المؤتمر الرابع للحزب الجديد المناهض للرأسمالية في فرنسا: باب مُوارب، ومخرج ايجابي ممكن

بلا حدود2 مارس، 2018

بقلم ليون كريميو Léon Crémieux

انتهت أشغال المؤتمر الرابع للحزب الجديد المناهض للرأسمالية في وضع مفتوح ومغلق على حد سواء ستكشف الأشهر القادمة اتجاهه.

تفصل ثلاث سنوات هذا المؤتمر عن سابقه المنعقد في كانون الثاني/يناير عام 2015. انتهى هذا الأخير إلى أزمة قيادة مفتوحة مع إعادة نظر جلية في المشروع الأول للحزب الجديد المناهض للرأسمالية القائم على بناء حزب مناهض للرأسمالية وحدوي وجذري، يقدم برنامج قطيعة ثورية. كان سياق وصول تسيبراس إلى الحكومة، وصعود بوديموس يؤجج النقاشات الدائرة في الحزب الجديد المناهض للرأسمالية. وكانت تيارات عصبوية عديدة تتهم الأغلبية السابقة بسعي إلى الاقتداء بتوجه قيادة سيريزا أو بوديموس، وإلى الركض وراء تحالفات لا مبدئية مع جبهة اليسار، وكانت تكرس موقف انطواء على هوية ثورية وجذرية في النضالات.

خرج الحزب الجديد المناهض للرأسمالية من هذا المؤتمر منقسما جدا، مع ستة مواقف منها ثلاثة بوزن بين 35% و 20% بلا أي أغلبية. كان الحزب عاجزا عن التأثير على نحو هجومي للتصدي لحكومة هولاند. ومع أن الحزب الجديد المناهض للرأسمالية كان في طليعة التعبئات، خاصة التضامنية مع غزة، وفي حركة القبعات الحمر في منطقة بَرْطانِيَة بفرنسا، وكان صوته غير مسموع إلا بقدر قليل بسبب ضعفه وانقسامه.

ولحسن الحظ، بعد عام من ذلك، في كانون الثاني/يناير عام 2016، مع بدايات التعبئة الكبيرة ضد قانون الشغل، وأثناء ندوة وطني انتخابية، تغيرت دوامة التراجع رغم اتحاد التيارات العصبوية في أرضية (A) حشدت نسبة 41% من الأصوات. كانت دينامية مفروضة من أرضيتين أخريين (B وC) سمحت بتلاقي الحزب حول ترشيح فيليب بوتو للانتخابات الرئاسية في عام 2017 بمنظور وحدوي مناهض للرأسمالية. كانت الحصيلة المشتركة المستخلصة من استسلام سيريزا، والتجربة المتقاسمة في المعارك التي خاضها الرفاق في حزب اليسار المناهض للرأسمالية Anticapitalistas في اسبانيا، وبدايات التعبئة الاجتماعية ، تساعد كلها على تجاوز انعدام الثقة المتبادل، لكن دون تمكن من تجاوز أشكال عرقلة القيادة اليومية.

لذا كانت طفرة فعلية ممكنة في الحزب. كان المناضلون منخرطين إلى حد بعيد في التعبئات ضد مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (كوب21) المنعقد في باريس، وفي المعركة ضد قانون حالة الطوارئ وقانون الشغل وعنف البوليس ومشروع مطار نوتردام دي لاند؛ وفي التضامن مع المهاجرين، وفي العمل الأممي مع المقاومة السورية. كان الحزب الجديد المناهض للرأسمالية مبادرا على صعيد محلي في تحركات وحدوية عديدة وحاضرا في الدينامية النضالية المسماة «نيوي دوبو» (« Nuit Debout »). حفز ذلك كله، في العام 2016 وربيع العام 2017، أغلبية كبيرة من الرفاق على النضال بضراوة للحصول على 500 توقيع من رؤساء بلديات، اللازمة لتثبيت ترشح فيليب بوتو، ولحضور الحزب الجديد المناهض للرأسمالية واقتراحاته في حملة الانتخابات الرئاسية. وفي الوقت ذاته، كانت القيادة الوطنية تتعافى من شللها بفضل تقارب، في قيادة الحملة الانتخابية، بين تيارات ساعية إلى الحفاظ على العمل الموحد في الحزب الجديد المناهض للرأسمالية. ومن ناحية أخرى، كانت التيارات الأقلوية تتصارع بعد أن كانت منقسمة إبان التعبئة ضد قانون الشغل في ربيع العام 2016.

