الأستاذ الرئيس: أحدثُ صيغة في مشرُوع وضع المدرسة تحت رحمة السوق، وشكلٌ جديدٌ للاستغلال المُفرط لشغيلة التّعليم

أصدرت وزارة التربية الوطنية مذكّرة رقم 19- 114 بتاريخ 08 أكتوبر 2019، تتعلق بدمج التوجيه التربوي بالمؤسسات التعليمية الإعدادية والثانوية ضمن مهام هيئة التدريس، هذه المهام التي كانت منوطة بمستشاري التوجيه التربوي.

تم الإعداد لتفكيك مهمة التدريس من خلال مذكرات مُتدرجة: “الأستاذ المصاحب” القائم بمهام هيئة التفتيش التربوي. و”الأستاذ الكفيل” القائم بمهام هيئة التوجيه التربوي والنفسي والاجتماعي في حدود تتبع قسم واحد. ويجري الآن توسيع دائرة هذه المهام لتشمل مواكبة إلزامية لتلاميذ- ات أربعة أقسام لكل مدرس كحد أقصى، بالسلكين الإعدادي والتأهيلي. إضافة إلى ساعات التدريس. ستتم هذه المواكبة عبر التنسيق بين الأساتذة وبين مستشار التوجيه والإدارة التربوية و الآباء وأساتذة القسم:

“تناط بالأستاذ الرئيس مسؤولية التنسيق سواء على مستوى الفريق التربوي أو على مستوى أساتذة القسم، كما يتم تكوين هؤلاء الأساتذة في مجال إعداد المشاريع الشخصية من أجل مصاحبة تلاميذهم بهدف تحقيق الهدف الذي حدده الميثاق والذي يتمثل في تصور وتكييف المشاريع الشخصية سواء قصد الاستمرار في الدراسة أو الالتحاق بالحياة المهنية”. (مقطع من المذكرة 19-114)

خلقت الدولة الشروط المناسبة للتقدم في تفكيك مهن الوظيفة العمومية، عبر استئناف الهجوم على شغيلة التعليم، القاعدة الأوسع في الوظيفة العمومية، لتنتقل بعدها للتكتلات الأصغر بالقطاعات الأخرى [موظفو- ات الجماعات المحلية حاليا]. جبهة الهجوم هذه المرة هي تفكيك الأساس القانوني (النظامي) لمهنة التدريس، أي تدمير الأساس الذي يضمن للشغيلة استقرارا مهنيا وفق مهمة محددة لا تخرج عن إطار التخصص الجامعي للمدرس-ة.

بعد إدخال تغييرات جذرية في أشكال التوظيف بقطاع التعليم عبر فرض صيغة التوظف بموجب عقود، وتوسيع قاعدته. يجري تعميق ”تنويع الأوضاع القانونية للموظفين”،  بالانتقال هذه المرة إلى إجراء تغييرات جذرية في مهام المُدرسين، في اتجاه إضافة مهام إضافية وإضفاء مزيد من الهشاشة على شروط عمل المدرسين-ات.

لا تقوم هذه المذكرة على تصور جديد، بل هي أجرأة لمنظور قديم تضمنته ترسانة هائلة من القوانين منذ صدور “الميثاق الوطني للتربية والتكوين”، وبعده توصيات المناظرة الوطنية حول تطوير وظائف وآليات الاستشارة والتوجيه التي انعقدت في 09 أبريل 2005. ثم “المخطط الاستعجالي”. و”القانون- الإطار”. هذا هو الإطار المرجعي الذي يؤطر مضامين هذه المذكرة.

الغاية من تفكيك مهنة التدريس وإضافة مهام أخرى ليست في صلب تخصص المدرسين، هي “ربط الأجور والترقية بالأداء والمردودية”، و“تخفيض كتلة الأجور” عبر التخلص من آلاف الموظفين المشتغلين في مجال التوجيه، وتقليص توظيف هيئة التوجيه إلى أبعد الحدود، وحتى إمكانية إلغاء هذه الفئة. ورد في الـمادة 37 من المشروع الثامن من الرؤية الاستراتيجية المتعلق بإعادة تحديد الأدوار والمهام بالنسبة لمختلف الهيئات: “تحدد مهام وكفايات الأطر التربوية والإدارية والتقنية المنتمية لمختلف الفئات المهنية العاملة في مجالات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في دلائل مرجعية للوظائف والكفاءات، تعتمد لإسناد المسؤوليات التربوية والعلمية والإدارية، وتقييم الأداء، والترقي المهني. ويتعين أن يراعى في إعداد هذه الدلائل مبادئ المرونة والقابلية للتكيف وخصوصية كل مهنة، مع الأخذ في الاعتبار حاجيات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومتطلباتها”.

تعني “المرونة والقابلية للتكيف” إضافة مهام وأدوار جديدة وفق حاجات القطاع، وضرب الاستقرار المهني للموظفين. ليس هذا الاجراء ظرفيا لمعالجة أوضاع استثنائية، من قبيل شح أعداد الموجهين. بل هو إجراء ضمن خطة لإطلاق العنان لحالة الهشاشة المعممة في صفوف شغلية التعليم. ورد في وثيقة “الارتقاء بتدبير الموارد البشرية، مديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر 30 و31 يناير 2017″ ما يلي: اعتماد “تدبير أنجع للمسار المهني في النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين: عبر ترشيد الموارد البشرية، وتتبع تشغيل وترشيد استعمال الموارد البشرية” و”إرساء أليات لتتبع تشغيل الموارد البشرية عبر تتبع استكمال ساعات العمل النظامية”.

يجري الإعداد لمراجعة جذرية لهيئة التوجيه التربوي، لتقليص أعداد مستشاري التوجيه إلى أقصى حد، وإلقاء الأدوار التي يقومون بها على كاهل هيئة المدرسين، حسب المادة 34 من القانون الاطار رقم 51.17 “تقوم السلطات الحكومية المعنية، خلال أجل لا يتعدى ست سنوات، بمراجعة شاملة لنظام التوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي، من أجل مصاحبة المتعلم ومساعدته على تحديد اختياراته في مساره التعليمي، وتوفير الدعم البيداغوجي المستدام له”.

لن يتحمل المدرسون وزر السياسة التقشفية لوحدهم، بل تشمل أيضا التلاميذ-ات. ورد في المخطط الإستعجالي تعميم “العمل بالمشروع الشخصي للتوجيه باعتباره مقاربة للتوجيه الذاتي تلائم حاجات المتعلمين وتسهل اكتشاف مجالات الحياة المهنية والحياة الدراسية والإمكانيات والاهتمامات الذاتية. وبذلك يصبح التلميذ ، من خلال إعداد مشروعه الشخصي، المسؤول الرئيسي لصيرورة الاختيار واتخاذ القرار في التوجيه“. بذلك ستتخلص الدولة من أعباء التوجيه التربوي، وذلك بجعله مسألة خاصة ببراعة المدرسين وفطنة التلاميذ.

ورد في نفس المخطط “يجب الكف عن الاعتقاد بأن مسألة التوجيه تنحصر في الخدمات التي يقدمها المستشار في التوجيه. لذلك سيعمل المخطط الاستعجالي على تعبئة كل الفرقاء القادرين على المساعدة على التوجيه للانخراط في توفير فضاء مساعد على التوجيه في المدرسة، وذلك من خلال تكوين أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي في مجال التوجيه، حيث يتمكنون من اكتساب كفايات تساعدهم على مباشرة مهامهم في مساعدة ومصاحبة التلميذ”.

بعيدا عن لغة الخداع هاته، جوهر الإجراء المتضمن في المذكرة، هو فرض أعمال ومهام إضافية على نفس الشغيلة دون لجوء لتوظيف أجراء جدد، أي تخفيف “عبء الأجور” على الميزانية العمومية، الجديرة بتسديد الديون الخارجية وتمويل القطاع الخاص عوض “تحملات اجتماعية تثقل ميزانية الدولة”: أحجام التوظيف، أجور، مكملات أجور، أجور غير مباشرة (معاشات تقاعد).

والحالة هذه، لا يجب فصل ما يسمى “الأستاذ الرئيس” عن مهمّتين جوهريتيّن في المدرسة النيوليبرالية التي يتم تأسيسها ببلدنا: مهمّة المراقبة والضبط: والتي تعني توجيه كل اهتمام تلاميذي/شباب نحو تكريس الولاء للاستبداد القائم وتمجيده، ثمّ مهمّة خدمة المقاولة: أي توجيه اهتمام التلميذ حصرا نحو ثقافة السوق والمنافسة والسعي نحو انعتاق فردي. وهما مهمتان ينبغي متابعتهما بشكل دائم، وليس بشكل موسمي كما هو الحال مع أطر التوجيه، وهو ما يفسر إسنادهما لهيئة التدريس مع تطويق هذه الأخيرة بترسانة من النصوص التي تحد من كل هامش لتحرك نقدي.

هذه الإجراءات هي ملامح النظام الأساسي للوظيفة العمومية المستقبلي، يتم تنزيلها بتدرج للإيهام أنها محض إجراءات ظرفية، لكنها مبادئ ليبرالية مستمدة من “تدبير الموارد البشرية” التي أثبتت نجاحها في القطاع الخاص، أتبتت نجاعتها في تهشيش ظروف العمل، وتكثيف استغلال الأجراء.

يشكل هذا الإجراء المتضمن في هذه المذكرة حافزا أخر لاستئناف النضال، وتوحيده ليشمل كافة ضحايا هذه السياسة التقشفية: المدرسون- ات بشتى فئاتهم-ن ومستشاري- ات وأطر التوجيه التربوي والتلاميذ- ات والأسر. لأنه ليس إجراء جزئيا أو معزولا، إنه يعتمد على مقاربة شاملة لأن عناصر نظام الوظيفة العمومية كل مترابط (المسار المهني، والتوظيف والتقييم والترقية والتكوين والحركية ونظام الأجور..).

تقوم الدولة بإنزال “مشروع نظام أساسي لمهن التربية والتكوين” عبر مذكرات وزارية، وحين يكتمل التنزيل ستصادق على المشروع لأنه أصبح أمرا واقعا. وبدل مطالبة الوزارة بإخراج “نظام أساسي عادل ينصف كل فئات الشغيلة التعليمية” كما تفعل قيادات النقابات التعليمية، علينا أن نعبئ من أجل معركة لإسقاط هذه المذكرات المشؤومة والإعداد لمعركة أكبر ضد تفكيك النظام الأساسي لموظفي- ات وزارة التربية الوطنية وكل أشكال الهجوم القائمة والتي يجري إعدادها.

محمد الساعي

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا