دسترة الأمازيغية لا زالت على الرف

الامازيغية9 أغسطس، 2016

 

 

 

 

بعد خمس سنوات من تجديد دستور الاستبداد وتراجع حراك العشرين من فبراير، وقبل انتهاء المدة التشريعية لحكومة الواجهة، أصدرت هذه الأخيرة “مشروع قانون تنظيمي رقم 26.16 يتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية…”.

“مكسب” ولكن…

إن الحديث عن إدماج الأمازيغية في مجال التشريع العمل البرلماني، من خلال بنود تنص على “استعمال اللغة الأمازيغية في الجلسات العامة واللجان البرلمانية” [المادة 9]، أو إصدار “نسخة من الجريدة الرسمية للبرلمان باللغة الأمازيغيةّ” [المادة 10]، تعتبر “فتحا” مقارنة مع مناخ كان سائدا في العقود الأخيرة من القرن العشرين؛ جو التخوين تجاه كل مدافع عن الحقوق اللغوية والثقافية للأمازيغ، والسجن لحامل لافتة مكتوبة بتفيناغ أو مصدر مجلة تحمل عنوان “أمازيغ”.

لكن ماذا وراء هذا “المكسب”؟

ليس بالطبع “الإرادة السياسية” للاستبداد ولا تطبيق مقتضيات “دستوره” الممنوح، بل عقود من النضال والتضحيات، وبالدرجة الأولى النضال الاجتماعي والسياسي المصاحب لموجة ثورية انطلقت من تونس وعمت المنطقة، دفعت الاستبداد لاستباق الأحداث وإعلان “تعديل دستوري” ضمنه ما رفضه سابقا.

ليس الاستبداد وحده من يخاف من النضال الشعبي

إن قوة الشعب الكامنة والخوف من امتداد الثورة التي أسقطت رؤوسا قد أينعت، هي التي جعلت الاستبداد، يسعى للالتفاف حول مطالب الجماهير، من خلال الإسراع بتعديل الدستور، ساعده في ذلك كل الأحزاب الحكومية يسارها ويمينها، ولكن أيضا جزء مهم من الحركة الأمازيغية، بانخراطها في “الاستشارة” التي باشرتها لجنة المنوني، التي كلفها الملك بإعداد مشروع إصلاح الدستور.

سقوط في فخ الاستبداد

رغم إدعاء بعض جمعيات الحركة الأمازيغية “المستقلة” رفض “دستور العبيد” وتأكيد انخراطها في نضال حركة 20 فبراير ضد “الفساد والاستبداد”، إلا أنها قبلت بمنطوق الفصل 5 من الدستور المعدل، وانخرطت في “حملة ترافعية” لإخراج القانون التنظيمي لتفعيل ترسيم الأمازيغية.

وبدل الانخراط في النضال الميداني والالتحام بالنضال الشعبي والثقة في قوة الجماهير، وجهت جمعيات الحركة أنظارها إلى “المؤسسات” وأصدرت مجموعة من المذكرات وأرسلتها إلى رئاسة الحكومة والفرق البرلمانية… قصد تفعيل الفصل 5 من دستور 2011.

استغلت الحكومة هذه المبادرات لإظهار مشروع القانون التنظيمي كنتيجة “مقاربة تشاركية أخذت بعين الاعتبار مذكرات واقتراحات الفاعلين والمهتمين، المتوصل بها ّإثر فتح الباب للإدلاء بالمقترحات، وكذا المذكرات التي سبق التوصل بها من بعض المؤسسات العمومية والمجتمع المدني..”. [المذكرة التقديمية لمشروع القانون].

خيبة أمل

بعد إصدار مشروع القانون التنظيمي من طرف الحكومة، سارعت تنظيمات وجمعيات الحركة الأمازيغية إلى إعلان خيبة أملها، باعتبار “أن مسودة المشروع المذكور لا ترقى إلى الحد الأدنى لمطالبنا المعلن عنها”، كما أعلنت استياءها من “انفراد الحكومة” بإصدار هذا المشروع بعيدا “عن المقاربة التشاركية”.. إضافة إلى جملة انتقادات حول تفاصيل واردة في مشروع القانون.

إنها خيبة أمل مسبقة، ما دامت هذه الجمعيات قد وضعت ثقتها في “المؤسسات” ناشرين بذلك وهم وجود “دولة المؤسسات” في المغرب؛ “إننا نتوجه إليكم بحكم مسؤولياتكم واختصاصات مؤسساتكم بهذه المذكرة الترافعية آملين أن تلقى تجاوبا إيجابيا من قبل مؤسساتكم”. [المذكرة الترافعية للفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية بالمغرب، مراكش 04  يونيو  2016].

الاستبداد لا يقبل التشارك

إنها نفس انتقادات بيروقراطيات النقابات للحكومة، حول انفرادها بملف إصلاح أنظمة التقاعد وإصدار مشاريع قوانين الإضراب وتأسيس النقابات.

لكن الانفراد لا يتعلق بإصدار مشاريع القوانين فقط، بل بمجمل النظام السياسي المبني على حكم الفرد، ولا يحق لمن قبل دستور الاستبداد، أن ينتقد حكومة واجهة على انفرادها بإصدار مشاريع قوانين.. ومن يريد التمتع بهذا الحق فيجب أن يقرنه بواجب رفض حكم الفرد بمجمله.

إنه سقوط في لعبة طالما أتقنها الاستبداد، الملكية جيدة لكن بطانتها فاسدة.. وفي التحليل الأخير التركيز على القناع وترك أصل البلاء.

“أمازيغية” في خدمة الاستبداد

لا تخرج خطوة إصدار مشروع قانون تنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، عن سابقاتها التي قام بها الاستبداد للالتفاف عن المطالب الثقافية واللغوية للحركة الأمازيغية، فقد قام بنفس الخطوة سنة 1994 مع نشرة اللهجات، وفي 2001 مع تأسيس المعهد الملكي، وفي سنة 2011 دسترة اللغة الأمازيغية. وحتى هذه الخطوات لم يقم بها الاستبداد مجانا بل نتيجة رياح الاحتجاج بالمغرب أو القبايل بالجزائر (2001 الربيع الأمازيغي بالقبايل،1994 رفع شعارات ولافتات تطالب بالأمازيغية في تظاهرات فاتح ماي نتج عنها اعتقالات لنشطاء أمازيغ، والربيع الأمازيغي بالجزار سنة 2001، 2011 حركة 20 فبراير و مطلب الدسترة).

إجراءات الغاية منها استعمال الأمازيغية ومعها جمعيات وشخصيات من الحركة الأمازيغية لمساعدة النظام على تجاوز مآزقه السياسية.

وفي نفس الوقت لا يفوت الاستبداد هذه الفرص قصد استعمالها لتثبيت أركانه واعتبارها “آلية لدعم قيم التماسك والتضامن الوطني..”. [المذكرة التقديمية لمشروع القانون].

1967- 2016: الأمازيغية في تراجع

ستقفل الحركة الأمازيغية نصف قرن منذ تأسيس أول جمعياتها سنة 1967، وقد تقدمت الأمازيغية في جانب الاعتراف المؤسساتي بها منذ سنة 1994 [سنة إحداث نشرة اللهجات] حتى 2016 سنة إصدار مشروع قانون لتفعيل الطابع الرسمي.

لكن كلما تحسن وضع الأمازيغية من الناحية المؤسساتية، تراجعت مكانتها في الواقع، لذلك لن يضير الاستبداد أن يتقدم بمشاريع قوانين وتوالي النوايا الحسنة بشأن إنصاف مستقبلي للغة وهوية في طور الانقراض، مع عواصف العولمة واكتساح ثقافة الاستهلاك والرأسمالية المعولمة لأكثر مناطق المغرب عزلة، حيث تتآكل عوامل منعة الأمازيغية التي حافظت عليها لقرون. فبغض النظر عن صحة احصاءات الأخيرة حول عدد الناطقين بالامازيغية من عدمه، إلا أن لا أحد ينكر أنه فعلا هناك تراجع في أعداد الناطقين بها.

رماد في العيون

المشروع الجديد المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، محض إعلان نوايا، ويتضمن عبارات غير ملزمة مثل “تعمل الدولة بجميع الوسائل المتاحة…”، “تيسير تعلم اللغة الأمازيغية وتعليمها ونشرها”.. الخ.

ويربط تنفيذ هذه السياسة بمؤسسة ستحدث لاحقا هي “المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية”، وهو محض مؤسسة استشارية “إبداء الرأي في كل قضية من القضايا التي يحيلها إليه جلالة الملك في مجال اختصاصاته”. [المادة 3 من مشروع قانون تنظيمي رقم 04.16 يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية]. مؤسسة غير مستقلة إداريا ويتحكم فيها الاستبداد، فأغلب أعضاء مجلسه الوطني يعينهم الملك “رئيسه يعين بظهير شريف، 6 خبراء يعينهم الملك، ممثلو المؤسسات والهيئات الهيئات يعينهم الملك”. [المادة 6]

يتحدث القانون عن إنصاف للأمازيغية دون الحديث عن حرمان أبناء الكادحين- وضمن أبناء الأمازيغ الكادحين- من أهم وسائل هذا الإنصاف، فما معنى منطوق المادة 3 “يعد تعليم اللغة الأمازيغية حقا لجميع المغاربة بدون استثناء”، في وقت ضربت فيه مجانية التعليم ويرمى مئات الآلاف من التلاميذ خارج أسوار المدارس. لا ادماج فعلي للأمازيغية في مناحي الحياة العامة دون توفير الموارد المالية اللازمة لتكوين الأطر و المدرسين و المترجمين … في ظل سياسات التقشف والخوصصة التي تنهجها الدولة يصبح ذلك من سابع المستحيلات.

تفرض وضعية اللغة والثقافة الأمازيغيتين سياسة ميز إيجابي حقيقية، ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بسياسة إجبارية تأخذ بعين الاعتبار قرونا من بقاء الأمازيغية لغة وثقافة شفاهية تفرض إكراهات حقيقية في التقعيد والمعيرة وعلاقتها بالتعبيرات اللسنية واللهجية القائمة حاليا، ويفرض ذلك بحثا علميا حقيقيا بميزانية في مستوى المهمة، بدل الحديث عن “التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب، وكذا المنتوج اللسني والمعجمي الأمازيغي الصادر عن المؤسسات والهيئات المختصة”. [المادة 1 من مشروع القانون التنظيمي].

مضى أكثر من 15 سنة على تأسيس المعهد، وكان المفروض أن تكون هذه المدة كافيا للإجابة على هذه المعضلات، لكن النظام استغل المعهد لغاياته السياسية، ووجه ميزانية المعهد لتمويل مهرجانات واستقطاب نخب وجمعيات وتحويلها عن طريق النضال نحو البحث عن سبل للترقي الفردية وتمويل المشاريع.

في الحاجة إلى قوة شعبية تجبر الاستبداد على استجابة إلى مطالب الأمازيغ

إن الاستجابة لمطالب الأمازيغ اللغوية والثقافية ليس محض إجراء تشريعي وتنظيمي، بل نقطة ضمن التغيير الجذري للمجتمع المغربي، إنها قضية منظور طبقي يسعى إلى الاستجابة لحاجات الشعب المادية ومعها كل حقوقه الديمقراطية والقومية والنسوية والشبيبية.

لن يتأتى هذا التغيير بناء على مؤسسات تسعى إلى تأبيد نفس النظام القائم على الاضطهاد الاجتماعي والقومي والجنسي، بل يجب أن يقوم على سلطة شعبية حقيقية، لن تخشى مواجهة كل قضايا الكادحين وتخصيص ما تستحقه هذه القضايا من الثروة القومية، بدل إعطاء الأولوية لأرباح البرجوازيين والحفاظ على التوازنات المالية المملاة من مؤسسات الرأسمال العالمي.

أزنزار

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا