من أجل حركة  20 فبراير عمالية البناء والأهداف، تؤسس بديلا متحررا من التبعية والاستبداد والاستغلال

سياسة21 فبراير، 2020

يوم 20 فبراير 2011، فتح تدفق الموجة الثورية ضد الدكتاتورية من تونس نحو بلدان متنوعة في المنطقة الباب لانبثاق دينامية نضال سياسي بالمغرب، ذات مميزات محلية، دخلت التاريخ باسم حركة 20 فبراير. 

لم تكن هذه الحركة الشكل الوحيد الذي اكتسته طاقة نضال الكادحين آنذاك ، فقد كان ثمة ديناميتان متوازيتان تفوقان عمقا وانتشارا، لكنما غير ممركزتين، ولم تحظيا باهتمام إعلامي يضاهي ما حظيت به حركة 20 فبراير: 

  • من جهة، ثمة نضال الأجراء النقابي، الذي شهد انتعاشا بالعديد من مواقعه التقليدية، وتحركت قطاعات ظلت سنوات مديدة راكدة، وحتى انضمام قسم جديد من طبقة الأجراء إلى التنظيم بحفز من الاندفاع النضالي العام بالمجتمع. وقد نتج عن نضال الأجراء هذا، وأحيانا عن مجرد التعبير عن نية النضال، تحصيل مكاسب تاريخية، إن على صعيد تأمين استقرار العمل أو تحسين  الدخل او صعيد حل مشاكل مهنية ظل بعضها عالقا سنوات عديدة، مثالها النظام الأساسي لأجراء المحاكم.  
  • ومن جهة أخرى كانت ثمة حركة احتجاج راسخة في أعماق المجتمع، بدأت بالتبلور منذ منتصف التسعينات،  هدفها مطالب اجتماعية، أولها التشغيل، والخدمات العامة والحق في السكن، وحق تجارة الشارع… وكانت هذه حركة بالغة التنوع والتشتت، وغير ذات أفق سياسي، وقد انتزعت هي الأخرى مكاسب ما كان أن تتحقق في سياقات أخرى. 

إن خصائص هذين المكونين لدينامية 2011-2012 نابعة من  مستوى الوعي والتنظيم لدى طبقة الأجراء وسائر المقهورين/ات لحظة انطلاق الدينامية . حيث أن تسلط البيروقراطية النقابية والهيمنة السياسية لقوى غير عمالية، وانعدام قوة ثورية ذات مقدرة كافية، عناصرُ حدت من إمكانات  ارتقاء الوعي والتنظيم العمالي المستقل إلى المستوى الكفيل بجعل طبقة الشغيلة فاعلا رئيسيا له أهدافه السياسية الخاصة وقائدا لسائر المقهورين. 

أما حركة 20 فبراير التي اتخذت طابعا سياسيا مباشرا، بمطالبها بإسقاط الحكومة وحل البرلمان، وما ساد داخلها من مطلب الملكية البرلمانية الإصلاحي، فقد كانت تعبيرا عن طور أول من الوعي السياسي في بلد عاش أكثر من نصف قرن في ظلمات الاستبداد السياسي وأضاليل “النضال الديمقراطي”  لمعارضة مكملة للنظام ـ لا مناقضة له تروم ترميمه لا تغييره جذريا. وقد احتشد قسم من طبقة الأجراء- عاملين وعاطلين- في حركة 20 فبراير فرادى، ليس بهويتهم الطبقية، بل مذررين بفعل موقف القيادات العمالية البائسة التي نأت بالحركة النقابية عن انخراط فعلي في حركة 20 فبراير. 

مهما يكن من أوجه ضعف ذات أسباب تاريخية، مثلت حركة 20 فبراير أول حالة نزول عشرات آلاف كادحي المغرب إلى الشارع من أجل مطالب سياسية مباشرة. وهذا ما جعل الحركة تحقق ما لم يأت بعقود  مما سمي بـ”إستراتيجية النضال الديمقراطي”، أي مجمل “التنازلات” (دستور، ترسيم الأمازيغية، انتخابات وحكومة جديدين،…) التي ما كانت في حكم الوارد لولا ضغط الشارع، والخشية البالغة من تجذر الحركة وتضافرها مع باقي مكونات الحالة النضالية الإجمالية. 

ساعد طابع 20 فبراير الأولي، اللامتبلور تبلورا سياسيا-طبقيا، النظام على إفراغ معظم شعاراتها/مطالبها من محتواها بمناوراته/تنازلاته، مفلحا بذلك في تجاوز العاصفة والعودة إلى تشديد قبضة الاستبداد والإجهاز على طفيف المكاسب، مستفيدا من مناخ الثورة المضادة الذي اجتاح المنطقة. كما استفاد من دعم قوى مدعية للديمقراطية استبد بها الخوف من النضال الشعبي- بجلاء بالغ إبان حراكي الريف وجرادة- فصار الحرص على الاستقرار لازمتها السياسية. 

أفلح الحكم في تدارك تغير ميزان القوى لبرهة، وعاد بعد ليونة مؤقتة إلى التجبر ومواصلة سياسته بتعاون مع حلفائه، رأسماليي الخليج والقوى الامبريالية الراعية. بيد أن التجبر يقف على قدر عظيم من البارود الاجتماعي متمثل في المستوى المفجع الذي بلغته المسألة الاجتماعية بمغرب اليوم. إنه الأساس الذي ستنطلق منه حركة جماهيرية صاعدة من الأعماق العمالية والشعبية ستفوق 20 فبراير زخما. 

لم يكن لأي قوة اجتماعية، غير طبقة الشغيلة، أن تشكل عمودا فقريا حقيقيا لحركة 20 فبراير، بمعنى القوة القادرة على لف كل المضطهدين حول برنامج تغيير حقيقي 

 ينتزع الحرية، أي يلغي الاستبداد إلغاءا تاما، ويحقق العدالة الاجتماعية الفعلية، أي التغيير الاقتصادي-الاجتماعي الجوهري الذي يعيد الثروة إلى منتجيها.

 ولا تستمد الطبقة العاملة هذه المقدرة الفريدة سوى من مكانتها الموضوعية في البناء الاقتصادي- الاجتماعي، بما نقيض هيكلي للطبقة الرأسمالية، مكانة تجعل بديلها الجذري البديل الحقيقي الوحيد لواقع الاستبداد والاستغلال والاضطهاد. 

 بناء على هذا، لا يمكن تفادي ما انتهت إليه حركة 20 فبراير إلا بنهوض قوة الطبقة العاملة ببناء أدوات نضالها بناء ديمقراطيا مستقلا على أساس برنامج تغيير جوهري ينقل مطالب الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية من صيغ عامة، قد تسكنها بدائل ترقيعية تعيد إنتاج الاستبداد والرأسمالية، إلى واقع ملموس في حياة ملايين المضطهدين/ات قوامه التحرر من الاستعبادين السياسي والاقتصادي. 

يتطلب تجسيد هذا المشروع، مشروع نهوض الشغيلة واستقلالهم السياسي، تركيز الجهود النضالية على الطبقة العاملة، الشباب منها بالخصوص، والانطلاق من معاركها اليومية في أماكن العمل والسكن، مهما بدت صغيرة الحجم و/أو المطالب، ودفع أضرار القوى البرجوازية “المعارضة”، ليبرالية وإسلاموية، على وعيهم، بتنوير سياسي دائم، وتكوين كوادر عمالية بخبرات كفاح الطبقة العاملة منذ أكثر قرن ونصف، وبناء جسور الوحدة النضالية مع باقي الحركات الاجتماعية المناضلة ضد كل صنوف الأضرار الناتجة عن منطق للرأسمالية. إنه هدف بناء أدوات النضال المعادي للرأسمالية، والنسوي، والبيئي، الذي من أجله نشأ تيار المناضل-ة، ويواصل جهوده رغم جسامة المصاعب، وما تراكم تاريخيا من إخفاقات، وكل تجليات إمساك الأموات بتلابيب الأحياء في ساحة النضال. 

 فبراير 2020، 20 تيار المناضل-ة 

شارك المقالة

اقرأ أيضا