كانت الحملة الانتخابية والحالة هذه ناجحة، بفعل الظهور الإعلامي لفليب بوتو، وكذا بفضل حملة دينامية وقادرة على التجميع على صعيد محلي. ورغم أن ترشح ميلونشون، بفعل مصداقيته الانتخابية، كان استقطب أهم تيارات اليسار في النقابات والحركة الاجتماعية، نجح الحزب الجديد المناهض للرأسمالية في كسب تعاطف سياسي واسع في الأوساط المناضلة، وبالتالي أعاد المصداقية لضرورة بناء قوة سياسية موحَّدة ومناهضة للرأسمالية، بوجه العصبوية والشوفينية وانحرافات جان لوك ميلونشون. وفي الآن ذاته، كانت تتضح باطراد داخل الحزب الممارسة التكتلية لتيارات تستغل عمل الحزب الجديد المناهض للرأسمالية، وحتى شعبية ترشيح فيليب بوتو، لتوسيع نشاطها الخاص خارج الحزب في إطارات خاصة وحتى في مواقع إعلامية، دون حرص على بناء جماعي للحزب الجديد المناهض للرأسمالية.

وكانت أرضية تشكلت أيضا في هذا المؤتمر الرابع في كانون الثاني/يناير عام 2018. توحد هذه الأرضية U عدد كبيرا من رفاق حريصين على الحفاظ على المنظور المفتوح للحزب الجديد المناهض للرأسمالية والراغبين في إخراج القيادة والحزب من حالة الشلل التي يعانيان منها.

رغم أن الحزب الجديد المناهض للرأسمالية لم يضعف عدديا منذ العام 2015، محافظا على ما يناهز 2000 مناضل/ة، أدى شلل الحزب إلى ثني رفاق كُثر عن الانخراط في نقاشات هذا المؤتمر. وعلى نحو مواز، قامت التيارات الصغيرة العاملة داخل الحزب وخارجه على حد سواء (التيار الشيوعي الثوري-الثورة الدائمة وتكتل الشرارة المتحدر من حزب النضال العمالي) بتضخيم وزنها في الحزب الجديد المناهض للرأسمالية بضم مناضلين جدد إلى لجانها، قبل شهرين من انعقاد المؤتمر للتمكن من التصويت (كان القانون التنظيمي يمنح حق التصويت في مؤتمر العام 2018 للمناضلين/ات المنخرطين في الحزب قبل 1 تشرين الثاني/نوفمبر العام 2017 ؛ وجرت أحيانا هذه «الانضمامات» دون أي رقابة من الحزب الجديد المناهض للرأسمالية برمته، وتتجمع هذه التيارات الصغيرة في أغلب الأحيان في لجان منفصلة).

لذلك، إن كانت الأرضية U نجحت في رهان تقريب تيارات تشظت في السنوات الثلاث السابقة، فقد أخفقت في بلوغ أغلبية مقتربة منها بنسبة 49.72% من التصويت على الأرضيات في عطلة نهاية الأسبوع الأخير، بوجه ستة مواقف أخرى، حشد أهمها نسبة 17% من الأصوات. والمفارقة هنا، إجمالا، أن الأرضيات الأخرى لم تقم، في النقاشات التحضيرية وأثناء المؤتمر ذاته، سوى بتأكيد هوياتها الخاصة وخلافاتها مع المواقف الأخرى دون سعي إلى تشكيل أغلبية بديلة ودون اقتراح سياسية للحزب برمته. وهذا موقف معبر عن سماتها في السنتين السابقتين. لكنها بذلت ما بوسعها لكبح جهود أرضية الأغلبية التي تروم تجميع أغلبية المندوبين في المؤتمر حول مقرر مشترك بصدد مهام الحزب. مع ذلك، كان المؤتمر شاهدا مرة أخرى على حيوية الحزب الجديد المناهض للرأسمالية ودوره وفعله النضالي، بوجه خاص دفاعا عن حقوق المهاجرين وضد العنصرية، وتحضيرا للتعبئة الوطنية في يوم 17 آذار/مارس، وفي التعبئة الجارية في قطاع التعليم، وفي التحركات المحلية ضد مذبحة أردوغان ضد السكان الأكراد في سوريا، وفي الانخراط في الموجة النسوانية التي تبلورت حول حركة مي تو (أنا أيضا).

وفي السنوات الأخيرة، تحققت خطوات فعلية إلى الأمام دون أن يجري حتى الآن كسب معركة جعل الحزب الجديد المناهض للرأسمالية قادرا على بناء قوة مناضلة ومناهضة للرأسمالية وديمقراطية وموحدة يوجد في البلد متسع فعلي لها.

وفي آخر المطاف يفتح المؤتمر الأخير آفاقا رغم حدوده. إن نتيجة إيجابية ممكنة بعد انتهاء أشغاله. ولبلوغها سيتحمل ممثلو الأرضية U مسؤولية الاضطلاع بدور رئيس في القيادة الجديدة، بقدر ما يسعون دون سواهم إلى قيادة الحزب الجديد المناهض للرأسمالية بما هو حزب جماعي فيما يعتبره آخرون كـُثر مجموعة تكتلات. ومن أجل إخراج دائم للحزب الجديد المناهض للرأسمالية من انحباساته الراهنة، سيتعين عليهم أن يبادروا إلى إعادة تشغيل بنيات العمل والبلورة السياسية، ولجان قطاعات النشاط، ودعم الحياة السياسية والديمقراطية للجان، هذه الحياة غير السليمة التي ثبطت همة الكثير من الرفاق. وعليهم أيضا أن يكونوا قادرين على تجميع مناضلي الحزب الجديد المناهض للرأسمالية اليائسين في هذه الأشهر الأخيرة من الصراعات الداخلية وإقناع رفاق متخوفين من أن تؤدي سياسية موحدة هجومية إلى إضعاف توجهات الحزب المناهضة للرأسمالية. ومن الجدير بالملاحظة أن كثيرا من الرفاق الشباب ابدوا انشغالا بتعزيز الحزب صياغة وإعداد برنامج أجوبة مناهضة للرأسمالية بوجه هجوم ماكرون الرجعي. بعد 50 سنة من عام 1968، تقع على الحزب الجديد المناهض للرأسمالية مسؤولية عظيمة لإعادة إضفاء مصداقية على مشروع سياسي لتحرر المضطهَدين/ات والمستغَلين/ات اشتراكي بيئي وديمقراطي . هذا المشروع هو ما ينبغي مده بالحياة في الأشهر القادمة. ويمثل النصر المحرز بعد التخلي نهائيا عن مشروع مطار جديد في نوتردام دي لاند حافزا جيدا في هذا الصدد، فضلا عن النضالات التضامنية العالمية المتوقعة، بشأن سوريا في المقام الأول، وكتالونيا وطبعا بخصوص دعم حركة استقلال شعب الكاناك.

ويتمثل الرهان أيضا في استعادة زمام المبادرة في النقاشات واللقاءات والنضالات المشتركة مع جميع مناضلي/ات الحركة النقابية المقتنعين/ات بضرورة رد سياسي مناهض للرأسمالية. ولا تزال مطروحة على جدول الأعمال إعادة تفعيل المشروع الأولي للحزب الجديد المناهض للرأسمالية لتجميع وبناء قوة سياسية واحدة على أساس قطيعة ثورية. ورغم أن الكثيرين تحولوا انتخابيا نحو حركة فرنسا الأبية في الربيع الأخير، يدرك كثيرون آخرون حدودها، سواء فيما يخص توجهها بصدد مسائل عديدة أو ما يتعلق بالديمقراطية الداخلية. ورغم وجود نضالي محلي فعلي، يحظى الحزب الجديد المناهض للرأسمالية بصيت ضعيف قياسا بحركة فرنسا الأبية وبمكانة ميلونشون الإعلامية. لكن المسائل المطروحة اليوم في البلد هي مسائل تعبئة اجتماعية وسياسية موحدة واسعة النطاق بوجه دكاك ماكرون ومسألة بناء بديل سياسي مناهض للرأسمالية. بصدد المسألة الأولى، يتمثل اهتمام حركة فرنسا الأبية بوجه خاص في الفوز بمكانة «معارضة وحيدة لماكرون»، دون سعي إلى خلق مجالات عمل وحدوي وحفزها، ودون أي اقتراح تجاه القوى المناضلة الأخرى. بات هذا الوضع يخلق انزعاجا في حركة فرنسا الأبية ذاتها التي تكبح كل نقاش ديمقراطي داخلها. أما بصدد البديل المناهض للرأسمالية، فيجمع ميلونشون مواقف قد تكون جذرية حول مطالب اجتماعية مع موقف مؤسساتي وبرلماني محض، واضعا نفسه كليا في مكانة «الرئيس المقبل»، متكتما جدا بشأن المهاجرين ومحترما الإمبريالية الفرنسية.

يبرز ذلك كله بشكل أوضح مسؤولية الحزب الجديد المناهض للرأسمالية بما هو أداة جماعية، في الأشهر المقبلة.

13 شباط/فبراير عام 2018

تذييل

*كتب هذا المقال خصيصا لمجلة فيونتو سور Viento Sur.

شارك المقالة

اقرأ أيضا