متى ينتهي الغموض الذي يلف المصير المهني والاجتماعي لمستخدمي محطات الأداء بالاتوروت؟

بقلم: م.ج

في الواجهة الالكترونية للشركة الوطنية للطرق السيارة نجد الكثير من الجمل الجميلة فيما يخص العلاقة بالمستخدمين. فالشركة تتدعي انها «تعمل بكيفية اخلاقية ومسؤولة لتكون شريكا دائما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.وتضع المسؤولية الاجتماعية في قلب استراتيجيتها وتولي اهتماما في انشطتها لكافة الاطراف المعنية.»
وبمكان آخر بموقعها الإلكتروني، نجدها تتحدث عن «تطوير كفايات الموارد البشرية وقابلية تشغيلها»، وعن «تعزيز وتحسين الأعمال الاجتماعية الموجهة لأجراء الشركة»، وعن «العناية بالصحة والسلامة في العمل» ،وعن «السهر على حقوق وحريات المستخدمين» والحرص على «حوار اجتماعي بناء وهادئ»، و»مساواة في الفرص ومنع اي تمييز والشفافية في معاملة الاشخاص وتحسين التدخلات لصالح الفئات الهشة».
لكن في مكان آخر بموقع شركة الطرق السيارة في انترنت نجدها تعلن ان عدد مستخدميها في العام 2014 لا يتجاوز 546 أجيرا، وتشير إلى انه لم يرتفع بفعل إسناد بعض الأنشطة إلى جهة خارجية (externalisation).
وراء هذا الاسناد إلى جهة خارجية لقسم من مستخدمي الطرق السيارة تختفي مأساة اجتماعية بكل معنى الكلمة. فمئات أجراء محطات الأداء يشتغلون عبر شركات وساطة في التشغيل، بدل أن يدمجوا في شركة اتوروت المغرب. مبرر التشغيل عبر شركات وساطة هو تسهيل توافر يد عاملة للمقاولات عند ازدياد النشاط بشكل استثنائي، او تلبية حاجة الى يد عاملة مؤقتة. لكن نشاط تحصيل مداخيل اوتوروت ليس له اي طابع مؤقت، والمنطقي هو دمج شغيلته ضمن الشركة الوطنية للطرق السيارة، وهو ما سيتيح استقرارا مهنيا للأجراء واستقرارا اجتماعيا لهم ولأسرهم.
بدل هذا الحل الحقيقي الذي يعبر فعلا عن انشغال اجتماعي ، وعن شعور بالمسؤولية الاجتماعية، تم القاء مئات العمال ومعهم مئات العائلات إلى مصير مجهول، فلا إطمئنان إلى استقرار الشغل، ولا إمكان بناء حياة مستقرة، ولا ارتياح لمستقبل الابناء. كيف يمكن لأجير غير مستقر في العمل، قد تعصف به شركة الوساطة في اي لحظة، أن يخطط لمستقبله ومستقبل ابنائه.
الحقيقة ان اسناد قسم من اليد العاملة إلى شركة أخرى خارج شركة الاتوروت ظلم اجتماعي كبير. وقد حاول المظلومون رفع الظلم عنهم باضرابات وكفاحات كان من أعظمها إضراب العام 2012 الذي انتهي في منتصف شهر يونيو من هذا العام بتوقيع محضر من طرف وزارة التجهيز والداخلية وشركة الطرق السيارة ونقابة المستخدمين المضربين. هذا المحضر نص على ضمان استقرار عمل مستخدمي تحصيل مداخيل أوتوروت دون دمجهم. كان ذلك نصف انتصار. وكان من المفترض ، طبقا لاتفاق 14 يوينو 2012 ان يستمر التفاوض مع وزارة التجهيز والنقل حول حل نهائي لوضعية شاذة وظالمة هي اسناد قسم من المستخدمين لشركات خارجية.
واليوم وقد مضت اربع سنوات على الاتفاق لا يلوح في الافق اي حل حقيقي. كل ما هناك شائعات، وتطمينات مبهمة بان الحل النهائي قريب. والأغرب في الأمر ما يحيط بالمداولات حول الحل المزعوم من سرية تامة . الحل يهم مئات الأجراء، ولا يعقل ان يوضع هذا الحل دون اطلاع مسبق على المقترح وابداء الرأي فيه. والمفترض في مثل هذا المنعطف المصيري الحاسم هو الشفافية الكاملة بتعميم المعلومة على الجميع، وهو أمر تسهله وسائل الاتصال الحديثة.
المستخدمون ضحايا الظلم لهم نقابة من المفترض ان تمدهم بالمعلومة المتعلقة بمصيرهم ، كي يناقشوا مدى مناسبة الحل المقترح لما يطمحون اليه من استقرار مهني واجتماعي ناضلوا من اجله نضالا مريرا. كل الجهات لها وسائل الحصول على المعلومة، لانها قوية بعلاقاتها في مختلف الدوائر، وحدهم العمال لا وسيلة لديهم لبلوغ المعلومة غير نقابتهم. وكان حريا بنقابة ديمقراطية ان تطرح اي مقترح للحل النهائي للنقاش العمومي بين الاجراء المعنيين بتنظيم جموع عامة تناقش بكل حرية، وحتى تنظيم استفتاء بين المستخدمين قبل توقيع اي اتفاق يرهن مصريهم. إن تعميم المعلومة هو من الف باء الديمقراطية، ولا شك ان المعلومة بشان الحل النهائي موجودة اليوم لدى الجميع سوى العمال.
ما يثر مخاوف كل حريص على مستقبل المستخدمين هو أن إدارة شركة الطرق السيارة تقوم بتوظيف مستخدمين جدد في الطرق السيارة الجديدة بعقود عمل محددة المدة، اي أنها تحرمهم حتى من مكسب عقود العمل غير المحدد الذي انتزعه إضراب العام 2012.
لقد أكد مسؤولون سابقون لشركة الطرق السيارة ان لا علاقة للشركة بالمستخدمين محصلي مداخيل محطات الأداء، وان هؤلاء يعملون لدى شركات أخرى ، إلى آخر المعزوفة. هذه المعزوفة هي بالذات التي كان يكررها في كل مكان مسؤولو المكتب الشريف للفسفاط فيما يخص عمال الفسفاط المستخدمين عبر شركات وساطة. لكن نضال هؤلاء، والمناخ النضالي الذي عاشه المغرب في العام 2011 (حركة 20 فبراير) فرضا على ادارة الفوسفاط ترسيمهم وكانوا اكثر من 800.
إن المسؤول الاول عن هذا الظلم الصارخ هو الدولة، لانها هي المالك الرئيسي لاسهم شركة الطرق السيارة ، غير الخزينة (قرابة 68,5 % من الراسمال) وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ( قرابة 29,3 % من الرأسمال). ورغم مرور اربع سنوات على الوعد بايجاد حل نهائي يضمن استقرار الاجراء مهنيا واجتماعيا، لا حل لحد الآن.
في فترة اضراب العمال في 2012 كان الجميع يتباكى على مصلحة «الاقتصاد الوطني» المتضرر بالإضراب، وشنت الصحافة الموالية حملة شعواء ضد نضال المستخدمين. وبعد انتهاء الإضراب انصرف الجميع إلى شؤونهم تاركين العمال للمجهول. لا البرلمان الزائف ناقش مصير العمال ولا الاحزاب، سواء المؤيدة للحكومة او «المعارضة لها»، اهتمت بواقع العمال ضحايا عدم الاستقرار والمصير المجهول.
إن فئات اجتماعية متنوعة ناضلت وحققت مكاسب، مثل طلبة كليات الطب الذين حاولت وزارة الصحة فرض هشاشة التشغيل عليهم. فقد اضربوا وسيروا إضرابهم بديمقراطية الجموع العامة، وانتصروا. كذلك الاساتذة المتدربين الذين حاولت الحكومة فرض العمل بعقود محددة المدة على بعضهم بفصل التكوين عن التوظيف. لكن نضالهم اكثر من خمسة اشهر فرض على الحكومة الالتزام بتوظيفهم جميعا في مطلع العام 2017. وهذا انتصار جزئي سيكون حافزا لنضال الافواج القادمة من الاساتذة المتدربين.
لا خلاص لعمال الاوتوروت المظلومين غير الكفاح. وأول الواجبات هو الحصول على المعلومة حول الحل الموعود به، والذي لا يزال في طي الكتمان. ويجب الاستفادة من دروس اضراب 2012 وابتكار طرق تنفيذ الإضراب تكون اكثر فعالية. وهذا هو ما يجب ان يكون موضوع نقاش بين كافة المستخدمين المعنيين.
يجب الشروع في تعبئة الصفوف العمالية بهذا النقاش، وليس انتظار الحل بسلبية وخمول وتفويض الامر إلى مسؤولين ما. يجب أن يأخذ المستخدمون مصيرهم بايديهم. ويجب على الجهاز النقابي ان يتحمل مسؤوليته في هذا الظرف التاريخي الحاسم.
م.ج

شارك المقالة

اقرأ أيضا