السيسي وانتخابات الرئاسة: لماذا التباطؤ في حسم القرار؟

قفزة بعيدة إلى الأمام تستدعي بالضرورة التراجع خطوات عدّة إلى الخلف. بهذا المنطق يمكن تفسير تأخر إعلان المشير عبد الفتاح السيسي ترشحه للرئاسة حتى الآن.

ولكي يترشح السيسي للرئاسة، عليه أن يعلن استقالته من وزارة الدفاع، ويصبح من دون أي سلطات، ولو شكلياً، فيتحول بذلك من حاكم فعلي أطلق “خريطة الطريق” في الثالث من تموز الماضي إلى مجرّد مرشح للرئاسة.

ويبدو أن التخلي، ولو مؤقتاً وشكلياً، عن السلطات والصلاحيات التي يتمتع بها وزير الدفاع عقب الثالث من تموز، ليس بالأمر السهل.

ومن المؤكد أن ثمة ضرورة لإجراء ترتيبات داخل المؤسسة العسكرية قبل مغادرتها إلى ميدان الانتخابات، لضمان استمرار خريطة الطريق واستقرار الأوضاع حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية.

وهناك أيضاً ترتيبات خاصة بخوض انتخابات الرئاسة، مثل ضمان عدم حدوث مفاجآت بدخول مرشحين آخرين من الخندق ذاته، على غرار الفريق شفيق والفريق سامي عنان. وثمة ضرورة أيضاً لضمان مواقف الحلفاء، وبخاصة الإقليميين، والتأكد من وفائهم بتعهداتهم في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة.

في كل الأحوال، لا يبدو حتى الآن أن أيا من خطوات “خريطة المستقبل”، وبخاصة تلك المتعلقة بانتخابات الرئاسة قد خرجت عن المسار المقرر لها سلفا. هذا ما يؤكده رئيس “منتدى الحوار الإستراتيجي” اللواء المتقاعد عادل سليمان، قائلاً لـ”السفير” إن “هناك سيناريو موضوع ويجري تنفيذه بالفعل. مبارك قال في 2010: خلّيهم يتسلوا، والواقع أن كل التكهنات والتحليلات اليوم تذهب في هذا الاتجاه”.

ويرى سليمان أن ثمة مبالغة في الحديث عن تأخر السيسي في إعلان ترشحه، موضحاً أن “باب الترشح لم يفتح بعد، والسيسي يريد أن يتقدم للانتخابات كشخص ذي مكانة وليس كأي مرشح آخر”

ويتساءل سليمان “لماذ يتعجل السيسي في بدء سباق الرئاسة قبل أن يفتح باب الترشح؟ غيره قد يحتاج إلى فترة دعاية أما السيسي فلا، فهو الحاكم الفعلي لمصر منذ الثالث من تموز الماضي، والانتخابات ستكون تقنيناً لوضعه”.

ويتابع: “في جميع الأحوال، يبدو أن فترة الترقب قد شارفت على نهايتها، ومن المفترض أن يُتخذ قرار الترشح في اجتماع يعقد اليوم، على أن يتقدم السيسي غدا باستقالته من منصب وزير الدفاع”.

وعلى عكس الكثير من التوقعات، يضع سليمان احتمالا لا يبدو كبيراً حين يقول “قد لا تكون خطوة السيسي في اتجاه الترشح هي الاستقالة من وزارة الدفاع، فربما يصدر قرار بإعفائه مؤقتاً من مهامه العسكرية، في ما يشبه الإجازة خلال فترة الانتخابات”.

لكن الخبير العسكري محيي نوح ينفي بالكامل هذا الاحتمال، إذ يقول لـ”السفير”: “لا توجد إجازة… يجب على السيسي أن يستقيل لكي يصبح مرشحاً مدنياً. أما بقاؤه حتى اليوم فيرتبط بترتيبات أهمها حركة (تعيينات) الضباط والترقيات والملفات الخاصة بالتسليح. كل تلك أمور كان يجب الانتهاء منها إلى جانب أمور أخرى. وقد تم كل ذلك بالفعل واليوم سيعقد اجتماع يعلن بعده السيسي قراره تمهيدا لاستقالته يوم غد”.

ويشدد نوح على أن “إعلان السيسي سيكون واضحاً وحاسماً وسيعلنه بنفسه”، مضيفاً أن المشير “يتشاور بالفعل مع خبراء حول برنامجه الانتخابي والقضايا الملحّة، ولكن في اللحظة المناسبة سيعلن قراره بنفسه”.

وبالرغم من أن إجراءات الانتخابات الرئاسية لم تبدأ بعد، وبالتالي لا فإنّ السيسي ليس متأخراً بالفعل عن السباق الرئاسي، إلا أن الأمر على المستوى السياسي يختلف عنه على المستوى الإجرائي.

وبالفعل، فقد تم تسريب معلومات كثيرة بشأن إعلان استقالة السيسي من وزارة الدفاع في شهر شباط الماضي، وبعضها جاء من مقرّبين منه ومؤيدين له، ولكن الرجل أحبط كل تلك التوقعات حتى اليوم. كما أن الأسباب التي قدّمت لتبرير تأخر الإعلان عن الترشح قد استهلكت.

ويقول مدير “مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية” ضياء رشوان لـ”السفير” إن “الأمر الوحيد الواضح والحاسم في إعلان ترشح السيسي هو ترتيب الأوضاع الداخلية للقوات المسلحة. وهو ما جرى بالفعل. أما باقي ما يقال فهو مجرد تحليلات قد تصيب أو تخطئ، ومن بينها مثلا الترتيبات الإقليمية والدولية ومراعاة كافة الملاحظات التي قد تقال من حلفاء أو حتى غير حلفاء”.

ويضيف “لقد ذهب السيسي إلى الإمارات بالفعل، ولا أعرف إن كان طرح موضوع الرئاسة في زيارته أم لا. كما أن هناك اتصالات إقليمية ودولية لا نعرف مضمونها على وجه الدقة”.

وينفي رشوان أن يكون سبب تأخر السيسي لإعلانه أمنياً أو اقتصادياً إذ يرى ان “الظرف الاقتصادي والظرف الأمني سببان للتعجل في الترشح وليس العكس”.

ليس لدى السيسي ما يدفعه إلى التعجل في الاستقالة وبدء السباق الرئاسي، وهو ليس في حاجة إلى المزيد من الأيام للدعاية الانتخابية، كما ان السباق لن يبدأ بدونه على أي حال، ولا داعي للبقاء لفترة طويلة خارج وزارة الدفاع ورئاسة الجمهورية. هذا ما يؤكده الكاتب الصحافي عبد الله السناوي لـ”السفير”، قائلاً إن “الفكرة الأساسية هي أن تكون الفترة بين خلع البدلة العسكرية وإعلان نتائج انتخابات الرئاسة أقل ما يمكن. لذا فمن المنطقي أن يعلن السيسي ترشحه غداً باستقالته من الحكومة كما هو متوقع، وأن يتولي الفريق أول صدقي صبحي وزارة الدفاع، وأن يتولى الفريق عبد المنعم التراس رئاسة الأركان كما هو مرجح، لأن اللجنة العليا للانتخابات ستعلن يوم الأحد موعد فتح باب الترشح. ويجب أن يدرج السيسي في الكشوف قبل 24 ساعة من فتح باب الترشح”.

وينفي السناوي أن يكون تأخير ترشح السيسي نابعاً من أي قلق على استمرار موقف المؤسسة العسكرية منه بعد استقالته. ويوضح أن “الفريق صدقي صبحي له نفس موقف السيسي تماما وبنفس الصلابة منذ الثالث من تموز، وهو من قال من قبل: إذا الشعب استدعى الجيش سنكون في الشارع في دقائق”. ويتابع “ليس هذا مصدر القلق، وربما يكون القلق سببه أمني فالسيسي مستهدف من قبل القوى الإرهابية، وإن كان أمنه سيظل في عهدة الجيش حتى بعد خروجه. وهناك أسباب اقتصادية تتعلق بتأمين دعم الحلفاء الإقليميين لبرنامجه الانتخابي وإنجاز البرنامج نفسه. ولكن ما تجدر الإشارة إليه أن اللجنة العليا للانتخابات إذا ما أجلت إجراءاتها فسوف يتأجل قرار السيسي حتى لا يطيل فترة بقائه خارج الوزارة والرئاسة معاً”.

بقلم، مصطفى بسيوني

من حركة الاشتراكيين الثوريين بمصر

شارك المقالة

اقرأ أيضا