نداء توحيد فعل اليسار: الدواعي والمضمون والمصاعب والأفق؛ المناضل-ة تحاور الرفيق محمد الوافي
ليس بالمغرب مناضل-ة ينكر حالة اليسار المؤسية، إزاء ما يطرحه الوضع بالمغرب من مهام جسيمة، متعاظمة الإلحاح، سواء على صعيد محلي بالنظر إلى تصاعد الهجوم الكاسح على حقوق الشغيلة وعامة المقهورين/ت ومكاسبهم في ظل اشتداد قبضة الاستبداد، أو على صعيد المنطقة بالنظر لما يتعرض له شعب فلسطين من إبادة، والخطط الامبريالية التي تستهدف سائر شعوبها.
تدعو حالة اليسار المغربي إلى تعميق نظر لاستجلاء مواطن الضعف و الخلل، ومد جسور العمل المشترك في مختلف مجالات التدخل النضالي، السياسية والاجتماعية.
ضمن هذا السياق صدر «نداء لفعل موحد لقوى اليسار من أجل التغيير الديمقراطي»، بتوقيع مجموعة من مناضلي/ت اليسار [نص النداء مرفق بهذه المقابلة].
توخيا لاستجلاء دواعي النداء ورسالته الي يساريي/ت المغرب، اتصلت جريدة المناضل-ة بالرفيق محمد الوافي، الذي استجاب مشكورا ورد على أسئلتنا. الأمل أن تنفتح كل قوى اليسار المغربي، هيئات وأفراد، على هذا النداء بالنحو الذي يجعله منطلقا لعمل موحد.
*******************
أطلقتم بمعية مناضلين-ات آخرين مبادرة سياسية «نداء لفعل موحد لقوى اليسار من أجل التغيير الديمقراطي». لماذا الان ؟
تحية للرفاق والرفيقات في جريدة المناضل(ة)، على الاستضافة، في الحقيقة هذا الهم السياسي المرتبط بوحدة فعل اليسار ظل دائماً يلازمنا في كتاباتنا وحواراتنا وممارساتنا، رغم كل الظروف والصعاب، لأننا نعتبر ذلك بمثابة الحلقة المفقودة في مجريات الصراع السياسي والصراع الطبقي المحوري في بلادنا لترجيح ميزان القوى لصالح القوى الديمقراطية وفي صلبها قوى اليسار من اجل تحقيق طموحات الشعب المغربي في التحرر والديمقراطية والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، مما جعل نظام الاستبداد والفساد يعيد إنتاج نفسه بالتكيف مع الأوضاع ومتغيراتها،
إلا أنه اليوم وأكثر من أي وقت مضى، أصبح الأمر ملحا وضاغطا ولا يقبل التأجيل بالنظر لما يشهده العالم من صراعات وحروب وتتكثف بشكل قوي في الشرق الأوسط وخاصة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الصهيوني مدعوما من طرف المراكز الرأسمالية الإستعمارية، وتداعيات ذلك على المستوى الدولي بين الغطرسة الامبريالية الأمريكية التي تعيش سيطرتها مسلسلا انحدراريا من جهة وطموحات الشعوب من اجل الديمقراطية والتحرر من الاستبداد،
إن هذه الصراعات الضارية والحروب التي تشعلها الدوائر الامبريالية، وتنامي العنصرية والفاشية المواكبة لها كلها مؤشرات تدل على نهاية التوازنات والمنظمات التي تأسست ما بعد الحرب العالمية الثانية، وضرورة تبلور توازنات جديدة وإعادة هيكلة المنظمات الدولية على ضوء هذه التوازنات. في قلب هذا الصراع يتشكل إصطفافين بين القوى الديمقراطية ونضالات الشعوب من جهة والإمبريالية والصهيونية والأنظمة الإستبدادية المرتبطة بهما من جهة أخرى، وكلنا يعرف الموقع الذي اختاره النظام المخزني والاستقواء به لضمان استمرارية وجوده وسيطرته.
لهذا يمكن اعتبار العالم وبلدنا جزء منه يوجد في لحظة تاريخية يتحدد فيها مصير البشرية وعلى اليسار سواء على الصعيد العالمي أو في بلادنا أن يكون في قلب هذه المعادلة وهذه اللحظة.
تتحدثون عن اليسار بشكل جامع والحال أنه متنوع بمقياس مواقفه وممارساته. أي يسار تخاطبون؟
بالطبع، ننطلق ونتعاطى مع اليسار الذي لديه مسافة مع النسق السياسي المخزني رغم تنوع اختياراته وممارساته، ويتشكل من الحزب الاشتراكي ، حزب النهج الديمقراطي العمالي وحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، والتيارات والأفراد في فضاء اليسار بشكل عام، الذين يحملون الهم السياسي في تفكيرهم وممارساتهم.
يظهر من عنوان النداء أن هدفه «التغيير الديمقراطي»، هل يتعلق الأمر باستعادة للمطلب المركزي للكتلة الديمقراطية؟ وما مكان المسالة الاجتماعية، مع أنها تفجرية، وهي الشأن الذي ربما قد يدفع بنضالات شعبية أكثر من الشأن السياسي بالنظر لما بلغ الوعي السياسي الشعبي من تدن؟
الشق الثاني من عنوان النداء، أي إنجاز مهمات التغيير الديمقراطي، لا علاقة له بإستعادة مطلب «الكتلة الديمقراطية» التي تشكلت في تسعينات القرن الماضي من طرف بعض القوى الوطنية الديمقراطية، بقدر ما يستفيد منها كتجربة، بل هو برنامج يستمد مشروعيته من أهمية حل إشكالية السلطة السياسية الذي بقي مؤجلا منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، أي بكلمة تأسيس نظام ديمقراطي يكون فيه الشعب مصدر السلطة والسيادة ويضمن تداول السلطة،
أما بخصوص المسألة الاجتماعية، على عكس ما ذهب إليه السؤال فهي في ظل أوضاعنا مسألة سياسية بامتياز، ومن صلب اهتمامات اليسار، وما تفتقده النضالات الشعبية والجماهيرية على حد سواء، هو التعبير والأفق السياسي، وبالتأكيد فوحدة الفعل النضالي السياسي لقوى اليسار سيشكل هذا الأفق وفي نفس الوقت سينعكس إيجابيا على مختلف مجالات النضال النقابي والحقوقي والجمعوي والحركات الاجتماعية بشكل عام.
هناك يسار اشتراكي ثوري –المناضل-ة جزء منه- كيف تنظرون لجمعه مع يسار اصلاحي ليبرالي معارض رغم اختلاف الاهداف وتحديد المهام وأولويتها وآليات النضال، كيف تتصورون تجميع هذه الاختلافات؟
في اعتقدنا هناك سيرورتان متلازمتان، كل واحدة منهما تتفاعل جدليا مع الاخرى، من جهة العمل على المستوى الفكري والسياسي والعلائقي بين مكونات اليسار التي تمت الإشارة لها سابقا من اجل التوافق على برنامج للتغيير الديمقراطي وبلورة الشكل التنظيمي لجبهة سياسية حاملة هذا البرنامج،
أما السيرورة الثانية فهي وحدة اليسار الراديكالي أو الثوري كما جاء في السؤال، وهذه المهمة لها محدداتها كذلك لن يتسع المجال للتفصيل فيها،
أطلقت محاولات عديدة منها ما فشل، ومنها ما نجح في تجميع إلى هذا الحد أو ذاك قبل أن يغوص في أزمة مستحكمة، ما الذي قد يقوي فرص نجاح المبادرة الحالية؟
مبادرة النداء لفعل موحد لقوى اليسار من اجل التغيير الديمقراطي، لا تنطلق من فراغ، بل هي حصيلة تقييم نقدي للتجارب السابقة بسلبياتها وإيجابياتها، فالعيب ليس في ارتكاب الأخطاء والسقوط لكن العيب كل العيب هو في عدم الاستفادة من الأخطاء، لذلك ننطلق من ما يلي وعلى جميع المناضلين والمناضلات الوعي بذلك: إن أي أحد لا يمكنه الادعاء أنه انتصر على الآخر، بل انتصر علينا الواقع جميعا، وهي المرآة التي يجب أن نرى فيها انفسنا وواقعنا الذي لا يمكن أن ندعي أننا في أحسن حال، وهذا محفز لشحن الهمم لكن يتطلب الأمر الارتقاء بها إلى مستوى الوعي القادر على مواجهة كافة التحديات.
يدعو النداء الى تحطيم الجدران المعيقة للتواصل الايجابي ونبذ الصراعات الحلقية. تلك الجدران والحلقية عائقان حالا فعلا دون نجاح تجارب عمل موحد سابقة، وحتى اشكال تعاون بسيطة في حركات نضال عمالي أو شعبي. إلى ماذا تعزون العائقان، وكيف ترون سبل تجاوزهما، إذ لا يكفي إعلان النية؟
نعي جيدا تراكم العديد من المعيقات والجراحات والاحقاد والتصنيفات المجانبة للصواب والتخوين في العلاقات البينية بين تشكيلات اليسار وحتى داخل كل تنظيم، وهذا يطرح القيام بمجهودات وجهود مضنية لتجاوز كل هذه الأشياء التي تكبل الطاقات النضالية،
والذي يجب أن يكون البوصلة التي توجه الجميع هو أن الحقد موجه سيء في السياسة، هناك اختلاف في التقديرات والمقاربات والأجواء الصحية والنقاش والسجال الإيجابي والمنتج وتجسير العلاقات بإعادة بناء الثقة هو الكفيل بتأسيس فعل موحد يحتكم لتصور وآليات علائقية ناضمة.
تجاوز هذه الصراعات الحلقية وهذه الأوضاع السلبية في صفوف اليسار بشكل عام يتم بالارادة الصلبة للمناضلات والمناضلين الذين يوحدهم هذا الوعي بالرغم من اختلاف مواقعهم وانتماءاتهم.
أجريتم جملة لقاءات مع قوى يسارية وأفراد يساريين-ات ما أهم استنتاجاتكم؟ وما خطواتكم المقبلة؟
هذه اللقاءات ما زالت في بداياتها وعلى العموم هناك ترحيب إيجابي وحار بالفكرة، مع استحضار التحديات المطروحة، وبعد استكمال هذه اللقاءات على ضوئها ستتحدد الخطوات المقبلة، وخاصة في ما يتعلق بالتيارات والمناضلين والمناضلات غير المنخرطين في الأحزاب السابقة الذكر والذين تفاعلوا وابدوا الرغبة في الانخراط في هذه المبادرة التي أصبحت ملكا للجميع،
هي ردود فعل مشجعة والمطلوب تجسيدها على أرض الواقع خدمة لطموحات شعبنا في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة
*****************************
نداء لفعل موحد لقوى اليسار من أجل التغيير الديمقراطي
تحتم علينا واجباتنا النضالية أن نتحمل مسؤوليتنا أمام ما تعرفه الأوضاع الاقتصادية/ الاجتماعية للشغيلة المغربية والجماهير الشعبية وما يطبعها من تعميق لمسلسل التفقير والخصاص والهجوم على المكتسبات، وتراجعات على مستوى الحريات العامة والخاصة بإقرار تشريعات وقوانين لمحاصرة كل فعل احتجاجي للمواطنين والمواطنات من أجل كرامتهم وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، إن الأمر يتعلق بتغول السلطة المخزنية وأدواتها السياسية والاقتصادية، واستقوائها بالامبريالية الأمريكية والفرنسية، واتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني في مختلف المجالات وبالأخص العسكري والاستخباراتي، ما يهدد الأمن الغدائي والسيادة الوطنية وتماسك النسيج الإجتماعي لبلادنا.
ولا يمكن فصل أوضاع بلادنا عن التحولات الكبرى التي يشهدها العالم ومن ضمنها المنطقة المغاربية والعربية، وبشكل متسارع منذ معركة طوفان الأقصى وانتصار المقاومة، التي أكد من خلالها الشعب الفلسطيني أنه يصنع التاريخ وأن ارادة الشعوب لا تقهر، هذه التحولات التي توضح بجلاء إصرار الامبريالة الأمريكية والصهيونية على فرض وحدانية سيطرتها على الصعيد الدولي بالدوس على القانون الدولي وهيئات الأمم المتحدة والشرعية الدولية وضدا على القوى الصاعدة الطامحة لتأسيس عالم متعدد الأقطاب يستجيب لطموحات الشعوب، في ظل أوضاع محتدمة التناقضات والحروب الاقتصادية والعسكرية التي يغديها جشع الرأسمالية المتوحشة، وتنامي الحركات الفاشية والعنصرية وأحزاب اليمين المتطرف.
إن هذه الأوضاع المركبة والبالغة التعقيد بقدر ما تطرح أهمية الإحاطة بكل إشكالاتها النظرية والسياسية والبرنامجية، وطرح الأسئلة والأجوبة الملائمة، بقدر ما يطرح السؤال الأكبر وهو حجم المهام والتحديات التي تواجه قوى التغيير الديمقراطي ببلادنا وفي صلبها قوى اليسار، بحيث أن الإشكال ليس في الدفاع عن المكتسبات التي تم تحقيقها بتضحيات جسام، إنما في سؤال الوجود وبقاء سيرورة التقدم في مهام الديمقراطية والعدالة قائمة متقدة ومستمرة.
على هذا الأساس وبالنظر لأوضاع تشكيلات اليسار التي لا ترقى إلى مستوى مواجهة التحديات المطروحة بحكم أعطابها واختلالاتها البنيوية وعدم الاستفادة من أخطائها وتجاربها، وبحكم تعدد المقاربات والتوجهات، فهذا يفرض توفير إمكانات البحث عن أشكال التعاون والتنسيق بين هذه التشكيلات بالإستفادة من التجارب السابقة وبلورة برنامج سياسي يستجيب لطموحات الشعب المغربي ويستنهض طاقاته الخلاقة، لأن التغيير الديمقراطي لن يتأتى إلا بوجود يسار فاعل ومؤثر متجذر في بيئته الاجتماعية، وهذا ما يجب أن نعمل من أجله على كافة المستويات الفكرية والسياسية والبرنامجية بتصحيح العلاقات البينية داخل تنظيماتنا وفي مابينها وإعادة بناء الثقة بين المناضلين والمناضلات، وإعادة الاعتبار للفعل السياسي الجماهيري…
إنها خطوة لا تحتمل التأجيل،
وعلى هذا الأساس، فلنعمل جميعا احزابا وتيارات ومناضلين ومناضلات على:
— تكسير الجدران التي تعوق التواصل الايجابي في الفضاء الواسع لليسار المغربي، ونبذ الصراعات الحلقية، من أجل خلق إرادة سياسية جماعية،
— فتح حوار واسع ونقاش مسؤول بين مختلف مكونات اليسار محليا وجهويا ووطنيا للجواب الجماعي على الاشكاليات البنيوية النظرية والسياسية والتنظيمية على ضوء التحولات الكبرى الجارية،
— المساهمة الجماعية وباستعجال لبلورة مشروع اليسار من أجل التغيير الديمقراطي، وأن تكون علاقاتنا مقرونة بممارسة سليمة،
— بلورة الشكل التنظيمي الملائم بالانتقال من تنظيمات وتيارات وأفراد منعزلة عن بعضها البعض إلى جبهة سياسية ناظمة لهذا التعدد.
التوقيعات:
عبد السلام الباهي، محمد بولعيش، عبد السلام الشفشاوني، حميد مجدي، عبد الهادي بلكورداس، سعيد خطابي، الحسان أقرقاب، سمير محمد، رضوان حديد، محمد الوافي، سلمى وعمرو، محمد الغفري، الفاطمي لمروني، محمد بلهاوة، إدريس جدني، بلعيد البوسكي، محمد غندي، خالد مضلوم، لحسن بريم، ابراهيم الجناتي
**********
محمد الوافي.. مسار في درب اليسار
1971 البدايات النضالية في الحركة التلاميذية
1972 الانخراط بشكل مستقل في حركة اليسار الجديد وربط علاقات تنسيقية مع رفاق ورفيقات من منظمتي 23 مارس وإلى الأمام،
1973/74/75، الانخراط في السجالات التي عرفتها تنظيمات الحركة الماركسية-اللينينية،
1977/84 النضال في فرنسا خاصة وعلى مستوى فيدرالية اوروبا الغربية للاتحاد الوطني لطلبة الغرب،
— المساهمة في إصدار مجلة «ٱفاق» التي أخرجت النقاشات في صفوف حركة اليسار الجديد إلى عموم المناضلين/ت
— المساهمة في إصدار النشرة الطلابية «المبادرة الجماهيرية»،
— نوفمبر 1993،المساهمة في تأسيس جريدة اليسار الديمقراطي، وتحمل مسؤولية المدير المسؤول،
— أواسط التسعينات، الانخراط في مسلسل التجميع والمساهمة في تأسيس الحركة من أجل الديمقراطية،
— يونيو 1998، المساهمة في تأسيس مجلة نوافذ،
— 2005/2015 عضو الحزب الاشتراكي الموحد، وعضو المكتب السياسي بعد المؤتمر الثالث في 2012 إلى 15 ماي 2015، تاريخ تقديم الاستقالة من الحزب الاشتراكي الموحد.
حاليا مع «رفاق/ت اليسار المتعدد» من اجل إعادة تأسيس اليسار،
ومن الموقعين على مبادرة: نداء لفعل موحد لقوى اليسار من اجل التغيير الديمقراطي
— المساهمة في إصدار مؤلفات جماعية من بينها:
✓ وحدة اليسار في المغرب، لماذا وكيف ؟ يونيو 2000
✓ واقع وآفاق اليسار في المغرب، يناير 2018
اقرأ أيضا