعمرة فرنسية سابقة.

ورغم إسقاط جميع تهم الاغتصاب والاعتداء على رئيس صندوق النقد الدولي السابق، فقد اضطر إلى دفع ما يمكن اعتباره ثمنا باهظا–بما في ذلك، من بين أمور أخرى كثيرة، استقالته ودفع تعويض مالي كبير للسيدة ديالو. هل تحققت العدالة؟ يجب أن تكون الإجابة على هذا السؤال موضع اهتمام كل ثوري (ة) ماركسي (ة)، بالنظر إلى أنه يظهر من هذا المثال إقامة تباين حقيقي في التعامل بين هاتين الشخصيتين، وهدف هذا المقال تتبعه.

يجب أن يكون هذا المشهد رمزا لعصرنا. إنه مبدع من حيث إنه يجسد تلك اللحظة حيث يتبخر التمييز بين الفرد والمجتمع، ويظهر الأفراد–الرجل الأبيض العاري الثري والمرأة السوداء ذات الأجر الهزيل- كرموز مثالية للمجتمع.

وغني عن القول إن القوة التمثيلية لصورة شتراوس- كان في الاعتداء على ديالو تحمل في طياتها القوة الحالية الممارسة من قبل المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي على بلدان الجنوب العالمي مثل غينيا. من ثمانينيات القرن العشرين إلى الوقت الحاضر، جرى تفكيك التحفيز الكينزي بشكل منهجي لصالح نظام جديد للتراكم. حل هذا التسلسل الجديد، الذي اخترنا أن نسميه لاحقا وبحق، «النيوليبرالية»، على حد تعبير نانسي فريزر، محل «الصيغة القديمة» المتمثلة في «استخدام السياسة العامة لترويض الأسواق»، وأسست عملية سياسية جديدة متمثلة باستخدام «الأسواق لترويض السياسة العامة». وفي بلدان مثل البلد الذي هاجرت منه نفيساتو ديالو، غينيا، اتخذت هذه العملية شكل برامج التقويم الهيكلي المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، حيث تشكل الديون بالنسبة لهذه البلدان «مثل بندقية مصوبة على الرأس [2]».

يميل المحللون المعتادون، عند مناقشة النيوليبرالية، إلى تركيز مناقشاتهم على قطاعات معينة من الاقتصاد الرسمي–في الغالب، المجالات الاقتصادية التي لا يملك الناس العاديون عليها أي سيطرة تذكر. وفقا لهذا السرد، يبدو أن التغييرات التي حدثت في الاقتصاد العالمي منذ ثمانينيات القرن العشرين قد جرى ردها تماما إلى أداء الأسوق المالية وأسواق مقايضة سندات التخلف عن سداد القروض. بصفتنا ماركسيين ثوريين، فإن مفهومنا للرأسمالية لا يقتصر على تحليل سلسلة من الظواهر الاقتصادية، بل يتصورها كنظام متكامل للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية. نحن نفسر النيوليبرالية على أنها استراتيجية محددة يتبعها رأس المال في فترة ما بعد الحرب–استراتيجية لها تاريخ أكثر ثراء وعواقب أوسع من بيع وشراء المنتجات المشتقة.

في مقال نشر مؤخرا في مجلة الاشتراكية الدولية [3]، يناقش نيل ديفيدسون تاريخ النيوليبرالية بكل عمقها وتعقيدها. يصف هذا المقال بالتفصيل السيرورات المتناقضة في كثير من الأحيان المؤدية إلى تشكيل النيوليبرالية كاستراتيجية «سياسية اقتصادية» تتبناها «طلائع» الطبقة الحاكمة (مثل مارغريت تاتشر في بريطانيا) ردا على أزمة الربحية في منتصف سبعينيات القرن العشرين. إنه يظهر كون النيوليبرالية على حد سواء:

  • استراتيجية جديدة لتراكم رأس المال جرى تنفيذها بعد أزمة 1973-1974.
  • مجموعة من السياسات الاقتصادية التي تشجع تراكم رأس المال بينما تسحق الطبقة العاملة ومنظماتها.

في العقود الأربعة التي يغطيها تحليل ديفيدسون، من الشائع ملاحظة أن سياسات الحكومات المنتخبة في جميع أنحاء العالم لم تتزامن دائما مع الاحتياجات الجديدة لإعادة هيكلة الرأسمالية النيوليبرالية. من وجهة نظر النظام، أصبح ضروريا ظهور طلائع سياسية للطبقة الحاكمة – أولئك الذين يسميهم ديفيدسون «مناهضي لينين» – وأن تكسب مواجهات طبقية داخل اقتصاداتها الوطنية. ورغم أن الأمر استغرق وقتا وبعض التعديلات الهامشية، إلا أن السياسة الاقتصادية والاستراتيجية السياسية والأيديولوجية النيوليبرالية أصبحت مهيمنة بين 1973-1974 والانهيار المالي في عام 2008:

بمجرد تأسيس النظام النيوليبرالي في الولايات المتحدة وفرضه على المؤسسات الاقتصادية العابرة للأوطان التي يديرها، اكتسب نموذجه قوة تراكمية: في البلدان المتقدمة، أجبرت الحاجة إلى التنافس مع الولايات المتحدة البلدان الأخرى على تبني الأشكال التنظيمية التي يبدو أنها أعطت حتى الآن أمريكا الشمالية الميزة الاقتصادية، في حين كان على بلدان الجنوب قبول شروط المؤسسات الدائنة–إعادة هيكلة الاقتصادات تحت رعاية النيوليبرالية–من أجل الحصول على المساعدات والتمويل [4].

إن لم يتناول سرد ديفيدسون بصورة مباشرة الطابع الجندري للنيوليبرالية، فإنه يستحضر، عبر سلسلة ملاحظات حادة، إضفاء الطابع الفردي على الحياة الاجتماعية التي أحدثها هذا النظام الجديد. في المقام الأول، يلاحظ أن الخدمات العمومية لم تتخل عنها الدولة، ولكن «أعيد تشكيلها» بطريقة جرى عبرها نقل الطفولة المبكرة أو العمر الثالث والرابع- والتي عادة ما تعني النساء– «تدريجيا […] من الدولة إلى الأسرة بواسطة ترتيبات «غير رسمية» خضعت لاحقا لرقابة الخدمات الاجتماعية. وبشكل أكثر تحديدا، في سياق ما أود أن أناقشه، يذكرنا ديفيدسون، سيرا على خطى علماء الاجتماع ريتشارد ويلنسون وكيت بيكيت، بأن الانهيار المحتمل للعلاقات الاجتماعية هو أحد العواقب غير المرغوبة للطابع الجائر للنظام النيوليبرالي.

على الرغم من عدم وجود إرادة حكومية وراء هذه الظاهرة، إلا أن إضعاف التماسك الاجتماعي، وزيادة العنف، وحمل الأحداث، والسمنة، وإدمان المخدرات […] عواقب غير مرغوبة لإعادة توزيع الدخل الجديدة [5].

تهدف هذه المقالة إلى تطوير هذه الفرضية. كيف أثرت السياسات النيوليبرالية والأيديولوجية التي تحملها على العلاقات بين الجنسين؟ هل يمكن النظر إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي– التي غالبا ما يجري تقديمها أيديولوجيا وسياسيا من قبل الطبقة الحاكمة- على أنه نتاج للعمليات الاجتماعية والاقتصادية؟ حين نعتبر، على خطى ديفيدسون، توطيد النظام النيوليبرالي مجزأ وغير منتظم مجاليا (بين الدول القومية) وزمنيا (من سبعينيات القرن العشرين إلى الوقت الحاضر)، من المهم التأكيد على أن مصير العلاقات بين الجنسين يتبع هذا المسار المشترك، ولكن غير المتكافئ. تسعى هذه المقالة إلى تقديم خطوط عريضة لفهم العلاقات بين النوع الاجتماعي والسياسة الاقتصادية، وليس دراسة تاريخية مفصلة لبلدان أو سياسات محددة. والعناصر الرئيسية للحِجاج هي:

أولا، أدت هذه العقود الأربعة من النيوليبرالية إلى تصعيد حقيقي للجرائم القائمة على النوع الاجتماعي في معظم البلدان. قادت الأزمة المالية في 2008 إلى تفاقم المشكلة التي كانت خطيرة بالفعل. لم يعد بإمكاننا التظاهر بأن شيئا لم يحدث ويجب على المناضلين-آت الثوريين-آت البدء في تناول هذه المشكلة بشكل نقدي.

ثانيا، كماركسيين-آت، لا يكفي أن نصف آثار التصعيد المستمر لهذا العنف: يجب أن نقدم تفسيرا له.

ثالثا، تسعى الرأسمالية، عندما تواجه أزمة، إلى إيجاد حل من خلال وسيلتين مترابطتين بشكل وثيق: (أ) بواسطة محاولة إعادة هيكلة الإنتاج، كما يمكن التدليل على ذلك عبر تدابير التقشف؛ (ب) عن طريق محاولة إعادة تنظيم إعادة الإنتاج الاجتماعي، كما يتضح من الرغبة في تعزيز الهويات الجندرية وإعادة تدوير الأيديولوجيات حول عائلة «الطبقة العاملة». إذا أردنا أن نفهم هذا التزامن والوحدة في إعادة هيكلة الرأسمالية، فإننا بحاجة إلى العودة النقدية إلى التحليل الماركسي بشأن اضطهاد النساء، علما أن تناول هذا الاضطهاد يجري بصورة أفضل بواسطة الإطار التحليلي المقترح من قبل نظرية إعادة الإنتاج الاجتماعي.

إعادة الإنتاج الاجتماعي كإطار تحليلي

إن إعادة الإنتاج الاجتماعي مفهوم رئيس في الاقتصاد السياسي الماركسي لأنه يتيح إظهار كيف أن «إنتاج ظروف الوجود المادية وإنتاج البشر أنفسهم جزء من نفس السيرورة الشاملة». [6] وفقا لماركس، يعد العمل البشري مصدر كل قيمة (بالمعنى الاقتصادي). تُعَرف ليز فوغل، وهي منظرة نسوية بارزة ل «إعادة الإنتاج الاجتماعي»، قوة العمل، على خطى ماركس، بأنها «قدرة متجسدة في الإنسان يمكن أن تتخذ شكلا مستقلا عن الوجود المادي والاجتماعي لهذا الأخير» [7]. تمكنت الطبقات الحاكمة، في المجتمعات الطبقية، من استغلال قوة العمل – وقدرتها على إنتاج قيم استعمالية – لمصلحتها الخاصة. وفي الوقت نفسه، فإن البشر هم «رافعات» قوة العمل- يمرضون، ويصابون ويشيخون، ويموتون في نهاية المطاف، وبالتالي هناك حاجة لتعويضهم. ولذلك، توجد حاجة إلى عملية لإعادة إنتاج قوة العمل، وتلبية احتياجاتها اليومية وتجديدها على المدى الطويل.

رغم أن ماركس اعتبر إعادة إنتاج قوة العمل بعدا مركزيا لإعادة إنتاج المجتمع، إلا أنه لم يفسر جميع آثاره. تقترح فوغل تعداد أنواع السيرورات الثلاث التي يجري عبرها إعادة إنتاج قوة العمل في المجتمعات الطبقية:

  • الأنشطة اليومية المختلفة التي تعيد قدرة العمل للمنتجين المباشرين.
  • مختلف الأنشطة المماثلة التي تهم الأعضاء غير القادرين على العمل بين الطبقات المضطهدة (الأطفال، أو كبار السن، أو العجزة، أو الأشخاص غير المنضمين إلى السكان النشيطين لأسباب مختلفة).
  • الأعمال التي تسمح باستبدال أعضاء الطبقات المضطهدة الذين لم يعد بإمكانهم العمل لأي سبب من الأسباب.

لذلك فإن نظرية إعادة الإنتاج الاجتماعي ضرورية لفهم جوانب اشتغال النظام الرئيسة:

  • وحدة المجموع الاقتصادي والاجتماعي. من الصحيح عموما القول إنه في ظل النظام الرأسمالي، تُعيل غالبية السكان أنفسهم وأسرهم عبر مزيج من العمل المأجور والعمل المنزلي غير مأجور. ومن الأهمية بمكان اعتبار هذين الشكلين من العمل عنصرين لنفس العملية.
  • التناقض بين تراكم رأس المال وإعادة الإنتاج الاجتماعي. لا تخلو قبضة رأس المال على إعادة الإنتاج الاجتماعي من حدود. في الواقع، توفر إعادة الإنتاج الموارد الأساسية للإنتاج، أي البشر. لكن تطوير الممارسات التي يعيد البشر عبرها إنتاج أنفسهم لا يخلو من التناقض مع ضرورات الإنتاج. إذا حاول الرأسماليون استخراج أكبر قدر ممكن من العمل من العمال، فإن العمال يحاولون في المقابل الحصول على أفضل الأجور والمزايا حتى يتمكنوا من إعادة إنتاج أنفسهم، بشكل فردي ومن جيل إلى جيل، ومن يوم إلى آخر.

أرباب العمل لديهم مصلحة في إعادة الإنتاج الاجتماعي. لا ينبغي فهم إعادة الإنتاج الاجتماعي على أنه مهمة ربة المنزل وحسب، التي عليها أن تطبخ وتنظف بمفردها، كي يعود زوجها العامل بأجر إلى العمل كل صباح «منتعشا وجاهزا». يهتم رب العمل بتفاصيل الطريقة التي تجري بها إعادة إنتاج قوة العمل اجتماعيا. بهذا المعنى، ليس المهم فقط الطعام المطبوخ والملابس النظيفة والجاهزية كل صباح لقضاء يوم جديد في معبد الرأسمال. يتعلق الأمر بتحديد نوعية قوة العمل من جميع جوانبها، مثل التعليم، و»القدرة على استخدام اللغة […] الصحة العامة» وحتى «الاستعداد للعمل» [8]. يجري تحديد كل قدرة ثقافية عن طريق الوضع التاريخي ويمكن إعادة التفاوض بشأنها من قبل كل من المستغَلين والمستغِلين. قانون العمل، وسياسات الصحة العامة والتعليم، ومساعدة الدولة للعاطلين عن العمل، كل هذه السمات مجرد أمثلة قليلة على عواقب هذه المفاوضات ومجالاتها.

لهذا السبب، يلزم التفكير في إعادة إنتاج المجتمع كمهمة يجري تنفيذها بثلاث طرق مترابطة: أ) كعمل غير مدفوع الأجر داخل الأسرة، تقوم به النساء والرجال بشكل متزايد (ب) كخدمات تقدمها الدولة في شكل «أجر اجتماعي» للتخفيف إلى حد ما من العمل غير مدفوع الأجر في المنزل. ج) كخدمات خاصة يقدمها فاعلون في السوق.

شرعت السياسات النيوليبرالية، تحت ستار خطاب المسؤولية الفردية، في تدمير الخدمات العمومية ونقل إعادة الإنتاج الاجتماعي بالكامل إلى الأسر الفردية أو مقدمي الخدمات من القطاع الخاص. من المهم التأكيد على أن الرأسمالية كنظام تستفيد من عمل إعادة الإنتاج الاجتماعي المجاني داخل الأسرة، ومن الإنفاق (المحدود) للحكومات على الأجور الاجتماعية. لا يمكن للنظام الاستغناء عن إعادة الإنتاج الاجتماعي «اللهم إن أراد تعريض عملية التراكم للخطر»، بقدر ما تضمن إعادة الإنتاج استمرار وجود سلعة تحتاجها الرأسمالية قبل كل شيء: قوة العمل (البشرية) [9]. إن فهم هذا الارتهان المتناقض بين الإنتاج وإعادة الإنتاج الاجتماعي أمر ضروري لفهم الاقتصاد السياسي للعلاقات بين الجنسين، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي.

ولكن قبل دراسة كيف يمكن لنظرية إعادة الإنتاج الاجتماعي أن تفسر العلاقات بين الجنسين، نحتاج إلى أن نأخذ في الاعتبار مدى العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ظهر في السنوات الأخيرة، من أجل فهم الحاجة الملحة لإجراء مثل هذا البحث النظري. وجد التقرير الأول لمنظمة الصحة العالمية عن العنف ضد النساء ككل، الذي نشر عام 2013، أن أكثر من ثلث نساء العالم، 35.6 في المائة، سيتعرضن للعنف الجنسي أو الجسدي في حياتهن، وغالبا من قبل شركائهن. ويسجل أعلى مستوى لهذا المقياس في أفريقيا، حيث يتعرض قرابة نصف النساء (45.6 في المائة) للعنف الجسدي أو الجنسي. وفي البلدان الأوروبية ذات الناتج المحلي الإجمالي المنخفض أو المتوسط، تبلغ النسبة 27.2٪؛ وفي البلدان الأوروبية ذات الناتج المحلي الإجمالي المرتفع، فإن نفس المعدل هو 32.7٪ [10].

بالتالي فإن هناك علاقة بين الفقر والعنف القائم على نوع الجنس. ولكن ما هي الآليات الكامنة وراء هذا الارتباط؟

سعى الكثيرون-ات إلى إيجاد الإجابة في المفهوم الماركسي للاغتراب. وفيما يتعلق بموضوع الاغتصاب، تلاحظ إحدى المؤلفات، على سبيل المثال، ما يلي:

الاغتصاب ليس نتيجة غرائز الإنسان «الطبيعية». إنه نتاج تشويه الجنس والاغتراب الناجم عن المجتمع الطبقي. نحن مغتربون-ات عن بعضنا البعض. والاغتصاب والعنف الجنسي هما أكثر أشكال هذا الاغتراب تطرفا [11].

لا جدال في أنه في ظل الرأسمالية، جميع مظاهر الجنس والجنسانية والنوع الاجتماعي مغتربة. ومع ذلك، لا يتصور ماركس الاغتراب على أنه إحباطات فردية أو طارئة، وخيبات أمل – قد تتقوى أو تتضاءل في فترة أو أخرى – ولكن كحالة تؤثر على الجميع داخل المجتمع الطبقي، بما في ذلك الطبقات الحاكمة. والاغتراب، بوصفه آلية تفسيرية في حد ذاته، لا يمكن أن يفسر تماما حقيقة أن غالبية حالات الاغتصاب أو العنف الجنسي يرتكبها الرجال وليس النساء. وبعبارة أخرى، فإن الاغتراب، كما يفهمه الماركسيون، هو حالة منتشرة تماما داخل المجتمع الرأسمالي، في حين أن العنف الجنسي هو ظاهرة أكثر تحديدا – بقدر ما الجميع مغترب في ظل الرأسمالية في كل لحظة، بينما لا يعاني الجميع من العنف الجنسي على أساس يومي [12].

بدلا من البدء من مفهوم الاغتراب، أود أن أبدأ بتسليط الضوء على العوامل المترابطة التي تسمح بالتفكير في ظروف إمكانية العنف القائم على نوع الجنس. وفي حين أن هذه العوامل لها تأثير على العلاقات الجنسانية داخل الأسرة، فإنها لا تقتصر على «المجال الخاص» للحياة الاجتماعية، خارج مدار الاقتصاد الرسمي. في الواقع، تُظهر مسارات إعادة الإنتاج الاجتماعي في ظل النيوليبرالية كيف أن الديناميات داخل الإنتاج (الاقتصاد الرسمي) تزعزع استقرار سيرورات إعادة الإنتاج الاجتماعي («المجال الخاص»)، والعكس صحيح.

إن نظرية إعادة الإنتاج الاجتماعي، من بين أمور أخرى، هي نظرية إعادة توزيع الانتاج الاجتماعي، أي تحليل كيفية وصول الرجال والنساء إلى وسائل العيش، المادية والفكرية على حد سواء، ليكونوا قادرين على تحمل عمل يوم آخر. وهذه الوسائل محددة تاريخيا ومرتهنة بظروف اجتماعية محددة، مثل المستوى العام للتنمية (البنية التحتية) للمجتمعات ومستوى المعيشة الذي تمكنت الطبقة العاملة من انتزاعه من رأس المال. وفي بعض المجتمعات، قد يتسبب ارتفاع أسعار الخبز أو الأرز في حدوث أزمة لبعض عائلات الطبقة العاملة، بينما في ظروف أخرى، قد تحدث هذه الأزمة بسبب خصخصة الخدمات العمومية. وبقدر ما تتولى النساء داخل الأسرة دائما الجزء الأكبر من أعباء النشاط المؤدي إلى الوصول إلى الناتج الاجتماعي، فإن العلاقات بين الجنسين تتشكل بالضرورة عبر التغييرات الواقعة في توزيع المنتوج الاجتماعي وما إذا أمكن حدوث ذلك في بيئة حمائية وآمنة أم لا.

الهجوم على إعادة التوزيع والوصول إلى المنتج الاجتماعي

لعبت إعادة هيكلة الرأسمالية العالمية منذ ثمانينيات القرن العشرين دورا محددا للغاية في مسار إعادة الإنتاج الاجتماعي عموما ومسار الوصول إلى المنتج الاجتماعي وإعادة توزيعه بالخصوص. من المهم أن نفهم أن فعالية السياسات النيوليبرالية في مجال الإنتاج والتجارة يمكن تفسيرها بحقيقة كون هذه السياسات قد قضت في الوقت نفسه على المؤسسات الداعمة لعمل إعادة الإنتاج. جرى تفكيك البنية التحتية العمومية، من الصحة العمومية إلى التعليم، ومن الخدمات البلدية إلى النقل العمومي، بسرعة بنفس الطريقة التي جرى بها نزع ملكية أراضي عديدة من قبل الصناعات الاستخراجية الجديدة.

كيف ساعدت هذه السيرورة رأس المال؟ إن تفكيك الدعم المؤسسي العمومي لإعادة الإنتاج الاجتماعي لا يعني أن العمال قد تم إعفاؤهم من الآن فصاعدا من الذهاب إلى العمل في المجال الإنتاجي. بل على العكس من ذلك، فإن هذا الهجوم يعني ببساطة أن كل الدعم الذي كانت تقدمه السياسات العمومية سابقا إما أنه يُصرف إلى أسر فردية، أو جرت خصخصته ولا يمكن تحمله بالنسبة للغالبية العظمى من السكان. تلقت الحدائق العمومية، التي بنيت بأموال عمومية، أحيانا تمويلا من مانحين خواص، وشركات كبيرة، وأغلقت أبوابها أمام أطفال الطبقة العاملة. هناك دائما حمامات سباحة وبرامج أنشطة مدرسية موازية، ولكن فقط لمن يستطيعون تحمل تكاليفها.

هكذا، كان على العائلات، وخاصة النساء، افتراضيا وبالتالي تفسيريا، تولي الأنشطة التي لم تعد عمومية ولا يمكن تحملها فرديا [16].

جعلت هذه الهجمات العاملين/آت، الرجال والنساء، أكثر هشاشة في أماكن العمل وأقل قدرة على المقاومة.

بحلول العصر النيوليبرالي وتخطي غرقه الكبير عام 2008، كانت إعادة الإنتاج الاجتماعي للطبقة العاملة في جميع أنحاء العالم قد تعرضت بالفعل لضغوط كبيرة.

ولا جدال الآن في أن الأزمة المالية أدت إلى زيادة العنف القائم على النوع. في بريطانيا، ارتفع العنف المنزلي بنسبة 35٪ في عام 2010. وفي أيرلندا، حدثت زيادة بنسبة 21 في المئة في عدد طلبات النساء المقدمة لمصالح خدمات ضحايا العنف مقارنة بعام 2007. وصل هذا الرقم إلى مستويات قياسية مرة أخرى عام 2009، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 43 في المئة عن أرقام عام 2007. وفي الولايات المتحدة، وفقا لدراسة خاصة أجريت عام 2011، أبلغت 80 في المئة من الملاجئ عن زيادة في العنف المنزلي للسنة الثالثة على التوالي–73 في المئة من هذه الحالات كانت مرتبطة ب «قضايا مالية»، بما في ذلك فقدان الوظيفة. أشير هنا إلى أزمة 2008 كمثال على الأزمة الرأسمالية، مع الأخذ في الاعتبار أنها ليست الأخيرة من نوعها، ولا الأولى. في الواقع، التجأ بعض الباحثين بانتظام إلى أرقام فترة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين في الغرب للمساعدة في فهم الأزمات الاقتصادية التي تلت ذلك. كيف يمكن لمثل هذا المخطط أن يدعم فرضية تؤكد على التوزيع والوصول إلى المنتج الاجتماعي؟

غالبا ما أجبرت النساء حرفيا، بسبب عدم قدرتهن على إعالة أسرهن، على البحث في الشوارع. وجدت دراسة أجراها البنك العالمي ومجموعات المجتمع المدني أنه أثناء الأزمة الاقتصادية، لجأ أفقر الناس «إلى زيادة مشاركة النساء والأطفال في أنشطة كسب العيش، مثل جمع نفايات الورق المقوى» في الشوارع [17].

ولم تؤد الأزمة المالية إلى زيادة عبء إعادة الإنتاج فحسب، بل دفعت الخسائر الكبيرة في الوظائف وخفض الأجور النساء إلى اختيار العديد من الأنشطة المأجورة في نفس الوقت أو قبول ظروف عمل أسوأ.

ولكن حتى مع عمل النساء لفترة أطول وأطول، وتحولهن إلى معيل حقيقي، ظل عمل المرأة في المجال العام ملوثا بالعمل غير الرسمي المجاني الذي تقوم به في المجال الخاص. لنأخذ حالة الولايات المتحدة، حيث تم خلق 65.000.000 وظيفة خلال فترة إعادة الهيكلة النيوليبرالية وشغلت النساء 60٪ منها بين عامي 1964 و1997. ما نوع هذه الوظائف؟ توضح عالمة الاجتماع سوزان ثيستل كيف:

كانت النساء محور التوسع السريع للثلث الأقل أجرا في قطاع الخدمات، حيث وفرن غالبية القوة العاملة في أسرع وأكبر مجال من الوظائف ذات الأجور الهزيلة. لقد أدرك الاقتصاديون منذ فترة طويلة أن […] تطوير قطاعات جديدة، وتحويل العاملين-آت لحسابهم الخاص إلى عمال مأجورين، هو مصدر أرباح ضخمة، ما يدفع أكبر الشركات إلى ترحيل الإنتاج […] وتجدر الإشارة إلى أن هذا النهج المربح نفسه كان ساريا في الولايات المتحدة نفسها. عندما غزى السوق المطابخ وغرف النوم، وجرى تحويل أنشطة منزلية عديدة إلى عمل مأجور، وشهدت الإنتاجية ارتفاعا بشكل حاد [18].

وبما أنه قطاع خال من إجراءات ضبط وقوانين عمل، فإن العار الحقيقي لما يسمى ب «القطاع غير الرسمي» هو أن الأنشطة التي تجري ضمنه، شأنها شأن العمل المنزلي في المجال الخاص، لا حصر لها ويمكن القيام بها إلى أبعد مما يعتبر مقبولا اجتماعيا كساعات عمل لائقة. تسلط قضيتا اغتصاب حديثتان في الهند النيوليبرالية الضوء على الصلة بين السياسات النيوليبرالية والهجوم ضد النساء.

وهناك طريقة معروفة «لإلقاء اللوم» على ضحية الاغتصاب تسمح للتحقيقات بالتركيز على الضحية الأنثى أكثر من التركيز على المغتصب. وفي الهند، اتهمت النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب «بالخروج في وقت متأخر من الليل»، وهو ما يعلن المتهمون أنه قد يبرر مصير النساء. وفي المحكمة، ادعى محامي ثلاثة من الرجال الخمسة المتهمين في قضية المرأة التي اغتصبت وقتلت في دلهي في عام 2012 أن النساء «المحترمات» لسن أبدا ضحايا للاغتصاب. وقال مانوهار لال شارما للمحكمة «لم أر حالة واحدة أو مثالا على اغتصاب امرأة محترمة» متهما الضحية بالخروج ليلا مع رجل لم تكن زوجة. وعملت ضحيتا القضايا الأكثر شهرة في دلهي–المرأة التي قتلت في ديسمبر 2012 والمرأة التي تعرضت للهجوم في داولا كوان–في مراكز اتصال خارجية لشركات غربية. كن يعملن في نوبات ليلية حتى يتاح لهن العمل خلال ساعات العمل النهارية في الجهة الغربية. وبالإضافة إلى وضعهن غير المستقر والهزيل الأجر في سوق العمل، هناك خطر المشي من وإلى العمل في مدينة ذات سجل سيئ للغاية من حيث الحماية الحكومية للنساء. في ليسوتو، تعرضت النساء للاغتصاب لأنهن يغادرن مصانع الملابس في وقت متأخر من الليل، في حين تقول العاملات في بنغلاديش إن العمل لفترة طويلة والعودة إلى المنزل في وقت متأخر، الثانية صباحا، يمكن أن يثير الشكوك والمواقف التهديدية من الأزواج أو الأقارب الذكور، «خاصة عندما يشير أصحاب العمل–الذين يسعون إلى إخفاء الأدلة على هذا الاستغلال المفرط–إلى […] بطاقة العمل حيث يسجل وقت مغادرة المصنع في الساعة 6 مساء [20]»

كيف يمكن فهم هذا القلق المنتشر حول الحياة الجنسية للنساء، التي صارت الظل الحقيقي الذي تلقيه النيوليبرالية على جميع المجالات؟ بمعنى ما، إنه نتيجة تسليع الجنس على نطاق واسع، لكنني أود أن أقترح كون مثل هذه المخاوف انعكاسا لآليات أعمق تتعلق بالانضباط أثناء العمل والعنف الاجتماعي.

ما هي إعادة توزيع المنتوج الاجتماعي؟

ما هي المكونات الأساسية للمنتج الاجتماعي لدى غالبية السكان؟ الغذاء والمأوى هما الضروريتان الأساسيتان لإعادة الإنتاج–وللاستمرار على نفس المنوال، وجميع الخدمات الاجتماعية اللازمة للحفاظ على حياة إنسانية وكريمة مثل الصحة والتعليم ودور الحضانة والمعاشات التقاعدية والنقل العمومي.

المنزل، أو حرفيا «المقر الرئيسي» –تماما مثل الأسرة–لديه سمتان متعارضتان في ظل الرأسمالية. فمن جهة، يبدو أن المنزل هو المكان الأكثر أمانا لمعظمنا، على النقيض من العنف وعدم اليقين في الأماكن العامة. يمكن لعلاقات إنسانية حقيقية، يسودها الحب والتعاون، أن تزدهر داخل جدران المنزل الأربعة–علاقات يمكن اختبارها سرا من خلال ضحك طفل أو قبلات متبادلة بين الزوجين. لكن المنزل، المعزول عن النظرة الاجتماعية، يمكن أن يكون أيضا مسرحا لأعمال عنف بين الأشخاص ولأسرار مخزية. كلنا شهد مشهد امرأة تحاول إخفاء علامات ضرب باهتة بوشاح، أو طفل يصبح أبكما حين يذكر عَمٌّ «محب» في محادثة، وكل من شهد منا هذه المظاهر يعرف حجم هذه الأعمال الخسيسة. ولكن مهما كانت المظاهر النفسية لديناميات المؤسسات الأسرية، تظل الحقيقة أن المنزل هو ملجأ بالمعنى المادي والأكثر فظاظة. إنه حرفيا الملجأ المادي للعمال لاستعادة النشاط قبل يوم العمل التالي.

ليس مستغربا أن الضغوط المالية الناجمة عن الرهن العقاري والمصادرات العقارية في بلدان الشمال–أي وفقا لنظرية إعادة الإنتاج المرتبطة بتدمير مسكن آمن بمثابة بعد جوهري لإعادة إنتاج أجساد العمال والعاملات–ساهمت بصورة كبيرة في زيادة العنف المنزلي بعد عام 2008. أثبتت الإحصائيات، في الولايات المتحدة، بشأن الأسر والمنازل بشكل قاطع أن النساء عموما، والنساء الأمريكيات من أصل أفريقي على وجه الخصوص، هن الأكثر عرضة ليصبحن ضحايا كل من القروض السامة والعنف المنزلي نتيجة لعمليات الإخلاء والمصادرات العقارية. ويصف تقرير عن الركود نشره مركز الموارد الوطني المعني بالعنف المنزلي هذه الروابط بشكل صريح جدا:

غالبا ما يجري إيواء النساء اللواتي ينفصلن عن شركائهن المسيئين من قبل أسرهن وأصدقائهن. […] وإذا لم يكن بمقدور أفراد أسرهم أو أصدقائهم احتضانهن، فسيتعين عليهن الذهاب إلى ملاجئ المشردين أو ضحايا العنف. وتشير الدراسات إلى أن قرابة خمس الناجيات من العنف المنزلي يجمعن بين الدعم غير الرسمي (الأسرة والتكافل الاجتماعي) والدعم الرسمي (الملاجئ) عند الانفصال عن شركائهن. […] لكن الدراسات نفسها تظهر أن أكثر من ثلث الناجيات من العنف المنزلي أصبحن بلا مأوى عندما أنهين علاقتهن. […] ويمكن أن ترتفع هذه النسبة في سياق الركود الاقتصادي الحالي […] لسوء الحظ […] يجري تخفيض ميزانيات (الضئيلة بالفعل) مقدمي خدمات المأوى لضحايا العنف أو المشردين بينما تشتد الحاجة لمقدمي تلك الخدمات أكثر من أي وقت مضى [13].

تشهد أحداث عدة على هذا التشابك بين الانهيار العقاري في عام 2008 والعنف المنزلي. أحد الأمثلة على ذلك هو انتحار امرأة وزوجها الأكبر سنا في ولاية أوريغون عام 2008 بعد مصادرة منزلهما [14]. وفي لوس أنجلوس، كاليفورنيا، قتل رجل عاطل عن العمل كان يعمل في برايس ووترهاوس كوبرز وسوني بيكتشرز زوجته وأطفاله الثلاثة وحماته قبل الانتحار. وترك رسالة انتحار يقول فيها إنه دمر ماليا، وأنه فكر في الانتحار لكنه وجد في النهاية أنه من «الشرف» قتل عائلته بأكملها [15]. دعونا نأخذ بالحسبان كلمة «شريفة» هذه. سيكون لدينا أسباب للعودة إليها لاحقا.

دعونا ننتقل الآن إلى الغذاء والماء والمنتجات الأخرى التي تشكل الاقتصادات المنزلية المتجسدة في عمل المرأة ومسؤوليتها. في هذه المرحلة، من المهم أن نتذكر كون النساء ينتجن منذ فترة طويلة سلعا ويستخدمن القيم الاستعمالية داخل الأسرة. قبل عشرينيات القرن العشرين في الشمال، شملت هذه السلع الملابس المخيطة يدويا، والدانتيل، والأطعمة المخبوزة، بينما في الجنوب، قبل خطط التقويم الهيكلي، توفر النساء الوقود والحبوب الغذائية لأسرهن. وبقدر ما كانت هذه الأشكال من العمل خارج دائرة الاقتصاد السلعي، فإن منتجي ومنتوجات أشكال العمل هذه غير مرئيان من وجهة نظر الاقتصاد الرسمي. في بلدان الشمال أدى، منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين فصاعدا، التوسع السريع في الكهرباء المنزلية والأغذية الجاهزة إلى تغيير هذا الوضع جذريا. أولا، زادت النساء البيض من الطبقة الوسطى، ثم جميع النساء، من مشاركتهن في اقتصاد السوق.

لاحقا، في بلدان الجنوب، جرى تدمير اقتصاد الكفاف والإدماج الكامل للمرأة في اقتصاد السوق، بناء على إملاءات السياسات الليبرالية الجديدة. ففي أجزاء كبيرة من غرب أفريقيا، على سبيل المثال، أجبرت اتفاقيات التقويم الهيكلي الحكومات على قطع التمويل عن مرافق المياه المملوكة للدولة. ولأن الماء، كعنصر أساسي في الطهي والتنظيف والرعاية، مسؤولية المرأة. لذلك، عندما لا توفر الحكومات المياه بسبب تقليص الميزانيات، تقوم النساء بالمهمة. تسير النساء، في المناطق الريفية السنغالية، زهاء 10 كيلومترات لجلب المياه لأسرهن.

إنها صورة صارخة من وجهة نظر قضايا الغذاء. كان تخفيض قيمة العملة أحد إجراءات صندوق النقد الدولي الرئيسية المفروضة على اقتصادات الجنوب. وهدف هذا التدبير زيادة أسعار السلع المستوردة وبالتالي خفض استهلاكها. وطبعا، يشكل الغذاء والوقود والدواء الغالبية العظمى من المنتجات المستوردة من قبل بلدان الجنوب.

تعيش الأسر سيرورتان في ظل الرأسمالية. فمن جهة، يظل المنزل مساحة «الرعاية»، والعلاقات غير الأدواتية، في عالم يزداد تسليعا وعدائية. ومن جهة أخرى، يعد أيضا مكان توقعات وأدوار اجتماعية عميقة قائمة على النوع–حيث يتوقع المرء في نهاية طغيان يوم العمل وجبة ساخنة وسريرا مريحا، وكلاهما «يجري توفيره» من قبل النساء. ينطبق هذا التناقض تقريبا على جميع فترات تاريخ الرأسمالية. ولكن في العقود الأربعة من النيوليبرالية، جرى إفراغ المنزل من جميع الموارد اللازمة للاكتفاء الذاتي–لم تعد هناك حديقة خضر صغيرة خلف المنزل، ولم تعد هناك أرض مشتركة لتخزين خشب التدفئة، ولزم بيع مطحنة الأرز الوحيدة لشراء أرز تكساس المعبأ. والحال أن الاحتياجات المادية لجسم الإنسان في العمل، كما يمكن تلبيتها داخل المنزل، لا تزال موجودة، مضافة للتوقعات الأيديولوجية بأن تقدم النساء هذه الخدمة في صورة طعام وماء ورعاية. إن الحاجة المادية الحقيقية للغذاء والمأوى والخصوصية، مقترنة بالأدوار الأيديولوجية للمرأة، التي تتحمل بموجبها مسؤولية تلبية هذه الاحتياجات داخل المنزل، هي ما يجعل العنف القائم على نوع الجنس موجودا وهي ما يديمه.

 

المراقبة والمعاقبة في مناطق تجهيز الصادرات

لتقييم أفضل لشرور قواعد الانضباط المفروضة على العمل في ظل النيوليبرالية، دعونا نرجع خطوة إلى الوراء: لنعد إلى إصرارنا الأولي على الرأسمالية كمجموع اجتماعي اقتصادي موحد. إذا لم نفهم الطبيعة العالمية والنظامية لاستراتيجيات رأس المال، فإن مقاومتنا ضده ستظل مجزأة وغير مكتملة. وهكذا، فإن أجزاء العالم التي يبدو أن رأس المال فيها أقل هيمنة اقتصاديا يجب أن ينظر إليها وفقا لنفس معايير التحليل مثل معايير الاقتصادات الرأسمالية في بلدان الشمال. وكما يقول ديفيد ماكنالي:

نحن نحجب جزءا كبيرا […] من السيناريو الذي يتكشف أمام أعيننا إذا تجاهلنا التوسع الهائل، خلال الفترة النيوليبرالية بأكملها، لاقتصادات شرق آسيا الكبرى، التي تمتعت بنمو أعلى بثلاث إلى أربع مرات من نمو المركز الاقتصادي الرأسمالي الأكثر تقليدية [21].

ومن ثم فإن الاقتصادات خارج بلدان المركز الاقتصادي تؤدي دورا أساسيا في العملية الشاملة لتراكم رأس المال. هذا هو السبب في أنه من غير الممكن الحديث عن العنف القائم على النوع الاجتماعي وفرض الانضباط على العمل دون ذكر مناطق تجهيز الصادرات (EPZs)–وهي نتيجة فريدة وخاصة للنظام النيوليبرالي – الموجودة على نطاق واسع في الجنوب العالمي.

جرى استغلال القوى العاملة النسائية في «المناطق الاقتصادية الخاصة»، المتحررة من أي حقوق عمالية فيما يتعلق بالبلد حيت توجد، لأول مرة في كوريا الجنوبية بمناسبة «المعجزة الاقتصادية». تجادل الخبيرة الاقتصادية أليس أمسدن بأن مفتاح نجاح كوريا الجنوبية هو الفجوة في الأجور بين عمل النساء والرجال [22]. إن هذه المناطق نسخة طبق الأصل مروعة من الموقد المنزلي في ظل الرأسمالية. مثل المنزل، فهي مساحات خاصة، مغلقة أمام أي تحقيق اجتماعي أو حكومي، تنتج أشياء ترمز إلى التوفير الاجتماعي (الملابس والأحذية والأغذية المعلبة والألعاب)، عن طريق عمل نسائي في المقام الأول، وهي مساحات مسرح غامض للعنف الكامن.

تتعرض النساء العاملات في مناطق تجهيز الصادرات للإساءة اللفظية على نطاق واسع، والعمل الإضافي المجاني، والتحرش الجنسي، وممارسة الجنس بالإكراه، والعنف البدني. أجبرت النساء اللواتي يرغبن في العمل هناك على الخضوع لفحوصات صحية، بما في ذلك فحوصات الحمل، وفحصهن عاريات وسألن، «هل لديك صديق؟»، و «كم مرة تمارسين الجنس؟» وفي كينيا، تنتج أكثر من 40 منطقة تجهيز الصادرات التي توظف أكثر من 40000 عامل ما يقرب من 10٪ من صادرات البلاد. وفي سياق التنافس على العمل بين الرجال والنساء، كثيرا ما تجبر النساء على ممارسة الجنس–على الرغم من أخطار انتقال فيروس نقص المناعة البشرية–للتأكد من توظيفهن. أظهرت المنظمة الدولية لحقوق العمال أن 95٪ من النساء الكينيات اللائي يتعرضن للتحرش في مكان العمل لا يقدمن شكاوى. وشكلت النساء العاملات في مناطق تجهيز الصادرات 90 في المئة من السكان الإناث اللائي شملهن هذا التقرير.

وفي ليسوتو، كثيرا ما تخضع النساء في مناطق تجهيز الصادرات لعمليات تفتيش واسعة النطاق للتأكد من أنهن لم يسرقن أي شيء من أماكن عملهن، بما في ذلك مطالبتهن بإزالة الفوط الصحية الموضوعة أثناء الحيض. وعلى مشارف الولايات المتحدة، تعد مصانع التصدير مواقع لبعض أكثر أعمال العنف وحشية ضد النساء. وتقع مناطق تجهيز الصادرات هذه، التي أنشئت كجزء من اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية في عام 1992، في سيوداد خواريز على الحدود بين مكسيكو والولايات المتحدة. ومنذ عام 1993، «اختفت» أو قتلت أكثر من 400 امرأة تعمل في مناطق تجهيز الصادرات هذه، مما منح سيوداد خواريز لقب «عاصمة قتل الإناث». وفي عام 2003، وظفت مناطق تجهيز الصادرات في 116 بلدا أكثر من 000 000 43 شخص. واليوم، هذه الأرقام أعلى بكثير [23].

وبالتالي فإن السيطرة على النشاط الجنسي والتحكم في العمل هما حلقتان لا تنفصلان في الانضباط الذي يقيد أكثر الأطراف ضعفا في عالم العمل. ولكن من هو فاعل هذه السيطرة؟ من الضروري الإجابة على هذا السؤال المعقد من خلال التمييز بوضوح بين القضايا. بادئ ذي بدء، تجدر الإشارة إلى أن الأجراء الذكور ليسوا أبرياء بأي حال من الأحوال في هذه العملية. وجدت دراسة بتكليف من المنظمة الدولية لحقوق العمل في كينيا أن 70٪ من الرجال الذين شملهم الاستطلاع اعتبروا التحرش بالعاملات أمرا «عاديا وطبيعيا» [24]. وفي دراستها، التي صارت الآن كلاسيكية، عن عاملات الصناعات التجميعية، أخذت ماريا فرنانديز كيلي في الاعتبار المخاوف المنتشرة حول الحياة الجنسية للنساء في خواريز، ونسجت صلة بين أشكال الذعر الأخلاقي المختلفة هذه والوجود المتزايد للنساء في الأماكن العامة. وبقدر ما يوفر العمل المأجور للنساء درجة معينة من الاستقلال المالي، فإن العمل في هذه الصناعة، وفقا لفرنانديز كيلي، سيشكل للنظرة الاجتماعية تهديدا للأشكال «التقليدية» لسلطة الرجال. إن المخاوف التي يثيرها هذا التحدي المحتمل للسيطرة الاجتماعية «تتجلى بشكل صريح، وإن كان غير متماسك»، عبر الخطابات التي تشير إلى العلاقة الحميمة المفرطة للنساء مع بعضهن البعض [25]. ستتاح لنا الفرصة لبلورة هذا الاستخدام الدقيق ل «التقاليد» بشكل أفضل في بقية هذه المقالة.

ينبغي التأكيد على أن الرجال يمارسون السيطرة على وقت النساء البروليتاريات ونشاطهن الجنسي، ويمارسون هذه السلطة وفقا للقواعد الرأسمالية. كما يوضح هيستر أيزنشتاين، فحيثما يكون العمل بأجر ضئيل للغاية، تحصل النساء على «أجر امرأة» لكن الرجال لا يحصلون على ما يمكن تسميته «أجر رجل» أعلى بكثير [26]. نشرت Business Week في عام 2003، عن حالة مايكل أ. ماكليمانس، الذي يعمل كسائق توصيل لدومينوز بيتزا وبيتزا هت، الذي تعمل زوجته موظفة استقبال في شركة فنادق، وتمكنا معا، «من الحصول على حوالي 40,000 ألف دولار سنويا–وهو نبلغ بعيد كل البعد عن 60,000 ألف دولار الذي كسبه والد مايكل، ديفيد آي ماكليمانس، كعامل معادن ذو أقدمية [27].»

يقدم عمل ليزلي سالزينجر حول الصناعات التجميعية شرحا رائعا ومفصلا لسبب كون تأنيث قوة العمل هذا أحد أكثر الاستراتيجيات فعالية في فرض الانضباط على العمل من قبل رأس المال النيوليبرالي. تحاول سالزينجر تفسير «الصورة» المنتشرة لما تسميه «الأنوثة المنتجة» –أي «تقديم المرأة» على أنها سهلة الانقياد ومرنة «في العمل» باعتبارها الشخصية المفضلة وتجسيدا للعمل الموجه نحو التصدير. وتبين سالزينجر أنه بينما يبدو هذا الاعتبار الشائع للأنوثة المنتجة قابلا للتطبيق دون أدنى اهتمام بالقوة العاملة في الصناعات التجميعية المتسمة بنوع الجنس بصورة خاصة، فإن الصناعات التجميعية توظف دائما أقلية ضئيلة من الرجال: وهذا يقود المؤلفة إلى عدم اعتبار الأنوثة المنتجة مفهوما مرتبطا بالضرورة بجنس القوة العاملة، ولكن كفرض انضباط عدواني على الأجساد يطال الرجال والنساء بطرق مختلفة، بهدف تشكيل جيش احتياطي «مخصص للصناعات التجميعية» [28].

إذا كان رجال الطبقة العاملة يفضلون الحفاظ على أجور منخفضة بدل قبول «عمل النساء» والتضامن مع النساء العاملات، فهل النظام الأبوي هو الذي يوحد الرجال في مؤامرة صامتة للمهيمنين؟ هل يمكننا التحدث عن نفس الأخوة الذكورية؟ أما بقية حجتنا فستكون إلقاء نظرة جديدة على قضايا «الشرف» و «التقاليد» التي غالبا ما تظهر ضمن مبررات العنف القائم على نوع الجنس.

اختراع التقاليد

رد رجل مصري من برج مغزل، وهي بلدة صيد صغيرة في وادي النيل، على استبانة للبنك العالمي بتفسير مادي للعنف ضد النساء قائلا:

لدى الدخل المنخفض جدا تأثير كبير على العلاقات بين الجنسين. أحيانا توقظني زوجتي في الصباح وتطلب خمس جنيهات، وإذا لم تكن لدي، أشعر بالاكتئاب وأغادر منزل الزوجية. وبمجرد عودتي، يبدأ الجدال.[29]

وغني عن البيان أن هذا الجزء من وادي النيل يعاني من أزمة مياه منذ تعديات البنك العالمي على المنطقة. وقد عبر رجل من غانا عن المشكلة بشكل أكثر صراحة:

إنه بسبب البطالة والفقر يقوم معظم الرجال في المجتمع بضرب زوجاتهم. ليس لدينا المال لرعايتهن.[30]

يظهر من هذه الشهادات المباشرة والصريحة، أننا بمواجهة العنف في تسلسله الزمني الدقيق، ونثقل مرة أخرى بسلسلة أسئلة. كيف يتم تجريد الأسر المعيشية والمجتمعات المحلية القائمة على الكفاف بشكل منهجي من ممتلكاتها وحرمانها من الموارد؟ بالنظر إلى سياق العنف. فبينما تفسر هذه السيرورة بالتأكيد الظروف التي يكمن فيها العنف، فإننا نواجه المشكلة التالية: كيف نفسر العقلانية التاريخية للمعتدين؟ لا يكفي أن نقول إن الرجال البروليتاريين يعودون إلى منازلهم بعد طردهم، ويجدون إشعارا بالإخلاء بدلا من وجبة ساخنة جيدة، ثم يبدؤون في ضرب زوجاتهم. في الواقع، هذا الوصف، رغم صحته بصورة معينة حول الأحداث المتعلقة بالأزمة، يثير أسئلة أكثر مما يجيب. على سبيل المثال، لماذا لا تعود نساء الطبقة العاملة إلى منازلهن لضرب أزواجهن، حيث إن تسريح العمال بعيد كل البعد عن أن يكون حكرا على الرجال، وفي الواقع فقدت النساء وظائفهن أكثر من الرجال خلال فترة الركود؟

لا توجد عقلانية حقيقية في العنف ضد النساء، ومع ذلك فإن البشر قادرون على تبرير هذه الأفعال لأنفسهم، بما في ذلك على الأقل في حد أدنى باعتبارها سلوكا قاتلا لكن معتبرا. وتسعى الأيديولوجية الرأسمالية تقديم معنى لهذا العنف بطريقتين أساسيتين:

تتمثل إحداها في البناء على الأفكار المتحيزة جنسيا المتعلقة بتقسيم العمل داخل الأسرة على أساس النوع الاجتماعي. ورغم أن الغالبية العظمى من الأسر تتطلب من الرجال والنساء القيام بعمل مأجور خارج المنزل، فإن التوقعات الجنسانية اتجاه النساء لا تزال تتطلب منهن رعاية منزل الزوجية. إن أسباب ذلك معقدة وأثارت مناقشات ماركسية ثرية. ولمعالجة مشكلتنا، تجدر الإشارة إلى أنه من منظور هذا الجانب من التحيز الجنسي، إذا كانت النساء يتحملن مسؤولية ضمان وصول أسرهن إلى المنتج الاجتماعي، فإنهن يتحملن أيضا مسؤولية أي ثغرات يشهدها هذا التزويد.

وتتمثل الطريقة الثانية التي تضفي بها الشرعية على الأفكار المتحيزة جنسيا في اللجوء إلى التقاليد. إنها نوع من خدعة رأس المال القديمة. فمنذ عام 1852، أوضح كارل ماركس أنه عندما أرادت البرجوازية إيجاد مبرر:

استحضرت بخوف أرواح الماضي، واستعارت منها أسماءها وشعاراتها وأزياءها، كي تظهر في المرحلة التاريخية الجديدة بهذا التنكر المحترم وبهذه اللغة المستعارة. وهكذا اتخذ لوثر قناع الرسول بولس، والتفت ثورة 1789 إلى 1814 على التوالي في زي الجمهورية الرومانية، ثم في زي الإمبراطورية الرومانية.

هذه «اللغة المستعارة» التي يتحدث عنها ماركس لها أيضا استخدام محدد للغاية. في معظم الأحيان، يتجلى ذلك في ستار الأيديولوجيات الذي يحجب الانقسامات الطبقية ويبرز ما أسماه بنديكت أندرسون «الصداقة الحميمة الأفقية». فالأمم، على سبيل المثال، تُصوّر على أنها خالية من الانقسامات الطبقية، وتُصور الطوائف الدينية على أنها مجموعات متجانسة يكون لجميع أعضائها مصالح متشابهة، باستثناء الطبقة. وبالمثل في حالة التحيز الجنسي، تستند هذه الأفكار إلى افتراض وجود أخوة ذكورية (ربما تتعارض مع الأخوة المشتركة لجميع النساء) تُنكر الوجود الحقيقي للعلاقات الطبقية والاستغلال بين الرجال. كيف يمكن أن تفيد هذه الإشارة إلى مجتمع رجال أسطوري تبرير العنف ضد النساء؟ ينبغي إيلاء الاهتمام للاحتكام إلى التقاليد والبنوة في سياق أعمال العنف الكاره للنساء و»جرائم الشرف».

إن ممارسة جرائم الشرف، حين يقتل أحد الأقارب امرأة متهمة بإهانة شرف العائلة، قد ألقت الكثير من الماء في الطاحونة الإمبريالية. يستخدم العنصريون جرائم الشرف كدليل على التخلف الجوهري لجميع المسلمين. وقد عنون مصدر إخباري صهيوني مؤخرا إحدى افتتاحياته الرائدة: «لنكن صادقين: جرائم الشرف في الغرب يرتكبها المسلمون». وبنفس الطريقة، يجري استخدام هذا العنف لتبرير التدخلات الإمبريالية الغربية في الشرق الأوسط باسم تحرير النساء.

ولكن ما هو التفسير الذي يمكن تقديمه لجرائم الشرف؟ لأنه لا يمكن إنكار أن هذه الجرائم ترتكب في أسر غالبا ما تكون غير بيضاء وغالبا ما تكون متحدرة من بعض بلدان الجنوب.

ووفقا لمنظمة حقوق المرأة الإيرانية والكردية (IKWRO)، جرى الإبلاغ عن أكثر من 2,800 حالة من حالات العنف «المرتبط بالشرف» في بريطانيا عام 2010. وتشير أرقام الشرطة إلى زيادة الأرقام بنسبة 47٪ منذ عام 2009.

تقدم فارينا علام من صحيفة الغارديان تحليلا دامغا، ولكن ماديا لجرائم القتل هذه. في عام 2004، كتبت بحق أن 1) «جرائم الشرف ليست مشكلة «إسلامية»» و2) «جرائم الشرف لا علاقة لها بالتدين». وعلى النقيض من أنواع التفسيرات هذه، تصر على أن «العديد من العائلات المهاجرة، بما في ذلك عائلتي، ظلت وثيقة الارتباط بالأقارب «الذين بقوا هناك».» إنها رابطة مُجزية توفر «شبكة أمان وسط مجتمع معاد». ومع ذلك، فإن علام بعيدة كل البعد عن أي أوهام حول هذا النوع من الشبكات:

في أحيان كثيرة، تكون هذه الشبكات العائلية متحيزة جنسيا، وتخنق أدنى معارضة وتتطلب ولاء بلا حدود […] يُسمح للشباب أن يعيشوا حياة اجتماعية منعزلة نسبيا – ربط علاقات اجتماعية، واللهو، وملاحقة النساء. وتتمثل مسؤولية المرأة في أن تكون ضامنة شرف الأسرة المرتبط بدوره بالمركز الاجتماعي والحركية الاجتماعية التصاعدية. إن مجرد الاشتباه في سلوك غير لائق–مثل الظهور مع رجل خارج شبكة الأسرة–يمكن أن يضر بسمعة المرأة وبالتالي شرف الأسرة. إن جرائم الشرف ليست مجرد قضية جنسانية أو انحراف فردي. إنها أعراض لما كان على العائلات المهاجرة القيام به للاندماج في تحضر اغترابي. يوجد، في القرى «هناك»، مجال سيطرة أوسع للرجال، بالموازاة مع دعم قوي ومنهجي. يمكن أن يكون لجهود فاشلة لاستعادة السيطرة عواقب وخيمة–كارثية بما يكفي لإثارة الغضب المذهل الضروري لاتخاذ قرار بقتل الإخوة الخاصين.[35]

من وجهة نظرنا، يجب أن نستذكر تحليلات علام بشأن كيف تلقى الرجال فقدان السيطرة كمحفز للعنف. وفي حين يمكن اعتبار جرائم الشرف أمثلة متطرفة، يبدو أن طائفة واسعة من العنف القائم على نوع الجنس تستمر باسم فقدان السلطة الذكورية «التقليدية».

وجدت دراسة نشرتها المجلة الطبية البريطانية عام 2012 أن معدلات الانتحار في أوروبا ارتفعت بشكل حاد من عام 2007 إلى عام 2009، حيث أدت الأزمة المالية إلى ارتفاع البطالة وخفض الأجور. وشهدت البلدان الأكثر تضررا من هذه الانتكاسات الاقتصادية العنيفة، مثل اليونان وأيرلندا، أكبر الزيادات. وفي بريطانيا، كان الرجال أكثر عرضة للانتحار بثلاث مرات من النساء. وتخلص الدراسة إلى أن «الكثير من الهوية والمعنى الذي يعطيه السكان الذكور لحياتهم مرتبط بالحصول على وظيفة كمصدر للدخل والوضع الاجتماعي والمكانة [36] […]» وفي عام 2011، رددت مجلة تايم وجهة النظر القائلة بأن أدوار الرجال «التقليدية» قد تزعزعت بسبب الركود، ما أدى إلى ارتفاع في الاكتئاب بين السكان الذكور:

وذلك لأن الرجال ينظر إليهم ثقافيا على أنهم المعيل الأساسي، وغالبا ما يكمن أحد عوامل الخطر الرئيسية للاكتئاب لدى السكان الذكور على هذا الدور [37].

المصطلح المستخدم في هذا السياق هو مصطلح وجود «مُتصور ثقافيا» لأداء دور معين. وتشير جميع هذه التقارير والدراسات إلى أنه رغم أن الرجال لم يكونوا دائما المعيل الرئيسي للأسرة تاريخيا، فإن السكان الذكور يعتقدون أو يتوقعون من أنفسهم أداء هذا الدور.

في الولايات المتحدة، كما هو الحال في بقية البلدان الصناعية، فالحقيقة أن عددا متزايدا من الرجال والنساء يقومون بأعمال مأجورة لإعالة أسرهم. ويقوم الرجال والنساء بالأعمال المنزلية على حد سواء. وتسلط أحدث استطلاعات التشغيل في الولايات المتحدة الضوء على حقيقة كون النساء المعيل الرئيسي ل 40 ٪ من الأسر–الغالبية العظمى منهن أمهات عازبات وغير البيض. وينبغي إرفاق هذه البيانات بأرقام حول مشاركة الرجال في الأعمال المنزلية تشير بوضوح إلى زيادة مساهمة الذكور في 20 بلدا صناعيا، خلال الفترة 1965-2003.

وينطبق الشيء نفسه على مساهمة الآباء داخل الأسرة. سجلت عالمة الاجتماع فرانسين دويتش مساهمة أعلى من الآباء، من حيث الساعات المخصصة للأطفال، مرتفعة في حالة رجال الطبقة العاملة مقارنة بحالة الأطر [38]. ووفقا لمسح أجري عام 2011 على 963 من الآباء العاملين ذوي الياقات البيضاء من شركات ضمن تصنيف أغنى 500 شركة، فإن 53٪ منهم يدعون تفضيل كون آباء في منزل الزوجية إذا كانت أسرهم تعتمد فقط على راتب زوجاتهم. وبينما تلوم النخب الرجال غير البيض على التخلي عن أسرهم، فإن دراسة أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية والمعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية تدحض هذا التضليل العنصري:

من المرجح أن يبقى الآباء ذوو الدخل المنخفض والمتحدرين من الأقليات والمطلقون العاملين وذوي مستوى جيد من التعليم إلى جانب أطفالهم. […] ويُرجّح أن يقوم الرجال الأمريكيون من أصل أفريقي برعاية أطفالهم وإطعامهم وإعداد الطعام لهم على خلاف الآباء البيض أو اللاتينيين.

كشفت بعض البيانات الاثنوجرافية أن الدعم المالي الأبوي القوي (نقدا أو عينيا) من المحتمل أن يكون غير مرئي من منظور تدابير الاقتصاد الرسمي [40].

إنها بالفعل ظاهرة غريبة جدا. بينما الواقع المادي لمعظم الرجال هو أن كلا الزوجين يعملان مقابل أجور أقل وأطول، يبدو أن الأدوار الاجتماعية للجنسين تستند إلى النموذج الأسطوري للزوجة السعيدة التي تطبخ أثناء انتظار عودة زوجها. إذا كانت الغالبية العظمى من النساء يعملن في الصناعات التجميعية، في وول مارت وستاربكس، أو يقمن بالأعمال المنزلية للأثرياء، فمن تخدم إذن الأحلام التي تنشرها هذه الصور الكرتونية للأنوثة؟ نحن بحاجة إلى فحص صور الكارتون هذه بدقة لأنه بمجرد التمكن من معرفة مصدرها الحقيقي، يمكن فهم الروابط بين تبرير العنف القائم على النوع الاجتماعي ومزيج من الظروف المادية والأيديولوجيات المتحيزة جنسيا.

تقدم الباحثة القانونية جوان سي ويليامز ملاحظة مهمة حول الذكورة البروليتارية في عملها الأخير حول العلاقات بين الجنسين والطبقية في أمريكا. وفقا لويليامز، يعمل النوع الاجتماعي باعتباره «جرحا طبقيا خفيا» مهما يتم التعبير عنه في «الشعور بعدم الكفاءة الذي يحسه رجال الطبقة العاملة عندما يكونون أقل قدرة على أداء دورهم كمعيلين». يجدر اقتباس المقطع بأكمله حيث تصف ويليامز كيف تنعكس عدم الكفاءة المتصورة هذه على المفاهيم الطبقية:

لقد جرت على مدى جيلين قصيرين في فترة ما بعد الحرب، دمقرطة هذا المثل الأعلى بشأن مجالين منفصلين. لكن اليوم، أصبح مجددا تحقيق المثل الأعلى للعائل امتيازا طبقيا.

بقدر ما كان نموذج الأسرة المزدوجة هذه، بالموازاة مع وجود عائل من جهة وربة منزل من جهة أخرى، علامة على وضع الطبقة الوسطى منذ ثمانينيات القرن الثامن عشر، صار ينظر إلى تحقيق هذه الأدوار على أنه قضية حيوية من قبل عائلات الطبقات الشعبية […] وبالتالي، فإن فعالية النوع التقليدية صارت، باختصار، فعالية طبقية [42].

إن التسلسل الزمني الذي اعتمدته ويليامز، لتفسير اللحظة التي أصبح فيها النموذج «المزدوج» مستحيلا على الطبقة العاملة تحمله، يتوافق تماما مع التسلسل الزمني لنيل ديفيدسون بخصوص إنشاء نظام نيوليبرالي. بداية، لم تكن أدوار المعيل وربة المنزل، وأدوار الجنسين التي تنبع منهما، أبدا تقليدا بروليتاريا، بل نقلها رأس المال للطبقة العاملة. إن قوة مثل هذا النموذج لديها على وجه التحديد القدرة على أ) محو الاختلافات الطبقية الموجودة بالفعل بواسطة اقتراح أخوة ذكورية عالمية وب) تقسيم الطبقات الشعبية على أساس فروقات بين الجنسين عبر فرض توقعات قائمة على أساس النوع الاجتماعي غير واقعية على كل من الرجال والنساء–وهي توقعات ستخيب باصطدامها الحتمي بالمسار الحقيقي للأحداث.

الآن دعونا نعود إلى صورتنا الكرتونية. إن المرأة المثالية في الأسرة المثالية، سواء كانت تطبخ عشاء مثاليا في نيويورك أو نيودلهي، هي في الواقع مقاتلة طبقية. عائلتها المثالية هي بقايا محفوظة منذ زمن سحيق يعود إلى أيام مجد رأس المال، وهو الوقت حيت يظل الرجال دائما رجالا، والنقابات دائما غير مرئية، وسيتعين دوما على العبيد أو الطبقات الخاضعة إحضار القطن لمنزل السيد.

سبل المقاومة

يعتبر النوع الاجتماعي، في سياق الأزمة الرأسمالية الحالية، سلاحا أيديولوجيا أساسيا لإخفاء خطوط الصدع الطبقي. بروز صاعد لشخصيات مسموح لها أن تبرر الاغتصاب، وسيل مراسيم وقوانين تهاجم الحقوق الإنجابية وحقوق المثليين، والوصم بالعار، واتهام ضحايا العنف، أي كل الطرق المختلفة لإعادة تنظيم الأنوثة وإعادة استدعاء الأسرة المزدوجة الأسطورية للعائل وربة المنزل المغذية لتوقعات جنسانية ونماذج غير واقعية لأدوار رجال ونساء الطبقة العاملة.

كيف يمكننا محاربة القيم الأسرية للرأسمالية؟ ختاما، يجدر بنا دراسة التحديات التي نواجهها اليوم بشأن تجديد تحليلنا الماركسي للمجتمع والعالم الراهن.

هناك بشكل رئيس ثلاث تحديات مترابطة يتعين علينا مواجهتها اليوم كمناضلين ثوريين: 1) فهم الطبيعة الدقيقة للرأسمالية كنظام إنتاج. 2 °) تحديد موضوع التغيير الثوري للنظام؛ و3 °) تحديد طبيعة عملية التغيير هذه–بما يبدأ هذا التغيير، وما هي المواضيع التي يشغلها، الخ. يجب أن تساعدنا الإجابة على هذه الأسئلة الثلاث في تحديد ما إذا كان يجب تغيير مسار النوع الاجتماعي في العالم الراهن وكيف ذلك.

مضى بعض الوقت على وجود النيوليبرالية كطريقة جديدة لتنظيم تراكم رأس المال. ولكن من الضروري توضيح نطاق هذه الجدة وحدودها. علينا في الآن ذاته أن نناقش الأشكال الجديدة للترتيب الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية التي فرضها علينا التكوين الجديد لرأس المال، والتأكيد على الاستمرارية المهمة التي لا تزال قائمة بين هذا وذاك التكوين. إن الاقتصاد النيوليبرالي، على الرغم من تجلياته الوطنية المتنوعة تماما، لا يهدف إلى ولادة رأسمالية جديدة تماما، بل مجموعة من المحاولات غير المتجانسة، التجريبية في البداية ثم المنهجية، من جانب الطبقات الحاكمة للتغلب على أزمة الربحية التي تواجهها الرأسمالية حتما بشكل دوري. بعبارة أخرى، وعلى عكس ما يقوله بعض الباحثين، إنها ليست رأسمالية جديدة، بل هي شكل جديد تسعى الرأسمالية عبره إلى استعادة أرباحها والحفاظ عليها. هذا يعني أن الحدس الأساسي للماركسية الكلاسيكية حول طبيعة النظام الرأسمالي لا يزال صالحا، وكذلك افتراضاتها حول كيفية محاربة هذا النظام–أي من خلال النشاط الذاتي للطبقة العاملة.

كما رأينا على طول هذا النص، كان أحد الأبعاد الرئيسية لانتصار النيوليبرالية ولا يزال هو هجوم منتصر وجندري على الطبقة العاملة العالمية. في النهاية، إنه نظام درى بناؤه قبل كل شيء من خلال هزائمنا، وأكثرها إثارة كانت تلك الخاصة بمراقبي الحركة الجوية في الولايات المتحدة (1981)، وعمال المناجم في الهند (1982) وعمال المناجم في بريطانيا (1984-1985) [43]. إن النقابات، التي لا تزال واحدة من أشكال تنظيم البروليتاريا وأدوات نضالها، إن لم تكن الوحيدة، لا تزال هدفا للهجمات النيوليبرالية. لكن التاريخ المديد للهزائم والأمثلة النادرة للهجمات المضادة المنتصرة من قبل عالم الشغل في نفس الفترة دفعت بعض الباحثين إلى التشكيك في مركزية الطبقة العاملة في التغيير الاجتماعي والتساؤل عما إذا كان العمال-آت لا يزال لديهم-ن القدرة على تحطيم هذا النظام وبناء مجتمع جديد. في المقابل، سعى الكثيرون إلى البحث عن الموضوع الثوري الجديد في مجموعات غير متبلورة – تمثل أشهرها في مفهوم التعددية الذي صاغه نيغري وهاردت [44].

في غضون ذلك، وضع الربيع العربي وحركة «احتلوا» في الولايات المتحدة على الطاولة تحديا محتملا آخر للماركسية الكلاسيكية، وهذه المرة بخصوص مكان النضال المفضل. بقدر ما كانت الحركات في الساحات – في إسبانيا، في ميدان التحرير، في حديقة زوكوتي، ومؤخرا في حديقة جيزي – أكثر النضالات كفاحية وجماهيرية في السنوات الأخيرة، فمن المفهوم تماما أن كثيرين يعتبرون الشكل السياسي للحركات الحضرية يمثل طريقة جديدة وأفضل للإطاحة بالرأسمالية، بدلا من الإضرابات وتحريض العمال-آت في مكان الإنتاج [45].

مهمة الماركسية ليست لعب دور العراف. إنها ليست مسألة التنبؤ بالمكان الذي ستجري فيه مرحلة النضال التالية، ولا بالقول مسبقا أي نضال معين سيتخذ شكلا معمما ويهاجم النظام. في حالة بريطانيا التاتشرية، كان النضال الأكثر انتظارا بفارغ الصبر هو نضال عمال المناجم، وتحديدا في مكان العمل. ولكن في حين انتهى نضال عمال المناجم بالفشل، فإن حركة غير متوقعة، هذه المرة خارج مكان العمل متمثلة في أعمال التمرد ضد الضريبة الفردية poll tax كان لها تأثير أعظم بكثير على نظام تاتشر. تكمن قوة المفاهيم حول إعادة الإنتاج الاجتماعي في قدرتها على فهم الرأسمالية كنظام وحدوي حيث الإنتاج وإعادة الإنتاج، رغم وقوعهما في مجالات منفصلة مكانيا، يوجدان مترابطان تماما في مجرى الأمور الحقيقي. وكما تؤكد ميريام غلوكسمان، «فإن الحاجة إلى تحليل كل قطب من هذين المصطلحين بشكل مستقل لا ينبغي أن تجعلنا ننسى أن خصوصيتهما يمكن فهمها على أساس علاقتهما المتبادلة والبنية الكلية التي تدمجهما معا».[46] بينما نعتزم إعادة بناء وتقوية منظماتنا لمقاومة النظام النيوليبرالي–سواء تعلق الأمر بنقابات عمالية أو منظمات ماركسية ثورية–يجب أن نضع في اعتبارنا وحدة الإنتاج وإعادة الإنتاج هذه. يطبق اتحاد المعلمين في شيكاغو (CTU) نقابية العدالة الاجتماعية التي يجب أن تلهمنا مبادئها وأن يجري تناولها على نطاق أوسع، لأن هذا الحدس حول إعادة الإنتاج هو بالضبط ما تحاول وضعه موضع التنفيذ. لم يكن إضراب معلمي CTU Chicago مجرد إضراب من أجل ظروف عمل أفضل لأعضاء النقابة. جرى بناء الإضراب بطريقة تربط القضايا الأوسع خارج مكان العمل–السياسات العنصرية حول إغلاق المدارس، والوضع الاقتصادي للتلاميذ وعائلاتهم، والتاريخ الحضري–مع القضايا المطروحة داخل مكان العمل، مثل أجور المعلمين-ات أو مزاياهم-ن [47].

ولذلك، لا يمكن فصل الكفاح من أجل زيادة إمكانية الوصول إلى مراكز مساعدة ضحايا الاغتصاب عن الدفاع عن الخدمات العمومية التي تيسر إعادة توزيع المنتج الاجتماعي وكفاحنا من أجل تحسين الأجور وعدالة إعادة الإنتاج الاجتماعي. لكن النصر النهائي ضد الظلم بين الجنسين سيجري تحقيقه حين نتمرد على الطغيان الأساس لرأس المال الذي يسرق عملنا من أجل الربح. يمكن أن تبدأ المعركة في أي مكان بالمجتمع، ولكن يجب أن تنتصر في مكان العمل، في أماكن عملنا وعلى المتاريس، حيث بواسطة وحدة مسارات نضالاتنا المحددة سنكون قادرين على تحقيق القفزة الشهيرة «في الهواء الطلق للتاريخ» [48].

*********************

الإحالات:

[1] Je souhaite remercier ici Snehal Shingavi, Ashley Smith et Bill V. Mullen pour leurs précieux commentaires sur les premières versions de ce texte

[2] Nancy Fraser, Fortunes of Feminism (London : Verso, 2013), p. 218.

[3] Neil Davidson, « The Neoliberal Era in Britain : Historical Developments and Current Perspectives », International Socialism, n° 139, Juillet 2013.

[4] Ibid.

[5] Cité in Ibid.

[6] Meg Luxton, “Feminist Political Economy in Canada and the Politics of Social Reproduction,” in Kate Bezanson, Meg Luxton (coord.), Social Reproduction : Feminist Political Economy Challenges Neo-Liberalism, McGill-Queens University Press, Toronto, 2006, p. 36.

[7] Lise Vogel, « Domestic Labor Revisited », Science and Society, vol. 64, n°2, été 2000, p. 156.

[8] Cité in Davidson.

[9] Meg Luxton, “Feminist Political Economy in Canada and the Politics of Social Reproduction,” in Kate Bezanson, Meg Luxton eds, Social Reproduction : Feminist Political Economy Challenges Neo-Liberalism (Toronto : McGill-Queens University Press, 2006), p. 36.

[10] Sarah Boseley, “One in Three Women Suffers Violence, Global Study Finds,” Guardian (UK), June 20, 2013.

[11] Sadie Robinson, « What Causes Rape ? », Socialist Worker [UK], 7 Juin 2011.

 [12] أود أن أشكر كولين باركر جاسبر على إثارة هذه الحجة خلال تبادل بيننا.

[13] Claire M. Renzetti & Vivian M. Larkin, « Economic Stress and Domestic Violence, » rapport du National Resource Center on Domestic Violence, 2011.

[14] Stephanie Armour, « Foreclosures Take an Emotional Toll on Many Homeowners », USA Today, 16 mai 2008.

[15] Christina Hoag, « 6 Die in Family Murder-Suicide in Los Angeles, » USA Today, 7 Octobre 2008. Le New York Times a rapporté cette actualité avec le titre bien choisi « Man Kills His Family and Himself Over Market. » Voir Rebecca Cathcart, « Man Kills His Family and Himself Over Market », New York Times, 7 octobre 2008.

[16] Kate Bezanson and Meg Luxton, eds., Social Reproduction : Feminist Political Economy Challenges Neo-Liberalism (Toronto : McGill-Queen’s University Press, 2006), p. 5.

[17] Rapport de la banque mondiale de 2003, cité in Marianne Fay, Lorena Cohan, & Karla McEvoy, « Public Social Safety Nets and the Urban Poor », in Marianne Fay ed., The Urban Poor in Latin America (Washington D.C. : The World Bank, 2005), p. 244.

[18] Susan Thistle, From Marriage to the Market : The Transformation of Women’s Lives and Work (Berkeley : University of California Press, 2006), p. 110, p. 112.

[19] Andrew MacAskil, « Delhi Rape Victims Are to Blame, Defendants’ Lawyer Says », Bloomberg News, 10 janvier 2013. Voir aussi mon article dans le Socialist Worker [US], du 10 janvier 2013.

[20] Kate Raworth, Trading Away Our Rights : Women Working in Global Supply Chains (Oxford : Oxfam Publishing, 2004), p. 28.

[21] David McNally, Global Slump : the Economics and Politics of Crisis and Resistance (Oakland : PM Press, 2011), p. 37.

[22] Alice H. Amsden, Asia’s Next Giant : South Korea and Late Industrialization (New York : Oxford University Press, 1989), p. 204.

[23] Pour plus de détails, voir Jacqui True, The Political Economy of Violence Against Women (New York : Oxford University Press, 2012).

[24] Regina G. M. Karega, Violence Against Women in the Workplace in Kenya : Assessment of Workplace Sexual Harassment in the Commercial, Agriculture and Textile Manufacturing Sectors in Kenya, International Labor Rights Fund, 2002.

[25] Maria Patricia Fernandez-Kelly, For We Are Sold, I and My People : Women and Industry in Mexico’s Frontier (Albany : State University of New York Press, 1983), p. 141.

[26] Hester Eisenstein, Feminism Seduced : How Global Elites Use Women’s Labor and Ideas to Exploit the World (Boulder, London : Paradigm, Publishers, 2009), p. 151.

[27] « Waking Up From The American Dream », Business Week, 30 novembre 2003.

[28] Leslie Salzinger, Genders in Production : Making Workers in Mexico’s Global Factories (Berkeley : University of California Press, 2003), p. 10.

[29] Deepa Narayan et al., Voices of the Poor Crying Out for Change, publié par Oxford University Press pour la Banque mondiale (New York : Oxford University Press, 2000), p. 110.

[30] Ibid, p. 123.

[31] Karl Marx, Le 18 Brumaire de Louis Bonaparte

[32] Benedict Anderson, Imagined Communities : Reflections on the Origin and Spread of Nationalism (Londres & New York : Verso, 2006), p. 50.

[33] «Let’s Admit It: Honor Killings in the West is by Muslims» , tribune, Israel National News, 3 février 2012.

[34] Fareena Alam, «Take the Honor out of Killing»، The Guardian, juillet 2004.

[35] Ibid.

[36] Kate Kelland, «Study links British recession to 1,000 suicides» ، Reuters, 15 août 2012.

[37] Alice Park, «Why the Recession May Trigger More Depression Among Men»، Time Magazine, 1e mars, 2011

[38] Francine Deutsch, Halving It All: How Equally Shared Parenting Works (Cambridge, MA: Harvard University Press, 1999)، p. 180–94.

[39] B. Harrington, F. Van Deusen, and B. Humberd, The New Dad : Caring, Committed and Conflicted (Chestnut Hill : MS : Boston College Center for Work and Family), 2011.

[40] «The Changing Role of the Modern Day Father»، Report of the American Psychological Association, 2012.

[41] Joan C. Williams, Reshaping the Work-Family Debate: Why Men and Class Matter (Cambridge, MA: Harvard University Press, 2010)، p. 59, p. 158.

[42] Ibid.

[43] أوضح بول فولكر، الذي أدخل النيوليبرالية إلى الولايات المتحدة، هذه الصلة بين تأسيس النيوليبرالية وتفكيك النقابات العمالية. “كان أهم إجراء اتخذته إدارة [ريغان] لمكافحة التضخم هو كسر إضراب مراقبي الحركة الجوية”، مقتبس في ديفيد ماكنالي، مرجع سابق. () المرجع السالف الذكر، الصفحة 35.

[44] Pour une critique de Negri et Hardt, voir Tom Lewis, «Empire Strikes Out» , International Socialist Review, n° 24, 2002

[45] David Harvey représente probablement la plus enthousiaste et créative approche de ces mouvements qui résistent à la «dépossession». Voir Rebel Cities : From the Right to the City to the Urban Revolution (London : Verso, 2013). Pour une critique charitable du travail de Harvey, on peut écouter l’enregistrement audio de Geoff Bailey, « Accumulation by Dispossession » sur WeAreMany.org.

[46] Miriam Glucksman, Women Assemble: Women Workers and the New Industries in Inter-War Britain (London: Routledge, 1990)، p. 258.

[47] Voir Lee Sustar, Striking Back in Chicago: How Teachers Took on City Hall and Pushed Back Education “Reform.,à paraître chez Haymarket

[48] Walter Benjamin, «Theses on the Philosophy of History» ، in Illuminations : Essays and Reflections (New York : Schocken Books, 1969), p. 261.

شارك المقالة

اقرأ أيضا