الصين-أفريقيا: أوهام ضارة – الصين أصبحت قوة إمبريالية رائدة

بلا حدود2 نوفمبر، 2018

 

 

يثير حضور الصين في أفريقيا أسئلة عديدة إذ بات موضوع تخيلات وسجالات وأطروحات أكاديمية.

أهو مفيد للسكان أم كارثة إضافية إلى ما تشهد القارة من كوارث لا تعد ولا تحصى؟ يبدو مبلغ ستين مليار دولار من المساعدات والقروض التي منحها شي جين بينغ لأفريقيا دون شروط، ردا ايجابا عن هذا السؤال. ومع ذلك…

علاقة جنوب-جنوب …

التزاما بالليبرالية، تتظاهر القنصليات الغربية المتظاهرة بالاغتباط لحضور الصين في أفريقيا، لكنها سرعان ما تحذر الحكومات الأفريقية من مخاطر عديدة مثل الديون، والتبعية الاقتصادية، وتدهور البيئة … التي قد تسببها امبراطورية الصين لبلدانها. فيما يصر مسؤولو الصين الرسميون على أن علاقتهم بأفريقيا تبادل قائم على قدم المساواة وعلاقات «مربحة للطرفين»، منتقدين  أنانية البلدان الغربية، كما أفاد صحفي من جريدة  يومية الشعب: «في الوقت الحاضر،  تنخرط بعض البلدان بقوة في نهج النزعة الأحادية والحمائية والهيمنة التجارية [ 1 ].»

وباختصار، كل واحد ينتقد سياسة الآخر بمبررات غير مختلفة جدا جوهريا،  ويبدو ذلك منطقيا لأن سياسة الصين في أفريقيا لا تتميز إطلاقا، في الواقع وبصرف النظر عن الخطاب، عن سياسة البلدان الغربية.

تعد أفريقيا ضرورية لبكين إذ تتيح لها دعم توسعها الاقتصادي عبر مدها بجزء هام من المنتجات المعدنية والنفط الضرورية لنشاطها الصناعي. لكن أفريقيا تتيح لها أيضا تنويع مصادر تموينها، وبالتالي تجنب الاعتماد حصريا على بلدان الشرق الأوسط المصدرة للنفط ، المعتبرة حليفا استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية. وتبرر التوترات التجارية الحادة بين البلدين حذر واضعي الاستراتيجية الصينية.

واليوم، باتت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأصبحت أيضاً القوة الاقتصادية الأولى في أفريقيا فيما يتعلق بأحجام المبادلات التجارية، القائمة على واردات المواد الأولية وصادرات المنتجات المصنعة. في عام 2017 بلغت الأحجام 170 مليار دولار، مقابل 48 مليار دولار لفرنسا.

تشبه علاقة شمال-الجنوب

تتزود الصين بالنفط من نيجيريا وأنجولا؛ وتأتي المنتجات المعدنية مثل الحديد والمنغنيز والكوبالت والنحاس… من زامبيا وجنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية والكونغو-برازافيل.

وبالتوازي مع هذه الواردات، تصدر الصين كميات كبيرة من منتجاتها المصنعة، التي غالبا ما تكون أرخص من منتجات البلدان الغربية، حتى وإن كانت الجودة ناقصة.

إذا كانت القدرة الشرائية للزبائن الأفارقة والصينيين كثيرة الشبه ، فإن أفريقيا تضطلع، علاوة على ذلك، حسب خبراء التسويق، بدور منطقة اختبار المنتجات، وتستخدم منصة ترويج لاقتحام أسواق البلدان الغربية، وتلك حالة على سبيل المثال الهواتف النقالة ذات العلامة التجارية هواوي Huwei مثلا.

وكما نرى، تظل مبادلات الصين وأفريقيا التجارية قائمة أساسا على قسمة العمل الدولية، حيث يظل دور قارة أفريقيا الوحيد محصورا في التزويد بالمواد الأولية، ما يجبرها على استيراد الضروري من المنتجات المصنعة. إن هذا من مخلفات ماض استعماري لا تقوم الصين سوى بتوطيده، دو أن تكون وحيدة في ذلك.

دع مائة وهم يتفتح

طبعا، تتحدث الخطابات الرسمية فعلا عن نقل كفاءات وتصنيع، لكن لا يحصل في الواقع سوى القليل. إن بعض المقاولات الصناعية، خاصة في إثيوبيا، التي يتم الترويج لها على نطاق واسع بوصفها طلائع التنمية الاقتصادية في أفريقيا، تضطلع أكثر بدور طُعم.

وبالفعل، تغري بكين حكومات بلدان أفريقيا بإمكان استفادتها من عمليات ترحيل بعض مقاولات الصين، ويصدق البعض ذلك مثل دكتاتور التوغو فور غناسينغبي القائل: «  نعلم أن ثمة عشرات الملايين من مناصب الشغل في الصين جاهزة لنقلها. وبالتالي فإن جميع المقاولات المستعدة لترحيلها تحظى دوما بالترحيب[ 2 ].»

لكن تجسد هذه الظاهرة مستبعد، لأسباب متصلة بالكلفة والإنتاجية: «بوسع المقاولات القائمة في الصين، عندما تواجه ارتفاع الأجور، أن  تعمل على أتمتة خطوط إنتاجها (وهذا ما تفعله فوكسكون المقاولة من الباطن)  وتلك التي تفكر في مغادرة المناطق الساحلية تحير في الاختيار: فغرب الصين وجنوب شرق آسيا وبنغلاديش والهند تشكل برمتها وجهات ممكنة. تبرز مقارنة أجراها البنك العالمي أن انتاجية بلدان أفريقيا، باستثناء إثيوبيا، تقل عن إنتاجية الصين وفيتنام في مقاولات انتاج كثيفة اليد العاملة. ويخلص تقييم تكاليف وحدة العمل إلى أنها أعلى في أفريقيا منها في إندونيسيا وبنغلاديش وفيتنام [ 3 ]».

كل ذلك خاصة أن المقاولات الصينية ليست باي وجه نموذجا يُحتذى في حماية البيئة أو احترام التشريعات. وبانتظام، تورد تقارير انتهاك قوانين، وبعض المقاولات متورطة في تهريب البضائع على مستوى الصناعة، خاصة شجر الحطب. وبوسع مقاولات الصين بسهولة منافسة مقاولات البلدان الغربية متعددة الجنسيات، من قبيل شل وأريڤا و ترافيغورا التي تمكنت في بضعة سنوات من تحويل مناطق بأكملها إلى مزابل صناعية.

دين صُنع في  الصين

تواصل الصين مدح إسهامها في إنشاء البنيات التحتية في بلدان أفريقيا. تشكل هذه البنيات التحتية بوجه خاص فرصة تستغلها نخب بلدان أفريقيا للإثراء ولا تناسب بالضرورة حاجات السكان الاقتصادية والاجتماعية، خاصة عندما يتعلق الأمر ببناء ملاعب أو قصور مؤتمرات أو قصور رئاسية كما الحال في بوروندي أو موريتانيا أو السودان أو موزمبيق. لكن هذه الاستثمارات تثقل بشكل كبير ديون بلدان أفريقيا. وفي الواقع، في معظم الحالات، تصبح مضمونة بأصول البلدان، التي قد تكون المناجم  أو الموانئ أو المنتجات المعدنية أو الامتيازات النفطية. وبالتالي، فإن الانخفاضات الأخيرة في أسعار المواد الأولية تفاقم آليا عبء ديون بلدان أفريقيا.

النتيجة:  «يعتبر صندوق النقد الدولي أن خَمس دول في أفريقيا جنوب الصحراء مثقلة بالديون، وأن تِسع دول أخرى قد تلتحق بها قريباً. تجاوزت ديون كينيا مؤخرا 5 تريليونات شلن [43 مليار يورو] وتعود نسبة 72%  من هذا المبلغ إلى الصين. في فصل الربيع هذا، خفضت وكالة موديز تصنيف كينيا. والوضع حرج أيضا في جيبوتي. إذ يعادل دينها نسبة 84%  من ناتجها الداخلي الاجمالي وتمتلك بكين نسبة 82% منه.  ومن جانبهما، حصلت زامبيا والكونغو-برازافيل على قروض مبهمة من المقاولات الصينية، والتي لم  يُكشف عن مبلغها. […]

بلغت ديون أنغولا إزاء الصين 25 مليار دولار. وتشكل موارد النفط في البلد ضمانة. […] في عام 2008، منحت الصين قرضا بقيمة 6 مليارات دولار لجمهورية الكونغو الديمقراطية، مقابل الاستفادة من حق استغلال مناجم نحاس وكوبالت عديدة. وفي غينيا، قدمت بكين خط ائتمان بقيمة 20 مليار دولار للحكومة، ما مكن الصين من الحصول على امتيازات الألومنيوم   [ 4 ].»

وفي نهاية المطاف، السكان هم من يتحمل عواقب ذلك، في ظل فرض سياسات تقليص الميزانية بينما تتحكم بكين بثروات البلدان.

الحضور العسكري

إذا كان الحضور  الاقتصادي في خطاب الصين الرسمي يرتبط بالمشروع الكبير «حزام، طريق»، الذي يمكن الصين من «وسم التزامها في العولمة التي لا حدود  لها»  [ 5 ]، فإن مكانة أفريقيا في هذه الآلية مجرد مرفأ بشكل أساسي، وتركز بوجه خاص على الساحل الشرقي، ومن ثمة تتضح أهمية دور جيبوتي.

لجيبوتي موقع رئيسي في مضيق باب المندب، وهو مفترق طرق حقيقي بين المحيط الهندي والبحر الأحمر والشرق الأوسط وأفريقيا، ما يدفعها إلى جعل موقعها الاستراتيجي عملاً تجارياً حقيقياً. باتت هذه الدولة الصغيرة تضم خمس قواعد عسكرية: أقدمها القاعدة الفرنسية، التي تستقبل قوات إسبانية وألمانية؛ ولإيطاليا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية قاعدة لكل منها، آخرها القاعدة العسكرية الصينية، التي قد تستوعب ما يناهز 10000 شخص. إن هذه القاعدة، التي تقدمها الصين بمثابة إسهام في مكافحة القرصنة المنتشرة سابقا قبالة سواحل الصومال، تؤدي دورا حاسما في تأمين إحدى أهم الطرق البحرية بالنسبة لاقتصاد الصين. طريق من المتوقع أن تكتسي مزيدا من الأهمية مستقبلا.

لا تقتصر سياسة الصين العسكرية في أفريقيا على جيبوتي، كما يتضح من «منتدى الصين وأفريقيا الأول حول الدفاع والأمن»  الذي يروم، حسب الناطق باسم وزارة الدفاع رين غواكيانغ،  «تشجيع بناء وحدة مصير الصين وأفريقيا وتلبية حاجات الأوضاع الأمنية الجديدة في أفريقيا والتعاون الدفاعي الصيني الأفريقي» [6].  باتت بكين ثاني أكبر بلد مساهم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، في عمليات «حفظ السلام»، مساهمة مالية أساسا مع أن الصين شكلت مؤخرا، فيلقا من 8000 رجل قادر على التدخل بسرعة تحت رعاية الأمم المتحدة.

كل كلام عن المجال العسكري،  كلام كذلك عن مبيعات الأسلحة، وفي هذا القطاع، تظل سياسة الصين ضارة مثل سياسة القوى الغربية. وفي الواقع، لا تتردد الصين في بيع أسلحتها، لا سيما الخفيفة (التي تسقط أكبر عدد من الضحايا)، إلى جميع الحكومات التي تطلبها، وبالتالي تغرق أفريقيا بالبنادق الهجومية رخيصة الثمن التي لا تقوم سوى  بتمديد مدة الحروب، وجعلها أكثر كلفة في الأرواح البشرية.

لا تختلف سياسات القوى الغربية، وكذا سياسات الصين أو بلدان ناشئة أخرى مثل الهند، اختلافا جوهرياً عن بعضها البعض. إن تاريخ الصين، التي لم تكن متهمة سابقا بجريرة العبودية والاستعمار، وواقع أنها تقاسم أفريقيا تقلبات البلدان الفقيرة، يجعل خطاب مسؤولي الصين الرسميين جذابا. لكن الصين أصبحت قوة إمبريالية رائدة، ويتمثل القاسم المشترك الأكبر بين قادة الصين ومعظم قادة أفريقيا في الحكم السلطوي والفاسد والاستغلال واضطهاد السكان  وتدمير البيئة.

 بقلم، بقلم مارسيال بول، الأربعاء 10 أكتوبر 2018.

تذييل

  • نُشر فيمجلة Anticapitaliste La Revue، العدد 101، تشرين الأول/أكتوبر 2018.
  • بول مارسيال هو منشط موقع Afriques en Lutte ، وعضو الأممية الرابعة في فرنسا.

ترجمة جريدة المناضل-ة

ملاحظات

1 ]   تشونغ فاي ، «سيكتب التعاون الصيني الأفريقي صفحة جديدة في التاريخ»   28 آب/أغسطس 2018، على شبكة الإنترنت على الموقع الكتابة واحد في الجديدة صفحة من التاريخ:

https:// www.guineenews.org/la-cooperation-chine-afrique-va- ecrire-une-nouvelle-page-dhistoire

2 ]  «مقابلة مع الرئيس فور غناسينغبي»:  «إن أساس العلاقة بين أفريقيا والصين هو التشاور …»، 27 آب/أغسطس 2018، على الإنترنت على :

sur http://afreepress. info/index.php/nouvelles/societe/item/4275-interview-du- president-faure-gnassingbe-ce-qui-est-la-base-de-la- relation-entre-l-afrique-et-la-chine-c-est-la-concertation

3 ]   جان رافاييل شابونيير، «بصمة الصين في أفريقيا» مجلة الاقتصاد المالي عدد 116، 2014/4 على الإنترنت:

Revue d’économie financière n°116, 2014/4, en ligne sur https://www.aef.asso.fr/publications/revue-d-economie- financiere/116-la-finance-africaine-en-mutation/259-l- empreinte-chinoise-en-afrique

 [ 4 ]   جولي زوغ، «كيف تغذي الصين ديون أفريقيا؟» لوتون le Temps، 25 تموز/يوليو 2018، على الإنترنت:

https://www.letemps.ch/ economie/chine-alimente-dette-africaine

 [ 5 ]   برناديت أرنود،  «الصين  : الحزام والطريق، مشروع عالمي يتضمن قطارا مسبقا» موقع: Sciences et Avenir ، 13 أيار/مايو عام 2017، على الإنترنت:

https://www.sciencesetavenir.fr/archeo- paleo/patrimoine/chine-la-ceinture-et-la-route-un-projet- mondial-qui-a-un-train-d-avance_112903

شارك المقالة

اقرأ أيضا