لماذا يحتاج العمال للنقابة؟ وما دور المناضل النقابي؟

          بقلم، أحمد أنور

• النقابة اكتشاف عمالي خالص.

النقابات ثمرة جهود العمال الذاتية إبان معاركهم البدائية ضد مستغليهم الرأسمالين. لأجل تخفيف التنافس  الذي يستعمله الرأسماليون لكسر شوكة المضربين ولدت المنظمات النقابية التي ركزت جهودها على سعر الأجرة وساعات العمل. دفعت شدة الاستغلال الرأسمالي الطبقة العاملة إلى وعي ضرورة تجسيد وحدة مصالحها في بناء تنظيمات نقابية .

• حاجة العمال الدائمة للمنظمات النقابية.

يسعى البرجوازيون دوما إلى جني أقصى الأرباح، بتقليص أجور العمال وتكثيف استغلالهم، بإطالة يوم العمل وتسريع وثيرة الإنتاج وخفض ما يوفر شروطا أفضل لصحة وسلامة العامل، ويتهربون من تسديد مستحقات أنظمة الحماية الاجتماعية، ويسعون للتخلص من العمال الأقدم بشتى الخدع. يستغل البرجوازيون مؤسسات الدولة لبلوغ غاياتهم، فالبرلمان يصادق على قوانين شغل تخدم مصالح الرأسماليين وتتدخل الشرطة والدرك لقمع العمال المضربين وتطبق عليهم أحكام القضاء بمبرر تطبيق القانون.

تمثل المنظمات النقابية أدوات نضال الطبقة العاملة ضد الاستغلال الرأسمالي، لدا، ورغم كل نواقصها، يجب أن يكون همنا الأساسي الدفاع عنها وتدعيمها. فالعمال بلا منظمات نقابية سيجبرون على العمل والعيش في ظروف بالغة الاستغلال، ويدل الواقع أن ظروف العمال المنظمين في النقابة تحسنت عما كانت عليه من قبل، وأفضل عن اقرانهم غير المنظمين. العمال بلا تنظيم نقابي يوحد قوتهم لا شيء، ولا يمكن وقف مسعى الرأسمال المستمر لتشديد الاستغلال ودفع العمال إلى مزيد تقهقر  بصفوف مشتتة. لإجبار الرأسماليين على التخلي عن جزء من أرباحهم لابد من قوة النقابة للحفاظ على مكاسب انتزعت بالنضال. لا بد من النقابة القوية لإجبار الدولة على تلبية مطالب العمال.

• المهام الحقيقية للمنظمات النقابية العمالية.

النقابة سلاح العمال لتحسين ظروف عملهم وعيشهم ومدرسة طبقية لوعي أسس بناء المجتمع الحالي وموقعهم فيه. يكتشف العمال بتجربتهم ما يشدهم إلى بعضهم البعض من وحدة الانتماء لطبقة تبيع قوة عملها مقابل طبقة أخرى تشتريها منهم مقابل أجر أقل وإجبارهم على إنتاج أقصى ما يمكن تتعرى حقيقة الدولة بكل أجهزتها التي تخدم مصلحة الرأسماليين ويفهم  العامل خلال النضالات الكبرى طبيعة وسائل الإعلام والأحزاب السياسية والجهة التي تساندها .

سرعان ما ينتقل الرأسماليون من رفض مطلق للتنظيم النقابي العمالي إلى محاولة إفراغه من مضمونه. أي عوض أن يكون أداة للنضال العمالي الطبقي أن يتحول إلى أداة وساطة وقناة جر العمال لتنفيذ خطط الرأسماليين. لتحافظ النقابة على دور المدافع عن مصالح العمال بوجه الرأسمال لابد أن تكرس حياة داخلية ديمقراطية قائمة على انتخاب ومراقبة وعزل كل المسؤولين النقابيين في جمع عام حر وصيانة حرية التعبير للجميع، بما في ذلك حق تشكيل توجهات نقابية.

تضم النقابة عمالا متنوعي الانتماء السياسي، وفرض خيار سياسي لن يتم إلا بإجراءات بيروقراطية تؤدي إلى إضعافها بما هي منظمة كل المنتمين إليها.

نظرا لتعدد المنظمات النقابية ولكون أغلبية العمال خارج النقابات، فان توحيد العمال إبان المعارك غير ممكن إلا بانتخاب لجان إضراب مفتوحة بوجه كل العمال تكون مسؤولة أمام جمع عام المضربين أنفسهم بصرف النظر عن انتمائهم النقابي من عدمه.

يجب تطوير الجبهة النقابية المشتركة على قاعدة واقعية عملية، وذلك بعقد جموعات عامة مشتركة في المنشآت على المستوي جهويا ومهنيا بيمهنيا، وكدا خلال المؤتمرات لا يجب الركون إلى اتحاد الأجهزة النقابية من فوق بل يجب تشكيل الوحدة النقابية العملية في ساحة النضال بالاتفاق على ملف مطلبي وبرنامج نضالي وخلق لجان قيادة النضال تضم نقابات مختلفة لعمال نفس المنشئة أو الجهة أو القطاع على أن تعود سلطة القرار للقاعدة العمالية .

• المناضل النقابي الكفاحي؛ مهام وواجبات.

يجب أن يكون المناضل النقابي الكفاحي أفضل النقابيين، وأن يعمل دوما على تدعيم المنظمة النقابية. عليه أن يكون أفضل المدافعين عن العمال، وأن يحضر كل التجمعات أو الاجتماعات ويتدخل فيها بشكل ملموس ليجيب على المشاكل الملموسة التي تعترض رفاقه، وأن يحسن تحمل مسؤوليته. عليه أن يبقى متيقظا ويتفهم المشاكل الإنسانية العديدة التي تطرح داخل منشأته.

يجب أن تراعى الصعوبات والمهام الكثيرة التي يقع حملها على كاهل الممثلين النقابيين. إن تطور العمل النقابي، وأيضا تطور الرأسمالية نفسها، يضع على عاتقهم مسؤوليات جسيمة ،الى حد اعتبار الممثل النقابي نوعا من المساعد الاجتماعي عليه أن يكون ململ بالتشريع الاجتماعي وبالاتفاقيات، وعليه أن يتدخل لدى الإدارة في حالة حيف، وعليه أن يشارك في الحياة النقابية غالبا خارج أوقات ساعات عمله، وعليه أن يكون على علم بالمستجدات،الخ، باختصار،على الممثل النقابي أن يواجه كل المشاكل التي يطرحها المجتمع الرأسمالي وأيضا تطور العمل النقابي، بحيث أن نقابيا جديا سرعان ما يغرق في بحر مهمات معقدة.

يتطلب العمل النقابي الكفاحي جهدا جماعيا وتعاونا بين العمال الذين يتقاسمون هدف تحرر العمال من الاستغلال، عبر توزيع المهام ومركزة الأهداف وتقاسم الجهود وحينما تطرح تلك القضايا على الصعيد الوطني والعالمي الأوسع حينها تبرز الحاجة إلى حزب العمال الاشتراكي كضرورة لعمل نقابي كفاحي يقارع بشكل شامل طبقة الرأسماليين  ودولتهم.

• مخاطر تهدد المنظمات النقابية.

حين يتأكد الراسماليون أن الشغيلة عازمة على بناء تنظيمها النقابي، وأنها مصرة على ذلك، ويتبين لهم فشل أساليب ترهيب العمال بحملات طرد النقابيين، وإغراء بعضهم مالبا لمغادرة العمل، وحين تفشل خدع تقسيم الشغيلة المتعمد في نقابات عدة… عندها يسعون إلى تحويل المنظمة النقابية القائمة مرغمة الى أداة تسيير، وقناة توصيل لتدجين الشغيلة وإشراكها في إخضاعها.

أساليب الدمج عديدة وأنشئت له تخصصات جامعية بأسماء براقة تبيع الخبرات وتخرج متخصصين لخدمة الرأسماليين في ترويض النقابة العمالية. أهم وسائل الدمج الفتاكة يثمتل في التنازلات التي يقدمها الرأسمالي مقابل تجميد طويل للنضال النقابي، وخمول للحيوية النضالية، وقبول القادة النقابيين لعب دور الرقيب، وكبح أي تململ نضالي باسم الوفاء بالالتزامات، وحرصا على الإبقاء على المكاسب.

تتحول النقابة إلى أداة تعاون طبقي وتستبدل النضال بالرهان على المفاوضات الحبية، وما ينتج عنه من تغيير شامل لوظيفة النقابة ولأساليب النضال وللديمقراطية الداخلية، ولطبيعة العلاقة مع الراسماليين.

لا يجب أن تكون المساومات والاتفاقات مع المستغِلين قيدا يكبل حرية العمال النقابية، ونضالهم، عليها أن تبقى مؤقتة، ولمدة أقصر.

للراسماليون غريزة الدئاب في معرفة طباع فريستهم ويتحينون الفرصة دائما لاقتناصها في اللحظة المناسبة. يدرسون طباع النقابيين والفروقات بينهم، ويبحثون عن نقاط ضعفهم واحواهم الاجتماعية وصعوباتهم الاقتصادية، ويتفننون  في تجنيد المناضل النقابي سواء لجعله أقل تصلبا في الدفاع عن مصالح العمال أو تجنيده لتخريب وحدتهم. إنهم يتحمسون «لتقديم المساعدة» واثقال المناضل النقابي بديون رد الجميل خيانة إخوانه العمال، تعمد الشركات إلى إرشاء المسؤولين النقابيين (منافع مادية–تسهيلات مهنية وأجور بدون عمل…) ويسرها أن يعلم باقي العمال بذلك لإظهار المناضل النقابي انتهازيا يستغل العمال لقضاء مآرب خاصة.

على النقابة العمالية التخلص من النقابيين الفاسدين، وعليها تربية العمال على ممارسة الرقابة والتحقق من نظافة المسؤولين النقابيين خصوصا من لهم احتكاك بأجهزة الدولة والرأسماليين باعتبارهم يتعرضون لضغوط إغراء معسكر أعداء النضال النقابي العمالي .

التنظيم النقابي الوفي لمصلحة العمال يحدق به خطر الرثابة الإدارية والسقوط في الشكليات الرسمية وبروز قادة يحصرون دورهم في الوساطة «إيصال الخبز إلى الفران» وتقمص دور المحامي في جلسات «الصلح» الخادعة.

سلبية القاعدة العمالية، وعدم قدرتها على جعل النقابة منظمة عمالية نشطة، وتخليها عن سلطة المراقبة والتقرير والتسيير عبر الجموعات العامة كاملة السيادة، هو ما يخلق أرضية تشكل قيادة مطلقة الصلاحيات تنصب نفسها محل عموم الشغيلة وتكبح باساليب غير ديمقراطية كل محاولات إخراج الشغيلة من وضع الخمول، وكل محاولات إحياء النقابة ديمقراطيا بما هو خطر يهدد سيطرتها ومنافع تتحصل عليها مقابل دورها كممتطي ظهر العمال .

يستطيع الرأسماليون التكيف المؤقت مع الضغط العمالي، وتتقديم التنازلات المؤقتة، لكن سيعملون على استرجاعها حين تتاح الفرصة وسيعدون الخطط لإلحاق الهزيمة بالعمال.

إن الحرب بين العمال والرأسماليين دائمة، ولا يجب أن نبني سياستنا على الانتصارات بل على الهزائم كذلك، وهذه مهمة النقابيين الكفاحيين المتسلحين بمنظور التغيير الشامل للمجتمع، والمقتنعين أن طبقة العمال قائدة هذا التغيير، والواعون بأن النضال النقابي مدرسة لتربية العمال لوعي وحدتهم وقوتهم والتعرف على أعدائهم  وأسلحتهم  وخدعهم.

*********************************************

في‭ ‬أصول‭ ‬عداء‭ ‬الرأسماليين‭ ‬للنّقابة‭ ‬العمالية

بقلم، أحمد أنور

إن الطبقة العاملة المنظمة في النقابات بالمغرب قليلة العدد بشكل كبير، فأغلب المقاولات صغيرة، ومعظمها في قطاع الخدمات (التجارة-المطاعم والمقاهي..) أو الفلاحة التقليدية. للأمر نتائج رهيبة، فأغلب العمال تقل أجورهم عن الحد الأدنى بشكل كبير ولا يصرح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي، ولا يستفيدون من أي تغطية صحية.  

يخوض الرأسماليون حربا ضروسا ضد التنظيم النقابي، فحالات طرد العمال بمجرد تأسيس النقابة شائع. يبت الرأسماليون الرعب في نفوس العمال لثنيهم عن الإقدام على توحيد صفوفهم ولا يتساهلون في دلك. ليست تلك الشراسة في محاربة العمل النقابي حصرا على رأسماليين صغار أو تقليدين بل إن شركات كبيرة محلية ومتعددة الجنسيات تبدي نفس العداء والاستماتة في اجثتات العمل النقابي.

تقود الدولة حرب الرأسمالين وتدعمه وتوفر له الغطاء القانوني وتجند له القوة القمعية لإنزال الهزيمة بالعمال المنظمين. لا زالت الدولة تسلط سيف سجن المناضلين النقابيين باسم عرقلة حرية العمل وفق الفصل المشؤوم 288 بل وهيئت قانونا للإضراب لجعل العمل النقابي بلا حول ولا قوة أمام جبروت الاستغلال الرأسمالي.

يتساءل العمال دوما باستغراب ما الذي يجعل رأسمالي يحقق أرباحا طائلة ويصرف أموالا كثيرة على أمور تافهة يجن جنونه لمجرد علمه بتأسيس النقابة؟ وما سبب تحمله خسائر  مالية أكبر مقابل اجتثاث النقابة؟ وما تفسير إصرار كبار المصدرين على إبقاء أوضاع عمالهم متدهورة رغم ما يحققونه من أرباح؟

أرابح الرأسمالين الوجه الاخر للبؤس العمالي.

يسعى الرأسماليين باختلاف قطاعاتهم وحجمهم إلى كسب أقصى الأرباح وزيادة ثرواتهم. يتنافسون بضرواة للاستحواذ على الحصص في السوق، ويحاول كل واحد أن تصل سلعته السوق بسعر تنافسي. لأجل ذلك يعمل على تخفيض أكلاف الإنتاج عبر تشديد استغلال العمال بتقليص أجورهم وزيادة إنتاجيهم.

يمتنع الرأسمالي عن توفير شروط الصحة والسلامة لأنها تتطلب مصاريف مالية، ليدفع العمال ثمن  ذلك حوادث شغل مميتة وامراض مهنية تفتك بأجسادهم.

يرفض الرأسمالي توفير وسائل النقل الملائمة لأنها تكلفه أموال إضافية فيسقط العمال أشلاء في حوادث طرق قاتلة، ويستعمل أدوية رخيصة مهربة تضر العمال والمستهلك ليوفر المال.

لا يصرح الرأسمالي بعماله لداى صندوق الضمان الاجتماعي ومنهم من يسرق الاقتطاعات أو  لا  يصرح بكامل ساعات العمل ولا يعوض أغلب الرأسماليين العمال عن ساعات العمل الفعلية.

ليس ما يسرقه الرأسمالي من عرق العمال تافها البتة، بل ثروة إضافية هائلة بالنظر لعدد العمال ومجموع ساعات العمل المسروقة منهم. تنمي السرقة ثروة الرأسمالي، ويخفي الأمر عادة بتنظيم حفلة نهاية الموسم، وتقديم بعض الإعانات الغذائية ومنح بئيسة لإظهار سخاء زائف لا يكلف شيئا مقابل ما تمت سرقته.

أرباح الرأسمالي مضمونة حتى ولو أوفى بتطبيق ما يتضمنه قانون الشغل من حقوق بسيطة للشغيلة، لكنه يوسع تلك الأرباح عبر  سرقات عديدة منتهكا القانون نفسه الدي وضع على مقاس مصالح الرأسماليين. إن مراكمة الثروة من جهة الرأسماليين يقابله بؤس الأجور وقساوة أوضاع عمل طبقة الشغيلة وهدا أساس تناقض المصالح بين طبقة الرأسماليين وطبقة العمال .

النقابة العمالية اعلان العمال لنفير الحرب الطبقية.

يعرف العمال أن الرأسماليين لن يترددوا في القيام بما يلزم لاستئصال النقابة في مهدها، ويعلمون من تجارب إخوانهم العديدة أن الأمر ليس لعبة بل مخاطرة قد تنتهي بهم إلى الطرد من العمل. يلجأ العمال لتأسيس النقابة تحث ضغط الاستغلال والاضطهاد الذي لم يعودو قادرين على تحمله او استشعارا لخطر يرونه يهدد حقوقهم البسيطة .

يدرك الرأسماليون أن النقابة العمالية تهديد جدي لحصة أرباحهم وقوة ضغط للحد من سرقاتهم وعلامة على تقييد حريتهم المطلقة في انتهاك حقوق الشغيلة بلا رادع. إن مصلحة الرأسماليين تجعلهم يردون على تأسيس النقابة بشن حرب ضروس وإعلان حالة الاستنفار لإقبار المحاولة في مهدها.

مهمة الحفاظ على النقابة أداة للنضال.

بناء النقابة العمالية مرحلة دقيقة لا تحتمل الفشل لأن دلك يعني منح الفرصة للرأسمالي لتوجيه الضربة القاضية للمحاولة وطرد المناضلين النقابيين وترهيب باقي العمال. إنه خطر متوقع، يلجأ له العدو الطبقي ودولته.لكن بعد تأسيس النقابة وفرضها بالنضال رغما عن الأعداء يلجأ هؤلاء إلى وسائل أشد مكرا وخداعا بغاية تخريب النقابة من الداخل وجعلها أداة تعاون وشريك في ضبط العمال مقابل تنازلات طفيفة لا تمس أرباحهم الطائلة ولا تغير من بؤس العمال. على النقابة العمالية أن تظل سلاح دفاع عن مصالح الشغيلة وأن تبقى متيقظة لمناورات الرأسماليين التي تحاول إقناع العمال بوحدة المصير والمصالح وتقتل وعيهم باستقلالهم عن الرأسمالين، وأن مصالحهم المشتركة مع إخوانهم العمال من نفس الطبقة الدين يجب أن يمدوا لهم يد المساعدة والتضامن لمواجهة مستغليهم.

شارك المقالة

اقرأ أيضا