أكلام تلاميذ خاسر أم نظام رأسمالي خامج؟

الشباب و الطلبة15 نوفمبر، 2018

 

 

 

هاجمت تدوینات وتصریحات شتى شعارات تلامیذیة أمام البرلمان، احتجاجا علی فرض التوقیت الصیفي، بمبرر تضمنها کلاما نابیا.

استهجن هؤلاء فعل التلامیذ، وهذا اعتراف منهم أن الاحتجاج فرصة للانعتاق من مثالب هذا المجتمع الذي یستمد حقاراته من عمق علاقات رأس المال: المصلحة الخاصة هي الهدف الحصري، ویستمد قاذوراته اللغویة من الاستبداد السیاسي: احتقار الشعب وسحقه لتبریر حکمه وقمعه.

لغة “السباب والکلام النابي” جزء من لغة المجتمع، ویلتجأ إلیه البالغون والراشدون والعجائز علی السواء، في لحظات الغضب… یلتجأ إلی السب والشتم أیضا، السیاسیون ومسیرو النقابات في مؤتمراتهم، بل شاهدناه في أجلی صوره في مؤتمر اتحاد کتاب المغرب الأخیر. يمكن حتى التساؤل إن كانت هناك لغة تضاهي لغتنا في كم كلمات التشنيع والسباب الهائل الذي تتضمنه.

يستمد الكلام النابي زاده من عمق علاقات المجتمع القائم على اضطهاد أقلية للأغلبية. ينبع الكلام النابي عند الطبقة الحاكمة، من إحساسها بالتفوق عما دونها من طبقات الشعب، وتحتقرها بشكل يومي في إعلامها ومدارسها. تصر الطبقة الحاكمة على تذكير الكادحين بشكل مستمر بدونيتهم، ما يقنعهم بحاجتهم الدائمة، لمن يتولى الحكم نيابة عنهم، بسبب عجزهم الفطري عن ذلك.

عادة ما تتضمن لغة التحقير الصادرة عن الطبقة الحاكمة ودولتها، إشارات عنصرية تجاه المحتجين (“ولاد الصبليون”) أو إيحاءات جنسية.

لغة السباب هي لغة التعامل الیومي الذي یلقاه الکادحون/ ات، من أجهزة الدولة. ویمکن لأي شخص أن یتعلم ترسانة من سباب وشتائم من أفواه مسؤولي القمع، أثناء فض الاحتجاجات السلمیة. ولا تحتج الأبواق في هذه الحالة، فقبول الشتم هنا يخدم نفس هدف رفض “شتائم صادرة عن التلاميذ”: قمع الاحتجاج.

أما الطبقات الكادحة فلا يعبر الكلام النابي عادة إلا عن سخطهم تجاه أوضاع لا يستطيعون تفسيرها. بهذا الكلام يفرغ الكادحون المسحوقون في أعماق المجتمع، جام غضبهم في بعضهم البعض. فرض المجتمع الرأسمالي على الكادحين تنافسا وحشيا، لا يؤدي إلى التلفظ بالعبارات النابية وحسب، بل وإلى أنواع أخرى من “الأمراض الاجتماعية” مثل العنف والإجرام.

على أخلاقيي الطبقة البرجوازية إذن، أن يروا أنفسهم في المرآة وهم يوجهون سهامهم نحو احتجاجات التلاميذ. فالمجتمع الرأسمالي والاستبداد السياسي الذي يقدمون له خدماتهم، هو الأساس المادي لهذا النوع من اللغة.

ولتمويه هذا، تجري الإشارة إلى أن هذا “نتاج منظومة تعلیمیة بلا قیم”. وکأن منظومة تعلیمیة أخری ممکنة في ظل الاستبداد ومجتمع الرکض وراء الربح والاستهلاک.

الهجوم على احتجاجات التلاميذ من منظور أخلاقي، لا يعني أن الهاجمين حريصون على سلامة لسان هؤلاء التلاميذ. تبحث هذه الصحافة- ومعها صحافة التشويق والإثارة- عما سيبرر قمع الاحتجاج. لذلك حتى إن خلت شعارات التلاميذ من العبارات النابية، ستسعى هذه الصحافة إلى استثارتها ولما لا افتعالها، وهو ما یؤکده مقال بعنوان مستفز “قلة الترابی” بجریدة “الأحداث المغربیة”: “كان الأمر متوقعا إلى أبعد الحدود. ومن تابعوا تطورات الأشياء منذ عاد التلاميذ من عطلتهم البينية، كانوا يعرفون أن أحداثا مؤسفة ستكون ضرورية الوقوع في المظاهرات العشوائية التي خرج إليها تلاميذ مدن معينة في المملكة احتجاجا – حسبما قيل – على الساعة الصيفية التي أصبحت دائمة، قبل أن يصبح الاحتجاج على اللاشيء وعلى كل شيء هو السائد..”.

يعكس استشراء هذا النوع من اللغة تخلف مجتمعنا اقتصاديا وخنقه من طرف الاستبداد السياسي. يتناسب تناقص استعمال الكلام النابي مع تطور المجتمع بشكل لا يضطر فيه كل شخص إلى الموت جوعا في حالة بطالته.

فقط في مجتمع يعطي الأولوية لحاجيات البشر، مجتمع قائم على التعاون بدل قوانين التنافس الوحشي. فقط هذا المجتمع هو الذي سيسمح للبشر أن یهذب لغته وینقیها من قاذورات المجتمعات الطبقية السابقة. هذا المجتمع هو المجتمع الاشتراكي حيث سينتفي نهائيا استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ومعه احتقار الإنسان لأخيه الإنسان.

بقلم، منير

 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا