لا رهان على توحيد اليسار الإصلاحي البرجوازي: البديل يسار عمالي ثوري

الافتتاحية19 ديسمبر، 2022

أقدمت قوى سياسية يسارية، يجمع معظمها الانتماء التاريخي إلى ما يمكن نعته بالحركة الاتحادية، على عملية اندماج يراد منها تشكيل حزب كبير يطوي صفحة التراجع التاريخي، إن لم يكن التلاشي، الذي شهده هذا النمط من اليسار منذ ما ينيف عن العقدين.

ظاهريا، يبدو الحدث باعثا على التفاؤل بالنظر إلى حاجة الجماهير العمالية والشعبية بالمغرب إلى قوة سياسية يسارية قوية تقود نضال التحرر من القهر الطبقي وما يلازمه من استبداد سياسي، وتخلص البلد من السيطرة الإمبريالية المتخذة اليوم أشكالا أمتن من الاستعمار التقليدي.

بيد أن تمعنا أوليا في سياق حدث التوحيد، وفي طبيعة مكوناته، يكفي لإلغاء كل مراهنة عليه. فحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، والتيار الذي يمثله محمد الساسي، وشتات آخر من مخلفات تفجر الاتحاد الاشتراكي، كلها تيارات ناتجة عن الإخفاق التاريخي ليسار الحركة الوطنية المجسد منذ منتصف السبعينات في الاتحاد الاشتراكي. وإن كان حزب الطليعة تعبيرا على اختمار يساري في هذا الحزب في فترة تاريخية معينة رفع فيها راية الاشتراكية العلمية، فإنه سرعان ما أخفق في اجتراح طريق بديل عن الخط البوعبيدي المسمى “استراتيجية النضال الديمقراطي”، وعاد للتمسك بخط الحزب التاريخي بعد سيرورة الانزلاق اليميني التي أفضت إلى مهزلة “التناوب التوافقي” والافلاس السياسي الناجز. ثم إن تجربة تحالفه مع حزب النهج الديمقراطي لم تفد بأي وجه في تطوير خطه، وطُويت صفحته حتى دون أدنى تقييم.

وتشهد الأدبيات المُعدّة تحضيرا لمؤتمر الاندماج أن مكونات الحزب الموحد لم تستخلص أيا من دروس التجربة التاريخية ليسار الحركة الوطنية (الاتحاد الاشتراكي وتفرعاته)، ولا جواب عن أسباب ما آل إليه الرحم الذي جاءت منه. ولا غرابة في الأمر، فقد سبق أن رسبت هذه القوى السياسية المدعية معارضة الاستبداد في امتحان الدينامية النضالية لعامي 2011-2012، سواء في جانبها السياسي المتمثل في حراك 20 فبراير، أو جانب موجة النضال الاجتماعي، العمالي والشعبي، التي هزت البلد في تلك الأيام التاريخية. فقد سفه النضال الجماهيري لتلك السنتين أيما تسفيه “خط النضال الديمقراطي”، أي التدافع مع الملكية لإجبارها على تقاسم السلطة، طبقا لصيغة أعطت عنها حكومة عبد الله إبراهيم صورة في مطلع سنوات 60 من القرن الماضي. فبدل اللعب في المربع الذي ترسمه الملكية، في مؤسسات زائفة تصنعها صنعا، واستعمال قسم من الحركة النقابية أداة ضغط متحكم به، نزل الكادحون والكادحات الى الشارع في احتجاجات جماهيرية لم يشهد تاريخ المغرب نظيرا لها، بنحو أفزع النظام وأجبره على تنازلات لم تخطر على باله، مع أنها أولية، والسياسي منها تنميق جمل على ورق الدستور الممنوح، وحكومة واجهة بقوة إسلامية صاعدة على أنقاض افلاس اليسار البرجوازي.

ولنا أيضا في قيادة هذا اليسار لإحدى النقابتين الرئيستين (ك.د.ش)، وفق منطق “الشراكة الاجتماعية” مع الرأسمال ودولته، منطق بلغ أقصاه في ظل تفجرية الوضع الاجتماعي الراهنة في خشية مس بالاستقرار جعلت أصحابه كابحين للنضال، لنا في ذلك شهادةٌ ضد مزاعم الانتساب إلى الدفاع عن مصالح الطبقات الشعبية، وإنذارٌ بالهزائم التي سيقود اليها هذا الصنف من اليسار نضالات الشغيلة وعامة المقهورين.

حزب فيدرالية اليسار توق إلى تكرار تجربة الاتحاد الاشتراكي فيما يعتبره المتحدون يوم 18 ديسمبر 2022 أيام عز، فيما لم تكن إلا مقدمة للمآل المخزي المعروف والحتمي. وشتان بين الشروط التاريخية لصعود الاتحاد الاشتراكي، والسياق الراهن وليد زهاء أربعة عقود من التطور الاجتماعي والسياسي تجعل كل استنساخ مهزلة.

إن قصور هذا اليسار هيكلي متعلق بطبيعته الطبقية وبنوعية برنامجه الإصلاحي البرجوازي. قوام مشروع فيدرالية اليسار هو ترميم الملكية (صيغة مؤتمر الاتحاد الاشتراكي في 1978: “تحويل الملكية المخزنية إلى ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم”)، وتطهير الرأسمالية التابعة من “شوائب” الفساد والريع، وتأمين شروط تنافس “نزيه” بين الرساميل، وليس مشروع التحرر من الاستبداد جذريا، وبنا ء مجتمع العدالة الاجتماعية، أي تشريك الاقتصاد وتسيير كل مناحي الحياة بديمقراطية، بقيام سلطة بديلة، سلطة المنتجين والمنتجات.

مهما يكن من أمر، يظل حزب فيدرالية اليسار قوة إصلاحية غير حازمة، قد تناوش ضمن الحدود التي تفرضها طبيعتها الطبقية، ما يوجب على الثوريين من مناضلي الطبقة العاملة كشف حقيقة هذا النمط من اليسار، والعمل ميدانيا لإبراز قصوره في المعارك اليومية ذاتها، وطرح البديل، بديل اليسار العمالي الثوري، الكفيل دون سواه بإسقاط الاستبداد، والظفر بالتحرر الوطني وحل المسألة الاجتماعية جذريا. بناء هذا البديل هو ما ينكب عليه أنصار تيار المناضل-ة جنبا على جنب مع من يشاطرهم- هن مبدأه، مسلحين بدروس مآل تجارب بناء أحزاب عمالية بالمغرب، بدءا بتراث الحزب الشيوعي المغربي، مرورا بعقود كفاح الحركة الماركسية اللينينية، حتى تجارب اليوم الجارية تحت راية هذا البناء.

المناضل-ة

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا