بشير السباعي (الرفيق يوسف) المناضل الشيوعي الثوري

توفي يوم الأحد 21 نيسان/أبريل 2019 المناضل اليساري والمترجم والشاعر المصري بشير السباعي المولود في محافظة الشرقية يوم 15 كانون الثاني/يناير 1944.

“كان بشير السباعي شاعراً قبل كل شيء، ولكنه أمضى حياته في إنتاج المعرفة ونقلها إلى البشرية، وبالأخص لقراء العربية، الذين سعى طيلة عمره لتغيير شروط عيشهم، ومن ذلك، عبر النضال المنظم، على امتداد عقدين من الزمن، في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، حين كان يناضل في الفرع المصري للأممية الرابعة؛ ومن ثم عبر الكتابة والترجمة، حتى آخر يوم من عمره”. كميل قيصر داغر

بقي العمل الذهني للرفيق يتركَّز، سواء في التأليف أو في الترجمة (أكثر من ستين كتاباً)، على الأعمال التي تخدم عملية التغيير الجذري للدولة والمجتمع، في مصر، كما في سائر بلدان … العالم، سارع إلى المشاركة العملية، في انتفاضة الشعب المصري، في شتاء 2011، مباشرة، على الرغم من تقدمه في السن، ونزل إلى الشارع مع باقي أبناء الشعب المذكور، مثلما انصبَّ عمله، في آنٍ، على الكتابة بما يخدم تصويب مسار تلك الانتفاضة، وضمان ديمومتها، ومن ذلك في مدونته الإلكترونية، التي كانت تحمل تسمية “مبدأ الامل”. وبقي مهتماً بالنظر إلى ثورة 25 يناير، وسيرورتها، كجزء لا يتجزأ من سيرورة أعم، هي السيرورة الثورية العربية.

==================

بشير السباعي (الرفيق يوسف) المناضل الشيوعى الثوري

    بقلم، علاء عوض

   فى مطلع سبعينات القرن الماضي، ومع تصاعد موجة النضال الطلابي فى مصر عقب هزيمة 1967، كان بشير السباعي يلتقى فى المساء، بشكل شبه يومي، مع عدد من قيادات الحركة الطلابية فى منزل صديقه ورفيقه الراحل حسين عبد الستار فى وسط القاهرة. كانت هذه الفترة تشهد عملية تشكل الحلقة الثالثة من الحركة الشيوعية المصرية، والتى كان معظمها امتدادا بشكل أو بآخر للتيارات الشيوعية الستالينية فى حقبة الأربعينات. وبالرغم من ظهور تيارات راديكالية نسبيا، تطرح انتقادات هامة للتجربة السوفيتية فى الحقبة الستالينية وما تلاها، إلا أن أفكار الثورة الدائمة واستحالة بناء الاشتراكية في بلد واحد، لم تكن مطروحة فى الواقع المصرى من قبل إلا من خلال إرهاصات ظهرت فى تجمعات ثقافية، مثل جماعة الفن والحرية، أو مجموعة سياسية ضئيلة للغاية بقيادة لطف الله سليمان فى الأربعينات.

   كان بشير السباعي، أو الرفيق يوسف فيما بعد، مؤمنا بالأفكار التروتسكية فى فهم حركة الثورة الاشتراكية وتعظيم الدور الأممي فيها وموقفها من الانحراف البيروقراطي فى الاتحاد السوفيتى ودول الكتلة الشرقية، والأثر التاريخى لذلك على مستوى حركة الثورة العالمية.وكان أيضا يمتلك أدوات التحليل السياسى والتاريخى من خلال إلمامه النظري العميق، والذى ساعده فى ذلك امكانياته كمترجم متميز يستطيع قراءة الكتب والانتاج السياسى والتاريخى بلغته الأم. استطاع بشير أن يجمع حول هذه الأفكار حلقة من مناضلي الحركة الطلابية فى ذلك الوقت، وأن يقوم بتثقيفهم وتنمية وعيهم فى عملية طويلة لبناء الكادر والتي تطورت فيما بعد إلى إعلان تشكيل “العصبة الشيوعية الثورية” عام 1975، وجدير بالذكر أن بشير السباعي هو من اختار هذا الاسم، وهو الاسم الدارج لفروع الأممية الرابعة فى العالم.

   وبالرغم من أن العصبة لم تكن أحد فروع الأممية الرابعة، ولم تسمح لها الظروف بذلك خلال عمرها، الا أنها تبنت شعاراتها واستراتيجيتها، وكان كراس الثورة العربية (وهو أحد قرارات الأممية الرابعة) يشكل الخط السياسي الرئيسي للعصبة. وأصدرت العصبة مجلة “الثورة الدائمة” وهي مجلة نظرية بالأساس، ولكنها أيضا اشتملت على المواقف السياسية للعصبة. كما أصدرت مجلة أخرى غير منتظمة بعنوان “الشبيبة الثورية”. ونظرا لغياب أى شكل من أشكال التمويل لهذه المنظمة، كانت تعانى من فقرا ماليا شديدا، فكانت أعداد مجلتها تحرر بخط اليد فى كراسات، ويتم توزيعها سرا على الأعضاء والمتعاطفين.

   كان الخط السياسي الرئيسي للعصبة يقوم على إدراك عجز البرجوازية المصرية، وبورجوازيات المنطقة العربية، عن إنجاز مهامها التاريخية، نظرا لطبيعتها الرثة ونشأتها المشوهة من رحم أشكال ما قبل رأسمالية، وعلاقاتها العضوية بالامبريالية العالمية. وكان تبنى قانون التطور المتفاوت والمركب فى التحليل التاريخي الطبقى للمنطقة هو مفتاح هذا الفهم. وبالتالى رفضت العصبة أفكار التحالفات الطبقية مع أى من هذه البورجوازيات تحت مسمى “إنجاز المهام الوطنية الديمقراطية” وكان خطابها النضالى الأساسي هو الدعوة لإسقاط النظام الرأسمالي برمته وبناء دولة عمالية (دكتاتورية البروليتاريا) يتم من خلالها إنجاز مهام التطور الديمقراطى والعبور للتحول الاشتراكى فى عملية ثورية ممتدة (الثورة الدائمة). وفى هذا السياق كان شعارها التكتيكى مختلفا ومتميزا عن شعارات المنظمات الشيوعية الأخرى فى مصر حينها والتى كانت تتبنى شعارات تكتيكية على شاكلة “جمهورية برلمانية” أو “الجبهة الشعبية”. فى ذلك الوقت تبنت العصبة شعار “الجمعية التأسيسية” كشعار تكتيكى يحمل فى جوهره رفضا كاملا للنظام الرأسمالي والدعوة إلى إسقاطه وتأسيس نظام جديد بمنظور طبقي مختلف تماما من خلال مجلس تأسيسي منتخب.

   كما أيقنت العصبة مدى درجة تشابه المكون الثقافى والتاريخى والجغرافى لشعوب المنطقة العربية، ومن خلال موقفها الأممى، وايمانها الكامل باستحالة بناء الاشتراكية في بلد واحد، والضرورات التاريخية للثورة العالمية، تبنت العصبة شعار “الثورة العربية” كمحور هام فى حركة الثورة العالمية، وكان من بين شعاراتها شعار “من أجل حزب شيوعي ثوري عربي”.وبالرغم من أن هذه الجزئية فى خط العصبة كانت محل خلاف بين أعضائها، وكانت سببا فى حدوث انشقاق بذاخلها، إلا أنها ظلت متمسكة بها حتى النهاية.

   كان للعصبة وجود داخل الحركة الطلابية فى الجامعات المصرية، وكان لها جماعات علنية تضم كوادرها والمتعاطفين معها، مثل جماعة الخبز والحرية فى كلية طب القاهرة وجماعة أنصار الثورة فى كلية هندسة القاهرة. وبالرغم من قلة عدد كوادر العصبة المنظمين، فقد كان لهم صوتا مسموعا داخل الحركة الطلابية وشاركوا فى كل نضالاتها. كما كان للعصبة عددا من الكوادر العمالية فى بعض المواقع، وكانت الترسانة البحرية فى الاسكندرية هى أهم هذه المواقع. وشارك مناضلو العصبة فى انتخابات البرلمان عام 1976، على الرغم من عدم وجود مرشحين للعصبة، كما كانوا ملتحمين بالجماهير فى انتفاضة يناير 1977 ورفعوا شعاراتهم داخل التظاهرات.

   تعرضت العصبة لثلاثة ضربات أمنية للمنظمة فى أعوام 1975 و 1980 و 1985، وتم اعتقال العديد من كوادرها، وفى مقدمتهم بالطبع بشير السباعي أو الرفيق يوسف. كما تعرض أعضاء العصبة للاعتقال أيضا فى ظروف المد الجماهيري المختلفة وأشهرها عقب انتفاضة يناير 1977. استمرت العصبة فى الوجود حتى نهاية الثمانينات، حيث بدأت تعانى من الضعف التنظيمي نتيجة الملاحقات الأمنية وأشكال القمع المختلفة. وفى حدود معلوماتى، لم يتخذ أحد قرارا بحل العصبة، ولكنها توارت بفعل الظروف السياسية والأمنية.

   بشير السباعى لم يكن مثقفا ثوريا ومترجما متميزا وحسب، ولكنه كان بالأساس مناضلا شيوعيا ثوريا، وهو مؤسس العصبة الشيوعية الثورية فى مصر، وهو أول من أدخل فيها مفاهيم الثورة الدائمة واستحالة بناء الاشتراكية في بلد واحد على المستوى السياسي والتنظيمي، وهو المنظر الأول للتيار التروتسكي فى مصر. رحل يشير السباعي فى 21 ابريل 2019، ولكن تبقى سيرته النضالية والثقافية علامة فى تاريخ مصر، وتبقى الأجيال التي تخرجت من مدرسته الكفاحية شاهدة على هذا التاريخ المشرف.

   الحوار المتمدن-العدد: 6212 – 2019/ 4/ 26

شارك المقالة

اقرأ أيضا