النساء في حراك التعليم: مشاركة واسعة تتحدى قيود مجتمع رأسمالي ذكوري

بقلم: ف. ب

تندفع نساء المغرب الكادحات بأعداد كبيرة إلى ميادين النضال الشعبي والعمالي، وهذا ما أبانت عنه الاحتجاجات العارمة التي شهدها البلد، خاصة مند بداية سنوات الألفين إلى الآن (حراك المناطق المهمشة طاطا وسيدي إفني والريف وجرادة)، وتجددت مشاركة النساء الواسعة في النضالات الميدانية التي خاضها جزء من شغيلة التعليم في تجربتي الأساتذة- ات المتدربين- ات والمفروض عليهم- هن التعاقد. وينسحب نفس الأمر على الحراك التعليمي الذي اندلع يوم 5 نونبر 2023، لكنه يبقى الأكبر من حيث أعداد المشاركين والمشاركات رغم من انضوائهم-هن في ثلاث تنسيقيات تقود الدينامية النضالية الحالية.

شاركت نساء التعليم بقوة في الأشكال الاحتجاجية لا سيما المسيرة الوطنية بالرباط والمسيرات الجهوية التي تدعو لها التنسيقيات. ولم تستطع عقبات المجتمع الذكوري التي تواجهه النساء تحجيم مشاركة أجيرات التعليم بالمقارنة مع زملائهن الذكور. إن مجرد اقتحام الأستاذات لساحات النضال الجماهيري خطوة هامة لفرض أنفسهن في فضاءات عامة تحث سطوة ذكورية راسخة، وتمرد على نوع الأدوار التي يسندها لهن مجتمع قائم على اضطهادهن. لكن مشاركتهن الكبيرة في الأشكال الاحتجاجية لا تتناسب وحجم تواجدهن في الأليات التنظيمية المسيرة لحيثيات المعركة النضالية، (لجن وطنية/ مجالس التنسيق الوطني/ مجموعة المنسقين). ويقل عددهن في لجن تنظيم المسيرات، ورفع الشعارات، ولا يأخذن الكلمة في ختام المسيرات أمام حشود المضربين والمضربات. ليست سمات فعل الأستاذات النضالي في الحراك التعليمي شيئا تلقائيا أو طبيعيا، بل هو تجل لوضع التبعية المفروضة على النساء في مجتمع رأسمالي-ذكوري. ويعاد إنتاج نفس مكانة التبعية والتراتبية على صعيد أدوار النساء في تنظيمات خوض الصراع الاجتماعي. رغم كفاحية الأستاذات وانخراطهن العددي في المسيرات والتعبئة في غرف الواتساب وإنجاح نسب الإضراب على مستوى المؤسسات التعليمية، لا يترجم ذلك في تحملهن المسؤوليات التنظيمية على نحو مساو لزملائهن الذكور. يجب الوعي بأن فضلا عن كون ذلك يمثل نقطة ضعف وجب فسح المجال لنقاشها، فإنه يعد أيضا ميزا ذكوريا يشوب الفعل النضالي في التنسيقيات المنظمة لحراك شغيلة التعليم.

تواجه النساء العاملات في قطاع التعليم العمومي كغيرهن من النساء العاملات ضغوط المزاوجة بين الأعباء الأسرية والالتزامات المهنية. ويجبرهن هذا الواقع على توزيع وقتهن بين أداء مهام التدريس وتلبية حاجات الأسرة، فكونهن أجيرات مستقلات ماليا عن الأزواج والإخوة، والآباء لا يفضي في أغلب الحالات إلى تقاسم عبء العمل المنزلي على أساس متساو. ويبين تقرير المندوبية السامية للتخطيط المعنون بـ: “المرأة المغربية في أرقام 2023” أن النساء بشكل عام يخصصن يوميا للعمل المنزلي والخدمات المقدمة للأفراد وقتا يعادل أربع مرات الوقت الذي يخصصه الرجال. وتدفع الأستاذات ثمن تملص الدولة من تحمل كلفة مهام الرعاية الاجتماعية، ويضطررن إلى إنفاق جزء من أجورهن على تلك الخدمات من القطاع الخاص، فغياب الحضانات وروض الأطفال لا يؤرق معظم الأساتذة الذكور، بينما تنشغل أجيرات التعليم يوميا بالتفكير في إيجاد حلول رعاية أبنائهن في أوقات عملهن، وعندما يردن مزاولة أي نشاط خارج الدائرة المنزلية، مثال إنجاح مشاركتهن النضالية في الدينامية الحالية بقطاع التعليم.

عقبات متعددة ومتداخلة بوجه نضال النساء النقابي

تقضي النساء معظم وقتهن في أنشطة إعادة الانتاج الاجتماعية التي يستفيد منها الرأسماليون في تخفيض الكلفة لرفع الأرباح، ويكون ذلك طبعا علي حساب إيجاد النساء أوقات فراغ لممارسة أنشطة اجتماعية اقتصادية سياسية فكرية خارج  قيود التدبير اليومي الأسري، ويلقي هذا بظلاله كذلك على حجم إقبالهن على أماكن تنظيم النضال الجماعي كالنقابات مثلا. ويقيد مجتمع ذكوري رجعي يؤبد الأدوار المسنودة اجتماعيا للنساء إمكانيات مزاولتهن نشاطا نقابيا في نفس الشروط التفضيلية المتاحة نسبيا للذكور. ولتحمل النساء مهام تلبية متطلبات الأسرة المضنية تبعات جسدية ونفسية تحد من الطاقة والوقت اللازمين للانخراط النشيط في ممارسة العمل النقابي: الحضور في الاجتماعات والتحضير لها والمشاركة في النقاشات والتعبير عن آرائهن، والقراءة، والتكوين، والدراسة والتحليل واتخاذ القرارات. كل هذا العمل يمارس جله إن لم نقل كله خارج الارتباطات المهنية وكل الالتزامات الأخرى، وانطلاقا من وضع غالبية النساء العاملات في مجتمع رأسمالي- ذكوري فإن عقبات جمة تنتصب أمام ممارستهن عملا نقابيا نشيطا وبلوغهن هياكل القرار والمسؤولية.

لا يفسر وضع النساء في مجتمع رأسمالي ذكوري لوحده ضعف انضمام النساء للتنظيم النقابي، سواء تعلق الأمر بانخراطهن العددي أو بتمثيليتهن في أجهزة تسيير الحياة النقابية باختلاف مستوياتها التنظيمية.

يجد ضعف انتساب النساء للنقابات وتقلدهن الأدوار القيادية أحد أسبابه الجوهرية في هيمنة الطابع الذكوري على تفاصيل العمل النقابي، ويمثل خلو الملفات المطلبية للنقابات من المطالب الخاصة بالنساء العاملات سواء في القطاعين العام أو الخاص أبرز تجلياته، وقد تواجه المطالب النقابية الخاصة بالنساء حتى في حال طرحها بالرفض بذريعة أن ذلك يضعف وحدة العمال في نضالهم من أجل انتزاع الحقوق، أو أن الأولوية للمطالب المشتركة بين العمال والعاملات. والحال أن إقصاء مطالب النساء من ملفات النضال النقابي يخدم البرجوازية التي تتخلص من كلفة توفير الحضانات وقاعات الرضاعة، وعدم احترام رخص الولادة وكل التعويضات المرتبطة بها وتحميلها للأجراء والأجيرات. ويصب عدم تصدي المنظمات النقابية للميز في الأجور بين الجنسين في مصلحة دولة تقود هجوما نيوليبراليا ضاريا على أجور مجمل الطبقة العاملة لصالح الرأسماليين. إن غياب المطالب النسائية داخل النقابات والتنسيقيات يضعف تصدي الشغيلة بحزم وفعالية لهجوم الدولة المعمم.

انخراط النساء في الحراك التعليمي: ما المطلوب لبناء تنظيم مهني نسوي؟

يعد انخراط النساء الواسع أحد مكامن قوة الحراك التعليمي الراهن، ومن شأن هذا التحرك النضالي أن يكون دافعا لتنتظم نساء قطاع التعليم العمومي للدفاع عن مطالبهن الخاصة كأجيرات، وأن يحفز انخراطهن في نضال نسوي ضد كل صنوف اضطهاد النساء. ليكون نشاط نساء التعليم النضالي نوعيا وواعيا بمكانتهن في مجتمع الاضطهاد والاستغلال لا بد له من تجاوز تجليات الطابع الذكوري في الحراك الجاري. ولبلوغ ذك يجب التصدي لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى تراجع نشاط الأستاذات النضالي، ويشترط هذا جعل كل أماكن ووسائل التداول الجماعي في مجريات المعركة خالية من السلوكات المنفرة لمشاركة النساء (الاستهزاء، احتكار الكلمة، التحرش الجنسي، تدبير مواعيد تراعي شروط الأستاذات). لا تعني الديمقراطية فقط ممارسة الأغلبية لحق التقرير والتوجيه في الجموع العامة، بل تعني أيضا تجسيد الحضور العددي للنساء في مشاركتهن النشيطة في نقاش مسارات المعركة والتقرير في تفاصيلها وانتدابهن لمهام المسؤولية.

تحتاج النساء المنخرطات بقوة في الحراك التعليمي لأشكال تتيح لهن نقاش وضعهن الخاص. ويجدر بالأستاذات اللواتي سبق لهن خوض تجارب النضال الطلابي والنقابي أن يبادرن بإيجاد فضاءات، تكون غايتها تناول عاملات التعليم العقبات التي تواجههن كنساء والتفكير الجماعي في كيفية مجابهتها. ويمثل انتزاع مساحات تنتظم فيها النساء في خضم الحراك النضالي الحالي بداية حفز تفكير نساء التعليم النسوي، الشرط الضروري للتقدم في وضع لبنات تنظيم مهني نسوي.

لا بد من التعريف بالمطالب الخاصة بأجيرات التعليم كنساء في صفوف الأستاذات وعموم الشغيلة، وتعد هذه المهمة آنية وأساس نشوء تنظيم مهني نسوي في قطاع التعليم العمومي. يجب شن حملات تثقيفية حول تلك المطالب لتحتل مكانتها بدل طمسها، وذلك بتسطير ملفات مطلبية دامجة. إن استحضار المطالب الخاصة بالنساء العاملات والدفاع عنها لا يجزئ نضالات الشغيلة، بل يعطيها طابعا كفاحيا وجذريا في مواجهة جهاز الدولة البرجوازي.

وهذه المطالب الخاصة بالنساء يتعين ان تكون موضوع نقاش وتحليل من طرف النساء أنفسهن، بصفتهن الأدرى بشعاب قهرهن.  وفيما يلي بعض المطالب المندرجة في هذا المنظور، كما جاءت في وثيقة بعنوان:

«مقترحاتٌ من أجل ملفّ مطلبيّ شامل ومُوحِّد: بديلُنا في وجه الهُجوم النيوليبرالي على التّعليم والوظيفة العُموميين صادرة عن نقابيي ونقابيات تيار المناضل-ة:

* تمديد رخصة الولادة لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد حسب الوضعية الصحية للام والطفل.

* تمديد رخصة الرضاعة لمدة ساعتين بدل ساعة يومياً مدفوعة الراتب للإرضاع تبدأ من تاريخ انتهاء رخصة الولادة للموظفة وتمتد لمدة عام من تاريخ الولادة.

* رخصة ثلاثة أيام كل شهر مرتبطة بمضاعفات «الدورة الشهرية» بناء على تصاريح المعنيات (ما يسمى إجازة الطمث).

* تخفيض سنوات الاستفادة من التقاعد الكامل إلى 55 سنة. والتقاعد النسبي إلى 20 سنة.

* منح الحق لتمديد عطلة الأمومة مع الحفاظ على الأجر، فهناك حالات ولادة تتطلب متابعة أكثر من ثلاثة أشهر.

* توفير الحضانة في المؤسسات أو في مجموعة من المؤسسات بأطر مؤهلة متخصصة.

* قوانين عقابية مشدَّدة ضد كل أشكال التحرش الموجهة ضد الأستاذات والتلميذات.

شارك المقالة

اقرأ أيضا