من يتحمل مسؤولية الغلاء؟ بقلم، أزنزار (صحفي بجريدة المناضل-ة الموقوفة)

سياسة21 مارس، 2020

من أجل إجراءات لضمان تزود الكادحين- ات بمواد الاستهلاك الأساسية
حل خطاب الخطر محل خطاب التطمين الذي أصرت عليه الدولة في الأيام الأولى لانتشار الوباء السريع عالميا. انتقل الهلع إلى صفوف “الشعب”، وبدأت مظاهر الاستعداد غير المنظم لمواجهة الوباء على شكل إقبال كثيف على الأسواق لتكديس الحاجيات.
انتشرت خطابات احتقار الشعب وانبعاث “ثقافة التخزين البدائية”، بدل التطرق للأسباب العميقة للظاهرة: تحرير الأسواق، تحرير سعر الدرهم، توجيه الفلاحة نحو التصدير. فتحميل الشعب مسؤولية الكوارث أفضل بكثير، بالنسبة لصحافة السوق، من تحميله لآليات هذه السوق ذاتها.
“المستهلك يتحمّل بدوره نصيبا من المسؤولية بسبب الإقبال الشديد على التبضع”، هذا ما كتبه صحفي في موقع هسبريس، بعد أن حَمَّلَ جزءً آخر من المسؤولية للتجار. [“هل يتحمل المغاربة مسؤولية الارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية؟”، هسبريس – محمد الراجي، 20 مارس 2020].
يشرح الصحفي القاعدة الاقتصادية قائلا: “القاعدة المنظمة لتعاملات السوق هي العرض والطلب، فكلما زاد الطلب على السلع قلّ العرض، ومن ثم ترتفع الأسعار، خاصة وأن قانون حرية الأسعار والمنافسة لم يحدد سقفا معينا للربح، وإن كانت السلطات تتدخل عندما يتم تجاوز الحدود المعقولة”.
لم يقم الشعب إذن إلا بالاستجابة لقاعدة اقتصادية قننتها الدولة بنزع التقنين عن السوق والتخلي عن ضبطها وإطلاق حرية الأسعار، وبالتالي إطلاق العنان لقانون العرض والطلب. ويتبدى جليا، إذن، أن قوانين السوق تخدم أرباب العمل في لحظات الأزمات كما لحظات الرخاء بينما تلقي بالكوارث على كاهل الكادحين- ات في كل الحالات.
السؤال الذي لا يطرحه محمول المسؤولية للشعب: “ما الذي دفع الشعب إلى الإقبال الكثيف على الشراء؟، وبالتالي تعديل كفة القاعدة الاقتصادية لصالح الطلب على حساب العرض؟”. إنه سياسة الدولة بحد ذاتها، التي ظلت تطمئن “الناس” على أن كل شيء على ما يرام، وفجأة تغير الخطاب، دون إعداد “الناس” للحظة التغيير تلك.
ورغم ذلك، ليس “الناس” و”المستهلك” كتلة منسجمة. فالبرجوازيون وذوو الدخول المرتفعة هم يملك هوامش الإقبال المفرط على الشراء، بينما الطبقة العاملة وسائر شراح الكادحين- ات يشتغلون بكفاف يومهم- هن، ولا مداخيلهم- هن لتكديس الحاجيات.
إن إمكانات الصمود في وجه أزمة التموين ليست متكافئة، وهذا ما يفرض إجراءات خارج قواعد السوق وآلياته:
– تأميم أسواق الجملة ونصف الجملة ووضعها تحت إشراف الدولة لضمان تزويدها بمواد الاستهلاك الأساسية.
– إشراف الدولة على النقل الكبير (شاحنات التوزيع).
– فتح مخازن كبرى في الأحياء الشعبية وضمان تزويدها بالبضائع من طرف الدولة، مع تقنين كميات الشراء لتفادي الإفراط في تكديس المواد من طرف فئات بعينها.
– ضمان تزويد العالم القروي والجبال بمواد الاستهلاك الأساسية خارج آليات السوق.
– تحويل وحدات إنتاج المواد غير الضرورية (صناعة تجميل، خمور، فلاحة موجهة للتصدير…) إلى إنتاج مواد الاستهلاك الضرورية (مواد غذائية أساسية، مواد طبية وشبه طبية…).
– دعم القدرة الشرائية لملايين الكادحين- ات: صندوق تعويض عن البطالة يموَّلُ من ضرائب تصاعدية على أرباب العمل.
– تخفيض الأجور العليا لكبار الموظفين في كل القطاعات، وتحويل الفوائض المالية الناتجة عن ذلك التخفيض لصالح فاقدي- ات الشغل، وملايين الكادحين- ات في القطاعات غير المهيكلة (المقاهي، محلات تنظيف السيارات، عاملات النظافة، العمال- ات غير المصرح بهم- هن في صندوق الضمان الاجتماعي… إلخ).
تعمل الدولة حاليا على استصدار مجموعة من الإجراءات على شكل مراسيم تصدرها السلطة التنفيذية، للتقليل من حجم الكارثة بشكل يستفيد منه أرباب العمل بالدرجة الأولى. والدولة حريصة على جعل تلك الإجراءات استثنائية وظرفية، كما هو الشأن مع قرار لوزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة (16 مارس 2020) باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أسعار المطهرات الكحولية.
تصر الدولة على الطابع المؤقت والظرفي لتلك الإجراءات “المقيدة” لحرية السوق التي تشكل حجر زاوية العقيدة الليبرالية التي تبنتها الدولة، وتصر على الاستمرار في تبنيها، كما يتوضح من مشروع “النموذج التنموي الجديد” الذي تسوق له. لذلك فإن التأكيد على طابعها المؤقت يعني التخلي عنها بمجرد احتواء الوباء.
تكثر الخطابات الداعية إلى الحاجة لـ”دولة قوية”، وهذا بحد ذاته ضربة قوية للأيديولوجية الليبرالية الجديدة، التي ما انفكت منذ عقود تنشر فكرة القدرة الأسطورية للسوق وللقطاع الخاص على تأمين الرخاء الاقتصادي وتوزيع ثماره الاجتماعية. لكن الشعب بحاجة إلى دولة من طينة أخرى، دولة تمركز وسائل التدخل الاقتصادي والاجتماعي، في يدها، لكن لصالح ملايين الشغيلة والكادحين- ات، وليس لإنقاذ أرباح البرجوازيين كما كان عليه الأمر إبان أزمة 2008 العالمية.
وما تقوم به الدولة حاليا يصب بالدرجة الأولى في خدمة البرجوازيين (إعفاءات جبائية، دعم مالي، وقف دفع التحملات الاجتماعية…) مع مساحيق إحسانية شحيحة لصالح قسم ضئيل من الشغيلة (التعويض عن فقدان الشغل عبر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي).
لا يمكن انتظار حسنات دولة أرباب العمل، فقط تدخل طبقي واعٍ من طرف ملايين الشغيلة وحلفائها من فقراء المدن والقرى، تَدَخُّلٌ تجري مركزتُه سياسيا هو من يستطيع ليس فقط القضاء على جائحة الوباء، ولكن أيضا تفادي تحويل حياتنا إلى جحيم بعد القضاء عليه.

شارك المقالة

اقرأ أيضا