“لاجُودان عَنفني”: صرخة إمرأة مسنة من ضاحية سطات القروية

بعد ثلاثة أسابيع يحل اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء، والدولة المغربية تُعد قانونا تزعم أنه سيفي بهذا الغرض النبيل. الزعم مجرد زعم، مثل كل الكلام في الدستور، وفي ثنايا العديد من القوانين، عن الحقوق الانسانية، والنسائية، والعمالية وكل ما شئتم.
يوميا تنتهك حقوق النساء، ويتعرضن لأبشع أشكال القهر والإضطهاد، في البيت، في الشارع، في العمل. الصورة المرفقة بهذا النص لها مئات مثيلات: عاملات معتصمات تقتحم قوات السيمي تجمعاتهن، ونساء أحياء شعبية عرضة للهدم، وقرويات مطالبات بحقوق اجتماعية، ونساء تارميلات المتضامنات مع عمال والماس-سيدي علي المضربين في بداية سنوات 2000، وفتيات معطلات محتجات مطالبات بالعمل “أمام البرلمان”، وهلم جرا. أجساد تحمل كلها توقيع المخزن. إنه الواقع اليومي لكادحي المغرب وكادحاته، من جانب دولة لا نية لها في تلبية الحاجات الاجتماعية بقدر ما هي منشغلة بإنماء ثروات البرجوازيين والبنوك الأجنبية.
ما حدث “لرقية لقساحي”، المرأة القروية المسنة (75 سنة) بنواحي سطات [انظر الصورة مرة أخرى] (دوار البيرات، جماعة السْكَامنة بقيادة ثْلاث ولاد فارس، دائرة ابن أحمد) يوم الأربعاء 26 اكتوبر 2016، مثال صارخ عن سلوك راسخ لدى قوى القمع، لا سيما بالعالم القروي. سلوك هو سليل جبروت القياد الإقطاعيين الذين حكموا مناطق من المغرب بالسياط والتقتيل، وسليل طغيان ضباط الإستعمار الفرنسي، وخلفاؤهم من قياد حقبة الحسن الثاني.
فُحسب صحافية بموقع هيسبريس:
تم اقتحام البيوت على من فيها من النساء والأطفال وضرب عدد منهن، مسببة لهن أضرارا جسدية ونفسية، بحثا عن “مطلوبين في قضية نزاع حول أرض فلاحية بين الفلاحين أبناء الدوار وتعاونية.
أُمنا “رقية لقساحي” تحكي قائلة: “دخل علينا “لاجودان والمخازنية” للدار، كَيسوْلوني على ولدي، مْنين كَلت ليه ما عْرَفتش، صَوَّطْني يا بنيتي، وضرَبني بالعصا ونْزل عْليَّا بصُبَّاطو على رجلي”، متابعة: “وَلاَّو العيالات هاربات والدراري يَتْزاواو”.
كيف يفكر هذا الجلاد الذي يضرب إمرأة في عمر جدته، بلغت 75سنة، عزلاء في عقر دارها؟ وماذا يريد منها؟
القمع بالعالم القروي أشرس، وإشاعة الخوف أشد، هذا واقع له تاريخ. لكن جبروت المخزن بدأ بالتراجع منذ سنوات حكم الحسن الثاني الأخيرة، وكانت معالمه احتجاج سكان شيشاوة سنة 1996، ومسيرة ايت بلال باقليم ازيلال سنة 1999، ثم تدفق الغضب الشعبي بالمناطق المهملة: املشيل ، ايتزر بنواحي خنيفرة، طاطا، ايفني ايت باعمران، وأقاصي بالمغرب “غير النافع”، وصفرو… سقط جدار الترهيب المخزني، وفرض كادحو المغرب وكادحاته حقهم في التعبير بالمسيرات (غير المحتاجة لترخيص مرفوض أصلا) عن رفضهم القهر والإفقار والإذلال. وجاءت الهبة الثورية بالمنطقة لتطلق ببلدنا حركة 20 فبراير المجيدة التي انزلت الى الشارع، أول مرة في تاريخ المغرب “المستقل” مئات آلاف المحتجين المطالبين بحرية الكرامة والعدالة الاجتماعية.
يروق لأبواق الإستبداد الكلام عن “عهد جديد”. نعم هناك عهد جديد بدأ قبل وفاة الحسن الثاني: عهد تحرر الشعب الكادح من خوفه، وثقته في تضامن مكوناته من مفقرين بالقرى وعمال وشاب وعاطلين، عهد المسيرات الشعبية، والاعتصامات العمالية، وقوافل التضامن، وانضاف اليها حشد التعبئة بشبكات التواصل الاجتماعي التي يجيد بها الشباب والشابات نقل الخبر والصورة ورصد الجلادين والطغاة متلبسين الجرم.
واجب التضامن: إقالة “لاجودان”، ومحاكمته، وارجاع الحق إلى أهله
وناشدت المرأة المسنة المظلومة، وفي يدها آثار ضرب ستظل في ذاكرتنا كذلك الوشم في وجهها، قائلة: “الله يرحم ليكم الوالدين وَقفوا معانا”.
انها تناشد تضامننا، واجبنا أن نستنكر جميعا الجرم المقترف في حق “رقية لقساحي”، مطالبين بمعاقبة الجناة. لا أقل من إقالة “لاجودان” الذي سوط رقية، ومحاكمته مع شراكائه في الاعتداء، وإنصاف الفلاحين المتضررين بتحقيق دقيق في قضيتهم والبث فيها بالعدل.
لا للابتزاز بشبح الفتنة… جميعا إلى التنظيم
كلما رفع قسم من الشعب الكادح صوته، تعالى نعيق غربان الإستبداد محذرة من الفتنة، على لسانها مثال سوريا واليمن. من يسعى إلى تخويف الشعب المحتج بحالة اشقائنا السوريين انما يقول: كفوا عن الإحتجاج وإلا طحناكم على طريقة الرئيس الأسد.
هذا الابتزاز الخسيس هدفه إسكات صوت الشعب، وتأبيد الإستبداد والقهر الطبقي. وهو مرفوض.
واجب التنظيم: مهمة الشباب الواعي، ذكورا وإناثا، وكافة المتمرسين على النضال، وبمقدمتهم المناضلين/ات النقابيين/ات، هي حفز أشكال التنظيم: تنظيم الإجتماعات العامة التي تتيح لكل مشارك التعبير عن رأيه، واقتراحاته، والمشاركة في القرار، وخبرة انتخاب لجان تمثل المحتجين، لجان ديمقراطية خاضعة للرقابة وقابلة للإقالة عند الحاجة. خبرة تنسيق الكفاحات بنبذ ضيق النزوع الفئوي، ومن ثمة السعي لبناء حراك وطني موحد الأهداف والخطوات.
كفاحنا في بداياته، ما زال ناقص التنسيق الوطني لتوحيد الأهداف والنضال من أجلها، فقبل سنة كافح سكان طنجة وحدهم ضد اغتناء الشركات الخاصة المتاجرة في الكهرباء، وها عدد من البلدات تتحرك حاليا وحدها معزولة. نضالنا بحاجة إلى أدوات تنظيمية توجهه وفق إرادة المشاركين والمشاركات في النضال. ما زال أمامنا إنجاز تراكمات كمية، تفضي إلى تحول نوعي يتيح بناء منظمات نضال وطنية كفاحية وديمقراطية. بدون جهودنا الواعية في هذا الاتجاه، ستتلاشى طاقة الاحتجاج والنضال في معارك جزئية متباعدة، مكانا وزمانا، ما يتيح للحاكمين هزمها بمزيجه المعتاد بين التنازلات الخاوية و جرعات القمع.
لا لإذلال الكادحين
كفى من طغيان اجهزة القمع
كلنا من أجل إسقاط الظلم، عاش الشعب

ع. عياش

شارك المقالة

اقرأ أيضا