طلبة الطب: من أجل تضامن فعال لصد العدوان

الشباب و الطلبة20 أكتوبر، 2015

تشهد الساحة النضالية في المغرب مؤخرا اختلال موازين القوى لصالح الحاكمين. يرافقه هجوم متواصل على طفيف المكاسب الاجتماعية، وقمع المعارك الجامعية والزج بالطلاب في السجون و إنهاك حركات المعطلين وسحق الطبقة العاملة المغربية. زد على ذلك تعاون البيروقراطية النقابية مع حكومة الاستبداد في شن التعديات. يجري كل هذا في غياب مقاومة عمالية وشعبية وازنة.

يبدو الوضع قاتما وكئيبا فنحن نعيش مرحلة جزر جلية. لكن رغم هذا الجمود هناك أمل في انبعاث حركات نضالية ديمقراطية قادرة على النهوض والتصدي لكل هذه التعديات. هذا ما أظهرته نضالات الطلبة الممرضين والطلبة الأساتذة السنة الفارطة، ونشهده اليوم مع حركة النضال الشعبي ضد غلاء أسعار الكهرباء بمدينة طنجة.

وتشكل التنسيقية الوطنية للطلبة الأطباء  أحد روافد هذه الحركات  التي تخوض معركة مقاطعة للدروس والتداريب، من أجل إجبار الدولة على التراجع عن مخططها القاضي بالخدمة الإجبارية لمدة سنتين في المناطق النائية دون الإدماج في الوظيفة العمومية.

الطلبة الأطباء تضامن مفقود

سخرت الدولة أبواق إعلامية للنيل من معركة الطلاب، منذ مقاطعتهم الناجحة. هجوم لم يثن الطلبة عن المضي قدما بقتالية عززتها مؤخرا مساندة عائلاتهم ، بعد أن كان لهم موقف مغاير لما أرادت له الدولة أن يكون في محاولة تأليبهم ضد أبنائهم، ما قد يعصف بالموسم الدراسي على حد زعم الوزير الوردي،  أي سنة بيضاء.

انقلب السحر على الساحر حين استدعى رؤساء المراكز الإستشفائية وعمداء الكليات الآباء، إذ لم تنطل عليهم الحيلة وتمسكوا بمطالب الأبناء بإلغاء “الخدمة الإجبارية” ومنهم من دعا للمشاركة ومساندة الطلبة ميدانيا.

تعاطف العائلات في معركة مصيرية تهم قطاع الصحة في مجمله، لا يغني عن توسيع دائرة التضامن وكسب المزيد من غضب الساخطين على الوضع المزري،  فالدولة ماضية في تدمير ما تبقى من خدمات اجتماعية التي لم يطلها بعد رأس المال الخاص بشكل يشفي غليل رجال الأعمال وكبار المستثمرين.

 التضامن واجب مع الطلبة الأطباء للنضال على جبهة قطاع الصحة، فعلى كل الديمقراطيين المنافحين عن حق أبناء الكادحين في التشغيل وفي خدمات صحية جيدة  المساهمة في تطوير أشكال وأساليب التضامن ليشمل كذلك الطبقة العاملة والحركة الطلابية وكل المتضررين من السياسات النيوليبرالية.

لازال التضامن غائبا، أو مقتصرا على بيانات هنا وهناك. ما يحتاجه الطلبة الأطباء اليوم  هو تضامن واسع بإعلان إضراب وطني بقطاع الصحة، وحتى إضراب عام وطني دفاعا عن الصحة العمومية وشغيلة الصحة العاملين أصلا أو الدين لا يزالون في طور التكوين، مع التشهير والتعبئة ضد ما تطمح له الدولة من تملص وخوصصة لصحة الكادحين.

أين النقابات من كل ما يجري؟

باستثناء بلاغ يتيم، بتاريخ 14 سبتمبر 2015، أعلنت فيه رفضها للمشروع وتضامنها مع نضال الطلبة ومطالبتها بسحبه واستعدادها الدخول في نضال ضده، جوابا على رسالة الوزير حول مشروع قانون الخدمة الصحية الإجبارية- أصبح الخدمة الوطنية الصحية- وقفت البيروقراطية النقابية موقف المتفرج. أي كل من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب.

وعرض قيادي المنظمة الديمقراطية للشغل، علي لطفي، مقترح تقليص مدة التكوين بكليات الطب إلى خمس سنوات على غرار بعض الدول، وإضافة سنتين بالمناطق النائية.

هذا كل ما في جعبة القيادات البيروقراطية، دعم لفظي و تواطؤ مكشوف مع الاستبداد في العصف بما تبقى من مكاسب. لا تضامن فعلي ولا نضالات ميدانية من خلال تعبئة الطبقة العاملة والحشد الشعبي للوقوف ضد الخدمة الإجبارية. ليس جديدا  موقف البيروقراطية النقابية (حتى النقابة المستقلة للأطباء والتي حصلت على نسبة 60 في المائة من تمثيلية الأطباء) فهو نفس الدور الذي لعبته فيما سبق مع نضالات الممرضين ضد قانون مشاركة خريجي القطاع الخاص في مباريات الوظيفة العمومية وصلت إلى 4 أشهر من المقاطعة رغم تأكيدها أنها معنية بالملف.

حتى بمنطق انتهازية البيروقراطية النقابية والتي تحافظ على صلاتها مع الأجراء فالقيادات النقابية الحالية تقطع صلاتها مع قواعدها الحاليين والمستقبليين انه الانحطاط بكل تجلياته.

محاولة جادة لكسر الإضراب وشق صفوف الطلاب

أمام ضعف الحشد الشعبي والتعبئة  تسعى الدولة جاهدة لهزم الطلبة الأطباء، عبر التلويح بكون طلبة طب الأسنان غير معنيين بالخدمة الإجبارية وبالتالي عليهم الالتحاق بالدروس والتداريب. أمر لاشك أنه يستهدف شق وحدة الصف الطلابي بعزل قسم من المضربين. علاوة كذلك على بث التفرقة الفئوية بين الطلبة  عبر استدعاء كل طرف للتفاوض مع الوزارة على حدة وإظهار الأمر على أنه بداية اتفاق بين الأطراف،  بالإضافة كذلك إلى بداية ترويج إمكانية تجميد أو تعديل الخدمة الإجبارية كمقدمة لهز ثقة المقاطعين تمهيدا لسحقهم، ما يعني أن التجميد/ التعديل تكتيك لاستدراج المقاطعين والمضربين إلى أن تهدأ العاصفة لتنفيذ مخطط “الخدمة الإجبارية ” والتملص من التشغيل،  إنه انحناء مؤقت ومناورة مكشوفة تستدعي الحزم والتيقظ لمواجهتها بالصمود والتفطن لألاعيب الدولة.

ما يجري حاليا في قطاع الصحة من حرب دقت طبولها منذ سنوات عدة مع برامج التقويم الهيكلي. تمهيدا للخوصصة،  بإيعاز من  المؤسسات المالية العالمية. برنامج  التقويم الهيكلي قرار سياسي و اقتصادي امبريالي ستعمل الدولة التابعة جاهدة لتمريره عبر كل السبل ( مناورات و قمع و تنازلات شكلية  إلخ ) مستفيدة من ضعف التضامن وتواطؤ البيروقراطية النقابية.

المؤكد أن القصف الإعلامي ( إشاعات وإشاعات مضادة)  على “الفيسبوك”، واتهامات بتخلف هذا القسم وخيانة ذاك من المقاطعين والمضربين والتشكيك في قيادة التنسيقية (لجنة الحوار)  قد يكون أولى بوادر نجاح جهاز الدولة في محاولة تفكيك المعركة والعصف بما حققه الطلبة من صمود طيلة فترة المقاطعة الناجحة.

مع كل هذا يطفو على السطح أثر أخر لنجاح مساعي الدولة. فقد عملت ( حسب ما يروج ) على تلبية بعض مطالب الأطباء المقيمين والداخليين، تمهيدا لفصل تنسيق الطلبة والأطباء إلى مجموعات متباينة وفئوية أو على الأقل هذا ما تطمح له مرحليا. تنازل سرعان ما ستتراجع عنه الدولة عقب خفوت المد النضالي لتستعيد اليد اليسرى ما قدمته اليمنى ولو بعد حين. هذا كله مصحوب بحرب إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي  لتغذية بذور الإحباط والهزيمة.  ومن المؤكد أنها لن تكون أخر المحاولات الحثيثة التي تقوم بها دولة الاستبداد لكسر المعركة.

المقاطعة المفتوحة التي يقوم بها الطلبة الأطباء قد ستنزف قوى النضال، وهي قوى فتية لا سابق تجربة متينة لديها، قد تندفع بدون روية وتنهك نفسها، وتصاب بخيبة بعد طول صمود. ما يحتم ضرورة  التفكير في أشكال نضال تديم الضغط على الدولة دون إرهاق مديد للقوى المناضلة، هذا درس تجارب الممرضين في مواجهتم للدولة ، ودرس معارك عمالية سابقة.

عزلة المعركة تسهل مأمورية الدولة لأنها تتوفر على كل إمكانيات هزم الطلاب (بوليس و إعلام ومخبرين…) وإجهاض حركات الاحتجاج. فقط الاحتضان العمالي الشعبي للنضال يجعله أقوى ويخلق إمكانية للانتصار وفرض التنازل على الدولة.

الجموعات العامة: تسيير ديمقراطي وجماعي

 يعقد الطلبة الأطباء جموعات عامة  تعلنها المكاتب المحلية في المدن التي توجد بها كليات الطب(الدار البيضاء و فاس ووجدة  ومراكش…) بشكل موحد للبث في المستجدات ونقاشها علنا بحضور الجميع.

بعد إطلاع الحاضرين وفتح باب النقاشات يتم التصويت على القرارات، علاوة كذلك على انتخاب الممثلين واللجان. هكذا يتم تسيير وإدارة المعركة المفتوحة مع الدولة بشكل ديمقراطي وجماعي في اتخاذ القرارات والبث في نتائج الحوار وكذلك في تقرير الأشكال النضالية المزمع تنظيمها. أي جموعات عامة كاملة السيادة يتحمل فيها الطلبة نتائج قراراتهم التي مصدرها من أسفل.

أعادت هذه الأشكال الديمقراطية التحتية الروح لتقاليد التسيير والتوجيه بعيدا عن كل سطوة بيروقراطية. تجربة فريدة من المؤكد أنها ستلقي بظلالها على معارك طلابية قادمة رغم أخطائها، فلا تخلو أي تجربة نضالية  من نقائص وعيوب تتجاوزها الحركة في معمعان النضال بالاستفادة من دروس النصر والانكسار.

معركة الطلبة الأطباء هي معركة الجميع دفاعا عن الصحة

الصحة حق لجميع المواطنين و يستوجب دلك المجانية الكاملة وأن يجري تمويلها من المالية العمومية مع الحفاظ على جودة الخدمات المقدمة والولوج الحر إلى المرفق الصحي بتوزيع مجالي عادل وتوفير الأطر الصحية الكافية وكل الظروف المناسبة لعملها، تكوينا وتشغيلا. ليس دلك مستحيلا بل سيكون ثمرة نضال شعبي يهزم منطق جعل الصحة سوقا لاغتناء الرأسمال على حساب كادحي شعبنا، فليس المشكل في ضعف الموارد المالية بل في توجيهها لخدمة مصالح أقلية مترفة على حساب الأغلبية الساحقة من المعوزين.

فودة إمام

شارك المقالة

اقرأ أيضا