شغيلة قطاع تدبير خدمة النظافة أول ضحايا طلقات مدفع سياسة التدبير المفوض النيوليبرالية
السمة الملازمة للرأسمالية، باختلاف اطوارها، المتسم كل منها بدرجة من تطور التقنية وتنظيم العمل، الصراع بين الشغيلة وأرباب العمل، سعي هؤلاء لاعتصار اقصى الارباح بأشد خفض ممكن لكلفة قوة العمل، وكفاح الشغيلة من أجل زيادة الأجر وتحسين شروط العمل ومجمل الأوضاع الاجتماعية. تميل الكفة للأقوى في كل فترة حسب درجة تنظيم الطبقة العاملة ونوعيته وبحسب مقدرة الطبقة السائدة على تدبير تناقضات المجتمع الراسمالي. اليوم في المغرب تشكل نضالات شغيلة خدمات التدبير المفوض ( نظافة ، نقل، حراسة، إطعام…) المشهد الأكثر بروزا في ساحة الاحتجاج العمالي. ليس لأنهم الأكثر وعيا بحقوقهم بل لأن هجوم أرباب العمل على أشده، ولأن فئة العمال هذه حلقة من الأضعف والأكثر معاناة. تتجلى شراسة هذا الهجوم من خلال: العمل بأقل الاجور في مقابل فرط استغلال وحقوق ضمان اجتماعي وتغطية صحية في كف عفريت، و أماكن عمل أو وسائل عمل دون وقاية وسلامة، علاوة على تكميم ورفض كل حرية نقابية أو احتجاج مقاوم.
يقع كل هذا تحت أنظار أو إشراف المسؤول المباشر: سلطات الدولة. إنها الراعي الأول لما يسمى بسياسة التدبير المفوض، بما هو شكل من أشكال الخصخصة. إن دولة تسن قوانين تسمح بتفويت تدبير خدمات عمومية بمقابل لشركات قطاع خاصن مستحدثة لهذا الغرض، لا تخدم في أخر المطاف غير مصالح أقلية رأسمالية. إن سياسة التدبير المفوض تتيح لشركات القطاع الخاص خدمات و شغيلة رخيصة الثمن دون مجهود يذكر. فالقطاع الخاص يرتكز على أليات ومنشآت موجودة سلفا وشغيلة رخيصة ذات تجربة سلفا. إن مشاهد حوادث أساطيل خدمات النقل الحضري ( الحرائق وحالة الأسطول ) و حالة أليات وشاحنات النظافة وأخيرا حوادث شغل أو مشاهد عمال النظافة المزرية وهم يزاولون أنشطتهم، تغنينا عن الإقرار أن أرباب العمل لا يهمهم غير الأرباح.
رغم كل هذا يستبسل شغيلة قطاعات التدبير المفوض في مقاومة هذا الاستغلال والحرمان من الحقوق وأسفله غيض من فيض:
- في ورزازات، بداية عام 2025، احتج عمال النظافة بشركة سيا ورزازات، المنضوون تحت لواء النقابة الوطنية للجماعات الترابية والتدبير المفوض (كدش)، أمام مقر الشركة ضد محاربة العمل النقابي وتهديد مناديب الأجراء، بالإضافة إلى مطالب تحسين شروط العمل، بما في ذلك منحة الأقدميةواحترام شروط الصحة والسلامة في العمل، توفير وسائل النقل والمرافق الصحية، وأخيرا تحسين وسائل العمل.
- في طنجة، وقف عمال النظافة في الاتحاد العام للشغالين بالمغرب بطنجة ، الخميس، احتجاجا أمام مقر شركة “أرما”، بداية الاسبوع الثاني من شهر مايو 2025، بوجه محاربة العمل النقابي عبر النقل التعسفي و إنهاء عقود الشغل دون مبرر، وعدم احترام الحقوق الأساسية للعمال المتمثلة في تحسين ظروف الشغل، وتفعيل التغطية الصحية، وصرف التعويضات والمنح المستحقة ، وعدم تنفيذ بنود الاتفاقيات الجماعية الموقعة سابقا.
- في تطوان، سطر عمال وأطر شركة « ميكومار » تطوان للبيئة ( نقابة إ م ش)، منتصف شهر أبريل 2025، برنامج نضالي يبدأ بوقفات احتجاجية، وذلك إثر انعدام الاستفادة من حق التأمين عن المرض RMA رغم الاقتطاعات التي تخصم من أجور العمال “و غياب آليات وأدوات العمل وظروف الصحة والسلامة و ممارسات الحد من الحرية النقابية.
- تشهد مدينة قلعة السراغنة خلال شهر مايو الجاري من العام 2025، إضراب واحتجاج عمال النظافة بفعل تأخر الأجور ، إن معاناة العمال كبيرة وتجاهل حقوقهم كثير. إضطر العمال للدخول في اضراب مفتوح بسبب تكرار نفس التعامل كل ستة أسابيع. ليس مطلب تأدية الأجر غير أول المطالب من سلة حقوق مهضومة.
- في الناظور ، قضم رب عمل التدبير المفوض لقطاع النظافة حقوق عماله ما اضطرهم للرد إحتجاجا ليلة الأربعاء 18 ماي 2025، بوقفة احتجاجية. كانت أولى المطالب، أداء منحة لعائلة العامل متوفى سابقا والمقدرة بـ35 ألف درهم، طبقا لما تم الاتفاق عليه، علاوة على مطالبة العمال بتخصيص منح أخرى للسائقين ومنظمي السير إضافة إلى مجموعة من المطالب من بينها التأمين عن حوادث الشغل وأداء تعويضات عمل الاعياد الدينية خلال العامين الأخيرين.
هذه هي نتائج سياسة أكثر من ربع قرن من نهج التدبير المفوض للخدمات الاجتماعية. انحنى الحاكمون طوعا لتوصيات المؤسسات المالية بتطبيق ممنهج لإعادة هيكلة الاقتصاد والمالية العمومية بما يخدم مصالح الرأسمال الأجنبي و المحلي تحت غطاء تحسين المردودية وتجويد الخدمات. ها نحن اليوم نشهد أثر كل هذا. مالية عمومية متاحة لأرباب عمل كبار وشغيلة موضوعة رهن الاستغلال المفرط. استغلال تواصل الشغيلة رفضه لأنه غير مطاق .
إن وضع الهشاشة و الخوف من البطالة هذا يجعل من هذه الشغيلة تتصدر اليوم النضالات العمالية بكفاحات تطلب مطالب بسيطة لا غير : أداء الاجور وتطبيق ما جاء في القانون.
بالمقابل تشهد قطاعات أرباب العمل الأكثر مردودية و ذات العدد الكبير من أفراد الطبقة العاملة نوعا من الهدوء فلا نضالات تذكر ولا مطالب ترفع. يجري سريعا تأسيس النقابات الموالية و عزل الشغيلة عن باقي الفروع في نفس النقابات أو في نفس الاتحاد . تجري الدعاوة بشكل كثيف للمقاولة المواطنة و النقابة الشريك الاجتماعي وتصنع الاتفاقات وفق أهواء أرباب العمل دون نضالات.
نجحت الدولة في تدجين القيادات البيروقراطية التي أصبحت تناوش بنضالات جزئية وصغيرة وظرفية، ومنحت الوقت والفرصة لأرباب العمل من أجل مواصلة الاستغلال. فلا معلومات عن أوضاع شغيلة هذه القطاعات الاكثر ربحية. ولا خرط لها في النضالات ما عدا المشاركة في مسيرات فاتح مايو . أما عن خلق نقاشات وتواصل بين النضالات الجارية من داخل الاتحادات فمنعدم. إن القيادات النقابية البيروقراطية تضع أسوارا صينية بين أفراد قطاعاتها ، يجب تحطيمه بمد جسور كل تواصل ممكن وتنظيم عند كل ظرف.
أما فيما يخص النضالات الجارية بقطاعات التدبير المفوض خاصة النظافة فمن واجب مناضلي طبقتنا تكثيف التضامن معها، بتجاوز للحدود المصطنعة بالوان نقابية متعددة، والعمل لتوحيد النضالات بتنسيقية وطنية، والدفاع عن كون هذه الخدمات في أصلها عمومية لذا المطروح هو المطالبة باستعادتها، وأن يعود تدبيرها عموميا صونا لكرامة العمال وحقوقهم وحفاظا على المال العمومي. يتوجب على النقابات أن تدرج ضمن مطالبها ليس فقط المطالب المعهودة من قبيل الأجر وباقي الحقوقـ بل إدراج مطلب الغاء ما يسمى التدبير المفوض وإعادة التدبير العمومي الخدمات العمومية تحت رقابة المواطنين/ت. هذا ضمن منظور عمالي إجمالي يشمل مختلف مناحي الحياة، أساسه تلبية الحاجات الأساسية لجماهير الشعبية، وليس خدمة أرباح الأقلية البرجوازية. ما يعني التسلح برؤية سياسية بديلة: أي سياسة عمالية للنضال من أجل تغيير مجتمعي شامل وعميق.
بقلم، العاصي
اقرأ أيضا