الجيش قوة منظمة بيد الرأسماليين لإخماد الحراك الشعبي، والإجهاز على الثورات

موجات ثورية مستمرة تعم المنطقة العربية والمغاربية بالعقد الثاني من القرن 21، تستوجب استخلاص الدروس وتدقيق الشعارات 

انفجرت من سيدي بوزيد بتونس أواخر 2010  احتجاجات شعبية كبيرة، تحولت بسرعة لهزة ثورية زعزعت المنطقة العربية والمغاربية، مرغمة رئيسها بنعلي للهرب إلى السعودية يوم 14 يناير2011 تاركا كرسي الرئاسة. و يوم 25 من الشهر نفسه اهتزت مصر بدورها، فتخلت قيادتها العسكرية عن مبارك الذي تنحى عن الرئاسة يوم 11 فبراير2011، وبدأ مسلسل محاكمته العلنية. وبالتاريخ نفسه، أي 11 يناير اندلعت تظاهرات في اليمن “يوم الغضب” مما جعل النظام يقدم تنازلات مهمة للمعارضة، وفي 27 فبراير تفجرت الثورة اليمنية بشكل قوي ضد نظام علي عبد الله صالح، فواجهها نظامه بالأسلحة ، وتدخلت دول الخليج بمبادرة سياسية في 23 نونبر2011 لحل “الأزمة اليمنية”، فمنحت لعبد الله حصانة قانونية، وتسلم نائبه عبد ربه منصور هادي الرئاسة يوم 21 فبراير 2012، ليتم بعد ذلك قتل عبد الله صالح يوم 4 دجنبر 2017 اثر استهدافه من طرف الحوثيين حلفائه الجدد، فاستمرت المأساة الإنسانية والتدخل الأجنبي باليمن حتى حدود اليوم بزعامة العربية السعودية.   

وفي 14 فبراير2011 اندلعت ثورة شعبية عارمة بالبحرين كادت أن تسقط نظام أحمد بن عيسى أل خليفة، بعد اعتصام بساحة اللؤلؤة في قلب العاصمة المنامة، فتدخلت قوات درع الخليج العسكرية بالجنود والعتاد والمدرعات لنسف الثورة البحرينية، وأعلن الملك حالة الطوارئ والعمل بالأحكام العرفية.

 وفي 17 فبراير2011 اندلعت الثورة الليبية ضد نظام معمر القذافي، فواجهها بالرصاص الحي، فتحولت إلى مواجهات مسلحة وحرب أهلية، وفي يوم 10 أكتوبر 2011 انتهى حكم القذافي بعد تدخل حلف الشمال الأطلسي(الناتو) في ليبيا، ولا زالت نيران الحرب مشتعلة وتحصد الأرواح إلى الآن.

وفي 20 فبراير 2011 خرجت الجماهير الشعبية بالمغرب بشكل غير مسبوق، واستطاعت أن تنتزع من النظام بعض المكتسبات الطفيفة التي لم تستطع الأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية البرجوازية تحقيقها طيلة نصف قرن.

 وفي 15 مارس2011 من نفس السنة اندلعت الثورة السورية ضد نظام بشار الذي ورث الحكم من والده حافظ الاسد فواجهها منذ لحظتها الأولى بالسلاح والنار، فدمر البلد بكامله، ودفع بملايين السوريين/ات لمغادرة الوطن طلبا للجوء وهروبا من بطش نظامه، ودمر حضارة إنسانية ضاربة في عمق التاريخ.

إن زلزال سنة 2011 كان قويا حيث تحركت الجماهير الشعبية في موريتانيا والجزائر والسودان ولبنان والأردن وفلسطين والسعودية وعمان والعراق والكويت وشملت تركيا وإيران. وبرزت حركة ” احتلوا وول ستريت” بالولايات المتحدة الأمريكية، واكتسحت التظاهرات العالم برمته.

الاحتجاجات لم تتوقف والثورة مستمرة

 مع بداية 2019 تفجرت موجة ثانية للثورة وبشكل قوي بالسودان والجزائر، مستفيدة من دروس السيرورة الثورية ونتائجها بالمنطقة، حيث انخرطت الطبقة العاملة عبر الإضراب العام والعصيان المدني، ففي الطبقة العاملة والنساء والشباب وكل المحرومين من خيرات بلدانهم، تكمن الطاقة التي تمد الثورات بالقوة والقدرة على الحركة والتطور والاستمرار.

ورغم كل التضحيات التي تقدمها الشعوب من اجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية فان ثوراتهم/ن تعرضت للقمع والاعتقالات والقتل الجماعي من طرف القيادات العسكرية إلى حدود اللحظة، كما وقع بالسودان و كذا المناورات السياسية والتلاعب بالجزائر.

يوم 1اكتوبر2019 اندلعت  موجة احتجاجية عارمة بالعاصمة بغداد وقد شملت جل المدن بالعراق ضد الطبقة الحاكمة وقد تعرضت للقمع الشديد بالقنابل الخانقة والمسيلة للدموع من اقوى الأصناف ذات الحجم الكبير والرصاص الحي حيث استشهد أكثر من440 مواطن عراقي وآلاف الجرحى بالإصابات الخطيرة اغلبهم من الشباب، رغم هذا القتل تقدمت الاحتجاجات  وفرضت على رئيس الحكومة عادل عبد المهدي الاستقالة عبر مجلس النواب في 1 دجنبر2019 تحت ضغط الشارع ، ويعد عبد المهدي من القادة الرئيسيين للتيارات الدينية والإسلام السياسي والحركات الرجعية بالعراق، وكان اللواء الركن عبد الكريم خلف المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، قال لوكالة الإعلام العراقية الرسمية  أن ” عمليات وزارة الصحة لم تسجل أي حالة استشهاد في ساحات التظاهرات…” ونفى إطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين/ات بساحة التحرير..”. هكذا تتعامل القيادات العليا للجيش مع الاحتجاجات السلمية للشعوب الثائرة.

يعد برهم صالح رئيس الجمهورية العراقية  المعين من طرف أغلبية مجلس النواب يوم 2 اوكتوبر2018 من السياسيين المرتبطين بالقوى الإقليمية الرجعية والاحتلال الامبريالي، فقد التحق بالعام 1976 بالاتحاد الوطني الكردستاني مع جلال تالباني، والتحق بتنظيمات أوروبا للاتحاد الوطني الكردستاني منذ 1980 وكان مسؤول عن العلاقات الخارجية في بريطانيا، وفي عام 1992 عين ممثلا لأول حكومة بإقليم كردستان العراق ومسؤول للعلاقات الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية، وتولى منصب حكومة إقليم كردستان ، وبعد احتلال العراق والقضاء على النظام الاستبدادي لصدام حسين في 2003 وتفكيك أجهزته العسكرية والحزبية وإعدامه شنقا، عين نائبا لرئيس الوزراء بالسلطة الائتلافية المؤقتة عام 2004 ثم وزيرا للتخطيط بالحكومة الانتقالية عام 2005 ونائبا لرئيس الوزراء بالحكومة التي اشرف عليها الاحتلال عام 2006 بقيادة الجنرال المتقاعد  جاي غارنر، و بول برايمر رئيس الإدارة المدنية المشرفة على إعادة الاعمار (حكومة نوري المالكي الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامي) المرتبط بالقوى الإقليمية الرجعية والاحتلال الأمريكي الامبريالي، وتولى مهمة أساسية باللجنة الاقتصادية في العام 2007، وقد أسس الجامعة الأمريكية بمدينة السليمانية بالعراق، وتقلد منصب رئيس مجلس أمنائها. (1)

يوم 17 اكتوبر2019 انتفضت الجماهير اللبنانية بكل البلد ونزل الناس إلى الساحات بالعاصمة بيروت حيث تعرضوا للقمع الشرس بالقنابل الخانقة والضرب بالهراوات واستعمال مياه الخراطيم والاعتقالات والإذلال، لكن صمود الشباب جعل السلطات تتراجع، وباليوم التالي كان اللبنانيين /ات بالموعد حيث نزلوا بالملايين للشوارع ردا على ذلك، ونظموا اعتصامات بجل المدن الكبرى بالأخص طرابلس وبيروت، ويوم 29 أكتوبر 2019 أعلن سعد الحريري رئيس الوزراء استقالته تحت ضغط الشارع، ويعد سعد الحريري من الأسر الرأسمالية الكبرى بالمنطقة التي توظف الدين في السياسة.

فرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، من خريجي المؤسسة العسكرية وتكون فيها منذ 1955 وتلقى تدريبات وتكوين بكل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، فقد عين قائدا للجيش من 23 يونيو1983 حتى 27 نونبر1989 وتقلد منصب رئيس الحكومة التي تحملها الجيش اثر الأزمة السياسية بتاريخ 22 سبتمبر 1988، بعد نهاية الحرب الأهلية لجاء للمنفى بفرنسا سنة 1991، وبعد عودته سنة 2005 ،انتخب عضو بمجلس النواب من 1 مايو2005 حتى 31 اكتوبر2016، ويعد عون من موظفي الدين بالسياسة. (2)

نبيه بري رئيس مجلس النواب، فقد سبق له أن تقلد عدة مناصب بالدولة ، منها : وزيرا للعدل سنة 1984 حتى 1988، ووزير للموارد المائية والكهرباء 1989- 1990، ووزيرا للسكان ثم وزير دولة 1990 – 1992، ووزيرا للشؤون الجنوب والاعمار سنة 1992.

وقد ترأس مجلس النواب لفترات طويلة جدا، منها مجالس سنة1992، و 1996و2000 و2005 و2009 و2018 حتى الآن. ويعد نبيه بري من موظفي الدين بالسياسة، وهكذا ترك الاستعمار للبنانيين /ات نظام سياسي برجوازي رجعي مؤسس على الدين.(3) 

يوم 26 اكتوبر2019 بمدينة البدواي بالشمال استخدم الجيش اللبناني الرصاص المطاطي والذخيرة الحية لتفريق اعتصام سلمي بإحدى الطرق الرئيسية لإغلاقها ضغطا على سياسة الدولة، مما نتج عنه إصابة مواطنين اثنين بإصابات خطيرة، واصدر الجيش بيانا ذكر فيه بأنهم استعملوا الذخيرة الحية دفاعا عن النفس”ضد هجمات المحتجين”بالحجارة والمفرقعات النارية الكبيرة” مما أصاب خمسة من عناصره، وأنها فتحت تحقيقا بالحادثة أمام المحكمة العسكرية.(4)

يوم 12 نونبر2019 استشهد  الشاب علاء ابو فخر عضو بلدية الشويفات    بجوار عدد من المحتجين/ات بمنطقة خلدة الساحلية بجنوب بيروت برصاصة برأسه أطلقها عليه عنصر من الجيش الوطني اللبناني، وأعلنت قيادة الجيش بعد ذلك بأن المدعي العام العسكري أمر بإجراء تحقيق بالقضية، ثم أصدرت بيان أعلنت فيه بأن مديرية المخابرات بالجيش أتمت التحقيق وأحالت المعاون الأول شربل عجيل “للقضاء المختص” إن المحاكمة العادلة تستوجب استقلال القضاء،  فمن سيحضر لجلسات المحاكم العسكرية؟ وما أطوارها واستئنافها؟ فمن شروط الديمقراطية الحقيقية استقلال القضاء، وإخضاع الجميع له بما فيه أعلى سلطات بالبلد،(5)(6)

قائد الجيش اللبناني جوزاف عون تربى وتكون به التحق بصفة تلميذ ضابط والحق في الكلية الحربية منذ 19 مايو 1983، ورقي لرتبة ملازم سنة 1985 وملازم أول 1988 ثم نقيب سنة 1993 ثم رائد سنة 1998، رقي لرتبة مقدم 2003، وفي سنة 2007 رقي لرتبة عقيد، وفي سنة 2013 رقي لرتبة عميد ركن، ثم رتبة عماد ، وفي سنة 2017 عين قائدا للجيش اللبناني.

 فالقاعدة الأساسية لعناصر الجيش اللبناني وكل الجيوش بالمنطقة العربية والمغاربية التي اندلعت بها الثورات بهذا العقد،  من أبناء وبنات الكادحين، فإنها تعيش أوضاع صعبة مع لهيب الأسعار وغلاء المعيشة، وحالة المتقاعدين بالجيش جد مزرية مع هذه الأوضاع وتجميد الأجور الزهيدة.(7)

الثورات بالمنطقة تسقط رؤساء تخرجوا في مؤسسات الجيش 

جل زعماء الأنظمة التي هزتها الثورات بالمنطقة من خريجي المؤسسات العسكرية أو من سلالتها، أسسوا أحزاب سياسية وشكلوا قيادتها الأبدية للسيطرة على كل مسام دولة  الطبقة البرجوازية عسكريا ومدنيا. 

 فزين العابدين بن علي حاصل على شهادة المدرسة العسكرية في ( سان سير) و(شالون سور مارن)  بفرنسا، وتدرب وتكون في مدرسة المدفعية العسكرية العليا للاستخبارات والأمن في (بلتيمور ) بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن مدرسة المدفعية الميدانية في (تكساس) بنفس الدولة وعين على إدارة الأمن العسكري التونسي، حيث تولى رئاسته قرابة عشر سنوات ثم عين على إدارة الأمن الوطني التونسي سنة 1977، وتقلد منصب وزير الداخلية في 28 ابريل 1986، ثم رئيس الوزراء في أكتوبر 1987، ويوم 7 نونبر من السنة نفسها أزاح الرئيس الحبيب بورقيبة بعلة حالته صحية وملفه الطبي، والعجز عن مهمة منصب رئاسة الدولة، وتولى رئاسة تونس، وفي سنة 1988 قام بمعية حاشيته بتأسيس حزب ” التجمع الدستوري الديمقراطي” على أساس تجديد الحياة السياسية، بينما هياكل الحزب الأساسية هي حزب” الاشتراكي الدستوري ” للرئيس بورقيبة، فسيطر على الحياة السياسية منذ تأسيسه، حيث شبك أجهزة الدولة بأجهزة الحزب  كما كان الأمر في عهد بورقيبة. 

التحق حسني مبارك بالكلية الحربية وحصل على شهادة العلوم العسكرية سنة 1949، وتخرج برتبة ملازم، ثان ثم عمل ضابطا  بسلاح المشاة، والتحق بالكلية الجوية، وتخرج منها بحصوله على شهادة علوم الطيران سنة 1950، وقد تلقى دراسات وتكوينات عليا بأكاديمية (فرونز) (بالاتحاد السوفيتي) سنة 1964، ثم تقلد منصب أركان حرب القوات الجوية سنة 1969، ليصبح قائدا لها سنة 1972، وعين نائبا لوزير الحربية في7 غشت 1978 اجتمعت الأمانة العامة للحزب الذي أنشاه الرئيس أنور السادات  بعد حل حزب” الاتحاد الاشتراكي العربي” وتم الاتفاق على تسميته “الحزب الوطني الديمقراطي” وقد تولى رئاسته السادات حتى يوم اغتياله سنة 1981 ليتولى رئاسته حسني مبارك.

انضم علي عبد الله صالح للجيش مبكراً، ففي 1960 التحق بمدرسة الضباط وهو في سن الثامنة عشر، ثم عمل سائقا لمدرعة، وترقى لمرتبة ملازم ثان عام 1963، والتحق بمدرسة المدرعات في 1964، وتدرج بصفوف الجيش، وحصل على رتبة قائد اللواء بمنطقة تعز في 1975، وقد برز علي عبد الله عقب انقلاب قاده إبراهيم الحمدي ضد حكم عبد الرحمن الأرياني، حيث عين علي عبد الله  قائد للواء برتبة رائد، ثم عضو بمجلس الرئاسة، وفي24 يونيو 1978 اغتيل الرئيس احمد الغشمي وتولى علي عبد الله رئاسة اليمن وقائدا للقوات المسلحة، وكان أول قراراته إعدام نحو ثلاثين مواطنا يمنيا بتهمة الإعداد للانقلاب على حكمه، وقد ترقى إلى رتبة عقيد سنة 1979، ويوم 24 غشت 1982 أسس بمعية زبانيته حزب “المؤتمر الشعبي العام” على أسس عشائرية وقبائلية فسيطر على الحياة السياسية باليمن.

تخرج معمر القذافي  في الكلية الحربية عام 1962 برتبة ملازم، وبعث للأكاديمية الملكية العسكرية ( ساند هيرست)  ببريطانيا للدراسة والتكوين، وتخرج فيها سنة 1965، فقام بمعية مجموعة ضباط بانقلاب عسكري على نظام الملك إدريس السنوسي يوم 1 سبتمبر 1969، وترقى لرتبة عقيد، وأصبح قائدا عاما للقوات المسلحة في السنة نفسها، ثم عين رئيسا لمجلس قيادة الانقلاب العسكري، وقام بتصفية معارضيه من الضباط الانقلابيين الذين ساهموا معه بالإطاحة بالملكية، وإبعاد آخرين عن المسؤولية الأساسية، وفي سنة 1977 أطلق على نظام حكمه اسم “الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية” وأنجز كتابا اخضر، وأراد أن يناهض الشيوعية والرأسمالية معا، وسيطر على البلد. 

تخرج عمر البشير الذي أبعده الجيش، في الكلية الحربية السودانية عام 1967، وحصل على شهادة العلوم العسكرية في كلية قادة الأركان عام 1981، ثم شهادة العلوم العسكرية في ماليزيا عام 1983، وشهادة  الأكاديمية العسكرية بالسودان، وقد اشتغل لمدة بدولة الإمارات العربية، وتدرج بالمؤسسة العسكرية، وعين قائد للواء الثامن مشاة من 1987 حتى 1989. وفي سنة 1989 قاد بمعية ضباط عسكريين بانقلاب في السودان على الحياة السياسية والبرلمانية، بدعم من جبهة الإنقاذ، احد أقوى التنظيمات الدينية الرجعية بالمنطقة بقيادة حسن الترابي، المرتبطة بحركة الإسلام السياسي عالميا، فأسس حزب المؤتمر الوطني/حزب الحركة الإسلامية السياسية مع الترابي، بعد السيطرة على أجهزة الدولة، وعلى إثر الانقلاب العسكري أصبح عمر البشير رئيسا لمجلس القيادة  ورئيسا للوزراء، ووزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة، ثم حل مؤسسة البرلمان والأحزاب السياسية، ومنع الصحف، ثم حل مجلس قيادة الانقلاب العسكري، وتولى منصب رئيس السودان، وأعلن حالة الطوارئ. ويوم 1 ابريل 2019 تم عزله من الرئاسة بعد 30 سنة، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية الميدانية، وتتم محاكمته اليوم بالسودان.

تولى عبد العزيز بوتفليقة مسؤوليات عسكرية أثناء الكفاح المسلح ضد الاستعمار، عين مراقبا عاما للولاية الخامسة سنتي 1957 و1958 ثم ضابطا في منطقتين الرابعة والسابعة بالولاية الخامسة، والتحق بالقيادة العامة العسكرية وقيادة الأركان، ثم الأركان العامة، والتحق بالحدود الجنوبية للجزائر لقيادة جبهة هناك، سنة 1960 أصبح عضوا بمجلس قيادة الثورة، وبعد استقلال الجزائر أصبح عضوا بأول مجلس وطني تأسيسي، وأسندت له عدة مناصب في جهاز الدولة الجديدة، وعين وزيرا للشباب والرياضة والسياحة سنة 1962، ثم وزيرا للخارجية سنة 1963، وأصبح بوتفليقة عضوا باللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني وعضو بالمكتب السياسي سنة 1964.

في 19 يونيو 1965 قاد وزير الدفاع هواري بومدين انقلابا عسكريا ضد الرئيس أحمد بن بلة، وأيده عبد العزيز بوتفليقة الذي ظل من اكبر مدعميه، ومكث بوزارة الخارجية إلى يوم وفاة بومدين 28 دجنبر1978، بعد ذلك غادر الجزائر سنة 1981 واستقر بدولة الإمارات العربية، وفي 8 غشت 1983 اصدر مجلس المحاسبة حكما يدينه باختلاس أموال عمومية.

في سنة 1987 عاد بوتفليقة للجزائر وشارك في مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني في نونبر1988 فانتخب عضوا في اللجنة المركزية، لكنه أعلن الترشح للانتخابات الرئاسية بصفته مستقلاً سنة 1998، ونافسه ستة مرشحين، انسحبوا جميعا من المنافسة قبل يوم من موعد الاقتراع، بعلة الفساد والتزوير وانحياز المؤسسة العسكرية لبوتفليقة، فانتخب هذا الأخير يوم 15 ابريل 1999 رئيسا للجزائر. وفي سنة 2004 ترشح مرة ثانية مدعوما من الأحزاب السياسية البورجوازية والليبرالية والرجعية، وفاز بنسبة 85% حسب الإعلان الرسمي، وقام بتعديل الدستور على مقاسه، فترشح لولاية رئاسية ثالثة سنة 2009، المحسومة سلفا لصالحه، فانتخب بأغلبية 90.25 %. وظل بمنصبه حتى أصيب بجلطة دماغية وأصبح مقعدا على كرسي متحرك.

  ورغم ذلك رشحته الطبقة الرأسمالية والجيش للانتخابات سنة 2019، وعمره 82 سنة، مما فجر الثورة من جديد وجعل الجزائريين يرفعوا شعار ” يتنحوا جميعا” و”اكلتوا البلاد  يا سراقين”، يوم 26 ابريل 2019 قدم بوتفليقة استقالته بعد 20 سنة متتالية على رئاسة الجزائر وخدمة الرأسماليين الكبار، تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية بالميادين..

أنضم الفريق أحمد قايد صالح لجيش التحرير الوطني الجزائري مبكرا عام 1957 وتلقى تكوينا وتدريبا عسكريا بالجزائر، وبعد الاستقلال، تدرب في” الإتحاد السوفيتي” من 1969 إلى 1971، وتخرج فيها وحصل على شهادة عسكرية في أكاديمية (فيستريل)، وتدرج بالمؤسسة العسكرية، وعين قائدا لكتيبة مدفعية، ثم قائدا للواء وقائد” مدرسة تكوين ضباط الاحتياط” ثم عين قائدا للعمليات بالوسط ثم بالجنوب، وأصبح نائبا لقائد النواحي العسكرية الخامسة والثالثة والثانية، وقد ترقى لرتبة لواء عام 1993، وعين قائدا للقوات البرية عام 1994، ثم عين قائدا لأركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري عام 2004، ثم ترقى لرتبة فريق عام سنة 2006، وعينه الرئيس بوتفليقة نائبا لوزير الدفاع سنة 2013، وطيلة هذه الفترة عرفت الجزائر عدة انتفاضات واحتجاجات بجل المدن والمناطق وتعرضت للقمع الشديد، وكان توقيف مسار الانتخابات التشريعية بعد حصول “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” على أغلب المقاعد، اكبر أزمة سياسية، نتجت عنها حرب أهلية قاسية، ذهب ضحيتها آلاف من الجزائريين/ات، فالفريق أحمد قايد صالح  قريب جدا من سياسة الرئيس بوتفليقة، وقد دعمه في جل قراراته المصيرية بما فيها ” مشروع تعديل الدستور”سنة 2016، وترشحه لرئاسة الجزائر.

هؤلاء الحكام المستبدين الذين أطاحت بهم الثورات بدون تفكيك أنظمة حكمهم، وآخرون مستبدين مثلهم وأكثر، لازالت براميل البارود تحت أرجلهم، جلهم تربو وتكونوا وتخرجوا في مدارس وكليات عسكرية محلية وأجنبية، وحصلوا فيها على شهادات عليا، ووصلوا إلى رأس السلطة عبر انقلابات عسكرية، أو ملوك ورثوا الحكم والسلطة والمال عن أسلافهم، أو رؤساء ورثوا الحكم مثل بشار بسوريا، أوعبر انتخابات مزورة نتائجها ، انتخابات معدة للواجهة ومتحكم فيها بالأموال وأجهزة الدولة، إنهم يحكمون كما أرادت لهم الطبقات البورجوازية المسيطرة على الثروات، التي مهدت لهم السبل ليكونوا في خدمة مصالحها، وليصبحوا من أثرياء المنطقة الكبار، الغارقين في الفساد المالي والجرائم ضد شعوبهم، وقد أسسوا أحزاب سياسية للواجهة، وتحكموا بكل مفاصل الدولة، وادمجوا في منظوماتهم اغلب التيارات السياسية البورجوازية الانتهازية، من شتى الإيديولوجيات، الرجعية الدينية والليبرالية والمدعية للحداثة والقومية، لأجل ضمان ديمومة الاستبداد والاستغلال.

“الجيش والشعب يد واحدة” “الجيش والشعب خاوة خاوة” يتوجب تدقيق شعارات المعارك الثورية

لقد كشفت هذه الثورات لمن تجهز الجيوش العسكرية و تصرف عليها الأموال ولأجل من تشتري الأنظمة الاستبدادية أنواع الأسلحة، إن شعوب المنطقة يعيشون تحت القهر والفقر والجوع والبطالة  الاستغلال المفرط للطبقة العاملة وعدم المساواة بين النساء والرجال، والقمع والمنع من حق التعبير والاحتجاج على السياسات التي تكرس حياة الإذلال والاحتقار، فهذه الأوضاع مفروضة على شعوب المنطقة بقوة السلاح، وتعمل القيادات العسكرية بكل حزم  لخدمة أقليلة مستحوذة على الثروات والحكم، وشكلت أنظمة تابعة للقوى الامبريالية حامية ملتها.

إن شعار”الجيش والشعب يد واحدة”الذي رددته الأحزاب الليبرالية والرجعية بمصر منذ يناير2011 وانتشر بين الجماهير، بعد نزول الجيش لتعويض الشرطة والقيام بدورها بعد انهزامها، شعار مضلل وخادع، يطمس حقيقة الصراع الطبقي ودولة الرأسماليين ومؤسساتها التي من أهمها القوات العسكرية المسلحة.

إن شعار ” الجيش والشعب خاوة خاوة” الذي رفع بالجزائر هو نفسه الذي تم رفعه بمصر وإن بصيغة أخرى، لكن الوقائع وما يجري على الأرض تكشف زيف هذا الشعار وامثاله، فما ثبت حقيقة، هو ارتباط  المؤسسات العسكرية وقيادة أركانها بالأقلية النهابة، التي أطلقت عليها الشعوب الثائرة الطبقة الفاسدة والعصابات، فقيادة الجيش تقف يدا واحدة مع الأنظمة الاستبدادية والرأسماليون وهم إخوتهم الحقيقيين.

بعد نجاح الثورات في إسقاط الرؤساء في كل من تونس ومصر طلبت بعض الأحزاب والتيارات السياسية البورجوازية والليبرالية بحل الأحزاب التي كانت واجهة للحكم، وقد تم حل بعضها فعلا، مثل “حزب التجمع الدستوري الديمقراطي” بتونس، و”الحزب الوطني الديمقراطي” بمصر، وقرار المجلس الانتقالي بحل حزب المؤتمر الوطني بالسودان عبر القضاء الذي يعد بدوره أحد أعمدة أنظمة الاستبداد والاستغلال. 

لم تطرح هذه الثورات مسألة القوات المسلحة في المهام الثورية، فشعوب المنطقة تعيش تحت سلطات أنظمة استبدادية ركيزتها الأساسية المؤسسات العسكرية، وقيادتها العليا تعد اكبر قوة متحكمة بجهاز الدولة الرأسمالية، وتعد المؤسسة الأكثر تنظيما بيد الثورات المضادة، مما يستدعي دكها بعد انتصار كل ثورة وظفرها. 

إلى حدود الآن لم تضع هذه الثورات بين أهدافها الجوهرية بناء البديل الذي ضحت الجماهير الشعبية من أجله، وقد استشهد في خضمها الآلاف من المواطنين/ات وتشرد الملايين، وخلفت العديد من المعطوبين والمصابين بعاهات مستديمة، لقد كافحت شعوب المنطقة من أجل تحررها وكرامتها وتقرير مصيرها وسيادتها على ثرواتها  بكل الوسائل المتاحة، وإذا لم تبني قواها الذاتية من أسفل، وتؤسس أحزابها الاشتراكية الثورية، أحزاب الطبقة العاملة فعلا وقولا، من أجل دك الأنظمة الرأسمالية وتفكيك بيروقراطية القيادات العليا لجيوشها التي تصفي كل من ينحاز لثورة الجماهير الشعبية الكادحة من بين صفوفها، وبناء نظام المنتجين المتشاركين على أنقاض الدولة الرأسمالية، سنظل نحصد المأساة مع كل ثورة تندلع بالمنطقة، التي تعد القيادات العليا للجيوش احد أعمدة الثورة المضادة فعلا، وهذا ما يحصل الآن.

بقلم، طه محمد فاضل 

*************************** 

https://arabic.rt.com/middle_east/973779-(1) %D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D9%87%D9%85-%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%AD/

 (2)

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%8A%D8%B4%D8%A7%D9%84_%D8%B9%D9%88%D9%86

https://www.bbc.com/arabic/middleeast-44239601(3)

(4)https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2019/11/lebanon-investigate-excessive-use-of-force-including-use-of-l

(5)https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2019/11/lebanon-only-a-civilian-court-can-ensure-justice-to-the-death

(6)https://www.lebanon24.com/news/lebanon/644752/%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%AE%D9%84%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B5%D8%A7%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D9%82%D8%AA%D9%84%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D8%A8%D9%88-%D9%81%D8%AE

(7)https://www.lebarmy.gov.lb/ar/content/%D8%AC%D9%88%D8%B2%D8%A7%D9%81-%D8%B9%D9%88%D9%86

شارك المقالة

اقرأ أيضا