“إسقاط التعاقد ليس مستحيلا، لكنه ليس سهلا”

نص الندوة التي شاركت بها جريدة المناضل- ة في الندوة التي عقدتها التنسيقية الجهوية للأساتذة/آت الذين فرض عليهم التعاقد الرباط سلا القنيطرة، يوم 24 نوفمبر، تحت عنوان “التعليم العمومي هجوم متواصل وتضحيات جسام… أية آليات للمجابهة والتصدي”.

تحية لكل المناضلات والمناضلين

1- هناك منظورين لتناول قضايا النضال:

المنظور الأول: يخاطب الأعلى، أي يخاطب الدولة. ينبهها إلى ثغرات مخططاتها، ويحذرها من مغبة الإفراط في تنزيل هجماتها، ويقدم توجيهات ونصائح لإنجاح تنزيل تلك المخططات والهجمات بأقل كلفة اجتماعية وسياسية ممكنة: أي يساعد الدولة كي تتقن وظيفتها.

حين يخاطب هذا المنظور حركات النضال فهو يقوم بذلك بهدف إبعادها عن ميدان النضال وجرها إلى المؤسسات عبر آليتي الوساطة والحوار. غالبا ما تستجيب الدولة لتنبيهات وتحذيرات أصحاب هذا المنظور وتتبنى نصائحهم، ويتجلى هذا في تضمين ما يتقدمون به في تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وتوصياته.

يعبر عن هذا المنظور طيف واسع يضم أحزابا برجوازية وبيروقراطيات مسيطرة على النقابات وخبراء وخبيرات تربويين- ات باختلاف تخصصاتهم- هن [تربوية وقانونية واقتصادية…]. لا يعني هذا عدم استفادة التنسيقية من إسهامات هؤلاء الأخيرين- ات ولكن مع توخي الحذر من الغايات التي لا يخفونها بل يعبرون عنها صراحة.

المنظور الثاني: وهو جزء من حركات النضال ولا يخاطبها من خارجها. ينبه حركات النضال إلى أخطائها ومزالقها، ويحذرها من فخاخ الدولة والمنظور الأول. يتقدم بمقترحات ومنظورات لتقوية أدوات النضال وحفز الاستعداد النضالي الكامن وتوجيه الفاعل من هذا الاستعداد وتدقيق المطالب.

2- المطلب بين المأمول والمتاح

أثار “الحوار” الأخير مع الوزارة نقاشا سليما حول ما تسعى التنسيقية تحقيقه وما يتيحه ميزان القوى الحالي من مكاسب جزئية، وقد انشغل جزء مهم من النقاش بالجانب القانوني، معتقدا أن التركيز على انعدام السند القانوني لمخطط التعاقد كافٍ لإقناع الأساتذة بالنضال ضده من جهة، ولإقناع الدولة بمشروعية مطلب التنسيقية [الإدماج في الوظيفة العمومية] من جهة أخرى.

لذلك فمن الحيوي جدا الحذر من مساجلة الدولة على الصعيد القانوني، بكل بساطة لأن الدولة هي القانون، هي المُشَرِّعُ، ومساجلتها قانونيا يعني مصارعتها على أرضيتها المفضلة:

– تنبيهها إلى ثغرات مخططاتها ما يتيح لها تداركها.

– التقدم بمقترحات لتخليص الدولة من مآزق الهجوم، وهذه المقترحات تأتي من حركات النضال ما يضفي عليها المشروعية المفتقدة من البداية.

طُرِحَ منذ مارس الماضي مقترح “التوظيف العمومي الجهوي” بمرسوم، وقد أثار الكثير من النقاش، وسنتقدم حوله بملاحظتين جوهرتين:

الملاحظة الأولى: تعتبر هذه الصيغة خطوة إلى الأمام مقارنة بالصيغة الحالية، أي التوظيف بموجب عقود. فالدولة مستفيدة تماما من استمرار رمادية الوضع القانوني للتوظيف بعقود حاليا ما دامت الأفواج تتزايد والهجوم لا يجري إيقافه. لكنها خطوة جبارة إلى الوراء مقارنة بالصيغة السابقة للتوظيف الضامنة للعمل القار (النظام الأساسي الموحد لموظفي- ات وزارة التربية الوطنية).

الملاحظة الثانية: إن ما تتقدم به الدولة من مقترحات رهين بميزان القوى وتقدم النضال، لذلك فإن مقترحاتها ليست للتنفيذ بل وسيلةً لامتصاص الغضب وإطفاء جذوة النضال وربح الوقت.

