ميشال لوكين (1921-2020)، مناضل تروتسكوي فريد

بلا حدود17 فبراير، 2020

بقلم، ميخائيل لووي

غادرنا ميشال لوكين Michel Lequenne في فبراير العام 2020، وعمره 99 سنة. كان تروتسكويا فريدا، غير نمطي، شخصية لا نظير لها، بقوة اقتناعه، وبقريحته السجالية، وبثقافته الخارقة للمألوف – كان عصاميا!  – ثقافة سياسية وأدبية وفنية وتاريخية، وبجنوحه إلى المخالفة، وبوفائه لإرث أكتوبر الأحمر.

 تعرفت على ميشال في العام 1962، قائدا للاتجاه الاشتراكي الثوري في الحزب الاشتراكي الموحد. تصفه كاترين ساماري التي التقته أيضا في نفس الحقبة كما يلي:”كان مذهلا، مع ضحكة طريفة وقبعة شاعر كبيرة ذات أهداب عريضة”. غالبا ما كنا معا في نقاشات “الاتجاهات” في سنوات 1970-1980، وكذا في الحركة … السريالية.، وبقينا أصدقاء، حتى وإن أصبحت تحليلاتنا، بصدد بعض أحداث الماضي-كرانشتات 1921 !- متناقضة… 

ولد الفتى ميشال لوكين في الهاڤر في محيط شعبي في العام 1921، وبدأ يهتم بالسياسة في صفوف مآوي الشبيبة، تمرد على خدمة العمل الإجبارية في عهد ڤيشي، وانضم في 1943 إلى المجموعة التروتسكية أكتوبر (هنري مولينييه) التي ستصبح إحدى مكونات الحزب الشيوعي الأممي، الفرع الفرنسي للأممية الرابعة. وفي 1946 انتخب إلى اللجنة المركزية لهذا الحزب، بصفته ممثلا للاتجاه المسمى “يساريا”، مع بيار فرانك ومارسيل بلايبترو ومارسيل جيبلان. وفي 1948-50 كان أحد أبرز منظمي كتائب التضامن مع يوغوسلافيا التي بادرت إليها الأممية الرابعة. 

وسيكون لوكين وبلايبترو أوائل من اعترض على توجه 1952 المقترح من ميشال پابلو ، سكرتير الأممية الرابعة آنذاك، ومفاده أن ثمة حربا عالمية ثالثة على الأبواب، وسيتواجه معسكران، الامبريالية والاتحاد السوفييتي، وعلى التروتسكيين ممارسة الدخولية في الأحزاب الشيوعية، لاسيما بفرنسا. رفض لوكين هذا الخط “المعسكري”، فتم طرده، مع أغلبية الحزب الشيوعي الأممي، من الأممية الرابعة. وكما هو معروف، سيكون ذلك بداية سيرورة كارثية من الانشقاق العالمي ستفضي، طيلة عقد، إلى تهميش للتروتسكية. وبالكاد بعد ثلاث سنوات، في 1955،  تم طرد لوكين وبلايبترو من الحزب الشيوعي الأممي (المنظمة الشيوعية الأممية لاحقا) بسبب معارضتهما للنهج الانتهازي لدي بيار لامبير. شاركا في مبادرات تجميع مختلفة لليسار الاشتراكي، وأسهما في 1960 في تأسيس الحزب الاشتراكي الموحد، حيث سينظم لوكين اتجاها اشتراكيا ثوريا. وأخيرا في 1961 قرر لوكين العودة إلى الحزب الشيوعي الأممي وإلى الأممية الرابعة وانتخب في 1965 في اللجنة التنفيذية العالمية. 

تمثل مرويته عن هذه السنوات في كتابه ” التروتسكية: تاريخ بلا تجميل (اضغط/ي اسم الكتاب للتحميل) Le trotskysme, une histoire sans fard (Paris, Syllepse, 2005),  إسهاما بارزا، ومن وجهة نظر مخالفة، في تاريخ الأممية الرابعة وفرعها الفرنسي. تحفظي الوحيد يتعلق  بتحليله لحركة المقاومة [مقامة النازية في فرنسا] (خاصة الشيوعية) الذي يبدو لي مفرط السلبية، حيث يختزل  تلك المعركة البطولية غالبا (لنفكر في مانوشيان ورفاقه في الملصق الأحمر) في الشعار الوطني الذي أطلقه الحزب الشيوعي الفرنسي في 1944 ” A chacun son boche ” (لكل واحد أن يستهدف ألمانيا)… 

إبان تلك السنوات الصعبة، تابع ميشال لوكين، الذي يكسب قوته  كقارئ مصحح، أنشطته الثقافية: الترجمة مع زوجته – Soledad Estorach (مناضلة سابقا في الاتحاد الوطني للعمل –الفدرالية اللاسلطوية الايبيرية) لأعمال كريستوف كولومبوس- وهو شغف  سيظل مستبدا به طيلة حياته والتقارب مع الحركة السريالية. في 1966 سيقترح على أندريه بريتون وأصدقائه في المجموعة السريالية بباريس، باسم الحزب الشيوعي ألأممي، إعادة تشكيل الفدرالية العالمية للفن الثوري المستقل (FIARI)  لكن دون نجاح مع الأسف. وانضم بعد سنوات إلى المجموعة السريالية المعاد تشكيلها في 1970 بمبادرة من فنسان بونور. 

 في العام 1968، أقنع لوكين نقابة المصححين في الاتحاد العام للعمل CGT بإصدار مقرر مساندة للحركة الطلابية. وفي سنوات 1970، سيشارك  في الحياة السياسية للرابطة الشيوعية، على رأس اتجاه معارض معروف برمز « T3 » . معتبرا ، بناء على أعمال ارنست ماندل، أن طبقة العمال تضم على السواء العمل اليدوي والعمل الذهني، الصناعة و الخدمات، سيرفض  خط “الانعطاف نحو الصناعة” الذي تبنته أغلبية الرابطة الشيوعية الثورية. و سيعارض، دائما في هذه الحقبة- متم سنوات 1970- الأغلبية في مسائل أخرى عديدة: الاقتراح (الكارثي) بـ”توحيد التروتسكييين”( أي الوحدة مع التيار اللامبرتي)، ومساندة الاتحاد السوفييتي في غزو أفغانستان. وساند بالعكس، وقد بات مجددا ضمن الأقلية، الغزو الڤيتنامي  لكمبودجيا الذي أنقذ هذا الشعب من استمرار الإبادة الپولپوتية . 

طبعا لم يكن ميشال لوكين معصوما، لكن يجدر  الاعتراف أنه في هذه الرهانات، وغيرها ، كان عيبه الوحيد أنه على حق مبكرا جدا… 

كما سينصب تفكيره  على النقاش القديم بين التروتسكيين  حول طبيعة الاتحاد السوفييتي الستاليني: فقد قام، بمعية صديقة الأرجنتيني « Heredia » (Angel Fanjul), المنفي في باريس، بتقديم اقتراح لمؤتمر للأممية الرابعة في الثمانينات يقضي بالتخلي عن أطروحة الدولة العمالية  المنحطة وتعويضه بـ”الدولة البيروقراطية” التي لا شيء عمالي فيها. . وأخيرا، في خضم الأزمة الناجمة عن حملة الانتخابات الرئاسية لبيار جوكان عام 1988، قرر لوكين مغادرة الرابطة الشيوعية الثورية والأممية. ليس الأمر، كما يشرح هو نفسه، قطيعة مع التروتسكية، أو مع مناضلي  الحركة، الذين يحتفظ لهم بالتقدير والصداقة، بل تعبا من النقاشات الداخلية ورغبة في النأي من أجل الانشغال بكتاباته. 

 فعلا، بدءا من ذلك التاريخ سيكتب وينشر بعضا  من أهم أعماله: فضلا عن تاريخ التروتسكية المنوه به آنفا، كتب سيرة ذاتية  مذهلة في شكل كاتالوغ الكتب التي قرأ (Le Catalogue – pour Mémoires, Syllepse, 2009) 

والجزء الأول من سيدات الأدب الكبيرات Grandes Dames des Lettres. De Sappho à Ann Radcliffe (Syllepse, 2011),  وكذا تأملا في تاريخ الشيوعية بعنوان Contre-révolution dans la révolution (Syllepse, 2018) . لا يمكن مشاطرة  الرؤية غير النقدية شيئا ما للسنوات “اللينينية” للثورة الروسية (1917-1923) المقترحة في هذا الكتاب- الذي يمثل بنحو ما وصيته السياسية، لكن تحليله للثورة المضادة الستالينية رائع. 

سينقصنا هذا المفكر المزعج الخلاق… كل تضامننا مع ابنتيه ورفيقته مارتين رو . 

 ترجمة جريدة المناضل-ة

(اضغط/ي اسم الكتاب للتحميل) Le trotskysme, une histoire sans fard (Paris, Syllepse, 2005), 

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا