1914: الحرب الإمبريالية الكبرى

بلا حدود10 يناير، 2015

في العام 1884، اجتمعت القوى الاستعمارية الكبرى في برلين بقصد الاتفاق على توزيع ممتلكاتها في أفريقيا، حيث كرست معيار “الاحتلال الفعلي”، أي الاعتراف للقوة التي تحتل فعليا بلدا ما بحقوق عليه. ثمة حدود حالية في شمال أفريقيا جرى رسمها بالمسطرة على طاولة آنذاك لتسهيل متاجرة القوى الاستعمارية الأوروبية الأربعة عشر بتلك الأراضي ، دون اكتراث بشعوبها.

وهكذا اكتمل تقسيم العالم بين المستعمرين. ابتداء من هذا التاريخ، حسب لينين، لم يعد بإمكان أي منهم توسيع مستعمراته إلا على حساب مستعمرات الآخرين. بالنظر إلى الطابع الدائم المميز لميل الرأسمالية التوسعي، فقد توقع لينين أن البشرية ستدخل حقبة حروب بين الإمبرياليات.

وقد تحقق هذا التنبؤ بشكل صارم وتراجيدي. وكانت الحربان العالميتان الكبيرتان اللتان شوهتا تاريخ البشرية في النصف الأول من القرن العشرين على وجه الدقة حروبا بين الإمبرياليات. وكانت ثمة أساسا كتلتان كبيرتان: من جهة القوى التي استولت بشكل مبكر على جزء كبير من العالم، بمقدمتها إنجلترا وفرنسا، في مواجهة القوى التي التحقت بشكل متأخر بمائدة الوليمة – ألمانيا وإيطاليا واليابان – والتي حاولت فرض تقسيم جديد للأراضي المستعمرة.

تمكنت إنجلترا وفرنسا بوجه خاص، بفعل حل المسألة القومية وإرساء دول-أمم قبل الدول الأوروبية الأخرى، من بناء قوتيهما العسكرية القوية – البحرية بوجه خاص – وتبوأت على هذا النحو أفضل مكانة لتكوين إمبراطورية استعمارية وتوطيدها.

احتاجت ألمانيا وإيطاليا واليابان وقتا أكثر لتحقيق وحدتها القومية بفعل القوة الكبيرة نسبيا للمكونات الجهوية لبرجوازيتها. لذا دخلت هذه الدول الحلبة العالمية من موقع ثانوي وتزودت بأنظمة استبدادية من اجل تسريع تنميتها الاقتصادية وتدارك تأخرها مقارنة بالقوى العالمية الأخرى.

وأبعد من الأحداث العارضة المسببة لاندلاعها، كانت الحرب العالمية الأولى بالأساس صراعا كبيرا بين الكتلتين بهدف تقسيم العالم، ولا سيما بالنسبة للقارات الطرفية (بلغ الأمر بألمانيا حد السعي إلى استدراج المكسيك الى الحلف الذي تقوده بإغرائها باستعادة الأراضي التي انتزعتها منها الولايات المتحدة).

ان التنافس من اجل الهيمنة على العالم هو الذي كمن اذن خلف الحربين الكبريين. فقد كانت الإمبراطورية الإنجليزية الآفلة مهددة من قوتين ناشئتين:الولايات المتحدة وألمانيا. في بداية الحرب العالمية الأولى، كان التيار الانعزالي هو الذي فرض نفسه في البدء، كما لو كان الصراع مسألة أوروبية فقط. لكن إزاء إمكان نصر ألماني، تطورت بسرعة حملة أيديولوجية داخلية لتعبئة الأمريكيين لصالح مشاركة بلادهم في الحرب.

كان العام 1917 عاما حاسما إذ، مع الثورة البلشفية ، انسحبت روسيا من الحرب – طبقا لتحليل لينين الذي يرى في الأمر حربا بين الإمبرياليات – بينما دخلتها الولايات المتحدة ، ما رجح كفة الميزان لصالح الكتلة الانجليزية – الفرنسية.

مع الحرب العالمية الثانية – وهي في الحقيقة “جولة” ثانية من الحرب ذاتها بنفس الخصائص وفارق بضع سنوات – والهزيمة الثانية للكتلة التي تقودها ألمانيا، بات المجال ممهدا للهيمنة الامبريالية لأمريكا الشمالية. هذه الحروب بين الإمبرياليات هي أشد كل الحروب قسوة، اندلعت في القارة التي تعتبر نفسها الأكثر تحضرا في العالم للحسم في النزاع المستحكم بين القوى الرأسمالية حول السيطرة على العالم.

بداية الحرب العالمية الأولى، التي مر عليها الآن قرن، كانت هي بداية هذا الاندحار الأوروبي الكبير.

أمير صادر

نقل عن الاسبانية : أطولفو رييرا

تعريب : المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا