غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب

النساء18 أبريل، 2024

سلمت اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة لرئيس الحكومة يوم30 مارس2024 تقريرا عن مقترحات تعديلاتها في انتظار موافقة الملك عليها لتحال على مسطرة التصديق التشريعي.

رافق بدء اللجنة المكلفة مهمتها سجال طفا أساسا على منصات التواصل الاجتماعي بين المدافعين على الابقاء على بنود مكرسة للميز القانوني إزاء النساء باسم الأحكام القطعية التي لا يمكن انتهاكها، وطرف ثان يأمل نيل مكاسب قانونية تحسن أوضاع جماهير النساء.

إن الخلاف حول قانون الأسرة يعكس صراعا بين تعبيرات سياسية قائمة على مصالح طبقية، ويكشف طبيعة المنظورات في تناولها للاضطهاد الجندري.

يعتبر النضال من أجل التحرر الشامل والعميق من جميع أشكال الاضطهاد والاستغلال هدف المناضلين-المناضلات الاشتراكيين-الاشتراكيات. وفي الوقت نفسه لا يغفلون أبدا دعم النضال لأجل فرض مكتسبات تحسن أوضاع المضطهدين-المضطهدات اعتمادا على أدواتهم-ن التنظيمية المستقلة في إطار الوعي بالتحرر من أصل الشرور الذي هونظام رأسمالي أبوي يرشح من كل مسامه الاستغلال والأزمات والعنصرية والحروب وتدمير البيئة .

تقدم جريدة المناضل-ة سلسلة مقالات تحليلية لتسليط الضوء على منظورها لقانون الأسرة، عبر عرض مواقف أهم التنظيمات السياسية والتيارات الأيديولوجية، وتعرض أخيرا مقترحاتها لمحاور رئيسية  لقانون أسرة بديل يجب النضال لأجله وما الشروط النضالية والتنظيمية الواجب توفرها لفرضه.

 المناضل-ة

 

المقال الأول: سياق تعديل مدونة الاسرة

بعد مضي حوالي 20 سنة على إصدار مدونة الأسرة، وجه الملك رسالة إلى رئيس حكومة الواجهة، تتعلق بإعادة النظر في تلك المدونة داخل أجل ستة أشهر قبل إعداد مشروع قانون وعرضه على مسطرة المصادقة.

وحسب الرسالة، الحكومة مخولة، طبقا لأحكام الفصل 78 من الدستور، لاتخاذ المبادرة التشريعية، في هذا الشأن. كما أمر الملك أن يسند قيادة عملية التعديل، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة.

جرى اشراك الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع في هذه العملية، بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح على هيئات وفعاليات المجتمع المدني وباقي المتدخلين في ميدان قانون الأسرة.  تجري بلورة نتائج هذه اللقاءات، في شكل مقترحات تعديلات، تُرفع إلى الملك، وذلك قبل إعداد الصيغة النهائية التي ستُعرَض على  البرلمان للمصادقة.

تشكل هذه الصيغة إحدى آليات الملكية المعتادة للتحكم في التحولات السياسية والقانونية من أعلى والحرص على إضفاء الطابع “التشاركي” عليها. هكذا تمكنت الملكية من تدجين واحتواء الحركة النسوية (وقسم من الحركة الحقوقية والأمازيغية). وهي آلية قديمة قوامِها التنازل الجزئي من أعلى لتفادي تغيير إجمالي من أسفل. وهي في نفس الوقت آلية لتكريس الانطباع بأن الملفات الكبرى للبلد تُدبَّر عبر المؤسسات.

  • تعديل مدونة الاسرة: إصلاح نابع من عمق السياسات النيولبرالية

يعد المغرب من بين 40 اقتصادا أجرى إصلاحات قانونية في اتجاه تطوير مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي عبر العالم،  وذلك حسب دراسة للبنك الدولي. دراسة تثبت بالملموس أهداف الدولة الحقيقية من هذه التعديلات، حيث ذكر رئيس مجموعة البنك الدولي بأن

“الحقوق القانونية للمرأة هي الشيء الصحيح الذي يجب فعله، وجيدة من المنظور الاقتصادي. فعندما تتمكن المرأة من التنقل بحرية أكثر، ومن العمل خارج المنزل، ومن التصرف بالممتلكات، فإن ذلك يعني زيادة فرصتها في المشاركة في القوى العاملة، والذي من شأنه أن يعزز اقتصاد البلاد”.

الخضوع لاملاءات المؤسسات المالية الدولية هو عنوان لجملة من الإصلاحات التي يحدثها المغرب في عدة مجالات وقطاعات من بينها تعديل مدونة الاسرة، وذلك بهدف أن تساير هذه الأخيرة كل التغييرات الحاصلة اقتصاديا وفي منظومة الأحكام القانونية والاجتماعية والسياسية، والتي تعد بدورها نتاجا للملاءمة التي يفرضها السياق الدولي.

إن ما يتغافل عنه البنك الدولي وادعاءت الدولة هو أن خروج المرأة للعمل يجري في سياق فُكِّكت فيه تشريعات الشغل القار بالمغرب، وأن حرية التنقل تعني حرية أرباب العمل في تغيير اليد العاملة بمرونة قصوى، بفضل قانون شُغل يجري تكييفه هو الآخر ويتضمن عقودا محددة المدة وإمكانيات هائلة للتسريح بمبررات اقتصادية وتقنية وهيكلية. كما أن التصرف بالممتلكات يعني فقط الطبقات القادرة على استثمار ملكيتها. أما القسم الأوسع من النساء العاملات (وأيضا العمال) فلا ملكية لهن سوى قوة عملهن (البدنية والذهنية) يؤجرنها مقابل ما يسد الرمق. أما قسم آخر من النساء الكادحات فإن “الخروج من المنزل للعمل والتصرف بالممتلكات” يربطه البنك الدولي وسياسة الدولة بما تسميه “التمكين الاقتصادي” عبر مشاريع صغيرة “مدرة للدخل” تُقحِم النساء في دوامة القروض الصغرى التي تنتهي بالمآسي وبيع “الممتلكات” للاستمرار في سداد تلك القروض. في حين يشجع البنك الدولي تسليع أنشطة الإنتاج الصغير التي شكلت دائما مورد رزق النساء القرويات، محولة هؤلاء الأخيرات إلى أجيرات لدى تعاونيات تستأثر بالقسم الأكبر من القيمة المنتَجة.

لن تطال تعديلات المدونة جوهر النظام الطبقي والاستبدادي والبطريريكي، وهذا أمر أكيد، خاصة ذا ما استحضرنا بالموازاة مضي الدولة في تنفيذ خطط تكرس تخلف أوضاع النساء من قبيل “النموذج التنموي الجديد”، ومن جهة أخرى، يتبين بجلاء محدودية التعديلات المرتقبة من خلال المذكرات التي رفعتها كل الهيئات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، والتي لم تقطع بعد مع النظرة الرجعية للنساء والخلفية الذكورية التي ستصاغ بها.

  •  نوع و طبيعة المقترحات التي قُدمت إلى لجنة تعديل مدونة الأسرة

باشرت اللجنة عملها فور تشكيلها من قِبل الملك ، فقامت بعقد جلسات استماع، حيث جرى اللقاء بمجموعة من الهيئات الرسمية ومختلف الفعاليات المدنية والجمعوية والحقوقية التي عرضت تصوراتها ومنظورها بخصوص مراجعة مقتضيات مدونة الأسرة.

قدمت عدة هيئات رسمية مقترحاتها لتعديل مدونة الاسرة، كالقطاعات الوزارية المعنية (وزارة الداخلية، وزارة الخارجية والتعاون والمغاربة بالخارج، وزارة الاسرة والتضامن- العدل…)، ومؤسسات رسمية موازية كالمجلس الوطنية لحقوق الانسان، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المجلس الأعلى للتعليم، المندوبية السامية للتخطيط، حقوق الطفل، المجلس العلمي الأعلى… الخ.

رغم كون جميع هده الهيئات مؤسسات الدولة كل في اطار اختصاصه فهناك بعض التباين الذي لا يناقض دفاعها عن منظور النظام القائم على حكم طبقي استبدادي بطريريكي يُسوغ شرعيته بالولاية الشرعية السماوية والخيارات الليبرالية الاقتصادية المكرسة بتبعية للدوائر الامبريالية.

ركزت المقترحات الوزارية على المشاكل العملية التي أبانت عنها التجربة العملية خلال سنوات من تطبيق المدونة في أبعادها الاقتصادية والقانونية والعوائق اللوجستية، فيما ركزت المؤسسات الرسمية الموازية على الجوانب التي تدخل في دائرة اختصاصها. فالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يبتغي أن تحرَّر المدونة النساء من القيود المعيقة لمساهمتهن في الدورة الاقتصادية المعترف بها والتخلص من القوانين الكابحة للملكية الخاصة، وتوسعها وتوفير يد عاملة مؤهلة ورخيصة. أما المجلس الوطني لحقوق الإنسان فتركيزه منصب على ملائمة المدونة مع الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب والخاصة بالقضاء على جميع أشكال الميز ضد النساء والأطفال وذوي الحاجات الخاصة، فيما المجلس العلمي الأعلى يلعب دور الدفاع عن شرعية النظام الدينية مع استعداده طبعا لتقديم المسوغات المبررة لتغيرات لا مهرب منها، وهو احتياط لردع كل اندفاع نضالي نسوى جذري مستقبلا. هكذا تتكامل أدوار هذه المؤسسات في مهمة الدفاع على أسس المجتمع الرأسمالي وحاميه السياسي: الاستبداد.

هناك تكامل جوهري فيما يظهر كتناقض من مقترحات المؤسسات الرسمية، بين من يقترح حلول عملية لمشاكل ملموسة في تطبيق مدونة الأسرة، وبين الداعي لإصلاح ليبرالي لملائمة بنود المدونة مع المواثيق الدولية وبين المدافع المستميت عن الميز ضد النساء المكرس في القانون، كل ذلك يصب في تكتيك مجرب يقضي برفع الأمر لحسم الملك.

إن ما يفسر جهود الدولة المغربية الحثيثة من أجل تعديل مدونة الاسرة في انسجام مع التوصيات التي سطرها البنك الدولي “مساواة الجندر يساوي فعالية اقتصادية وربح رأسمالي” من خلال تصويب ترسانته القانونية والإعلامية، هو محاولته تحسين الترتيب الذي يجد فيه نفسه عقب كل تقرير تصدره المؤسسات الدولية والتي تضعه في ذيل التصنيف. يريد النظام الظهور في طليعة بلدان المنطقة المكرسة لتعديلات قانونية تتطابق مع التزاماته بالقضاء على الميز الممارس ضد النساء. لكن طبيعته الطبقية والاستبدادية والبطريريكية تتناقض جوهرا مع ذلك فيلجأ إلى انتقائية ترتكز على تعديلات جزئية لا تغير من واقع اضطهاد النساء وتسويق الأمر كفتح عظيم.

بقلم : ف.أ

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا