المطالب الملحة للحركة العمالية المغربية: أي رهان على الحوار الاجتماعي؟

بقلم بوالطيب محمد – مناضل في التوجه الديمقراطي بالاتحاد المغربي للشغل
نشر بعدد المناضل-ة 59 مارس- أبريل 2015

عومل الملف المطلبي للحركة العمالية بتهميش بالغ من قبل القيادات النقابية المستمرة في سياستها الموالية لمخططات الدولة المدمرة لأبسط المكاسب العمالية. فبعد صفقتها المشينة مع النظام، المتوجة بعمل القيادات على تحييد الحركة النقابية عن المشاركة في النضال السياسي الذي خاضته جماهير شعبنا تحت راية 20 فبراير مقابل تنازلات سرعان ما تم التراجع عنها بعد تغير موازين القوى لصالح النظام، وتدعيمها للتعديل الدستوري لفاتح يوليوز 2011، الذي كرس تراجعات حقيقية بحق العمال بفرضه للتوجهات النيوليبرالية كقواعد دستورية من قبيل التوازن المالي للدولة، (الفصل 77) وتقليص دور النقابة في تأطير فئة الأجراء فقط (الفصل 8)، وحصر دور الدولة في ما يتعلق بتلبية الحقوق الاجتماعية الأساسية في الصحة والتعليم والتشغيل والحماية الاجتماعية… كمنظم يعمل على تيسير شروط الاستفادة من هذه الحقوق دون ان تلتزم بضمانها لدافعي الضرائب (الفصل 31).
بعد كل هذه الخيانات لنضالات العمال في عز تنامي المعارضة الشعبية ضد نظام الاستبداد، وبعد عجزها عن احتواء الساحة النقابية، وامتناعها عن اتخاذ أية مبادرة حازمة لصد الهجوم النيوليبرالي على ما تبقى من مكاسب طفيفة للأجراء، شهدت السنتان الأخيرتان لجوء القيادات النقابية الى تكتيك مغاير يقوم على اتخاذ مبادرات احتجاجية فوقية مضبوطة، كان أهمها الاضراب العام الانذاري ليوم 29 أكتوبر 2014، دعا له التنسيق النقابي بين الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل، ودعمته باقي النقابات باستثناء النقابة الذيلية لحزب الاسلاميين القائد للحكومة.
ولعل السؤال الحقيقي المطروح بقوة: ما الدافع الرئيسي وراء هذه التحركات ؟ وما موقع مطالب الحركة العمالية بعد الإضراب العام في الجولة الحالية من الحوار الاجتماعي؟

مطالب عمالية عالقة منذ سنين
بعد 3 أشهر على تنفيذ الاضراب العام، دعت الحكومة النقابات الأكثر تمثيلية الى حوار اجتماعي، و تقدمت الأخيرة بمطالب ورد أهمها في المذكرة المطلبية المختصرة للتنسيق النقابي الثلاثي المذكور سلفا :
• زيادة عامة في الأجور وفي معاشات التقاعد؛
• تخفيض الضغط الضريبي على الأجور وتحسين الدخل؛
• رفع سقف الأجور المعفاة من الضريبة إلى 6000 درهم شهريا؛
• السهر على احترام الحريات النقابية وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي ؛
• سن مقاربة تشاركية في إصلاح منظومة التقاعد؛
• تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاق 26 ابريل 2011؛
• السهر على فرض احترام مدونة الشغل والسهر على اجبارية التصريح بالمأجورين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؛
• وضع حد للعمل الهش، وتقنين العمل بالعقدة والعمل بالمناولة والعمل المؤقت ووضعية شركات المناولة، ونهج سياسة تحفيزية للقطاع غير المهيكل.
منذ الوهلة الأولى تتضح طبيعة هذه المطالب. إنها لا تعكس جوهر انتظارات الأجراء، فضلا على كون القيادات النقابية عودتنا نهج أسلوب الكذب والنفاق إزاء القواعد، ولتوضيح الأمر نسوق الحقائق التالية:
بالنسبة لمطلب رفع الأجور وربطها بغلاء المعيشة، ينبغي التذكير أن نفس القيادات وافقت في عهد الوزير جطو على مدونة الشغل التي ألغت عددا من التشريعات الشغلية ،بموجب المادة586، أهمها ظهير 31 أكتوبر 1959 المتعلق بالرفع العام للأجور تبعا لغلاء المعيشة؟
فيما يتعلق برفض المخطط النيوليبرالي لاصلاح أنظمة التقاعد، أو الثالوث الملعون المتجسد في رفع السن الى 65 سنة، تقليص نسبة احتساب المعاش من 2.5% إلى 2%، وتخفيض المعاشات باعتماد معدل الاجور لثمان سنوات الأخيرة عوض آخر اجر في احتساب معاش التقاعد، وما يستتبعه ذلك من معاناة انسانية و تعميق لبطالة خريجي الجامعات، وذلك تحت ضغط القواعد النقابية ونضالها البطولي ( بلغت نسبة المشاركين في الاضراب العام ليوم 29 أكتوبر 2015 أزيد من 400.000 أجير في الوظيفة العمومية لوحدها وفق الأرقام الرسمية التي قدمتها الحكومة)، انتقلت القيادات النقابية من موقف الرافض للثالوث المذكورالى المطالبة بمقاربة تشاركية لاصلاح التقاعد، لتشارك في تمرير هذا المخطط التقشفي، مادامت قادرة على التحكم في أي غضب نابع من القواعد النقابية، علما أن الحكومة أشركت النقابات في كل مراحل اعدادها للهجوم على هذا المكتسب منذ 2004 عبر اللجنتين الوطنية والتقنية لاصلاح أنظامة التقاعد.
ويبقى هامش المناورة الوحيد لدى القيادات، القبول بتمرير مخطط التقاعد النيوليبرالي مقابل احداث درجة جديدة لبعض فئات الموظفين، لا نعتقد أن قيمتها المالية ستساوي تلك التي نالها المهندسون في عز 20 فبراير، أي 5000 درهم مرة واحدة، أو حتى كتاب الضبط (المنتدبون القضائيون) 3200 درهم…؛
أما الحريات النقابية فلم تسجل المذكرة المطلبية بشأنها أي الحاح على وقف الاقتطاعات من أجور المضربين، أو المطالبة بارجاع العمال الذين طردوا إثر مشاركتهم في الاضراب العام ، كشرط أولي سابق عن أي مفاوضات مع الحكومة.
علما أن الاقتطاعات أصبحت سلاحا بيد الدولة لقمع المضربين في الوظيفة العمومية.
أما عن حديث القيادات النقابية عن مناهضتها للعمل المؤقت والهش ولشركات المناولة فيكفي التذكير بأن الأساس القانوني لفرض الهشاشة جاء مع مدونة الشغل التي حظيت بمباركة جميع «النقابات الأكثر تمثيلية»، والتي اعتبرها المكتب التنفيذي لنقابة كدش في 30 يونيو 2003 «لبنة أساسية في اتجاه تجديد التشريعات الوطنية».
إن فرض التراجع عن الهشاشة في الشغل يستلزم ميزان قوى عمالي حقيقي لتغيير قانون العمل بصفة جذرية، الأمر الذي يستحيل في ظل هيمنة التوجهات الموالية للرأسمالية ودولتها على رأس المنظمات النقابية، وتشتت جهود المناضلين الكفاحيين واستمرار تعنت بعضهم في توحيد كفاحهم تحت راية يسار نقابي معاد للرأسمالية..
الحوار الاجتماعي آلية لتمرير مخطط التقاعد
إن مسألة التقاعد حسمها الخطاب الملكي صيف العام المنصرم حين دعا النقابات «الجادة» الى تغليب المصلحة العليا للوطن سيما في مجال الاصلاحات الهيكلية الكبرى وعلى رأسها التقاعد، وكذا تشديد كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، احدى المؤسسات الرئيسة في توجيه وتخطيط المستقبل الكارثي لكادحي المغرب وعماله، على الشروع الفوري في اصلاح التقاعد. بهذا تخلت المذكرات المطلبية لقيادات النقابات عن صيغة رفض المخطط: (رفع السن، الزيادة في المساهمات، وتخفيض أجور المعاشات..) واستبدالها بطلب تبني مقاربة تشاركية في تنفيذ الإصلاح؟
وقد اتضح من أول يوم «حوار» بين النقابات والحكومة يوم 10 فبراير 2015، أن الأمور تسير باتجاه تهيئ شروط تمرير الاصلاحات المضادة لمكتسبات الأجراء بشأن التقاعد، خاصة موظفو الدولة، فاضافة الى رفض الحكومة برمجة الجولة الحالية من الحوار الاجتماعي على أساس المطالب التي تقدمت بها النقابات على علاتها، فرضت على هذه الأخيرة سياسة الأمر الواقع منطلقة من ادراك عميق لعجز القيادات عن اتخاذ أي مبادرات تصعيدية، ليدخل بذلك الحوار الاجتماعي بلجنه العديدة في سراديب اجتماعات ماراطونية تمكن الحكومة من ربح الوقت، سيما مع اقتراب الانتخابات المهنية المقررة في ماي المقبل وما تشكله من أهمية بالنسبة للبيروقراطيات النقابية، باعتبارها فرصة حقيقية لها لتجديد امتيازاتها و تمثيليتها في هيئات ومؤسسات الدولة البرجوازية (مجلس المستشارين، المجلس الاقتصادي-الاجتماعي والبيئي، المجالس الادارية للصندوق المغربي للتقاعد، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، المجلس الأعلى للوظيفة العمومية، ولجان التحكيم والمصالحة التي يترأسها الولاة والعمال…).
زد على ذلك، أن مسألة الانتخابات المهنية قد تفجر التحالف النقابي الثلاثي الفوقي بين الكدش، الفدش و إمش ، باستحضار الحاح ك.د.ش بالخصوص، على مراجعة نظام التمثيلية بالقطاع العام، مقابل تشبث إمش بالنظام الحالي الذي يمنحها أفضلية هامة. ذلك ما نستشفه من أول موقف رسمي للمكتب التنفيذي للكدش بعد لقائه برئيس الحكومة في 10 فبراير 2015، حيث دعا في بلاغه الصادر في 11 فبراير 2015 «الى التعبئة استعدادا لخوض الاستحقاقات المقبلة «. طبعا، ما يهم قيادة الكدش، امتيازاتها المستقلة عن مصالح العمال، ومن ثم فهي تدعو المناضلين، ليس الى التعبئة للدفاع عن المطالب، بل استعدادا للانتخابات المهنية المقبلة حتى يضمن اخوة الأموي تجديد تمثيلياتهم في مؤسسات الدولة.

المهام العاجلة للتوجه الديمقراطي
يتضح من مواقف القيادات النقابية في السياق الحالي، ان الأمور تسير نحو توقيع اتفاق خياني جديد ضد طبقة الأجراء يمكن الدولة من تمرير مخططها النيوليبرالي بشأن التقاعد ارضاء لأسيادها الامبرياليين، ويفتح الباب على مصراعيه لتفعيل كل مشاريعها التراجعية كفرض العمل بالعقدة في الوظيفة العمومية، و خنق الحريات النقابية (قانون الاضراب وقانون النقابات) فضلا عن السعي لمراجعة جديدة لمدونة الشغل خدمة للباطرونا لفرض مزيد من شروط المرونة والهشاشة في أوضاع الشغل لضمان «تنافسية الاقتصاد الوطني».
أمام هذا الواقع الصعب تقع على مناضلي طبقة الأجراء مهمة اتخاذ موقف واضح من مسار الحوار الحالي، وتهيئ شروط رد عمالي وحدوي إزاء الانبطاح البيروقراطي وتعنت الحكومة، وفي مقدمتهم مناضلات ومناضلي التوجه الديمقراطي بالاتحاد المغربي للشغل، الذي تقع على عاتقهم مهمة تنفيذ التزاماتهم النضالية السابقة بالدعوة الى اضراب عام بقطاع الوظيفة العمومية مع تنظيم مسيرة وطنية ممركزة بالرباط. هكذا اجراء نضالي في هذا الظرف، سيشكل أحسن رد على سياسة التعاون الطبقي للقيادات البيروقراطية، وسيدعم ثقة الأجراء بقواهم ويشكل ضغطا قويا على القيادات السائرة نحو التضحية بمطالب العمال ضمانا لاستمرار مصالحها الخاصة سيما في سياق مطبوع باقتراب موعد الانتخابات المهنية كما اوضحنا أعلاه.
ليكن شعارنا اليوم: لابديل عن العودة الى الميادين، ولنعمل لحفز أكبر حركة اضرابية ممكنة كبديل الحقيقي عن المساومات الخيانية للقيادات النقابية.
وأي تنازل عن هذا المسار باسم انجاح «المفاوضات» مع الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، بمسميات الحفاظ على «وحدة الصف الداخلي» و»وحدة المنظمة النقابية» قد يعصف بجهود الجيل الحالي من المناضلين النقابيين، وبآمالهم في بناء بديل نقابي كفاحي ديمقراطي.
إن الوحدة الحقيقية التي نتصورها هي وحدة القوى العمالية ووحدة تياراتها واتجاهاتها المناضلة على أرضية برنامج نضالي يستجيب لتطلعات طبقة الأجراء ولآمالها العريضة في الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية، وهي تطلعات متعارضة جوهريا مع مصالح البيروقراطية وامتيازاتها.
فالأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، تسعى من وراء رغبتها في اعادة دمج التوجه الديمقراطي في الأجهزة الرسمية للاتحاد المغربي للشغل، في هذا الظرف بالذات، وبعد أن تمكنت من احكام قبضتها على مختلف أجهزة الاتحاد محليا وجهويا وقطاعيا ووطنيا، إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
الأول: توظيف الطاقة الانتخابية لمكونات التوجه الديمقراطي، وأساسا الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التي حصلت على 58 % من الأصوات في انتخابات 2009، والنقابة الوطنية للجماعات المحلية التي حصلت على 560 مقعدا محتلة بذلك المرتبة الثانية بعد «كدش». أضف إلى ذلك الوضع التنظيمي والنضالي الذي تحظى به الجامعة الوطنية للتعليم والذي قد يؤهلها بالاضافة للمصداقية التي تحظى بها في أوساط الشغيلة من حصد أصوات هامة في قطاع التربية الوطنية في الانتخابات المقبلة، هذا دون الحديث عن جهود الاتحادات المحلية المرتبطة بالتوجه الديمقراطي وبوضع العمال الزراعيين المرتبطين بتجربة ديمقراطية وكفاحية واعدة في إطار الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي. وللإشارة فان المكونات النقابية المرتبطة اليوم بالتوجه الديمقراطي حصلت برسم الانتخابات المهنية السابقة على ما يقدر بثلث الأصوات التي حصلت عليها نقابة إمش، وبفضل جهودها احتل الاتحاد المرتبة الرابعة في قطاع الوظيفة العمومية والجماعات المحلية ب 893 مقعدا أي بنسبة 12.8% دون احتساب نتائج الانتخابات في المؤسسات العمومية. (المصدر عرض وزير تحديث القطاعات العامة في الندوة الصحفية التي خصصت لتقديم نتائج الانتخابات المهنية في الوظيفة العمومية في 28 ماي 2009).
وفي القطاع الخاص لم يتعد عدد المناديب الذين حصلوا على مقاعد باسم الاتحاد 2500 مندوبا، علما بأن جزء هاما من هؤلاء لا علاقة له بالعمل النقابي ويتم ترشيحه من قبل الباطرونا وأرباب العمل لملء المقاعد الشاغرة.
وللتوضيح فان نسبة المقاعد التي حصل عليها الاتحاد لا تتجاوز 14% ( بحوالي 2500 مندوب) من مجموع عدد المناديب البالغ عددهم اكثر من 18.000 من ضمنهم أزيد من 11.800 بدون انتماء نقابي، علما أن 81% من المقاولات والمصانع التي نظمت الانتخابات المهنية في سنة 2009 يترواح عدد الأجراء العاملين بها بين 10 و100 عامل؟ (الاحصائيات المتعلقة بالانتخابات المهنية في القطاع الخاص في سنة 2009 –المصدر وزارة التشغيل والتكوين المهني).
الهدف الثاني: سحب أية معارضة نقابية من الساحة، حتى يتسنى لقيادة الاتحاد توقيع اتفاقاتها الخيانية مع الباطرونا ودولتها بسلالسة، وفي هذه الحالة فما على مناضلي التوجه الديمقراطي وقياداته سوى الالتزام بقرارات الأجهزة الشرعية للاتحاد، إذا ما رغبوا في تفادي الطرد والاستئصال التنظيمي مرة أخرى كما كان الحال قبل 4 سنوات، لما عارض مناضلو اليسار توجه القيادة بالتصويت على الدستور بنعم، فكان مصيرهم الاستئصال من النقابة.
رفاقنا، ان القليل من التنازل، في ظل اختلال موازين القوى، يؤدي الى كثير من التراجع، هذا ما علمتنا اياه دروس كفاح الطبقة العاملة عبر مسيرتها الكفاحية المريرة. ولنا في المساومة التاريخية التي عقدها عبد الرحيم بوعبيد مع المحجوب بن الصديق، وهو مسجون، سنة 1967، درسا بليغا من هذه الناحية. فقبول الاتحاديين، تحت ضغط عبد الرحيم بوعبيد وجزء من قيادة الاتحاد في ذلك الوقت حل النقابة الوطنية للتعليم والنقابة الوطنية للبريد، التي كانتا قد فكتا الارتباط القانوني مع الاتحاد المغربي للشغل منذ سنة 1965 بعد انحيازه الواضح لسياسات النظام وتنكره للمعركة من أجل الديمقراطية، واللتان كانتا، في ذلك الوقت، في أوج العطاء النضالي والتنظيمي، والاندماج من جديد في أجهزة الاتحاد المغربي للشغل الذي ترتب عنه جمود كبير في النشاط النقابي المكافح لسنوات.
ومادام لا يمكن تصور أي استراتيجية نضالية أو مفاوضات أو أي خطط تكتيكية خارج ما يعتمل بالساحة السياسية والنقابية من تناقضات ومن تباين في المصالح الحيوية بين الطبقات الاجتماعية وتعبيراتها السياسية والنقابية، فإن «التوجه الديمقراطي « اليوم في مفترق الطرق، فإما أن يستمر في مراكمة الشروط النضالية والتنظيمية، رغم كل النواقص والصعوبات، لتحقيق تحول من موقع الدفاع لفرض الذات في الساحة وتحصينها من ضربات البيروقراطية والسلطة، إلى طور هجوم يأخذ فيه زمام المبادرة النقابية المناضلة من أجل المصالح الفعلية لطبقة الأجراء، خصوصا في ظل الخيانة المرتقبة للقيادات النقابية، وهذا يقتضي طبعا القطع مع أوهام امكانية تحقيق هذا السبيل عبر تمتين الجبهة الداخلية للاتحاد عبر العودة من جديد وفق الشروط المطروحة من قبل البيروقراطية، وإما أن يتنازل عن الاضطلاع بهذه المهمة ويكون بذلك عرضة لافلاس سياسي ونضالي ونقابي مهول، ويساهم في تبديد جهود تاريخية في بلورة نواة نقابية ديمقراطية وكفاحية في الساحة النقابية، قد تبدو ضعيفة كميا ولكن تشكلها كنموذج نقابي مكافح من شأنه أن يجعل منها قبلة وراية تناضل تحت لوائها خيرة العناصر النقابية.
إن مهمتنا، في حقبة اشتداد الهجوم النيوليبرالي على مكاسب طبقتنا، وميول قيادات النقابات إلى عقد تسوية تاريخية خيانية، هي في مواصلتنا للمعركة التاريخية التي نخوضها ضد مخططات الدولة وحلفائها البيروقراطيين داخل الحركة النقابية، ذلك لكي نبقى منسجمين مع أنفسنا، بالأساس، وحتى نتمكن بالفعل من ادماج نضال الطبقة العاملة في حركة التغيير الديمقراطي الجذري ببلادنا مستندين الى الدروس التي تعلمناها جميعا من هزيمتنا في العام 2011، والتي نحصد اليوم نتائجها الكارثية على جميع المستويات الديمقراطية والاجتماعية.
فهل اندماجنا التنظيمي، اليوم، من جديد في أجهزة الاتحاد المغربي للشغل وفق شروط البيروقراطية وفي ظل أهدافها وخلفياتها غير المعلنة، سيتيح لنا مواصلة المعركة العمالية من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية، والوقوف في وجه المخططات النيوليبرالية المدمرة للحقوق الشغلية وفي مقدمتها مكتسبات الأجراء في مجال التقاعد والحريات النقابية وفي العمل القار بالنسبة للموظفين؟
هذا هو السؤال الأساسي، إن أي تاكتيك أو موقف يتم اتخاذه ينبغي أن يقاس بمدى قدرتنا على مواصلة المعركة من أجل الحقوق والحريات العمالية، كما ينبغي أن يقاس على ضوء دورنا التاريخي في بلورة امتداد نقابي مكافح وديمقراطي لحركة التغيير الجذري ببلادنا، وليس من أجل شيء آخر..هذا اذا أردنا البقاء منسجمين مع شعارات الوفاء للقضية العمالية ولقضية عموم الجماهير الكادحة وجعلها فوق أي اعتبار مهما بلغ شأنه.
الرباط، في فاتح مارس 2015

شارك المقالة

اقرأ أيضا