جوزف ضاهر لـ (كلنا شركاء): الغرب يعتبر أعداءه الرئيسيين هم داعش والنصرة وليس النظام

حصل على شهادة الدكتوراه من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية (SOAS) في بريطانيا عن أطروحته (حزب الله، تحليل مادي تاريخي) وقال إنه بصدد إصدار كتاب عن هذا الموضوع في تشرين الأول/أكتوبر القادم.

يعمل الدكتور جوزف ضاهر السوري المقيم في سويسرا، والمدرس في جامعة لوزان السويسرية  حالياً على أطروحة جديدة حول “أصول السيرورة الثورية السورية وتطوراتها“.

عاش معظم مراحل حياته في سويسرا، وكان يسافر كثيراً إلى سوريا حتى فترة ما قبل الثورة السورية، كما يقول، حيث كان يعيش والده في حلب كما عائلته وأصدقاؤه. عاش في لبنان بين عامي 2011 و2012 لمتابعة عمله وأنشطته السياسية، كما سافر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للأنشطة السياسية وغيرها.

 بعد انتهاء دراسته،  لم يعد إلى سوريا بسبب الوضع في حلب وبسبب الأجهزة الأمنية في نظام بشار الأسد، فقد زار ضباط الأجهزة الأمنية والده في منزله بسبب نشاطه السياسي ضد النظام.

وفيما يلي الحوار الكامل الذي أجرته “كلنا شركاء” مع الدكتور جوزف ضاهر لاستطلاع رأيه بالتطورات السياسية والميدانية على الساحة السورية:

هل لك أن تحدثنا قليلاً عن تجربتك السياسية والإعلامية، وخصوصاً أنك نشرت عدة مقالات باللغة الإنكليزية؟

أنا ناشط سياسي يساري، وأنا عضو في منظمة تضامن (سويسرا) وفي تيار اليسار الثوري (سوريا). هذا الالتزام في هذين الحزبين والدفاع والترويج للقيم التقدمية في سوريا وأي مكان أخر، ولا سيما لسوريا، لا يمنعني من العمل، بل على العكس تماماً، إذ أعمل مع نشطاء يناضلون من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة وضد العنصرية وضد الطائفية.

في إطار الثورة السورية، كتبت الكثير من المقالات وألقيت محاضرات في أوروبا والشرق الأوسط للدعاية لنضال الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة، ونظمت المؤتمرات مع نشطاء سوريين (من كل الأديان والأعراق) تقاسم أهداف الثورة السورية، وحملات التبرع للعمل الإنساني والإغاثي للمدنيين واللاجئين السوريين والمساعدات لمجموعات الديمقراطية المحلية، وتنظيم نشاطات ثقافية، إلخ

كما أنني عملت على تعزيز العلاقات والتعاون بين نشطاء من مختلف البلدان في المنطقة الذين يناضلون لنفس الأهداف، على سبيل المثال بين نشطاء من تركيا والبحرين ومصر إلخ… وكنت أيضاً في مبادرة لبناء تحالف الاشتراكيين السوري والإيراني. ويهدف التحالف إلى تعزيز التضامن بين الاشتراكيين السوريين والإيرانيين.

وفي سويسرا، يتركز نشاطي السياسي على النضال ضد العنصرية، وخاصة ضد كره الإسلام والتضامن الأممي مع الشعوب في النضال من أجل الحرية والكرامة مثل الشعب السوري.

وفي الآونة الأخيرة شاركت أيضاً في إجراءات للتضامن مع المعتقلين السياسيين في مصر وتركيا وإيران ونحن شجبنا هذه الأنظمة الاستبدادية.

وهذا لا يمنعني من المشاركة أيضاً في النضالات الاجتماعية والعمالية والنضالات النسوية، وغيرها من النضالات.

قامت هيئة المفاوضات بإجراء سلسلة تغييرات، وأعلنت عن استبدال كبير المفاوضين ورئيس الوفد المفاوض، برأيكم ما هي أسباب هذا التغيير؟

أولاً فشلت المفاوضات بسبب استمرار الحرب من نظام الأسد وحلفائه (روسيا وإيران وحزب الله والميليشيات الأصولية الشيعية) ضد الشعب السوري والتفجيرات الدائمة واليومية والحصار وغيرها من أشكال القمع. وهذه هي السبب الرئيسي لفشل مفاوضات السلام. ويتم ذلك بالطبع بالتواطؤ مع القوى العظمى الذين يريدون وضع حد للثورة السورية. وتَعتَبر الولايات المتحدة والدول الغربية أن أعداءها الرئيسيين هم داعش وجبهة النصرة وليس نظام الأسد. وهذا هو السبب في أنها تدعم شكلاً من أشكال التحول السياسي من دون أي تغيير جذري والحفاظ على بنية النظام السلطوية من أجل وضع حد لأنشطة داعش وجبهة النصرة ووجودهما في سوريا.

وحول التغيير في فريق التفاوض، في رأيي هذا لا يعبر عن تغيير في أهداف القوى التي تدعمها. لا تريد المملكة السعودية وقطر وتركيا أي حل وسط حتى الآن بشأن مسألة الديكتاتور الأسد وتريد بأسرع وقت ممكن رحيله من السلطة، ولكن هذا لا يعني أنها تريد تغيير النظام جذرياً في اتجاه التطلعات الشعبية لدى الشعب السوري من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، على العكس من ذلك. تريد هذه الدول للحفاظ على بنية النظام السلطوية مع طابع طائفي وحتى أكثر تحفظاً في تحالف مع الحركات الجهادية السلفية مثل أحرار الشام وجيش الإسلام التي ستواصل كفاحها ضد داعش مع تعزيز السياسات الليبرالية الجديدة والحد من قدر الحقوق الاجتماعية الممكنة، ومنع أي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي، والحفاظ على النظام الإمبريالي في المنطقة.

استبدال محمد علوش من قبل العقيد أسعد الزعبي يؤكد ذلك؟

وبشأن مسألة استقالة محمد علوش، هذه لا تغير دعم السعودية لجيش الإسلام وفي نفس الوقت تحفظ الارتباط بين جيش الإسلام وهيئة المفاوضات. وهذا أيضا يسمح لجيش الإسلام الحفاظ على سلطته على قاعدته الشعبية في ضواحي دمشق، قائلا إنه ترك المفاوضات ولم يقبل أي تنازل مع النظام.

من جانب آخر، نرى أن الائتلاف دخل منذ تشكيل هيئة المفاوضات في حالة سياسية جديدة، ابتعد فيها عن المشهد السياسي، واقتصرت نشاطات رئيسه على التصريحات والزيارات الخيرية، برأيكم ما هو مصير الائتلاف في هذه المرحلة من المشهد السياسي السوري؟

تأتي شرعية الائتلاف من القوى الدولية والإقليمية التي تدعمه، ولكن داخل سوريا فقد الائتلاف كل مصداقية منذ زمن طويل. كانت الجماعات السياسية داخل الائتلاف أكثر اهتماما بالدفاع عن مصالح القوى الإقليمية مثل تركيا وقطر والسعودية، بدلاً من مصالح الشعب السوري. وماذا فعل الائتلاف حول قضية اللاجئين السوريين في تركيا أو في البلدان الأوروبية، لدى ما يسمى بحلفاء الشعب السوري؟ هذا ناهيك عن قصص الفساد في داخل الائتلاف.

وعلاوة على ذلك يدعم الائتلاف نفس السياسات النيوليبرالية على غرار نظام الأسد في تناقض مع مصالح الطبقات الشعبية. ويجب علينا ألا ننسى أن الثورة الشعبية في سوريا بدأت نتيجة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970. وهذه التغيرات تندرج في سياق السيرورة الإقليمية والعالمية لتطبيق السياسات النيوليبرالية منذ ذلك العقد. ويمثل الإئتلاف مصالح البرجوازية السورية المرتبطة مع ممالك الخليج وتركيا. ولهذا السبب صمت إزاء خطابات العنصرية والطائفية لدى هذه الدول بل وشجعها في أوقات عديدة.

ولطالما دافع الائتلاف الوطني عن جبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الاسلام، على الرغم من طبيعة وسلوك هذه المنظمات التي تهدد السيرورة الثورية. حيث هاجمت هذه المنظمات وخطفت واعتقلت وقتلت ثواراً ديمقراطيين. والتطلعات الشعبية لدى الشعب السوري من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة ونبذ الطائفية والعنصرية ليست على جدول أعمال الائتلاف.

وفي ظل هذه الظروف، ومن دون تغيير جذري من القوى التي يتشكل منها الائتلاف، فسوف يظل أداة طيّعة في أيدي القوى الأجنبية بدون مستقبل يرجى له. ولا يكفي الحديث عن هذه الأهداف في المؤتمرات الصحفية ولكن يجب تنفيذ هذه الأهداف في الممارسة السياسية اليومية.

الأهم ومن الممكن حتى اليوم، هو بناء جبهة مستقلة عن هذين الشكلين من أشكال الرجعية (نظام الأسد والقوى الأصولية الدينية) والانخراط في النضال على أسس ديمقراطية واجتماعية ومستقلة عن تدخل القوى الإقليمية والدولية والتصدي لكل أشكال التمييز والعمل من أجل تغيير المجتمع جذرياً في إطار دينامية تنطلق من القاعدة الشعبية وتجعل من الفئات الشعبية الفاعل في التغيير.

يعتقد محللون أن سورية ستبقى مقسمة جرّاء ما تشهده، هل تتوقع أن تذهب سوريا باتجاه التقسيم الفعلي؟

في حالة التوصل إلى تسوية، ولا أعتقد أن تقسيم سوريا سيحدث، ولكن ذلك يعتمد على أشياء كثيرة.  أولاً كل القوى الدولية والإقليمية ضد تقسيم سوريا. إنها تريد سوريا ضعيفة، ولكن موحدة.

يمر الضمان واحتمال وجود سوريا موحدة عبر صون حقوق جميع السوريين الديمقراطية والاجتماعية الأساسية من دون تمييز بين الجنسين، ومن دون التمييز العرقي والديني،…. في هذا الإطار، يجب أن نناضل من أجل نظام سياسي ديمقراطي واجتماعي وعلماني.

بخصوص المسألة الكردية في سوريا، أعتقد أنه من الضروري أولاً دعم حق تقرير المصير لدى الشعب الكردي في سوريا وغير دول، الذي عانى على مدى عقود من سياسات شوفينية محددة. هذا لا يعني بالضرورة الانفصال أو تقسيم البلاد، ولكن دعم قرار الشعب الكردي، واليوم هناك توافق بين الأحزاب الكردية لنظام اتحادي لا مركزي. هذا الموقف المبدئي لا يعني ألا نلقي نظرة ناقدة على تصرفات الحركات الكردية، من حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) أو أي حزب كردي أخر. يبدو من الضروري أن نكرر أن أي احتمال لتقرير المصير للشعب الكردي وتحسين الظروف المعيشية للشعب الكردي، أو الأقليات العرقية أو الدينية الأخرى في سوريا وبالمنطقة، يرتبط بتعميق وبانتصار للسيرورة الثورية السورية وتحقيق أهدافها ضد نظام الأسد والقوى الإسلامية الرجعية. هزيمة الثورة السورية والحركة الشعبية ستمثل نهاية تجربة روجافا والعودة إلى العصر القمعي للكورد في سوريا، مثل بقية الشعب السوري.

إذا ما تمت هزيمة داعش، وحققت قوات التحالف الدولي انتصاراً فمن سيقوم بتولي حكم تلك المناطق؟

حالياً تفيد هزائم داعش الجيش السوري و الميليشيات المسلحة، بدعم من القوى الدولية التي تسيطر على هذه المناطق. اعتماداً على المجموعة المسيطرة، أكانت سلطوية أم لا، تمكن السكان المحليون اغتنام هذه الفرصة لإعادة تنظيم وتعزيز الحركة الشعبية كما هو الحال مع عدد من الجماعات الديمقراطية للجيش الحر وحزب الاتحاد الديمقراطي في المناطق الكردية، على الرغم أن هناك حد مع هذا الأخير في بعض الحالات. في غير حالات الجيش، تحرير المناطق المحتلة من داعش، هذا إيجابي للسكان المحليين، ولكن لا تسمح لهم بالضرورة الحرية أو القدرة على إعادة تنظيم نفسها بشكل مستقل كما في المناطق المحررة.

مثلا، “تحرير” مدينة تدمر من داعش من قبل الجيش  السوري بمساعدة القصف الروسي و حلفائه الإيراني، وحزب الله والميليشيات الأصولية العراقية سمح السكان المحليين للتخلص من  داعش، و لكن من دون السماح لهم تنظيم حياتهم بحرية ومجتمعاتهم وغيرها مع المظاهرات وأكثر من ذلك.

بالنسبة لي، يجب لتدمير داعش حقاً إزالة الظروف السياسية و الاجتماعية التي سمحت بتطور داعش في المنطقة:

استعادة الحكم الذاتي وإعادة البناء والقدرة على إنشاء الحركات الشعبية الديمقراطية وغير الطائفية

سقوط الأنظمة الاستبدادية

معارضة كل التدخلات الخارجية الدولية (وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا) والإقليمية (وخاصة المملكة العربية السعودية وقطر وإيران وتركيا) التي تعزز الأنظمة الاستبدادية و/أو المنظمات الأصولية الدينية. هذه التدخلات تتنافى مع مصالح الطبقات الشعبية وتعزز المناخ الطائفي.

معارضة سياسات الليبرالية الجديدة التي تؤدي إلى افقار السكان

لا ننسى أن أصول داعش هي في الغزو الأميركي – البريطاني للعراق، الأنظمة الاستبدادية في المنطقة من خلال القمع  وتداخلاتها والخطاب الطائفي. وأخيرا، القمع الدموي من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، وعلى رأسها النظام السوري، ضد الحركات الجماهيرية الشعبية للديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة التي سمحت بتطوير داعش.

ولهذا السبب، من الضروري أن نعارض مختلف قوى الثورة المضادة، من ممثلي النظام القديم وصولاً للقوى الإسلامية الرجعية والأصولية، هاجمت هاتان القوتان الحركات الشعبية والمناضلين والمجموعات التي تحمل أهداف الثورة.

يتعلق الأمر بقوتين معاديتين للثورة وهذا رغم اختلاف الخطاب السياسي. إذ يقدم ممثلو الأنظمة القديمة أنفسهم على أنهم مدافعون عن الحداثة، ومنقذو وحدة الوطن وأبطال محاربة “الإرهاب”. وتقدم القوى الإسلامية الرجعية والأصولية نفسها من جهة على أنها المسؤولة عن الدين الإسلامي والأخلاق وأصالة الهوية الإسلامية والعربية، بإقامة علاقة مع “الأمة” الإسلامية.

شهدت أوربا العام الماضي موجة هي الأكبر من السوريين الذين وصلوا الى أراضيها، برأيكم ما مستقبل السوريين في الدول الأوربية، هل سيحققون الاندماج، أم سوف نرى موجات عودة عكسية مستقبلاً؟

أولاً وقبل كل شيء أعتقد أن كلمة “اندماج” هي إشكالية. بالنسبة لي لا علاقة للاندماج بمسألة الجنسية أو الثقافة، كما تدعي الحركات العنصرية في أوروبا، ولكن هذه هي الفرصة للعمل، أن يتاح السكن الملائم، واتباع التعليم… الخ… والشخص الذي ليس لديه عمل أو الإقامة لا يمكن دمجه في المجتمع الذي يعيش فيه، ذلك بغض النظر عن الجنسية.  الإقصاء الاجتماعي والسياسي والعنصرية هي الأخطار التي قد تحول دون “الاندماج” الحقيقي في المجتمع، ومرة أخرى بغض النظر عن الجنسية أو الدين.

المشكلة الحالية في أوروبا، والتي تلقت نسبة إلى سكانها حصة أقل من اللاجئين من البلدان الأقل ثراء منها مثل الأردن ولبنان وتركيا، ليس وصول اللاجئين الذين يرغبون حياة طبيعية وآمنة لهم ولأطفالهم ولأسرهم. هم يرغبون بالعمل، وبالمسكن، وبمواصلة تعليمهم… المشكلة الحالية في أوروبا هي صعود الحركات اليمينية المتطرفة العنصرية المعادية للمسلمين التي تعيّن الإسلام والأجانب بشكل عام ككبش فداء للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. و في نفس الوقت سياسات التقشف لدى الدول التي تستنزف السكان والأجانب ككبش الفداء. وفي نفس الوقت، تجعل أيضاً عديد من الحكومات الأوروبية، من دون استئناف نفس الدعاية السياسية المبتذلة، السكان الأجانب والإسلام ككبش فداء لتحويل الطبقة العاملة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والتي هي نتيجة لسياساتها الليبرالية الجديدة. وتؤدي سياسات الليبرالية الجديدة إلى إفقار شعوب بأكملها لصالح الأقلية.

وبالتالي فإن المشكلة الحقيقية مرة أخرى ليست اللاجئين بل سياسات حكوماتنا وصعود الحركات العنصرية. في الواقع اللاجئين فرصة بالنسبة لنا للنضال ضد السياسات المحلية غير العادلة في مجتمعاتنا.

المصدر: كلنا شركاء http://all4syria.info/Archive/322666

شارك المقالة

اقرأ أيضا