انتفاضةُ شغيلة التّعليم يوم 05 أكتوبر 2023: لنستلهم درُوس سَابق النّضالات قصد تطوير مُستقبلها

بقلم: ف. رضوان

نظمت شغيلة التعليم العمومي بالمغرب، يوم 05 أكتوبر 2023، إضراباً عن العمل عرف انخراطا واسعا. احتشد الآلاف من شغيلة التعليم بالرباط في يوم غضب ضد فرض النظام الأساسي الجديد، الذي يُمثل طوراً جديداً في مسلسل طويل يستهدف القضاء على مكتسبات شغيلة التعليم في الاستقرار المهني الذي تضمنه لحد الآن الوظيفة العمومية، وكذا يُمهد لتشديد الاستغلال عبر وضع نظام جديد للتقييم والترقية، ومنظومة للتأديب والعقوبات للقضاء على النضال النقابي في قطاع التعليم. في المقابل لم يأت النظام الأساسي بجديد يذكر على مستوى الأجور التي التَهَمَ التّضخم المُرتفع والاقتطاعات جزءًا غير يسير منها.
مُنذ الإعلان عن إحالة النظام الأساسي الجديد لمسار التصديق الحكومي والبرلماني، تبخرت الأضاليل التي روجتها الوزارة عن الإنصاف والتوحيد والتحفيز، وهي الأضاليل التي ساهمت فيها قيادات النقابات التعليمية منذ توقيع اتفاق 18 يناير 2022 وخصوصا بعد اتفاق 14 يناير 2023. تململت قاعدة الشغيلة بعمق بوقفات بأماكن العمل، وخاض بعضها إضرابا خلال اليومين السابقين لمدة ساعة يوميا. ما شكل عملية تعبئة واسعة سرت كالنار في هشيم شغيلة فوجئت بانكشاف تام أمام هجوم الدولة بفعل افتقادها لكل سيطرة على أدوات نضالها النقابي. كانت التعبئة واسعة تجاوزت الأجهزة النقابية، وحفزت اندفاعة نضالية رافضة لدور القيادات النقابية المتواطئة سياسيا مع الدولة لتمرير عدوانها، لعبت فيها وسائل التواصل الاجتماعي الدور الاكبر، وكان للنساء فيها مشاركة واسعة، نقاشا وتعبئة وحجا للرباط.
إن كل الأوفياء لنضالات الأجيرات والأجراء ينظرون بعين التفاؤل إلى التحرك النضالي لشغيلة التعليم اليوم، ويرون فيه تجسيدا لأملهم- هن الدائم في قدرة الشغيلة على تملك أمرهم بأيديهم، وإصرارهم الراسخ على الإيمان بقدرتهم على تجاوز الكبوات. وانتفاضة شغيلة التعليم اليوم، هي إحدى دلائل الحيوية الكامنة في الطبقة العاملة، وضمنها شغيلة التعليم.
وككل ممارسة نضالية، خاصة في طورها الناهض من إحساس بالخذلان والهزيمة، فإن لهذه الهبَّة النضالية حدودا تجعلها سريعة العطب، إن لم يتم تداركها، فالذين حجّوا إلى الرباط هم فُسيفساء تنسيقيات فئوية وجزر نقابية معزولة عن الطموح الموحد للشغيلة. وكل فئة نزلت تزاحِم من أجل مطلبها الخاص. لا مطلب موحِّد أو سعي من أجل بلوغ تلك الوحدة، بل سعي واعٍ لتفاديها. وظهرت تشنجات واحتكاكات، بعضها مُدان مثل نزع عنيف لأعلام الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وإجبار مناضليها-اتها على الإنسحاب من المسيرة.
ما حصل يوم الاثنين حمل إلى السطح أهم ما يجعل نضال شغيلة التعليم مُعاقا أمام هجوم منهجي للدولة. فتعمق الفئوية والعقلية القطاعية والرفض الأعمى للنقابات كان ميزة بارزة لما حدث يوم 5 أكتوبر 2023.
كما أعاد هذا اليوم النضالي إعادة إنتاج بعض نقاط القصور التي وسمت نضال تنسيقية المفروض عليهم التعاقد مثل الإيمان الراسخ بسهولة تحقيق المطلب واستسهال بمبلغ الهجوم، الذي وصل مرحلته النهائية. فهذه الهبَّة النضالية، جاءَت بعد أن وقع الفأس في الرأس، وهو ما يجعل النضال يحتاج إلى طاقة نضال أكبر، نراها تتبدد في مناوشات فئوية، مشتتة حتى وهي مجتمعة على يوم إضراب واحد ومسيرة واحدة.
لكن من جهة أخرى، ما حدث دليل صارخ على أن الشغيلة تتحرك دفاعا عن مكاسبها، وأن القيادات النقابية أضحت شريكة في العدوان بتعميقها الانقسام في صفوف الشغيلة، واستمرار استعمالها لأساليب ماكرة لدفعها للانتظارية السلبية، عبر نشر الأوهام والرهان على الحوار والتشارك بمعزل عن الضغط الجماهيري أو باستعماله في حدود لا تهدد السلم الاجتماعي المتوافَق عليه، وجمود البنيات النقابية وإشاعة الوصولية والإفساد النقابي. لقد جرى خلق نفور وتشكيك من التنظيم النقابي، حيث تجري مطابقته مع القيادة النقابية ومع خطها المتعاون مع الدولة والمرافق لهجماتها. والحال أن المنظمات النقابية أدوات عمالية اختطفتها شرائح بيروقراطية هي التي يجب النضال ضدها، وتحرير النقابات لتؤدي مهمتها في الدفاع عن مصالح العمال وبناء التضامن العمالي، وهذا مستوى من الوعي لا يوجد بالفطرة لدى الأقسام الواسعة من الشغيلة، بل تصله عبر تدخل سياسي واعٍ متضافر مع تجربة أولئك الشغيلة.
تمثل هَبَّة انتفاضة شغيلة التعليمية يوم 05 أكتوبر 2023 فرصة كبرى لإعادة النضال إلى سكته. يجب أن يعمل كل مناضلي- ات القاعدة، في النقابات التعليمية وفي التنسيقيات على جعله نقطة انطلاق يبنى عليها الطور القادم من النضال.
يشكل الجواب على سؤال دمقرطة الأجهزة النقابية ودمقرطة النضال، منطلقا أساسيا، ويمثل الجواب العملي داخل كل مؤسسة تعليمية، هو توحيد البنيات النضالية عبر لجان مؤسسات موحدة: لجان للنقاش والتنسيق والتواصل، وبناء المطالب، ويمثل مطلب إسقاط النظام الأساسي الجديد، كما صدحت به الشعارات في الرباط، مدخلا لبناء منظومة مطالب جديدة. ترتكز على: زيادة عامة وحقيقية في أجور المدرسين وعموم شغيلة التعليم، الإبقاء على المعايير الجماعية للترقية ورفض كل ربط لها مع ما يسمى المردودية، إدماج الأساتذة المفروض عليهم- هن التعاقد في الوظيفة العمومية باعتباره المدخل الوحيد لتوحيد العاملين- ات في التعليم.
طور نضالي جديد انفتح، لنكن في مستوى الاستعداد النضالي لشغيلة التعليم.

شارك المقالة

اقرأ أيضا