23 مارس 1965 : درس قديم متجدد

بمناسبة الذكرى الخمسون لانتفاضة 23 مارس المجيدة، نعيد نشر المقالات أدناه، والتي نشرت سابقا على موقع المناضل-ة القديم: http://www.almounadil-a.info/ 

23 مارس 1965 : درس قديم متجدد

السبت 23 آذار (مارس) 2013

جنين داوود

لم يكتمل العقد الأول من الاستقلال الشكلي حتى اهتز المجتمع المغربي بانتفاضة مارس 1965، ليتضح أن آمال كادحي المغرب في وطن حر وشعب سعيد خابت بفعل الكيفية التي تم بها الاستقلال نفسه، حيث لم يكن سوى تمكينا للاستبداد القديم، الذي لم ينجح يوما في بسط كامل سيطرته على ربوع البلد، من السيادة التامة بوسائل جديدة.
لم يكن انفجار 23 مارس سوى إحدى أشكال المواجهة مع الحكم المطلق، شكل عفوي لم يكن فيه لأحزاب المعارضة ولا للنقابات العمالية دور فاعل. كانت المعارضة في أواسط العقد السادس قد تلقت من ضربات الملكية ما أحالها الى جسم متفكك الأوصال وبلا رأس. فمنذ مفاوضات ايكس ليبان ، كان الانشغال الرئيس للملكية متمثلا إعادة إرساء حكمها الكلي ، مع ما يستلزم ذلك من إبطال مفعول القوى الشعبية: تفكيك جيش التحرير وتحييد النقابة العمالية. تمت العملية الأولى بالعنف والتآمر وجرت الثانية باستمالة جهاز النقابة بالامتيازات والمعاملة الأبوية.
كان إسكات الاحتجاج الشعبي بالعنف خطوة إضافية في مسار إنزال الهزيمة النهائية باليسار الجذري المتحدر من الحركة الوطنية. فالعقد الذي يؤطر مارس 65 كان مطبوعا بالمواجهة بين قوى ذلك اليسار التي واصلت النضال بمناهج المقاومة المسلحة ضد الاحتلال- مجموعة شيخ العرب و تيار الفقيه البصري- والنظام.
ومن جانب آخر حفز انفجار مارس 1965 قوى ثورية جديدة، نشأت بفعل قصور مكوني اليسار الرئيسين، الحزب الشيوعي والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، عن النهوض بمهمة تنظيم قوى النضال من اجل التحرر الحقيقي والعدالة الاجتماعية. كان رافد القوى الثورية الجديدة جيلا شابا صادف سياقا عالميا مطبوعا بتنامي كفاح حركات التحرر بالبلدان المستعمرة وشبه المستعمرة ودور الماركسيين في تجاربه الرائدة – فاتجه صوب الماركسية. أضحت هذه منارا لحركة الشباب المتعلم وحاز أنصارها الأغلبية في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. كان ذلك مقدمة لأشواط اخرى من القمع الشرس بقصد اجتثاث اليسار الجذري، الشعبوي والماركسي على حد سواء، وفي الآن ذاته الإفساح في المجال لقوى إصلاحية لترسي هيمنها في الساحة الجماهيرية: صحافة شرعية وعمل بالنقابات وغيرها من المنظمات الشعبية وعمل بالمؤسسات ، الخ. وهو ما سيطبع بقوة الحياة السياسية منذ 1975.

بنية طبقية موروثة عن الاستعمار

لم يترافق حصول المغرب على الاستقلال بتغير جوهري في بنيته الطبقية، اذ حافظت الإمبريالية على مصالحها ومعها الطبقات المالكة المحلية. اقتضت مصالح الطرفين الإبقاء على وضع التخلف والتبعية. فالإمبريالية لا تريد المغرب سوى:

1- خزانا ليد عاملة رخيصة للمصانع الأوربية للضغط على أجور العمال بأوربا
2- سوقا لتصريف منتجات صناعتها (لا مصلحة لها في بناء صناعة محلية تنافسها )
3 – موردا لمواد الأولية ومنتجات زراعية
كانت الملكية من جهتها تخشى تصنيع البلد بما سيحدث من تغيير في البنية الطبقية، فهو سيخلق برجوازية قوية قد يدفعها وزنها الاجتماعي الى منافسة الملكية في السلطة (المطالبة بنظام برلماني )، بل وما هو أخطر: بروز بروليتاريا حضرية لا تهدد النظام السياسي وحسب بل حتى النظام الاقتصادي-الاجتماعي. فكانت الصناعة الثقيلة شبه منعدمة والتحويلية خاضعة لحاجات الإمبريالية، وبمقدمتها استخراج المعادن المصدرة خاما والممثلة 35 % من الصادرات. وكانت المبادلات تبرز التبعية لمنطقة الفرنك (زهاء 60% من الصادرات والواردات على حد سواء )
وفي العالم القروي تعززت البرجوازية الزراعية الكبرى بشراء أراضي المعمرين المغادرين- الذبن سبق أن انتزعوا مليون هكتار دون أن يعيدها الاستقلال الى ملاكيها الأصليين.
في مطلع سنوات 60 كانت 60% من الأرض بيد أقلية لا تتعدى 5 الى 10% من الأسر و 40% الباقية من الأرض بيد %50 الى 55 % من الأسر . فكان الفلاحون دون ارض يشكلون 40 % من الاسر.
هذا وكان تفكيك الصناعة الحرفية القديمة، بفعل تدفق السلع الأجنبية، واجتثات الفلاحين بنزع الملكية، قد أديا إلى هجرة قروية كثيفة شكلت أحزمة الفقر بالمدن، لا سيما الدار البيضاء . وكان 25 % من السكان النشطين في المدن عاطلين. وكانت الدار البيضاء برميل بارود لا تنقصه سوى الشرارة، فهي التركز العمالي الأكبر والوجهة الأولى لموجات هجرة القرويين المعدمين.
وقد دل بحث متعدد الأهداف قامت به المصلحة المركزية للإحصاء(1964) أن 42.7 بالمائة من الاسر بالدار البيضاء تعيش بأقل من 200 درهم و 11.5 بالمائة لا دخل لها. منذ 1959 والأجور مجمدة عمليا بينما ارتفعت الأسعار ب50% مذاك . مثلا السكر ( ذو المكانة الخاصة في استهلاك الاسر الشعبية ) ارتفع ب80 % من غشت 1963 الى ما ي1964 . نتيجة ذلك انخفض الاستهلاك الفردي لدى الجماهير الشعبية ب 15%.

سنوات توطيد الحكم المطلق

غداة الاستقلال الشكلي عاش المغرب حالة جنينية من ازدواجية السلطة يمثلها وجود جهازين عسكريين: الجيش الملكي من جهة والمقاومة-جيش التحرير من جهة أخرى. السلطة الأولى تمثل مصالح الإمبريالية و ملاكي الأراضي الكبار والبرجوازية الكمبرادورية، والثانية تمثل القوى الشعبية. فقادة المقاومة وجيش التحرير الذين قرروا مواصلة النضال حتى تحرر المنطقة المغاربية برمتها رفضوا دمج قواتهم في جيش يؤطره ضباط فرنسيون و عسكريون مغاربة تكونوا في الجيوش الاستعمارية التي حاربت سعي الشعوب الى التحرر ومنها الفيتنام . لكن الضعف القاتل للقوى الشعبية كان سياسيا، اذ انعدم برنامج واضح ورؤية صائبة للقوى الاجتماعية المؤهلة لخوض النضال حتى النهاية ولطبيعة القوة السياسية اللازمة. وبرز كل ذلك في الطبيعة الشعبوية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
لم تسمح موازين القوى الموروثة عن فترة النضال ضد الاحتلال بإقامة حكم مطلق سافر منذ اليوم الأول للاستقلال، لا سيما ان الملكية كانت بحاجة الى حزب الاستقلال بما هو القادر، دون غيره، على احتواء الجماهير في حال انفجار اجتماعي او تفاقم الصراع مع الجزائر، كما استعملته لتمرير
سياسة التقشف ( الميزانية التي قدمها عبد الرحيم بوعبيد للمجلس الوطني الاستشاري). هكذا اضطرت الملكية الى إغداق الوعود والتنازلات الى غاية التمكن من ترسيخ سلطتها وتفكيك القوى المعارضة . فقد وعد خطاب الملك يوم 18 نوفمبر يومين بعد عودته بـ ” إعداد المؤسسات الديمقراطية التي تحتاجها البلاد.” وأنشأ” المجلس الوطني الاستشاري لدى جلالة الملك ” من أعضاء يعينهم ليمدوه بالآراء . فأسندت رئاسته الى المهدي ونيابة الرئيس الى المحجوب بن الصديق. وقدمت تنازلات عبارة عن مقاعد وزارية . لكن وزارات السلطة الفعلية كانت تبقى دوما بيد المؤسسة الملكية. وكان أقصى ما منحت تعيين حكومة برئاسة أحد أقطاب يسار حزب الاستقلال، عبد الله ابراهيم، والتي حدد الملك وظيفتها كما يلي:” ” مواصلة تطبيق البرامج السياسية والاقتصادية … طبقا للسياسة التي وضعنا أسسها وحددنا مبادئها وحددنا توجهها في خاطبنا الأخير في عيد العرش”.
على كل حال انحصرت مطامح البرجوازية المحلية القائدة لنضال التحرر في الحصول على حصة من الخيرات ومن ثمار استغلال الجماهير الكادحة وتقاسم السلطة مع الملك.
فحزب الاستقلال بكل تياراته لم يكن يسعى الى السلطة بل الى تقاسمها مع الملكية، معتبرا أن تحالفه مع الملكية هو الذي سيضمن له دعم العالم القروي .
الى جانب مشروع الحكم عبر المهدي بنبركة أساسا على مشروع بناء رأسمالية وطنية ذات قدر من الاستقلال عن الإمبريالية وكان رمز مثقفي البرجوازية الوطنيين الواعين لمصالحها التاريخية، لكن طبيعته السياسية البرجوازية جعلته يسعى الى مساومة مع النظام مساهما بذلك في تشويش وعي الجماهير وتضييع طاقاتها الكفاحية بدل استقلال العمال السياسي وقيادتهم للكادحين قاطبة في سيرورة تنجز التحررين الوطني والاجتماعي. وهنا يتحمل ستالينيو المغرب مسؤولية تاريخية في بقاء الكادحين تحت الهيمنة السياسية لتيارات برجوازية وان كانت معارضها للنظام .
هذا وقد كان العقد الاول من الاستقلال الشكلي مطبوعا بحملات القمع ضد المعارضين ( اعتقالات ومحاكمات واعدامات …) وتوجيه ضربات لحرية التعبير، منها على سبيل المثال محاكمة جريدة “التحرير” مرتين في صيف 1959: الأولى لأنها نشرت مقالا مترجما يتناول ثروة الأسرة الملكية، والثانية لأنها نشرت مقررات المؤتمر الرابع للاتحاد الوطني لطلبة المغرب التي اعتبرت مسا بالجيش الملكي . وصودرت واعتقل المسؤولون عنها لأنها طالبت بان تكون الحكومة مسؤولة أمام الشعب.

حركة عمالية كسيحة

عند انفجار 23 مارس 1965 كانت الحركة النقابية قد أنهت عقدها الأول بعد تأسيس الاتحاد المغربي للشغل. وإن لم تقم هذه المنظمة العمالية بدور يذكر في الانتفاضة، فمرد ذلك الى سيرورة التبقرط السريع التي شهدتها بعد الاستقلال الشكلي. فقد سعى النظام، وهو يواجه المعارضة الجذرية الناشئة، الى تحييد النقابة العمالية، او بالأقل إبعادها عن تأثير التيار الجذري. وقد نجح فعلا في ذلك بناء على قاعدة مادية هي المكاسب التي حظي بها الجهاز النقابي، من تسهيلات وبنايات ومساعدات مالية ودفع أجور مئات الموظفين المتفرغين للعمل النقابي.
كانت تلك الامتيازات أساسا لنزعة المحافظة لدى جهاز الاتحاد المغربي للشغل، ولسوكه العدواني الشرس ضد النقابيين المعروفين بميولهم الثورية آنذاك.
كما أن بناء جهاز نقابي في شهور معدودة في جميع القطاعات وفي كافة أنحاء البلد (15 جامعة نقابية بفروعها وعشرات الاتحادات المحلية) سيجعل المناضلين الحقيقيين أقلية وسط كتلة واسعة من الانتفاعيين الباحثين عن امتيازات. إجمالا أصبحت الحركة النقابية كما قال عمر بنجلون ” لا تجعل مصالح العمال متعارضة مع مصالح الدولة بل تتعاون كطرف مندمج في الجهاز السياسي الإداري “. كانت النقابة العمالية تضعف باطراد ، لا من جراء ما تعرضت له من محاولات تخريب كتأسيس الاتحاد العام للشغالين من طرف حزب الاستقلال عام 1960 ، وهياكل “نقابية” اخرى (خلق عبد الكريم الخطيب اتحاد نقابات العمال الأحرار في 1963 وكديرة الاتحاد النقابي للقوات العمالية في 1964)، بل بفعل سياسة قيادته التي نسفت نضالات عديدة، وحلت فيدرالية الصناعة، وخلقت أزمة مع فيدرالية البريد ثم التعليم. وانعكس ذلك في قوة المنظمة اذ أن عدد منخرطي الاتحاد المغربي للشغل عام 1965 كان قد سقط الى300 ألف أي نصف ما كان عليه عام 1957 ( تقدير عبد اللطيف المنوني في أطروحته الحركة النقابية العمالية بالمغرب – دار النشر المغربية)
كان الحزب الشيوعي المغربي لما انفجر السخط الشعبي في مارس 1965 مقموعا ومحروما من امكانية الفعل العلني. فقد تعرض في بداية 60 في ظل حكومة عبد الله إبراهيم “التقدمية” للمنع بمبرر تعارض فكره مع الملكية والدين. لكن الجذور التاريخية لضعفه تعود الى موقفه من المسألة الاستعمارية بالمغرب، حيث اعتبر بيان المطالبة بالاستقلال وما تلاه من قمع وانتفاضة شعبية حبكة فاشية. ورغم تبنيه بعد الحرب الثانية لمطلب التحرر الوطني ، واصل اعتبار النضال الاجتماعي سابقا على النضال الوطني.

الشباب يفجر الوضع

كان الاتحاد الوطني لطلبة المغرب قد بلغ، بعد ست سنوات من تأسيسه، مستوى من التجذر شبيها بتجذر قسم من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
وذلك ما عبر عنه مؤتمر المنظمة الطلابية بالدار البيضاء في غشت 1963 بقوله:” اليوم بعد التجارب التي شهدها بلدنا والتي كانت مطبوعة بأحداث هامة من قبيل المعركة ضد الدستور الملكي (…) والقمع المعمم في القرى ضد كل قوى المعارضة والضربة الموجهة للحزب التقدمي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بات وجود النظام في حد ذاته هو العقبة بوجه تحقيق تطلعات الجماهير الشعبية وبوجه أي إمكانية للتقدم. يعلن المؤتمر الثامن لاتحاد الوطني لطلبة المغرب ان إلغاء النظام هو الشرط المسبق لاخراج البلد من الأزمة المفتوحة او الكامنة التي يتخبط فيها باستمرار منذ الاستقلال (…) في الواقع يتجلى الوجه الحقيقي للنظام الملكي المغربي في السلوك اللاوطني لاقلية إقطاعية تغتصب السلطة وتدافع عن المواقف الاستراتيجية للاستعمار الجديد (…) في هذه الشروط فان المؤتمر الثامن للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وعيا بالمسؤوليات التي تقع على كاهل الطلبة في الطور التاريخي الجديد الذي يدخله نضال شعبنا، يعلن ان الطلبة المغاربة سيوجهون جهودهم نحو تحقيق الهدف الأساسي لشعبنا : سقوط النظام الحالي وتسلم السلطة من طرف المنظمات الشعبية و الثورية والديمقراطية، الممثل الشرعي لشعبنا.”
كان الاتحاد الوطني لطلبة المغرب قد أمد نشاطه الى الثانويات وتنامت نضالية شباب المدارس، فاستشعر النظام الخطر وصدر ظهير في 21 يونيو 1963 يمنع على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب تنظيم التلاميذ. وتعرضت المنظمة الطلابية منذ 1964 للمحاكمة بقصد حلها، وهو ما رفضته محكمة الرباط في 30 ديسمبر من نفس السنة.
إضراب التلاميذ يتحول الى انتفاضة:
كان الفتيل الذي اشغل برميل بارود الغضب الشعبي ممثلا في قرار لوزير التعليم يحرم كل البالغين 17 سنة من الالتحاق بالسلك الثاني من الثانوي. كانت صفعة قوية لأمال تحسين الوضع الاجتماعي عن طريق التعليم . صفعة دوت في ربوع المغرب، فبعد شهر من صدور القرار اندلعت إضرابات التلاميذ بمدن عديدة ، وكانت اضخم الاحتجاجات بالدار البيضاء و انضمت جماهير الأحياء الشعبية من عمال وعاطلين . عبر المتظاهرون عن رفضهم للسياسة العامة للدولة وطبيعة نظامها السياسي وقمعها للمظاهرات بالإقدام على إحراق الحافلات والبنوك ومحاصرة إدارات الشرطة ورفع شعارات ضد الملك. تدخل الجيش و وزير الداخلية أوفقير شخصيا في عمليات القمع. الحصيلة الرسمية 7 قتلى و69 جريح و168 معتقل. لكن الحقيقة دفنت مع القتلى الذين دفنوا ليلا في أماكن مجهولة.
بعد اسبوع من بداية الإضرابات التلاميذية والمظاهرات الشعبية اعترف الملك بالأسباب الاقتصادية والاجتماعية للاستياء الشعبي وعبر بطلاقة في خطاب الى الأمة عن مشاعره ازاء التعليم العمومي قائلا : ” اقول لكم انه لا أخطر على أي دولة من الشبيه بالمثقف، وانتم اشباه مثقفين وليتكم كنتم جهالا” . والآن وقد مضت اربعون يمكن القول ان بعدا من ابعاد سياسة الدولة في التعليم كانت سعيا حثيثا الى تحقيق تلك الأمنية.
بعد خنق الانتفاضة حل الملك البرلمان الصوري واعلن حالة الاستثناء أي انفراده الصريح بكافة السلطات ، وبعد اشهر تعرض زعيم اليسار المهدي بن بركة للاختطاف والاغتيال. ودخل المغرب طورا جديدا من حرب النظام على المعارضة وذلك بالتكتيتك الكلاسيكي : ابادة الثوريين واستمالة الليبراليين بالتنازلات الزائفة. وبذلك نجح في اضافة 40 سنة اخرى من أغلال الرأسمالية التابعة وما تنطوي عليه من أهوال الى تاريخ الشعب المغربي.

درس قديم لكنه جديد دوما

كانت عصيان 23 مارس 1965 أول حالة من ظاهرة ستطبع تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال الشكلي على نحو دوري، وفي سياقات اجتماعية -سياسة سمتها المشتركة احتقان الوضع الاجتماعي مع تواصل أزمة العامل الذاتي: يونيو 1981 ويناير 1984 وديسمبر 1990. ففي كل الحالات تتلاشى طاقة الاحتجاج الشعبي بفعل غياب منظمة عمالية ثورية تلف كافة الكادحين. فقد أخفقت كل تجارب بناء هكذا منظمة: وهم تثوير الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ( المذكرة التنظيمية لعمر بنجلون)، والانحطاط الإصلاحي لمنظمة 23 مارس، والأخطاء اليساروية التي لازمت نشوء اليسار الماركسي..
لقد كان قدوم جيل شاب الى الفكر الاشتراكي بعد انتفاضة مارس 1965 والمد الثوري العالمي آنذاك فرصة غير مسبوقة لبناء المنظمة العمالية الثورية. فليست هذه غير انصهار الفكر الاشتراكي مع الحركة العمالية. كانت الشبيبة المثقفة، تلاميذ وطلبة حاملا لذلك الفكر، وكانت الحركة النقابية تغرق في النزعة الاقتصادية الضيقة. لم تمتد الجسور بينهما، فلم يكن بد من انحطاط الحركة النقابية واقتصارها على نضال اقتصادي مشتت وفقد الطبقة العاملة استقلالها السياسي وسيرها في ذيل أحزاب برجوازية، مبعدا اياها عن الشعار الكبير ” تحرر العمال من صنع العمال أنفسهم.
طيلة الاربيعن سنة الماضية كسبت طلائع الحركة العمالية والشعبية خبرة اكبر في تجارب نضال عديدة و متنوعة، قدمت فيها تضحيات جسام. واغتنت الحركة العمالية بتجارب نضالات جماهيرية، منها اضرابات قطاعية بطولية ( الفسفاط وجرادة في الثمانينات ، سكك الحديد في 1995، البحارة في 1998-1999 …) وإضرابات عامة وعصيانات، ونشأت حركة نسائية، واقتحمت حركة المعطلين ميدان مواجهة سياسة الإفقار والإقصاء.
جلي ان الحركة الجماهيرية ليست في احسن حال، فمكامن ضعفها ليست بالهينة: تبقرط، تشتت، تعاون طبقي مع البرجوازية … لكن الوضع الاجتماعي الناتج عن التمادي في تطبيق سياسات الاستعمار الجديد، واستمرار الاستبداد السياسي، يشكلان في مجتمع قاعدته العريضة شابة، موردا لخزان قوى الكفاح التي لا تنقصها غير الخميرة الثورية. يوجد بمقدمة قوى الكفاح الكامنة الشباب: الشباب العامل والطلاب والمعطلون. الى هؤلاء يتعين ان تتوجه بالأولوية جهود التنظيم، فهو الذي سينقلهم من حالة لا شيء ( العمال لاشيء بدون تنظيم – لينين) الى كل شيء.
جرت العادة على انتقاد الحركة الماركسية المغربية بكونها كانت تلاميذية وطلابية. هي فعلا كانت كذلك لانها بنت انتفاضة الشباب في مارس 1965 ، لكن سطحية هذا النقد جلية للغاية، فالحزب البلشفي نفسه كان مكونا أساسا في بدايته من التلاميذ. جوهر المسالة هو كيفية تجند الشباب المثقف في بناء حزب الطبقة العاملة.

 

23Ma

 …تسلسل الاحداث
– 23 يناير1965 : صدور العدد الأول من جريدة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب : الطالب .
– 27 يناير : اللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب تقرر إضرابا عاما بالتعليم العالي
– 28 يناير : نجاح تام للإضراب بالتعليم العالي
– بداية إضراب 15 يوم بالمدرسة العليا الأساتذة للمطالبة باء الأجور المجمدة وإصلاح النظام الأساسي للطلبة واطلاق سراح المسؤولين الطلبة المعتقلين
– 29 يناير : مظاهرة كبرى للعاطلين في سيدي سليمان . يتعلق الأمر أساسا بالعاملين سابقا في القاعدة العسكرية الأمريكية الذين لم يستفيدوا من برنامج إعادة دمجهم . السلطات المحلية تقمع المظاهرة بوحشية وتعتقل العديد منهم .
– فبراير : إضراب 24 ساعة لعمال الشركة الوطنية للنقل . اعتقال مسؤولين نقابيين .
– 19 فيراير : صدور مذكرة حرمان البالغين 17 سنة من السلك الثاني من الثانوي
– 7 مارس: إضراب بجامعة القرويين 24 ساعة احتجاجا على عدم التزام الإدارة باتفاق مع الطلاب . تدخل السلطة واعتقالات
– 22 مارس : مظاهرات التلاميذ في التعليم الثانوي بالدار البيضاء وباقي مدن المغرب، اعتقالات بالدار البيضاء : اكثر من 700 معتقل .
– 23 مارس : إضراب عام للتلاميذ بالسلكين الأول والثاني من الثانوي بمدينة فاس .
– بالدار البيضاء جمعيات آباء التلاميذ تساند مطالب المتظاهرين وتقديم عرائض موقعة الى مفتشي التربية الوطنية .
– البوليس يرد على المظاهرات السلمية بقمع أعمى ، معززا بالمدرعات التابعة للجيش الملكي .
– مئات القتلى اغلبهم فتيان وفتيات اقل من 18 سنة وآلاف الجرحى .
– المتظاهرون يحاصرون مقرات البوليس والسجن حيث يوجد معتقلو مظاهرات 22 مارس .
– المتظاهرون يقتلعون أعمدة الكهرباء والأشجار لإقامة المتاريس في نهاية هذا اليوم بلغ عدد المعتقلين 2000 .
– مظاهرة كبرى في الرباط في الأحياء الشعبية وجوار وزارة التعليم واعتقال كافة المسؤولين الطلابيين ومنهم أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب .
– 24 مارس : بطلب من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية : تكوين لجنة تقصي الحقائق لكن رفض انتقالها الى أماكن الأحداث .
– مظاهرات جديدة في الدار البيضاء والرباط وفاس واعتقالات بالمئات واستمرار إطلاق النار على المتظاهرين في البيضاء .
– المحاكم تصدر أحكامها على المعتقلين بالبيضاء وفاس . وحدات الجيش تجوب الشوارع الخالية . الدكاكين مغلقة .
– 25 مارس : استمرار المظاهرات في مدن عديدة : الرباط وفاس وبني ملال وتازة واسفي وسطات وخريبكة …
– في فاس الاضراب عام واقتحام الحي الجامعي واعتقال 1000 شاب .
– 26 مارس : مظاهرة طلبة جامعة بن يوسف بمراكش
– مئآت الجرحى .
– الطلبة المغاربة بالخارج يحتلون السفارة بالجزائر وكذا في باريس وبلغراد وموسكو . ومظاهرات الطلاب المغاربة في بغداد والقاهرة .
– 5 ابريل : مهرجان تضامني بباريس نظمته اللجنة العالمية للتضامن مع الطلبة والشعب المغربي
– 27 مارس : إعدام 14 وطنيا المحكومين بالإعدام في يوليوز 1964 بعد الأحداث التي شهدها شرق المغرب
– 29 مارس : خطاب الملك
– 30 مارس مظاهرات شعبية بفاس للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين
– الشرطة تواصل حملة اعتقال التلاميذ والطلاب وآبائهم .
– 10 ابريل الملك يستقبل عبد الرحيم بوعبيد في افران
– 13 إبريل : الملك يعلن العفو عن سجناء ما عرف بمؤامرة يوليوز 1963
– 7 يونيو : إعلان حالة الاستثناء بمرسوم ملكي
– 29 أكتوبر : اختطاف واغتيال المهدي بنبركة .

مراجع
* صراع الطبقات بالمغرب من 1955 الى 1983 – ابراهام سرفاتي ضمن كتاب في سجون الملك، كتابات القنيطرة حول المغرب.
* المعطى منجب: الملكية المغربية والصراع من اجل السلطة. أطروحة دكتورة دولة في التاريخ بجامعة بول فاليري بمونبولييه
أطروحة احمد بناني: التشكيلة الاجتماعية بالمغرب ، من نهاية القرن 19 الى المسيرة الخضراء-
* وثيقة عمر بنجلون سبتمبر 1964 : الأحداث المغربية في حلقات في ديسمبر 2002 -يناير 2003
* النقابة والسياسة بالمغرب محمد بنهلال -ضمن كتاب الحركة العمالية المغاربية منشورات المركز الوطني للبحث العلمي -1985 . فرنسا

=====================================

في ذكرى الانتفاضة المجيدة:23 مارس 1965 حتى لا ننسى

الاربعاء 24 آذار (مارس) 2010

أمناي أويفوس

لكم ذاكرتكم و لنا ذاكرتنا

ذاكرتكم القمع و الاعتقالات و الاغتيالات وذاكرتنا الصمود و النضال و البطولات. هذا ما يجب أن نقوله بافتخار في وجه أعداء ذاكرتنا و كل من سولت له نفسه المساس بها. لكن هذا لا يكفي ، فمن الضروري التأريخ لهذه الذاكرة النضالية و استلهام الدروس و العبر مما تزخر به من تجارب .

ففي الوقت الذي سار فيه النظام و زبانيته لطمس هذه الذاكرة بكل أساليب التضليل و الخداع السياسيين فيما سموه ” هيئة الإنصاف و المصالحة ” و ما روجوا له حول” جبر الضرر الجماعي ’’ بات من الضروري على كل مناضل وفيّ يجري في عروقه حب الوطن أن يساهم في الحفاظ على هذه الذاكرة النضالية الزاخرة بالملاحم و البطولات.

الانتفاضة الباسلة : السياق ، الدواعي و النتائج

جاءت انتفاضة الدار البيضاء بعد تسع سنوات من الاستقلال الشكلي من استعمار خرج من الباب ليعود من النافذة ما دامت معاهدة ايكس ليبان ( و التي سماها الفقيه البصري آنذاك بالخيانية) قد ضمنت للمستعمِر هيمنة اقتصادية على البلاد و للمستعمَر تبعية للأول. وقد عرفت هذه الظرفية من الناحية الاقتصادية ، تمركز الأراضي الخصبة في أيدي فئة قليلة من المالكين الإقطاعيين ( المعمرون الجدد) رغم تورطهم مع المستعمر،إضافة إلى تشجيع الإنتاج الزراعي قصد التصدير.أما الصناعة فقد ثم تشجيع الصناعة التحويلية إلى السوق الخارجية. أما الوضع السياسي، فقد كان أبرز الأحداث : الصراع بين القصر و جيش التحرير ،إلا أن المقاومة لم تخضع للأمر الواقع ولم تستسلم ” ألم يتعاهد قادة جيش التحرير الجزائريون و المغاربة المجتمعون بمدريد في شهر دجنبر من سنة 1956 على مواصلة الكفاح حتى تحرير آخر شبر من البلاد المغاربية” ( 1) وقد شهدت هذه المرحلة العديد من النضالات البطولية ففي سنة 23نونبر 1957 هاجمت قبائل أيت باعمران مواقع اسبانية و استولت على إفني ، وفي الشمال كان العالم مع موعد انتفاضة الريف الباسلة . و قد عرفت الساحة السياسة ميلاد حزب سياسي سوف يؤثر على مجرى التاريخ النضالي و السياسي في المغرب: إنه الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ( إ و ق ش ) 6 شتنبر 1959. وقد دخل حزب ( إ و ق ش ) في صراع مع النظام خصوصا بعد إقالة حكومة عبد الله ابراهيم 1960 . و في 3 مارس 1961 استلم الحسن الثاني العرش والذي فرض دستوره الممنوح 1962 بالحديد و النار في الوقت الذي ظهرت فيه وثيقة ” الاختيار الثوري للمهدي بن بركة . وفي ماي 1963 كانت الانتخابات الأولى ، في 7 مارس1964 صدرت في حق أعضاء ( إ و ق ش ) أحكام قاسية منها الأحكام بالإعدام و المؤبد .

ولا يسمح المقال للإسهاب في سرد أحداث هذه المرحلة، لذلك ننصح بالعودة إلى كتاب ” أبطال بلا مجد ” للمهدي بنونة ، ومنه نقتبس ما يلي حول انتفاضة 23 مارس 1965:

” ففي يوم 23 مارس من سنة 1965 و عند صدور مذكرة دورية لوزير التربية الوطنية توجه التلاميذ المتقدمين في السن إلى تعليم تقني غير موجود خرج تلاميذ الثانوي يؤطرهم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، ثم خرج أولياؤهم كذلك . في مظاهرة دفعت ساكنة الدار البيضاء إلى النزول إلى الشارع ، إذ إن كثافة السكان الكبيرة داخل المدينة و البطالة و البؤس المتزايد من جهة ، و الاغتناء اللامشروع و الفساد المتفشي و القمع من جهة أخرى . شكلت جميعها وضعا قابلا للانفجار . فقد ألقت مدن الصفيح بالدار البيضاء ، و هي الميدان الحقيقي لإنجاز المعجزات ، تحت و وطأة البؤس و المهانة ألقت بإحباطها في وجه المحظوظين الميسورين.

أعاد أوفقير- و هو وزير الداخلية منذ غشت 1964، في حين أصبح الدليمي و في اللحظة نفسها المدير العام للأمن الوطني – الهدوء بطريقته الخاصة . إذ وضع رهن إشارته مجموعات من المدرعات على المحاور الإستراتيجية بالمدينة . فكان المتظاهرون و هم في أغلبهم من تلاميذ المدارس الثانوية ومن العمال يحصدهم رصاص الرشاشات التي و ضعت في الأزقة ، و يحصدهم كذلك رصاص طائرة مروحية كانت تحلق فوق رؤوس المتظاهرين . و بما أن الثقة لا تو ضع إلا في أهلها ، فإن القناص الماهر الذي كان في طائرة الهليكوبتير لم يكن سوى أوفقير نفسه . غدت الدار البيضاء مدينة محاصرة ، و امتلأت المقابر الجماعية وبلغ إحباط الشعب أقصى مداه . ووصلت حصيلة المذبحة ، و هي الحصيلة التي تختلف حسب المصادر إلى مئات القتلى . ” (2)

23m

دروس وعبر

تحل يوم 23 مارس من هذا الشهر الذكرى الخامسة و الأربعون لإنتفاضة الدار البيضاء المجيدة ل23 مارس 1965 ، في الوقت الذي لا زال فيه القمع سيد الموقف و الحريات في خبر كان، و الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية للجماهير في حال يرثى لها .

لقد تفاقمت أوضاع الكادحين وجاء رد الجماهير في انتفاضة يونيو 1981 ، وازداد الوضع تفاقما بتطبيق برامج التقويم الهيكلي في صيف 1983 و لم يتوانى الجماهير في ردهم النضالي كان أبرزها انتفاضة يناير 1984 بعدها دجنبر 1990 . ولم تنطلي خدعة العهد الجديد على الجماهير ، فكان هذا العهد قديما جديدا ، عهد تزايد فيه تعميق التبعية للدوائر الامبريالية ، و الهجوم على الخدمات الاجتماعية و القوت اليومي للكادحين . فكانت الانفجاريات الاجتماعية في شكل نضالات مستميتة للعمال و الكادحين و كان أبرزها نضالات عمال شركة أولماس سدس علي بقرية تارميلات ، أيت بلال ، إملشيل ، أيتزر ، طاطا ، إفني تماسينت ، الخوالقة ، دوار بكارة بناحية العرائش ، صفرو ، نضالات عمال مناجم إيمني ، عمال مناجم جبل عوام ، عمال فوسفاط خريبكة ،النضالات البطولية للحركة الطلابية في مختلف المواقع ، نضالات المعطلين، نضالات تنسيقيات الأسعار … و كل هذه النضالات قوبلت بالقمع الشديد لعصا العهد الجديد ! فسقط قناع الانتقال الديمقراطي و تعرى زيف الشعارات.

إن كل هذه التجارب تجعلنا نقر بأن الجماهيرلا تسكت عن حقها و أن خزان التناقضات قابل للانفجار في أي وقت. إن الشروط الموضوعية للتغير الجذري لم تنضج و فقط بل تعفنت، فما مدى استعدادنا ؟

إن قراءة بسيطة لهذا الزخم النضالي تبين مايلي :
– مدى تشتتها رغم تشابه ملفاتها المطلبية .
– نقص التضامن الكافي رغم الأنوية التضامنية الموجودة( بعض القوافل التضامنية)
– حركة النضال العمالي و الشعبي مهددة بالإنهاك في إطار عزل المقاومة و نقص التضامن. لهذا كله لا مندوحة مما يلي :
– الانخراط في النضال العمالي و الشعبي و تعزيز أواصر التضامن .
– إعادة تجميع طلائع النضالات لتقييم التجارب و محاولة إحيائها من جديد بنفس آخر يتجاوز انتكاسات الماضي و استلهام دروس النضالات العمالية و الشعبية وطنيا و دوليا .
– المساهمة في التعريف بالنضالات ودعم و تقوية الإعلام المناضل.
– المشاركة في المنتديات الاجتماعية الجهوية و الوطنية رغم تحريف مسارها من قبل البعض و جعلها ملتقى للحركات الاجتماعية تستخلص فيها الدروس و تتبلور فيها الرؤى ….
– على اليسار الجذري أن يستغني عن الحسابات الضيقة ليكون على موعد مع المهام الملقاة على عاتقه ، و لعل خطوة تجميع اليسار الجذري مهمة لكن الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها هذا التجميع يكمن مربط الفرس . إذ لا يمكن الحديث عن تجميع فقط للاستهلاك و غض الطرف عن العلاقات النضالية اليومية بين مكونات هذا اليسار في نضالاتهم اليومية و في الإطارات التي يتواجدون فيها . و لا يمكن للتسابق وراء الأجهزة و المهادنة مع البيروقراطية أن تشجع هذا التحالف ، إضافة إلى سياسة صم الآذان عن النقاشات المطروحة لحد الآن . ( 3 )

أما على صعيد الجامعة فلابد من الاستمرار في النضالات الجارية مع نبذ العنف و المساهمة في كل بادرة للنقاش الجماعي بين مكونات اليسار الجذري و آخرها الندوة المزمع تنظيمها في مراكش حول العنف و الاعتقال السياسي .
– من الضروري الانخراط في العمل النقابي رغم تبقرط النقابات و العمل على تقوية توجه نقابي كفاحي . و التعريف بالنضالات البطولية الإقليمية : زاكورة، ورزازات ، طاطا…
– العمل على تقوية لجن الدعم و التضامن و المعتقلين و المتابعين إزاء وضع حريات العهد الجديد كان آخرها محاكمات فبراير المنصرم .
– و فوق كل هذا ، لابد من الأداة السياسية للعمال و عموم الكادحين :’’ حزب يربط النضالات صوب تغيير حقيقي و شامل و عميق ، يبدأ بالمهام الآنية و الديمقراطية و يبلغ في سيرورة دائمة مهام التحويل الاشتراكي ” ( 4) فلنفتح الطريق.

أمناي أويفوس

1) بنونة المهدي ، أبطال بلا مجد ، فشل ثورة 1963- 1973 ، ترجمة علي أيت أحمد ، منشورات طارق ، مطبعة المعارف الجديدة ، الرباط ، يونيو 2005 ، ص: 13

2) نفس المرجع ص: 59- 60

3) أنظر رسالة تيار المناضل-ة للنهج الديمقراطي تحت عنوان : وحدة عمل اليسار الجذري ،الضرورة و الواقع و هي منشورة في جريدة المناضل-ة ، العدد 22 فبراير 2009

– أنظر كذلك مجموعة المقالات حول اليسار في مختلف أعداد جريدة المناضل-ة و التي لم تتلقى ردودا من قبل المعنيين .

4) الدرس الباعمراني : افتتاحية جريدة المناضل-ة العدد 21 ، أكتوبر 2008 .

===========================================

23 مارس : انبعاث حركة التلاميذ الواعية و المنظمة- القافلة تسير …و أبواق التضليل تزعق

الاثنين 28 آذار (مارس) 2011

أزلماض فبرايري

شهدت العديد من ثانويات المغرب يوم 23 مارس 2011 وقفات احتجاج على تردي حالة التعليم العمومي، و مطالبة بتحسين ظروف التدريس المادية و المعنوية.

و لا شك أن هذه التحرك التلاميذي الاحتجاجي و المطلبي نوعي بالنظر إلى مضمونه و حجمه و مداه الجغرافي. فقد كانت أشكال النضال التلاميذي من أجل جودة التعليم محلية و جزئية تكاد لا تُرى. ولم يكتس النضال التلاميدي بعدا وطنيا شاملا إلا في حالات التضامن مع الشعبين الفلسطيني و العراقي.

إنها إذن أول مرة منذ عقود ينتشر النضال التلاميذي وطنيا، وهذا في سياق الحركة النضالية العارمة التي يشهدها المغرب، متأثرا بالسيرورات الثورية الجارية في محيطه المغاربي و العربي.

و ليس النهوض التلاميذي الجديد غير تبلور ملموس لحالة التذمر و السخط السائدة في المدارس من جراء حالة التدهور المريع التي بلغتها حالة المدرسة العمومية.

فنتيجة سياسية واعية لتخريب المدرسة العمومية، وفي الآن ذاته تشجيع قطاع التعليم التجاري، و التي تطبقها الدولة بشكل متسارع منذ وضع ما سمي”ّالميثاق الوطني للتربية و التكوين”، تعاظمت مشاكل التلاميذ على جميع المستويات: الاكتظاظ، نقص المدرسين، حالة مزرية في البنيات التحتية، أوضاع كارثية في الداخليات،…

وقد شهدت السنوات الأخيرة نضالات طلابية عديدة ضد تدمير الجامعة العمومية، تعرض اغلبها لقمع شرس بلغ مستوى سجن الطلبة المناضلين في جامعة مراكش و فاس و اكادير … لكن احتجاجات 23 مارس 2011 التلاميذية طور نوعي جديد في الكفاح من اجل الحق في تعليم مجاني وجيد. فبعد أن شارك التلاميذ كأفراد في وقفات و مظاهرات 20 فبراير التي نظمت على صعيد وطني، ثم أسهموا في إنجاح العديد من المسيرات و الوقفات المحلية، ثم مظاهرات 20 مارس 2011، أعلنوا يوم 23 مارس يوما وطنيا للاحتجاج داخل المؤسسات التعليمية ذاتها و المطالبة بالحق الكامل في التعليم.

casa3

ويمثل هذا الالتحاق الجماعي و الواعي بركب النضال من اجل الحقوق الاجتماعية و حياة لائقة في ظل الحرية و الديمقراطية تعزيزا لا يقدر بثمن لحركة 20 فبراير ، وخطوة إضافية على طريق انغراسها الشعبي، هذا الضامن الوحيد لبلوغ غاياتها.

يسعى المستفيدون من أوضاع الإفقار و التجهيل و التخلف إلى إبقاء حركة 20 فبراير حركة سطحية عابرة يتم احتواؤها بالإصلاحات الكاذبة و الترقيعات المرتجلة. و بعد ان اتضح فشل شن الهجمات على حركة 20 فبراير، بالقمع و بالحملات التضليلية الإعلامية، تم استبدال تكتيك الحرب بادعاء تأييد حركة 20 فبراير مع السعي إلى حرفها عن مسارها النضال و إضعاف مضمونها وتدجينها.

ويتجلي هذا في الخوف من تطورها و امتدادها إلى فئات شعبية إضافية في مغرب غارق في المشاكل الاجتماعية و المعاناة المتنوعة بفعل سياسة نهب الثروات و استغلال الطبقات الشعبية التي ينهجها الحاكمون بتعاون من قوى الاستعمار الجديد ( البنك العالمي و الاتحاد الاوربي…).

عبر عن هذا النفاق و الخوف العديد من أقلام النظام بعد نجاح الوقفات التلاميذية يوم 23 مارس، وبرز بشكل خاص موقف جريدة ” الأحداث المغربية” التي تدعي زيفا الدفاع عن قيم الديمقراطية و الحداثة.

فقد خصت افتتاحيتها يوم 24 مارس 2011، علاوة على مقال بصفحتها الثالثة، للتحامل على الحركة التلاميذية الناهضة في سياق حركة 20 فبراير المجيدة.

مستعملة قاموسا بوليسيا محضا، تكالبت الجريدة على الدعوة إلى الاحتجاج التلاميذي يوم 23 مارس، معتبرة انه لعب بالنار، وضرب لمكاسب 20 حركة فبراير، وأنها استغلال للتلاميذ و تصفية حساب سياسي ، وغير هذا من الافتراءات و الأضاليل.

و نصبت الجريدة نفسها وصيا على حق الاحتجاج بالمغرب بقولها:” كنا مع حق حركة 20 فبراير في التظاهر السلمي.. وحتى حين قالت إنها تريد الاستمرار في التظاهر قلنا إن لا باس في ذلك”، مضيفة:”تفهمنا لحركة 20 فبراير لا يعني أننا نقبل أن يبادر من يشاء … إلى نشر البلبلة وإثارة الفوضى و الشغب”.

و لستر عدائها العميق للتلاميذ المناضلين تقول الافتتاحية “ان من حق التلاميذ الاحتجاج في قضايا مطلبية تهم شروط التدريس او النقل …او تضخم إضرابات الأطر التعليمية” وأن ما ترفضه هو “توظيف المدارس في صراع مع الدولة او مع الديمقراطية”.

لاحظوا أولا السعي إلى تأليب التلاميذ على إضرابات المدرسين، أي بث الشقاق بين ضحايا سياسة الدولة المخربة للتعليم العمومي،و السعي إلى ضرب المدرسين بالتلاميذ.

إن الهم الوحيد لهذه الجريدة هو إبعاد الشباب المدرسي عن النضال بإظهار التلاميذ الذين ناضلوا يوم 23 مارس 2011 في صورة أُلعوبة بيد دساسين سياسيين ، أي أن التلاميذ لا وعي لديهم و لا بصيرة. بلداء مغفلون هؤلاء التلاميذ هذا ملخص موقف جريدة الأحداث المغربية. هذا هو الدرك الذي وصل إليه أدعياء الديمقراطية و الحداثة، في سعيهم الفاشل إلى وقف الحركة النضالية الجارية بالمغرب، فبئس المصير.

من تنطق هذه الجريدة باسمهم يخافون ارتقاء الشباب إلى وعي طبقي كامل لما يجري في المغرب من تقتيل بطيء للشعب بسياسات يستفيد منها كمشة من الرأسماليين المحليين و من معهم من شركات استعمارية. فقد كانت انتفاضة التلاميذ في 23 مارس 1965 بداية لموجة من تجذر الشبيبة كان رافدا قويا لليسار المغربي المناضل. انبعاث موجة من هذا القبيل هو ما يرعب الأنصار الزائفين لحركة 20 فبراير من قبيل جريدة الأحداث المغربية.

m23

حركة التلاميذ الكفاحية انطلقت، و ستنمو وتمتد إلى كل أرجاء المغرب، و طاقتها كامنة تتغذى من تردي الوضع التعليمي بصفة عامة، و أتاح لها 20 فبراير أن تعبر عن نفسها بشكل منظم وواع.

حفز هذه الحركة بمزيد من الوعي و التنظيم، و الثقة التامة في شباب المغرب، هذا هو الموقف الديمقراطي و الحداثي الحقيقي. لقد باتت الحركة التلاميذية الواعية المنظمة مكونا أساسيا لحركة 20 فبراير المكافحة من اجل القضاء على الاستبداد، ومن اجل الحرية و الحياة اللائقة. وما سيزيدها قوة هو إطلاق حرية التعبير داخل المؤسسات التعليمية بممارسة حق تنظيم نقاشات في فترات الاستراحة، و حق النشر في مجلات حائطية داخل المؤسسات، و تكوين لجان أقسام منتخبة لتمثيل التلاميذ في هيئة منتخبة على صعيد المؤسسة، و التنسيق بين لجان مختلف الثانويات، والتعاون النضالي مع نقابات المدرسين، و مع الحركة الطلابية في الجامعة، ومع النضالات العمالية و الشعبية التي يشهدها المغرب.

بهذا يمكن أن يذود التلاميذ عن حقهم في تعليم جيد ومجاني، ويسهموا في تطوير حركة 20 فبراير، لتحسين الوضع و بناء المستقبل بطي صفحة الاستبداد و الاستغلال و القهر الطبقي.

ازلماض فبرايري 28 مارس 2011

شارك المقالة

اقرأ أيضا