وحتى هذه المقترحات بجزئيتها وكونها لا تلبي المطلب الرئيس [الإدماج] فإن تحقيقها يستدعي نضالا حقيقيا وجبارا يتجاوز قدرات التنسيقية الوطنية لوحدها، أي نضال عام وليس نضالا فئويا.

3- أي سبيل لإسقاط مخطط التعاقد

أ- تقييم

لن يستقيم نقاش سبل النضال اللاحقة دون تقييم سابقها. اتسم نضال المفروض عليهن- هم التعاقد في الموسم الفارط باندفاعية كبيرة واستسهال ملحوظ لمعركة إسقاط التعاقد، وقد كثف شعار “الإدماج أو البلوكاج” السمتين المذكورتين.

جرى تنبيه المفروض عليهن- هم التعاقد إلى أن إسقاط التعاقد يحتاج إلى معركة طويلة النفس تتظافر فيها جهود كل المعنيين بالملف وليس فقط التنيسقية، وكان الرد: إذا لم يجر إسقاطه هذا الموسم فسلام على الوظيفة العمومية وسلام على التنسيقية الوطنية والنضال ضد مخطط التعاقد.

انتهى الشوط الأول من المعركة بنتيجتين:

الأولى: لا زال التعاقد قائما ويتمدد [مشروع نظام أساسي للجماعات المحلية ينص على التوظيف بموجب عقود، مشاريع النصوص التنظيمية لـ”إصلاح الوظيفة العمومية” وضعت لها الدولة أجل أبريل 2020].

الثانية: لا زالت التنسيقية قائمة وتقاوم ولم تمت.

بـ – ما السبيل لنضال فعال ضد مخطط التعاقد:

يجب علينا ألا نستهين بحجم المخطط، حين تقول الدولة بأن التعاقد “خيار استراتيجي” فهي تعني ما تقول وتعمل على تنفيذه على أرض الواقع. يفرض علينا هذا الوعيَ بحجم المواجهة التي يجب إعدادها لإسقاط هذا المخطط.

يستدعي هذا الحفاظَ على التنسيقية الوطنية كمكسب تنظيمي علينا تقويتها بالدفاع عن جماهيريتها ودميقراطيتها، والاستمرار في النضال خاصة أن المحيط الإقليمي ملائم بشكل كبير للضغط على الدولة من أجل انتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب بما فيها الإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية.

قد يستطيع نضال فئوي انتزاع مكاسب جزئية، لكن تحقيق مكاسب جوهرية مثل إسقاط مخطط التعاقد يحتاج إلى تظافر نضال المعنيين المباشرين مع ظروف أخرى أهمها ما يجري حاليا في المنطقة العربية والمغاربية من استئناف سيرورة الانتفاضات الشعبية: السودان، الجزائر، العراق، لبنان.

إن تاريخ النضال يثبت صحة هذا:

= تونس:

استطاع آلاف من العمالة المؤقتة تحقيق تثيبيتها [الترسيم] مع الدولة في سياق الثورة التونسية وإسقاط الرئيس وين العابدين بن علي.

= المغرب:

في سياق حراك 2011: تشغيل أكثر من 4000 إطارا التوظيف المباشر، زيادة 600 درهم في رواتب شغيلة الوظيفة العمومية، ضخ أكثر من 4 ملايير درهم في صندوق مقاصة كانت الدولة تسعى للتراجع عنه.

= وأخيرا الجزائر:

صادقت الحكومة، تحت ضغط الحراك السياسي المستمر، يوم 19 نوفمبر 2019 على مرسوم يقضي بترسيم أكثر من 370 ألف موظف من فئة “عقود ما قبل التشغيل” في الإدارات العمومية.

العبرة: تضطر الدولة إلى التنازل لحركات النضال عن مطالب قصد عزلها عن النضال العام الذي يهدد بقاءها، لذلك من حق تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد انتهاز الفرصة التي يتيحها خوف الدولة من انتقال ما يحدث في المنطقة إلى المغرب، للضغط عليها من أجل انتزاع مكاسب: ضرب الحديد ما دام حاميا.

علينا الاستمرار في النضال بغض النظر عما يمكن أن يسببه من تهديد لـ”السلم الاجتماعي” و”الاستقرار السياسي”، الذي لا يستفيد منه إلا الرأسماليون ودولتهم، بينما يلقي بملايين الكادحين في جحيم البؤس والبطالة والإقصاء.

 

ردود وتفاعل مع نقاش الحضور:

1- منظور النضال ضد مخطط التعاقد:

عندما تنتهي دورة نضال، فإن الدورة الموالية يجب أن تبدأ حيث توقفت الأولى، وليس حيث بدأت. كانت آخر خطوة نضالية لتنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد في أبريل هو إضراب ومسيرات مشتركة مع تنسيقية حملة الشهادات والزنزانة 9. لذلك فلا معنى أن يبدأ الموسم النضالي الحالي بإضرابات مشتتة، بل يجب أن نستأنف حيث توقفنا في أبريل: إضراب مشترك يضم كل تنسيقيات التعليم ونقاباته إلى جانب شغيلة الوظيفة العمومية المستهدفة بهجمات التفكيك.

لا نعدم محاور للنضال المشترك وهي عديدة. عندما أقرت الدولة التشغيل بموجب عقود تذرعت بمحاربة البطالة: أي تعميم الهشاشة والعمل غير القار باستغلال ضغط البطالة التي تجعل العاطلة والعاطل يقبلان بأي فرصة عمل كيفما كانت.

علينا أن نرد على حجة الدولة هذه بمطلب تقليص ساعات العمل دون تقليص الأجور. إن ساعات العمل الطويلة (أخذا بالاعتبار الساعات التضامنية التي أقرتها الدولة في حرب الصحراء) تجعل كل أستاذين يعوضان منصب شغل. لذلك فلنناضل بشكل مشترك ووحدوي (تنسيقيات ونقابات) من أجل تقليص ساعات العمل وتوزيع ساعات العمل الإجمالية على مجمل اليد العاملة الطالبة للشغل، بل فرضها على جزء فقط من هذا الإجمالي.

2- بصدد النقاش القانوني:

إن القانون مرآة تعكس ميزان القوى الاجتماعي أي علاقات القوة بين الطبقات المتصارعة، ويُدَبَّجُ في النصوص القانونية ما ينتهي إليه هذا الصراع وليس العكس. ليس القانون هو من ينشأ أوضاعا واقعية بل العكس، فالواقع هو الذي ينعكس على شكل نصوص قانونية: حق القوة هو الذي يوجه قوة الحق. لذلك فإن الحجج القانونية يجب أن تعزز النضال الجاري في الميدان وليس تعويضها به.

استطاعت الدولة فرض البطالة والاكتظاظ في الأقسام، وابتزت التلاميذ والعاطلين بقبول صيغة توظيف “لا سند قانوني لها” ولكن لها سند في الواقع، وتعمل الدولة على تحويل هذا الواقع إلى قانون ستصادق عليه مؤسساتها [البرلمان] بكل سهولة.

إن التذرع بلا قانونية مخطط التعاقد لا يعني شيئا في الواقع بالنسبة للدولة، ما دام التعاقد يجري تمريره بسلاسة ودون معارضة جدية تتمكن من إيقافه أو على الأقل عرقلته. ما دام ميزان القوى مائلا لصالح الدولة فإنها تدبر ثغراتها القانونية بنجاح.

ليس مخطط التعاقد سياسة ارتجالية، فكما قال المتدخل باسم التنسيقية الوطنية للمفروض عليهن- هم التعاقد: “ليس هناك صدفة، كل شيء محسوب بدقة”. قد نتحدث عن تجريبية في التنزيل وتدرجية متعمدة نزولا عند نصيحة قديمة للبنك العالمي: اعتماد التدرج في الهجوم لتفادي رد فعل معمم.

ليست الدولة شريكا اجتماعيا نتداول معها للوصول إلى حلول متوافق حولها. الشركاء الاجتماعيين للتنسيقية هم حلفاء النضال من تنسيقيات شغيلة التعليم ونقابات الوظيفة العمومية والقطاع الخاص. شركاء الدولة الاجتماعيين هم البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي: لا شراكة اجتماعية مع الدولة بل عداء طبقي لا سبيل إلى تلطيفه، بل خوضه حتى نهايته.

3- كيف نتعامل مع مقترح “التوظيف العمومي الجهوي”:

قد تستطیع الدولة فرض صیغة التوظیف العمومي الجهوي، ولکن لیس من مهام التنسیقیة الوطنیة تبریره وتسویغه… فذلک یغلق باب النضال مستقبلا في وجهها، وتکون قد خسرت سیاسیا بقبولها المبدئي لصيغة ستنزع منها مبرر رفضها لاحقا.

قد يتيح ميزان القوى للدولة فَرْضَ صیغةِ التوظیف الجهوي، لکن لیس على التنسيقية أن تقبلها مبدئیا ولا أن تسوغها. فصیغة الإجبار هذه تترک باب النضال من أجل الإدماج في الوظیفة العمومیة مفتوحا مستقبلا، وهذا ربح سیاسي کبیر.

علی تنسيقيتنا التمسكَ بِعِلَّةِ تأسیسها: إسقاط التعاقد والإدماج في الوظیفة العمومیة، وإن استطاعت الدولة فرضَ صیغةِ التوظیف الجهوي دون أن تقبله التنسيقية، ستکون هذه الأخيرة في موقع مریح، یضمن لها استئناف المعرکه مستقبلا.

علينا أساسا تفادي التقدم بمقترحات للدولة بدعوى مساعدتها لتجاوز مآزقها القانونية أملا أن تنظر إلينا بعين العطف وتحقق مطلبنا، إن منطق الدولة واضح وشامل: تدمير الشكل القديم من التوظيف العمومي الضامن للعمل القار.

4- انتخابات لجان الأطر:

هذه مسألة بالغة الحيوية، يتوقف عليها مستقبل التنسيقية الوطنية للمفروض عليهن- التعاقد. الدولة تتفادى مواجهة آلاف الأساتذة بالقمع، لما له من تداعيات سياسية واجتماعية، وتفضل تفكيكها بالمناورات السياسية، وتشكل انتخابات لجنة الأطر أهم مناورة تنتظر الدولة حلول ميعادها لاستعمالها.

من جانبها بيروقراطيات النقابات تعمل على قدم وساق، في صمت، على إعداد أرضية المشاركة في هذه الانتخابات: تبطيق، تأسيس سكرتاريات، تأسيس فروع نقابية تضم مفروضا عليهن- هم التعاقد.  تنظر البيروقراطيات النقابية إلى 85 ألف مفروض عليهن- هم التعاقد، وإغراء الأصوات التي يمنحها صفة الأكثر تمثيلية، كأصوات انتخابية يجب تملقها حاليا وادعاء التضامن معها دون الالتزام بتعبئة فعلية لمواجهة مخطط التعاقد.

تبرر البيروقراطيات عدم انخراطها الجدي في المعركة ضد مخطط التعاقد، بأن الملف يخص التنسيقية الوطنية وهي آلية مستقلة لاتخاذ القرار، وتتقدم هي إلى المعركة من موقع الداعم والمتضامن. إذا كان هذا الموقف مبدئيا عند بيروقراطيات النقابات، فيجب أن يطبق أيضا على انتخابات لجان الأطر، وتحترم أي قرار تتخذه التنسيقية في هذا المضمار.

كيفما كان قرار التنسيقية الوطنية فيجب أن يكون نتاج نقاش ديمقراطي جماعي يجعل أغلب الجماهير الأستاذية مقتنعة بتجسيده على أرض الواقع، ولا يجب علينا تأجيل هذا النقاش، كي لا نضطر تحت ضغط فجائية تنظيم تلك الانتخابات إلى اتخاذ الموقف الأسهل دائما: المقاطعة ودون نقاش عميق [وهو موقف المجلس الوطني للتنسيقية الوطنية في يناير 2019]، وكان مبرر المقاطعة هو أن المشاركة يعني اعترافا صريحا بالأنظمة الأساسية للأطر الأكاديميات الجهوية.

ليس الاعتراف بالأنظمة الأساسية والتشغيل بموجب عقود مسألة ذاتية نتجاوزها بموقف يسطر في بيان بل أمرا موضوعيا مفروضا بقوة الواقع. ما دامت التنسيقية غير قادرة على إسقاط مخطط التعاقد فإنها تتعامل معه كأمر واقع: نعم نرفضه ولكن نضطر إلى العمل في إطار وتقاضي الأجور ضمنه.

سيخلي موقف المقاطعة الساحة لبيروقراطيات النقابات التي ستتقدم لهذه الانتخابات وستستطيع جر نسبة مهمة من المفروض عليهن- هم التعاقد للمشاركة فيها، ما دامت المقاطعة لن تتوجه لعرقلة وإفشال عمليات التصويت التي ستكون مشتتة في مقرات الأكماديميات الجهوية، إن لم يكن في المؤسسات التعليمية.

ومهما كان موقف التنسيقية فعلى قيادات النقابات التعليمية احترامه:

– إذا قررت التنسيقية الوطنية مقاطعة تلك الانتخابات فعلى قيادات النقابات التعليمية الالتزام بعدم المشاركة فيها، وهو موقف مستبعد نظرا لأجندات هذه القيادات الخاصة.

– إذا قررت التنسيقية المشاركة فعلى القيادات النقابية الالتزام بعدم التقدم بأي لائحة نقابية، وتلتزم بمناصر لائحة مستقلة خاصة بالتنسيقية الوطنية.

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا