لماذا يتهم المؤرخ إريك توسان الصين والهند وروسيا بأنها ”شركاء غير مرئيين“ في الفظائع المرتكبة في فلسطين؟

3 أيلول/سبتمبر 2025 بقلم Éric Toussaint, Canarias Semanal

بينما تصطبغ سماء غزة باللون الأحمر، ويموت أطفال فلسطينيون تحت الأنقاض، تفضل القوى الصاعدة في العالم – دول البريكس – غض الطرف. هل أصبحت هذه الدول شريكا صامتا في واحدة من أكبر الجرائم في عصرنا؟ هل التجارة أهم من الحياة؟

في مقال طويل بقلم إريك توسان، في الصحيفة الرقمية الناطقة باسم ”لجنة إلغاء الديون غير المشروعة“، يطرح المؤرخ وعالم السياسة البلجيكي، مستشهداً بمختلف أنواع البيانات والمصادر والإحصاءات، عدة أسئلة مزعجة للغاية، ولكنها أساسية أيضاً:

لماذا لم تُدِن دول البريكس علناً ما يصفه الكثيرون بالإبادة الجماعية في غزة؟

لماذا تبقي معظم الدول المؤسسة لهذه المنظمة علاقات تجارية متميزة مع دولة إسرائيل، بل وتزودها بالأسلحة التي تُستخدم بعد ذلك لقصف غزة؟

يبين لنا إريك توسان، بواسطة تحليل متعمق وموثق للغاية، التناقضات الصارخة بين خطاب هذه القوى الرأسمالية الناشئة وممارساتها. برغم أن دول البريكس تقدم نفسها بديلا للسلطة الغربية، كان ردها على المأساة الفلسطينية فاتراً ومراوغاً، و متواطئا في كثير من الحالات.

يوصي إريك توسان، سعيا إلى لفهم هذه الظاهرة، بمراقبة مفصلة للمواقف الفردية لأهم أعضائها: الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.

يقيم كل منها علاقة خاصة مع إسرائيل، وهذه العلاقات مطبوعة بمصالح اقتصادية وجيوسياسية وعسكرية تفسر، دون أن تبرر، سلبية أو غموض موقفها تجاه الكارثة الإنسانية الجارية في فلسطين.

الصين: الصمت الاستراتيجي لأكبر مورد لإسرائيل

الصين هي حالياً أكبر مورد تجاري لإسرائيل. وقد تعززت هذه العلاقة عاماً بعد عام. وَفقاً لتوسان، ارتفعت صادرات الصين إلى إسرائيل من 13 مليار دولار في العام 2022 إلى زهاء 19 مليار دولار في العام 2024، واستمرت في الارتفاع في العام 2025.

بعبارة أخرى، بينما فيه العمليات العسكرية جارية في غزة، مسببة سقوط آلاف الضحايا المدنيين، لم تتوقف التجارة الثنائية، بل ازدهرت.

يستخدم جيش إسرائيل مُسيَّرات تبيعها شركات صينية لارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين.

ولكن الأكثر إثارة للقلق هو واقع أن منتجات تكنولوجية صينية المنشأ، مثل المسيرات المصنعة من قبل شركات مثل ”Autel Robotics“ و DJI، تستخدم من قبل جيش إسرائيل في أعمال نددت بها منظمات دولية مثل Euro-Med Monitor باعتبارها جرائم حرب.

وقد عدّل جيش إسرائيل هذه المُسيّرات، المصممة أصلا للاستخدام المدني، لإلقاء المتفجرات على المناطق المكتظة بالسكان، ما تسبب في مقتل مدنيين، بينهم أطفال.

وبرغم التحذيرات المتكررة من الأمم المتحدة، والتوصيات التي تدعو الشركات إلى التصرف وفقًا للقانون الدولي، لم تتخذ سلطات الصين أي إجراءات لمنع هذا النوع من الممارسات التجارية. كما أنها لم تتهم علناً إسرائيل. إبان قمة بريكس في العام 2025، تجنبت الصين استخدام مصطلحات قوية مثل ”الإبادة الجماعية“ أو ”التطهير العرقي“.

روسيا: دبلوماسية ملتبسة وعلاقات غير شفافة

الموقف الروسي هو مثال آخر على الالتباس المتعمد. برغم أن فلاديمير بوتين يحافظ على خطاب انتقادي للغرب، ويقدم نفسه على أنه المدافع عن نظام دولي متعدد الأقطاب، لم يدن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. علاوة على ذلك، توصف العلاقات بين بوتين ونتنياهو بأنها ودية، بل وحتى قائمة على صداقة.

كما لم تقطع روسيا علاقاتها التجارية مع إسرائيل. برغم الحرب في أوكرانيا، والعقوبات التي فرضها الغرب، لم تستمر التجارة بين روسيا وإسرائيل فحسب، بل استؤنفت بعد انخفاض طفيف. في العام 2024، بلغت قيمتها 3.9 مليار دولار. تواصل إسرائيل استيراد الحبوب والنفط والغاز والفحم من روسيا، وتصدير منتجات ذات قيمة مضافة عالية مثل التقنيات الطبية والكيميائية.

ومن المعلومات المقلقة الأخرى التي كشف عنها تقرير إريك توسان أن جنودًا يحملون الجنسيتين الروسية والإسرائيلية شاركوا في عمليات عسكرية في غزة بين عامي 2023 و2024. وقد شارك ما لا يقل عن 500 منهم في هذه العمليات، ولقي تسعة منهم حتفهم. ولم توجه السلطات الروسية أي انتقاد لهذه المشاركة.

فضلا عن ذلك، رفضت روسيا الانضمام إلى الشكوى التي قدمتها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، ولم تدعم مجموعة لاهاي التي تدعو إلى فرض عقوبات وحصار على إسرائيل.

كل هذا يدل على أن موسكو تضع مصالحها الجيوستراتيجية فوق الدفاع النشط عن حقوق الإنسان في فلسطين.

الهند: التحالف العسكري مع إسرائيل

حالة الهند، وهي دولة أخرى من الدول المؤسسة لـ BRICS، مقلقة بشكل خاص.

عززت الهند، منذ وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في شخص ناريندرا مودي في عام 2014، علاقاتها مع إسرائيل، عسكريا و اقتصاديا على السواء. يبلغ حجم التجارة الثنائية حوالي 10 مليارات دولار، وأصبحت الهند أكبر مشتر للأسلحة الإسرائيلية، حيث تمثل 37٪ من صادراتها في هذا المجال.

بينما كانت غزة عرضة للقصف، واصلت الشركات الهندية إرسال الأسلحة إلى إسرائيل. ومن بين هذه الشركات شركات مثل ”Adani-Elbit Advanced Systems“ و”Munitions India Ltd“. وفي الوقت نفسه، واصلت الهند تلقي الصواريخ والمُسيّرات وأنظمة الدفاع الإسرائيلية دون انقطاع.

امتنعت الحكومة الهندية، في أبريل 2025، عن التصويت في الأمم المتحدة على قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار وفرض حظر على الأسلحة ضد إسرائيل.

كما غيّر ناريندرا مودي نهج الهند التقليدي تجاه فلسطين. فقد كان أول رئيس حكومة هندي يزور إسرائيل دون زيارة الأراضي الفلسطينية، ما شكل تحولاً رمزياً مهماً. وعلى الصعيد الداخلي، روج اليمين الهندوسي لخطاب ينزع الشرعية عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، مما عزز التوجه المؤيد لإسرائيل في الدولة.

جنوب أفريقيا: بين التنديد والتناقض

جنوب أفريقيا هي الدولة التي اتخذت ، ضمن مجموعة بريكس، الموقف الأشد انتقادًا لإسرائيل. كانت أول دولة ترفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، وهو إجراء يشكل سابقة مهمة على الصعيد الدولي. كما روجت لإنشاء ”مجموعة لاهاي“ مع دول أخرى من الجنوب من أجل تنسيق الإجراءات القانونية والدبلوماسية ضد سياسات إسرائيل.

بيد أن هذا الموقف الشجاع يتعايش مع تناقض خطير، حيث تواصل جنوب أفريقيا تصدير الفحم إلى إسرائيل. ووفقًا لبعض المصادر، فإن 15٪ من الفحم الذي تستخدمه دولة إسرائيل قادم من جنوب أفريقيا. ويستمر هذا التصدير برغم الانتقادات، تحت غطاء حجج تجارية وقانونية غير مقنعة، مثل احترام قواعد منظمة التجارة العالمية.

كان البروفيسور باتريك بوند أحد أكثر الأصوات انتقادًا لهذا التناقض، حيث ذكّر بأن دولا عديدة خالفت القواعد التجارية الدولية عندما تعلق الأمر بقضايا حقوق الإنسان، دون أن تتعرض لعقوبات كبيرة. وكما خلصت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة، فإن تزويد بلد بالطاقة يستخدمها في حرب احتلال وإبادة يمكن أن يجعل الموردين شركاء في جرائم دولية.

البرازيل: تغيير متأخر ومفعم باللبس

شهدت سياسة البرازيل الخارجية تقلبات هامة حسب الحكومة القائمة. أصبحت العلاقات مع إسرائيل، في عهد الرئيس جاير بولسونارو، وثيقة بنحو خاص. وكان متوقعا، مع وصول لولا إلى السلطة في العام 2023، حدوث تغييرات، لا سيما في مجال احترام حقوق الإنسان والتضامن مع الشعوب المضطهدة. ومع ذلك، لم تتخذ البرازيل ، حتى يوليو 2025، موقفاً حازماً لصالح الشعب الفلسطيني.

ولم تعلن الحكومة البرازيلية عن نيتها الانضمام إلى أي إجراء دولي مستقبلي ضد إسرائيل إلا في قمة بريكس في ريو دي جانيرو في يوليو 2025. ورغم أن هذا القرار مرحب به، إلا أنه جاء متأخراً ولم ترافقه، على الأقل لحد الآن، تدابير ملموسة مثل تعليق الاتفاقات التجارية أو وقف الصادرات التي قد تفيد الجهاز العسكري الإسرائيلي.

تقيم البرازيل علاقات اقتصادية مهمة مع إسرائيل، سواء على صعيد تجاري أو تكنولوجي أو عسكري. حافظ لولا على علاقات دبلوماسية طبيعية مع تل أبيب ولم يقترح أي عقوبات أو حظر.

تربط البرازيل علاقات اقتصادية مهمة مع إسرائيل، سواء على الصعيد التجاري أو التكنولوجي أو العسكري. على الرغم من خطابها التقدمي، حافظت حكومة لولا على علاقات دبلوماسية طبيعية مع تل أبيب ولم تقترح أي عقوبات أو حظر، سواء في إطار مجموعة بريكس أو بشكل أحادي الجانب.

يعكس هذا السلوك حقيقة مزعجة: برغم أن حكومات عديدة من الجنوب تعبر شفهياً عن تضامنها مع فلسطين، لا تتخذ في الواقع قرارات من شأنها تغيير الوضع الراهن. فالاقتصاد والمصالح الجيوسياسية والضغوط الدولية تزن أكثر بكثير من المبادئ.

مجموعة بريكس: بين القول والفعل

تمثلت أحد أهم الانتقادات في مقال إريك توسان في كون مجموعة بريكسلم تتصرف، ككتلة، بشكل موحد وحازم للتنديد بما يحدث في غزة. لم ترد، في البيان الختامي لقمتها في يوليو 2025، كلمات مثل ”إبادة جماعية“ أو ”تطهير عرقي“ أو حتى ”مذبحة“. اكتفوا بالتعبير عن «قلقهم إزاء الاستخدام المفرط للقوة»، مكررين عبارات دبلوماسية دون عواقب حقيقية.

وهذا أمر ملفت للنظر بشكل خاص إذا أخذنا في الاعتبار كون دول البريكس تمثل زهاء نصف سكان العالم، و40٪ من احتياطيات الوقود الأحفوري، وحصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. بوسع مجموعة بريكس، إذا أرادت ، ممارسة ضغط كبير على إسرائيل، لا سيما من خلال قطع علاقاتها التجارية أو تعليق توريد الطاقة الضرورية للحفاظ على الاقتصاد والجهاز العسكري الإسرائيليين.

لكن مجموعة بريكس لا تفعل ذلك. ولا يمكن تفسير هذا التقاعس فقط بـ ”الحذر الدبلوماسي“ أو احترام العلاقات متعددة الأطراف. هذه البلدان تدافع في نهاية المطاف، كما يشير توسان، عن نموذج اقتصادي رأسمالي وإنتاجوي واستخراجي. وفي هذا النموذج، تحظى العلاقات التجارية واستقرار الأسواق والوصول إلى التكنولوجيا والموارد بالأولوية على حساب الدفاع عن حقوق الإنسان.

علاوة على ذلك، لا تزال القوى الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، تؤدي دوراً محورياً في السياسة العالمية. وتخشى العديد من بلدان الجنوب، بما في ذلك أعضاء مجموعة بريكس، من التعرض لانتقام أو عزل إذا ما أعلنت صراحةً عن معارضتها لإسرائيل، حليف واشنطن الاستراتيجي.

ما البدائل المتاحة؟

في مواجهة هذه الحالة، من المشروع التساؤل: ماذا يمكن أن تفعل شعوب العالم في مواجهة سلبية حكوماتها؟ يقترح مقال إريك توسان بعض السبل. من ناحية، يسلط الضوء على التحركات المواطنة، مثل احتلال الجامعات، والمظاهرات في الشوارع، وحملات المقاطعة. وقد ساهمت هذه الإجراءات في بعض الأحيان في إعاقة اتفاقات أو ممارسة ضغط سياسي.

من ناحية أخرى، يسلط توسان الضوء على دور المبادرات القانونية، مثل الشكاوى المقدمة إلى محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية. هذه السبل بطيئة ومعقدة، لكنها تتيح إحداث سوابق قانونية وتوثيق الجرائم التي لولا ذلك لظلت دون عقاب.

أخيراً، من الضروري تعزيز الوعي النقدي المتيح فهم أسباب الصراع الهيكلية. فالحرب في فلسطين ليست ظاهرة معزولة، بل هي نتيجة عقود من الاستعمار والفصل العنصري والاحتلال العسكري والنهب المنهجي. وطالما سمح النظام الدولي للمصالح الاقتصادية والعسكرية بالسيادة على حقوق الإنسان، فستستمر هذه المآسي في الحدوث.

فرصة تاريخية مضيَّعة

الحرب في غزة واحدة من أكثر النزاعات توثيقاً وانتقاداً في القرن الحادي والعشرين. كل يوم، يتم الكشف عن أدلة جديدة تظهر حجم معاناة المدنيين وتدمير البنى التحتية الأساسية والانتهاك المنهجي للقانون الدولي. في مواجهة ذلك، فإن سلبية دول البريكس غير مقبولة.

إن لدى الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا المقدرة – الاقتصادية والدبلوماسية والرمزية – على إحداث تغيير. لكن هذه الدول فضلت، حتى الآن، حماية مصالحها بدلاً من الدفاع عن العدالة. إن خطاباتها حول ”نظام عالمي جديد“ تبدو جوفاء ما لم تقترن بأفعال متسقة.

بعيداً عن القمم والبيانات الرسمية، هناك حياة الملايين من الناس على المحك. كل مسيَّرة تُباع، وكل برميل نفط يُصدر، وكل شحنة فحم تُشحن، تساهم في تغذية آلة الموت التي تعمل منذ عقود. وهذا لا يمكن، ولا يجب، تجاهله.

رسالة توسان إلى ”أولئك اليساريين الذين تراودهم أوهام بشأن دول البريكس“

استنادًا إلى جميع البيانات الواردة في تقريره، يخلص توسان إلى القول:

”بالنسبة لأولئك اليساريين الذين يخدعون أنفسهم بشأن إرادة ما لدى مجموعة دول البريكس لاتخاذ مبادرات واضحة لصالح الشعوب، فإن من شأن القمة الأخيرة وموقف المجموعة ككتلة تجاه الإبادة الجماعية في غزة وعلاقاتها مع إسرائيل، أن تساعدهم على فتح أعينهم“.

في ما تلا من هذا التقرير، وفقًا للمؤرخ إريك توسان، يمكننا أن نلاحظ كيف يدعم قادة دول البريكس نمط الإنتاج الرأسمالي الذي قادنا إلى الكارثة الحالية. تدعم دول البريكس الحفاظ على الهيكل المالي الدولي (مع صندوق النقد الدوليوالبنك الدولي في مركزه) والتجاري الدولي (منظمة التجارة العالمية، اتفاقيات التجارة الحرة، إلخ) كما هما قائمين اليوم.

المؤلف – Auteur·es
Éric Toussaint
Canarias Semanal

شارك المقالة

اقرأ أيضا