ارحل أخنوش … الهاشتاغ لا يكفي … التنظيم طريق رد العدوان

الافتتاحية1 سبتمبر، 2022

تصاعدت موجة الغلاء لتعصف بالقدرة الشرائية الضعيفة لقاعدة المجتمع العريضة، من أجراء وكادحين وصغار منتجين. وقد سبق أن رد ضحايا الغلاء باحتجاجات جماهيرية، بلغت ذروة إبان ظهور تنسيقيات مناهضة الغلاء (2006-2007)، ومستوى نوعيا في الاحتجاجات ضد غلاء الماء والكهرباء (بوعرفة، مراكش 2012، طنجة 2015… مثلا لا حصرا). ورغم أن موجة الغلاء الحالية أقسى من سابقتها، لم تثر لحد الآن احتجاجا بالشارع، ولا ردا نضاليا من النقابات العمالية، رغم مستوى السخط الشعبي البالغ. وقد كان منع المسيرة الوطنية التي دعت اليها الجبهة الاجتماعية كافيا لثني أي مسعى نضالي آخر من جانبها مجتمعة ومن جانب مكوناته كل على حدة.

لا تفسير لهذا سوى أمرين:

أولهما: موجة الغلاء سبقتها، وترافقها، موجة قمع صارم ومنظم. تتصدى الدولة لكل بادرة داعية إلى النضال، وتعتقل المعبرين عن آراء معارضة في وسائل التواصل الاجتماعي. وهي تشن منذ سنوات حملة منهجية لإخراس الصحافة بسجن الجريئين من العاملين فيها. ويسود بوجه عام جو من إرهاب الدولة منذ القمع الشرس لانتفاضة الريف الجماهيرية، عنوانها البارز الحكم بعشرين سنة سجنا.  موجة القمع هي التي تفسر الانعدام الظرفي لرد شعبي نضالي على موجة الغلاء.

ثانيا: الحركة النقابية لم تكن في مستوى المنتظر منها عماليا وشعبيا. فقد كانت هذه الحركة هي التي تصدت بالإضراب العام (يوم 18 يونيو 1981 في البيضاء بدعوة من الاتحاد المغربي للشغل، وعلى صعيد وطني يوم 20 يونيو في السنة نفسها من طرف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل). هذا الاضراب الذي مهد لانتفاضة جماهيرية تصدت لها دولة البرجوازية بالرصاص وكل صنوف الجرائم القمعية.

ورغم الخبرة النضالية المتراكمة في 40 سنة الفاصلة عن انتفاضة 1981، واقتحام الجماهير الشعبية للشارع بالعديد من الحراكات المحلية (ايفني، بوعرفة، صفرو، الريف، جرادة …) وإبان حراك 20 فبراير المجيد، لم تبادر الأجهزة النقابية إلى التعبئة العمالية، فما بالك بالشعبية. بل عاكست الأجهزة النقابية التطلعات الشعبية، فوقعت على سلم اجتماعي مع البرجوازية المستفيدة من الغلاء ومع دولتها راعية مصالحها. وليس فتات ما يسمى “الاتفاق الاجتماعي” لـيوم 30 أبريل 2022 هو الذي سيمتص طوفان الغلاء.

في غياب هذا الرد من قبل التنظيمات، المفترض أنها تعبر عن الإرادة الجماعية، ماذا عسى المقهورين المشتتين أن يفعلوا، لا سيما أن الخبرة التنظيمية للحراكات الشعبية ظلت دائما في مستوى أولي جدا، لا يترك لها القمع إمكان التطور، ولا تحظى بما يجب من اهتمام في الوسط المناضل.

وجد المقهورون- اتن ملاذا في وسائل التواصل الاجتماعي، فظهر هاشتاغ أخنوش ارحل، مركزا على ثمن الوقود، لاسيما أن المطلوب رحيله إمبراطورُ وقود. هذا دون إغفال أن الهاشتاغ بات أيضا مطية لخصوم رئيس حكومة الواجهة السياسيين، فضلا أيضا عن الذين ارتاحوا للهاشتاغ من الساعين دوما إلى توجيه الاستياء الشعبي ضد أشخاص يتولون تدبير الواجهة الحكومية، بدل أصل البلاء.

لقي الهاشتاغ صدى واسعا أرغم حكومة الواجهة على التصدي له بتصريحات بعض أعضائها، وبزعيق إعلام التضليل والدجل. وبإصرار لا يلين تواصل الدولة نهجها، ومنه استمرار الغلاء، متجاهلة تماما إرادة الملايين من ضحايا سياستها.

ماذا يجب أن نستنتج من هذا التجاهل المفعم بعداوة طبقية لا تهتم سوى بمصلحة الأقلية المالكة؟ الاستنتاج بسيط وكبير: قوتنا، نحن الطبقة العاملة وعامة المقهورين لا يكفي الهاشتاغ للتعبير عنها. قوتنا بحاجة الى تنظيم:

التنظيم النقابي يجب أن يقوم بوظيفته: خلق القوة من الشتات بتوحيده. القيادات النقابية ليست بحاجة إلى من ينصحها، أو يرشدها إلى ما يجب أن تفعل. فهي تفعل ما تمليه مصالحها كوسيط بين العمل ورأس المال ودولته، وسيط له مصالحه الخاصة. نحن مناضلو القاعدة النقابية ومناضلاتها مطالبون بالعمل من أجل تحريك الجسم النقابي من أسفل لينهض بواجب تنظيم التعبئة والنضال.

على الصعيد الشعبي: يجب العمل بكل الوسائل والإطارات المتاحة لتشكيل رأي جماعي حول كيفية النضال ضد الغلاء، ومن أجل سياسة بديلة تضمن معيشة لائقة وتلبية الحاجات الأساسية بخدمات عمومية جيدة ومجانية.

لذا يجب السعي لخلق التنظيم في الاحياء الشعبية بالمدن، وفي القرى والبلدات الصغيرة، عبر الجمعيات القائمة، أو إنشاء تنسيقيات، أو لجان، أو أي تسمية أخرى، فالجوهر هو التنظيم، أي العمل الجماعي المنتظم.

فالتنظيم هو الذي ينزل الإرادة الجماعية المعبر عنها في العالم الافتراضي إلى أرض الواقع. وبدونه سنظل ضحايا أوهام إمكان الضغط على البرجوازيين ودولتهم عن بعد، بهذا الهاشتاغ أو ذاك، أيا تكن نسبة المشاركة فيه.

العدوان على الجماهير العمالية والشعبية غير مقتصر على الغلاء، فثمة البطالة وهشاشة التشغيل، وتردي ظروف العمل، وتخريب ما تبقى من خدمات صحة عمومية لصالح رأس المال، وكارثة التعليم العمومي، وقهر النساء، ومعضلة السكن… باختصار كل أوجه المسألة الاجتماعية المتفاقمة.

ولا تصدي لهذا العدوان إلا بكفاح موحد من جانب ضحاياه، ما يستلزم جهدا لبعث الحياة في التنظيم النقابي، وجهدا لبناء التنظيم في الأحياء الشعبية بالمدن وفي العالم القروي، وتنسيقا لمجمل النضالات. هذا الجهد وهذا التنسيق يجب أن يصبا في إضراب عام عمالي وشعبي من أجل إنماء القدرة الشرائية بوجه موجة الغلاء، ومن أجل تلبية الحاجات الأساسية للجماهير الشعبية، حاجاتها إلى ظروف عمل وحياة لائقة.

جريدة المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا