في ذكراها السابعة: حركة 20 فبراير، حالة نضالية استثنائية من أجل اجتثاث الفساد والاستبداد

سياسة15 أبريل، 2018

 

 

 

مثلت حركة 20 فبراير 2011 استثناء نضاليا في تاريخ المغرب منذ استقلاله الناقص، بنقل مطالب سياسية إلى النضال الميداني الجماهيري. شهد المغرب قبلها نضالا عماليا وشعبيا محدود النطاق الجغرافي ورافعا في الأساس مطالب اجتماعية واقتصادية. كان ذلك حال النضال العمالي النقابي، كما نضال جمعيات ومجموعات الشباب المعطل حاملي الشهادات. حتى النضال الطلابي المتسم تاريخيا بطابعه السياسي ظل حبيس أسوار الجامعة ومقتصرا على مطالب جزئية، مادية وبيداغوجية. أما الحركة النسائية فتراجعت بشكل كبير بعد موجة بداية التسعينات مع حملة المليون توقيع، والتعبئة بداية الالفية الثالثة حول ما سمي خطة لإدماج المرأة في التنمية. وبقي النضال الحقوقي نخبويا، ومقتصرا على مطالب حقوقية صرف. بهذا تكون الحالة النضالية لحركة 20 فبراير وما رافقها من تعبئات شعبية متنوعة أبرز حدث سياسي يشهده البلد بهدف القطع مع الفساد والاستبداد، شكل مطلب ملكية برلمانية أحد شعاراته.

عمت تعبئات الحركة نطاقا واسعا، إذ غطت في بدايتها أزيد من 50 مدينة وبلدة مغربية، منها العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء التي لم تشهد حراكا مماثلا منذ زهاء ثلاثة عقود. شارك الشباب والنساء بزخم في المظاهرات، وحفزت تعبئات نضال شباب عاطلين بمنطقة استخراج الفوسفاط، وأنعشت النقاش السياسي بالبلد على آفاق التغيير المنشودة.

ومكنت الحركة من انتزاع مكاسب كانت أحزاب معارضة تاريخية تستجدي أقل منها، إذ فرضت إقرار دستور جديد (يبقي في الجوهر على مركزية مكانة الملكية، ويقر على الورق حقوقا أساسية)، ولكن أبرز مكاسبها أنها فرضت على النظام تنازلات طالما ناوشت بتحكم شديد البيروقراطيات النقابية من أجلها: زيادة معتبرة في الأجور بالقطاعين العام والخاص، وتشغيل أزيد من 4000 إطار عالي معطل ظلت مرابطة لمدة طويلة بالرباط وتحتج بشكل يومي. وتغاضي الدولة عن اندفاع الناس للبناء، والمحرومين من أي دخل لتجارة الرصيف… فضلا عن إقرار حصص لتشغيل أبناء هضبة الفوسفاط في المكتب الشريف للفوسفاط، وخلق العديد من برامج التكوين مع منحة مادية للمستفيدين من أجل دمجهم في سوق الشغل. مكاسب هامة غير متوقعة دون بروز هذه الحركة، وسياقها الإقليمي.

ومع أن الحركة جرت بحفز من الانتفاضة التي شهدتها المنطقة انطلاقا من تونس ومصر لتعمها بالكامل تقريبا فيما بعد، فهي تتويج لسيرورة نضال شعبي وعمالي محدود ترابيا لكنه بقي متواترا طيلة عقدي التسعينيات وبداية الألفية الجارية.

غير أن الحركة سرعان ما تراجع زخمها بفعل تراكب عوامل أضعفتها. أولا، جواب النظام السريع وتفاعله مع الحالة النضالية (قمع انتقائي منخفض الشدة وحصار وتضييق وتشويه… والتواطؤ المخزي للبيروقراطيات النقابية، وتنازلات فعلية هامة مادية كما سبقت الإشارة وسياسية مثل الدستور والانتخابات السابقة لأوانها وحكومة جديدة يرأسها حزب إسلامي…)، وثانيا، توحل الانتفاضة بالمنطقة ودفعها من طرف أنظمة ديكتاتورية دموية إلى حروب أهلية طاحنة (اليمن وليبيا وسوريا).

ولعل أبرز ما أعاق الحركة عن أداء المهمة التي حملتها بالإضافة لذلك، أنها لم تجد منظمات نضال طبقي ديمقراطية ومستقلة وكفاحية لتستند إليها، وتشكل العمود الفقري اللازم لقلب ميزان القوى لصالح الطبقة العاملة والطبقات الشعبية الكادحة. كل الطيف السياسي والنقابي الرئيسي ومعظم النسيج الجمعوي (تنموي في أغلبه) تواطأ مع النظام القائم ضد الحركة، ولم يبق لجانبها سوى يسار جذري مفكك وضعيف الانغراس وتائه سياسيا وفكريا وبعض مجموعاته عصبوية، وجماعة سياسية دينية رجعية كان أكبر همها الخروج من هذا التململ الاستثنائي بأقل الخسائر الممكنة والرجوع لانتظاريتها المألوفة ليوم الزحف العظيم، بخاصة بعد انعطاف الثورة المضادة التي شهدته المنطقة.

لقد حد من هذه الاندفاعة النضالية غياب المعبر السياسي الطبقي الحقيقي عن تطلعات الجماهير الكادحة المستغلة والمضطهدة للحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التجربة النضالية لحركة 20 فبراير 2011. إنه الدرس الرئيسي المستخلص منها ومن تجارب سابقة أيضا، وهو درس يتأكد حاليا مع تجربة النضال البطولي لمنطقة الريف شمال المغرب، وحركة الاحتجاج الجماهيري الجارية بشرقه في المدينة العمالية العريقة بتقاليد نضالها النقابي الكفاحي، مدينة جرادة وضواحيها.

إنها أهم المهام الملقاة على يسار مناضل فعلا يستحق ثقة الجماهير ودعمها: بناء أدوات النضال الطبقي ومنظماته وغرسها وتعزيزها ورفع درجة كفاحيتها، وعلى رأس تلك المهام بناء حزب/أحزاب تحمل فعلا هموم الجماهير وتوقها للتحرر من نظام الاستعباد والاستبداد والاستغلال القائم.

بقلم، الرفيق سين

شارك المقالة

اقرأ أيضا