ردود فعل رجعية تجاه نشيد “المُغْتَصِبُ هو أنتَ” من تطوان: كل أشكال الاحتجاج العجز واليأس باستثناء النضال المنظم والواعي

النساء24 يناير، 2020

قامت تسع نساء مختلفات الأعمار والزي في مدينة تطوان بأداء نشيد «المغتصب هو أنتَ» للتنديد بجريمة الاغتصاب الجنسي محملات المسؤولية للذكور والسلطة (حكومة وقضاءً). وتعتبر هذه مبادرة شجاعة من طرف أولئك النساء اللواتي يدركن مسبقا حجم الرفض الرجعي الذي ستتعرض لها مبادرتهن تلك.

نشيد نسوي أممي بصيغة محلية

«المغتصب هو نتا» صيغة محلية بالدارجة المغربية (ومطلوب أداؤه كذلك بالأمازيغية) لأغنية انطلقت من تشيلي بعنوان Un Violador en tu Camino، وانتشرت لتؤديها نساء أمام مؤسسات حكومية معصوبات الأعين في بلدان عدة. وقد تم تقديم أغنية «المغتصب هو أنت» أو «مغتصب في طريقك» لأول مرة في العاصمة التشيلية سانتياغو من قبل حركة نسوية تدعى  Lastesis.

أُطْلِقَتْ الحملة تزامنا مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر 2019، إثر الاحتجاجات التي اجتاحت تشيلي بسبب عدم المساواة الاجتماعية والتمييز على أساس الجنس والجرائم التي تتعرض لها النساء من اغتصاب وتحرش وعنف أسري.

سرعان ما انتشرت الأغنية وشملت بلدانا عدة: الولايات المتحدة، والمكسيك، وكولومبيا، وفرنسا، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، وكينيا، وتونس. لذلك من الطبيعي- بل من الواجب- أن يجري تنظيمه بالمغرب حيث تتزايد جرائم الاغتصاب رغم ادعاء الدولة محاربتها، أو بالأحرى بسبب تواطؤ ضمني من المجتمع والدولة مع جريمة الاغتصاب.

الاغتصاب ظاهرة في تزايد

يعد الاغتصاب من الجرائم الموجهة ضد النساء والقاصرين (ذكورا وإناثا)، وتجري أغلب الجرائم في العتمة، ساهمت وسائل التواصل الحديثة في فضحها وإبرازها إلى العلن.

ذكر موقع مجلة “جون أفريك” الفرنسية وفق إحصائيات كشف عنها تقرير نشرته وزارة العدل والحريات بالمغرب سنة 2015، أنه تم تسجيل 1114 حالة اغتصاب سنة 2015. كما أشار تحقيق «CNN بالعربي» أَجْرَتْهُ بتعاون مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية «أريج»، أن «نسبة قضايا الاغتصاب المسجلة في المغرب في عام 2017 إلى 1230 قضية»، شهدت «بزيادة بلغت نحو 3% تقريبا عن 2016، بحسب رئاسة النيابة المغربية».

طبعا ليس هذا إلا قمة جبل الجليد، فضحايا الاغتصاب التي لا يُصرح بها أو التي لا تتقدم إلى القضاء كثيرة، بفعل تفضيل التعايش مع الجريمة على «الفضيحة». يتناسب حجم جرائم الاغتصاب طردا مع حجم التسامح/ التواطؤ من طرف الدولة والمجتمع.

القانون: تواطؤ مع جريمة الاغتصاب

الاغتصاب تَجَلٍّ من تجليات مجتمع الاضطهاد الذكوري والطبقي الذي ترزح تحته نساء في العالم سواء المتقدم أو التابع. وتعد جريمة الاغتصاب إحدى الآليات الدائمة لإبقاء هؤلاء النساء تحت السيطرة وحرمانهن من حق تقرير مصير أجسادهن بكل حرية، إلى جانب آليات أخرى من مظاهر العنف وتجريم حق الإجهاض والعلاقات الرضائية، وتزويج القاصرات.

يترجم القانون مصالح الطبقات السائدة وقد يضم تنازلات للكادحين والكادحات، تعكس بدورها حجم المقاومة النابعة من أسفل. لكن القانون في آخر المطاف أداة من أدوات إدامة السيطرة الطبقية والذكورية في المجتمع.

وهناك العديد من الصيغ لحماية مقترفي جريمة الاغتصاب، مثل ظروف التخفيف التي يلجأ إليها القاضي بتطويع بنود القانون الجنائي (الفصل 486). وقد شهدنا مآسي لمُغْتَصَبَات قام القضاء بتخفيف العقوبة على مغتصبيهن، ما يشجع المزيد من اقتراف هذه الجريمة.

وكانت قضية الطفلة أمينة الفيلالي التي انتحرت بعد قرار القاضي تزويجها من مُغتصِبها، قد أشعلت فتيل الاحتجاج ضد الفصل 475 من القانون الجنائي الذي كان يعفي المُغتصِب من عقوبة الحبس في حال زواجه من المُغتصَبة. واضطرت الدولة تحت وقع الفضيحة واحتجاج الجمعيات النسوية والحقوقية إلى تعديل الفقرة الثانية من هذا الفصل.

صدر بتاريخ 22 فبراير 2018 قانون رقم 1.18.19 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، لكنه لم يتضمن آليات وقائية حقيقية من جريمة الاغتصاب، وتعرض لانتقادات شديدة ركزت على ضعف آليات الحماية والتكفل وتسبيق مسطرة الصلح بدل المتابعة القضائية. (أنظر ملفا شاملا حول هذا القانون بجريدة المناضل-ة)

إن ذكور الطبقة المسيطرة سيحمون جنسهم من العقاب ضد جريمة الاغتصاب، من أجل إدامتها كآلية سيطرة على النساء، تماما كما يخدم إفلات مقترفي جرائم التعذيب والاختفاء القسري من العقاب استمرار آلية القمع في إدامة الاستبداد والمجتمع الطبقي.

هجوم رجعي على منشدات «المغتصب هو انتَ»

يُظهر عدد المنشدات القليل حجم التخلف الذي تعانيه قضية النساء بالمغرب، ففي حين بلغ العدد المئات في باقي البلدان لم يتعد في المغرب تسع نساء.

وقد جُوبِهْنَ بهجوم عنيف يكشف بالملموس مدى الخمج والتعفن السائدين في عقليات وممارسات الشرائح الشعبية المضطهَدة من الذكور والتي تتحول بدورها إلى مضطهِدٍ لجنس النساء.

تعاليق قدحية رجعية استهدفت السخرية من أعمارهن أو أشكال جسدهن، ولم يلحق هذا التشويه المنشدات فقط بل امتد ليشمل حتى المتعرضات للاغتصاب (نموذج الفتاة التي تعرضت لاغتصاب جماعي بمدينة الدار البيضاء).

يشكل هذا الهجوم الرجعي إعادة إنتاج النظرة الذكورية التي تحمل مسؤولية جرائم التحرش والاغتصاب للنساء، وهو ما يعمل النشيد على محاربته: «لست أنا المخطئة، لا تلق اللوم علي أو على المكان الذي كنتُ فيه، أو على اللباس الذي كنتُ أرتديه، المغتصِبُ هو أنتَ».

استهدفت التعاليق الجارحة والمحتقِرة التعييبَ المعنوي لأولئك النساء، وهو ما يشكل أرضية تبريرية لتعييب مادي قد يلحقهن مستقبلا. وتسامح الدولة تجاه هذه التهجمات دليل رضاها ورد فعل على استهدافها من طرف المنشدات: «المغتصبون هم الشرطة، والقضاة، والحكومة، والرئيس، الحكومة الظالمة مغتصبة».

كما تعتبر هذه التعاليق والتهجمات رد فعل ذكوري تجاه تقدم الوعي النسوي ولكن أيضا احتجاجا رجعيا تجاه المكانة التي احتلتها المرأة نتاج مكاسب النضالات الشعبية وحركات التحرر الوطني وحاجة المجتمع الرأسمالي إلى يد عاملة نسوية مؤهلة: ارتفاع نسبة التعلم واقتحام ميادين كانت في السابق حكرا على الذكور.

إن المنافسة (إحدى مثالب المجتمع الرأسمالي) تدفع الذكور الذين أحسوا بأرضية سيطرتهم- التي اعتقدوها أبدية- تميد تحت أقدامهم، لذلك فإن أول رد فعل هو إفراغ هذا التقدم النسوي من معناه وحرمان النساء من الاستمتاع بلذة انتصارهن.

من أجل نضال فعلي ضد الاغتصاب وكل صنوف العنف ضد النساء

الاعتماد على القانون وحماية الدولة للنساء من العنف والاغتصاب رهان خاسر، وفقا لما ورد أعلاه. لذلك فإن انتظام النساء واقتحام ميدان النضال إلى جانب منظمات النضال أمر ضروري.

ويتقلد اليسار مسؤولية كبيرة في إيلاء أهمية قصوى للجانب النسوي في دعايته وتحريضه ونضاله، وكذلك منظمات النضال العمالي.

لنناضل من أجل آليات فعلية للوقاية من جرائم العنف والاغتصاب:

– ضد كل صنوف ظروف التخفيف التي يُمَتِّعُ بها القضاء الطبقي الذكوري مقترفي جرائم الاغتصاب، وتشديد العقوبات ضد مقترفيها.

– اعتبار كل أشكال «الفرض» اغتصابا سواء أشكاله المادية (العنف) أو المعنوية (استغلال المركز، التهديد بإفشاء سر… إلخ).

– حماية النساء من التحرش في الشارع وعقاب مقترفي جريمة التحرش.

– تنقية برامج التعليم من كل ما يصور المرأة محض غرض جنسي، وتشديد العقوبات على مروجي خطابات احتقار النساء وتعييبهن سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في برامج الإعلام: حجب برامج الإشهار التي تستعمل جسد المرأة لإثارة المستهلك- ة وعقاب مروجيها… إلخ.

– مجانية العلاج النفسي والمواكبة الاجتماعية لضحايا الاغتصاب.

يجب أن ندرك جيدا أن هذه المطالب لن تتحقق بمجرد المطالبة بها، فهي تستدعي نضالا عماليا وشعبيا تقع الحركة النسوية (التي يجب بناؤها) في القلب منها. كما يجب استحضار حقيقة جلية وهي: ما دام مجتمع الاضطهاد (الطبقي والذكوري قائما) فستظل إمكانية تواتر جرائم العنف والاغتصاب قائمة. فقط هدم هذا المجتمع القائم على دعامتي الملكية الخاصة والسلطة الذكورية وبناء مجتمع المُنْتِجَات- ين المتشاركات-ين الحرات والأحرار هو من سيضع حدا نهائيا لكل صنوف الاضطهاد الجنسي والطبقي والقومي والعرقي والديني.

كلنا منشدات مدينة تطوان.

بقلم، شيماء النجار

كلمات أغنية «المغتصب هو أنت»

 المجتمع الذكوري يقاضينا.. لمجرد أننا ولدنا نساء

وعقوبتنا هي: العنف الذي لا تراه

النساء تُقتل 

والجاني يفلت من العقوبة 

في حالات الاختفاء القسري أو الاغتصاب

لست أنا المخطئة، لا تلق اللوم علي أو على المكان الذي كنت فيه، أو على اللباس الذي كنت أرتديه

المغتصب هو أنت 

المغتصب هو أنت 

المغتصبون هم الشرطة 

والقضاة 

والحكومة 

والرئيس 

الحكومة الظالمة مغتصبة 

المغتصب هو أنت 

نامي بهدوء أيتها الفتاة البريئة 

دون القلق من قطاع الطرق 

فهناك من يحرس أحلامك الجميلة 

المغتصب هو أنت 

المغتصب هو أنت

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا