الجزائر: انتخابات العسكر على محك الرفض الشعبي العارم، ما التطورات المحتملة؟  

باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي يصر الجيش على تنظيمها يوم 12 دجنبر القادم، تتصاعد حملة المقاطعة الشعبية لتلك الانتخابات، بما هي مناورة من نظام العصابات لإحكام قبضته على رقاب الشعب بإرساء ديكتاتوريته ونهب ثرواته بالفساد المعهود بعد أن هز جدورها الاندفاعة الثورية المنطلقة مند 22 فبراير 2019.

الكثافة الجماهيرية الهائلة التي تكتسح كل يوم جمعة شوارع المدن (وصلت الى 42 جمعة حتى الآن) زاد عددها وزخمها وغضبها في العاصمة ومدن الشمال والشمال الغربي (التي تضم 94 بالمئة من الساكنة)، بل انضافت لها مسيرات ووقفات ليلية. ويجرى الحديث عن اعلان اضراب عام شامل قبيل يوم الانتخابات.

الطغمة العسكرية عازمة على فرض الانتخابات.

بات قائد الجيش حاكما فعليا للجزائر وخطبه أوامر، ويعتبر إجراء الانتخابات الرئاسية في التاريخ المقرر خيار لا رجعة عنه، أما المعارضون فمجرد أتباع قوى تناصب العداء للوطن، أما الشعب الجزائري فيلتف خلف ما تقرره قيادة الجيش. يصر قائد العسكر على تجاهل ملايين الجزائريين في كل المناطق الذين يعلنون بشكل واضح أنهم يرفضون ما يحاول العسكر فرضه عليهم.

صراع القوى اليوم في الجزائر بين بقايا النظام بقيادة رئيس الأركان مقابل أغلبية ساحقة من عموم الشعب يوحدها شعار “لا انتخابات مع العصابات”، الأول يستند على أجهزة الدولة خصوصا القمعية (الجيش، المخابرات، البوليس، الحكومة واداراتها، الاعلام الرسمي..) مقابل كثلة الرفض الشعبي وقوة التعبئة الجماهيرية في المسيرات الشعبية والشبابية، الاضرابات المهنية ووسائل التواصل الاجتماعي. الصراع متمحور حول ماذا سيحصل يوم 12 دجنبر2019؟ هل ستمر عملية الانتخاب؟ هل ستقتصر على مناطق دون أخرى؟ لكن الأهم ماذا سيحصل بعد 12 دجنبر، هل ستتواصل الدينامية الشعبية العارمة؟ ما استراتيجية العسكر حينها؟

خيارات نظام العسكر المحتملة؟

المترشحون للانتخابات خمسة أشخاص كلهم شغلوا مناصب وزارية أو ممثلين برلمانيين عن أحزاب داعمة لنظام بوتفليقة حتى سقوطه، باستثناء علي بن فليس الذي كان رئيس حملة بوتفليقة في انتخابات 1999 وترشح لمنافسته في باقي الانتخابات الرئاسية منذ 2004. اجمالا سيكون أي فائز من صلب نظام الحكم القائم. لكن بالنظر للدينامية الثورية التي تهز أعماق النظام فان تفاصيل صغيرة لها دلالتها في ميزان القوى الطبقية. يبدو من باب منطق الأمور أن تنصيب علي بن فليس رئيسا واقراره إجراءات عاجلة من قبيل، تشكيل حكومة من شخصيات ذات صدقية، إطلاق سراح معتقلي التظاهرات والرأي، إعلانه آليات لتنظيم نقاش شعبي يصوغ دستور ديمقراطي يلبي مطالب الشعب الديمقراطية والاجتماعية، التزامه بانتخابات رئاسية سابقة لأوانها. سيمثل ذلك مخرجا لنظام الحكم من مأزقه الراهن بكسبه لقاعدة سند ستعتبر ان مطالبها تحققت جزئيا بطريقة ما. لكن الزمرة الحاكمة لا يبدو انها مستعدة للمقامرة بتنصيب رئيس قد يحوز على أبسط مساحة من الاستقلالية قد يستند على قوة النضال الشعبي لاستئصال الزمر الباقية من العصابات المحسوبة على فلك الجنرالات.

بصفة رسمية، قررت قيادة حزب جبهة التحرير الوطني، اختيارها دعم عز الدين ميهوبي مرشح التجمع الوطني الديمقراطي، طبعا اسباب التأخر عن الإعلان عن المترشح الذي سيدعمه حزب التحرير الوطني يرجع إلى انتظار قيادته تلقي الأمر من العسكر الحاكم الفعلي، ومن جانبه أراد الأخير ترك الأمور حتى اللحظات الأخيرة بعد أن تتوضح الامور. الآن بات واضحا أن خيار نظام العسكر هو تنصيب عز الدين مهيوبي خليفة احمد اويحيا الموجود رهن الاعتقال على رئاسة حزب التجمع الوطني الديمقراطي. لكن ما العمل مع غليان شعبي هادر رافض للانتخابات الرئاسية أصلا، ناهيك عن صدمه بتعيين أسوء خيار بين المترشحين الخمس؟

في حال حصلت الامور بهذا الشكل وانتخب عز الدين ميهوبي فإن الجزائر سائرة نحو موجة قمع باسم تنفيذ أمر الرئيس الشرعي  العازم على محاربة أذيال الخارج، لكن هنا الأمر يتعلق بحركة جماهيرية واسعة ما سيفتح الباب على دينامية نوعية لصراع طبقي كبير مفتوح على احتمالات عديدة.

سبل بلوغ الديمقراطية الجدرية.

ان عزم نظام العصابة على غلق قوس الانتفاضة الشعبية دليل على حرصه أن يظل نظام القمع الديكتاتورى والفساد الهائل بلا تغيير. لكن رهانات الشعب أكبر بكثير من مجرد صراع حول محطة انتخابات رئاسية بل يطال مجمل حياة البلد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لقد بدد نظام بوتفليقة الفاسد ثروة هائلة من عائدات البترول إبان سنوات ارتفاع الأسعار  وطلب عالمي كبير دون أن يوظف ذلك في خلق بنية اقتصادية منتجة بديلا من الارتهان بعائدات البترول على العكس أطلق العنان لزمر فاسدة تتنافس على سرقة أكبر ما يمكن من الثروة كل بطريقته وفي مجاله الخاص. اقتصاد البلد اليوم في أزمة عميقة، عجز الميزانية كبير وعائدات المحروقات في تقلص، معدلات التضخم في ازدياد والأزمة الاجتماعية تتفاقم. ما يضع على جدول مهام قوى التغيير الديمقراطي الجذري أسئلة جوهرية، كيف نحمي الثروة الوطنية من محاولات الشركات الامبريالية السيطرة عليها بشتى الطرق؟ كيف نواجه ضغوط المؤسسات الامبريالية التي ستستعمل الآزمة الاقتصادية الوشيكة؟ كيف نحافظ على المؤسسات العمومية وتخليصها من الفساد والتبذير البيروقراطي؟ استعادة الشركات التي جرى خصخصتها وعلى أي أسس سيتم تسيرها؟ أموال شركات العصابة الفاسدة مصادرتها وتأميمها؟  تدقيق أموال الصناديق والاحتياطات المالية أين صرفت والجهة المستفيدة؟ التحقيق في الميزانية العسكرية والصفقات التي أبرمت سواء لاقتناء السلاح أو التموين والانشاءات؟ أي برنامج اقتصادي اجتماعي عاجل لانطلاقة أوراش اجتماعية وتقليص البطالة الجماهيرية وتعديل الارتهان بالمحروقات؟

إن بلورة بديل اقتصادي يستجيب لحاجات الشعب لن يصدر عن لجان تقنيين ومختصين مهما كانت كفاءاتهم بل هو ثمرة نقاش شعبي واسع يجرى إقراره ديمقراطيا عبر لجان قاعدية في أماكن العمل والسكن والدراسة. دون تطور النضال الشعبي  ليرتقي من مجرد رفض ما يقرره نظام الحكم والانتقال الي صياغة  البدائل والبدء في تنفيذها وممارسة السلطة  البديلة عمليا، غير دلك  فان النظام الذي نهب البلد سيواصل سياسته وستشغل وجوه جديدة مكان الفاقدة للاعتبار دون تغيير يدكر.

التضامن الأممي الضروري

الجزائر مقبل على لحظات حاسمة، وإصرار النظام العسكري على إعادة فرض نفس أساليب الحكم المعهودة خلال العقود الماضية غير ممكنة إلا بتشديد القمع وبإنزال الهزيمة بملايين المعارضين، هذا الخيار يهدد جهاز الحيش نفسه بالتفكك ولا أحد يمكنه التنبؤ باحتمالات تطور الوضع حينها. الأكيد أن انتخابات يوم 12 دجنبر 2019 ستدفع الصراع ضد نظام العصابات لمرحلة جديدة ستطبع نتائجه مستقبل الجزائر السياسي.

على المنظمات الاشتراكية وكل القوى الديمقراطية عالميا إطلاق حملة دعم نشطة ضد كل محاولات النظام العسكري نهج سياسة قمع ضد الانتفاضة الثورية، يجب ممارسة الضغط العملي ضد أنظمتنا الحاكمة التي تتواطؤ مع النظام العسكري وتقايض صمتها على جرائمه بمنافع اقتصادية أو أمنية. يجب مساندة أي حملة نضال شعبي لاسترداد الأموال التي سرقتها العصابات ودعم رفع السر التجاري عن حسابات السراق، ومساندة ضحايا القمع بالوقفات أمام السفارات وإطلاق عرائض الاحتجاج …الخ.

بذلك نعيد الوصل بالحملة الأممية الداعمة لثورة التحرير الجزائري التي اغتصبت أمانيها من قبل نظام عسكري فاسد يقاتل لإجهاض طموحات ثورة 22 فبراير الجارية.

بقلم، أحمد أنور

شارك المقالة

اقرأ أيضا