محادثة مع تروتسكي: الرقابة العمالية والتأميم

المكتبة10 أبريل، 2020

هذه محادثة بين إدوارد ألسوورث Edward Alsworth و ليون تروتسكي بصدد الرقابة العمالية في 1918 بُعيد ثورة أكتوبر. هذا النص المائوي، غير المنشور بالعربية مفيد بوجه خاص اليوم للتفكير في مسألة الرقابة العمالية على الإنتاج بوجه الأزمة الصحية العالمية، كوسيلة وحيدة لمنع تفضيل أرباحهم على حيواتنا.
هذا النص لإدوارد ألسوورث مقتبس من مقال بعنوان « A talk with Trotsky » نشرته إندبندنت يوم 8 مارس 1918 وأعيد طبعه لاحقا في انتركونتنتال بريس Intercontinental Press في 1918. أ.أ روس E. A. Ross (1886-1951) كان باحثا ليبراليا شارك في لجنة ديووي Dewey.
=====
في يوم وجيز من أيام ديسمبر في بتروغراد، بعد أقل من شهر على استيلاء البلاشفة على السلطة، عبرتُ صفَّ الجنود الذين كانوا يحرسون ممرات معهد سمولني الطويلة حيث تم اقتيادي أمام ليون تروتسكي، واسمه الحقيقي برونشتاين، وزير الشؤون الخارجية بحكومة البلاشفة وساعد لينين الأيمن، وهذا اسمه الحقيقي أوليانوف، خبير الاقتصاد والمفكر الاستراتيجي للاشتراكية الروسية. بدا لي تروتسكي رجلا متوسط القامة عريض المنكبين، كانت سماته الفكرية المعززة بجبهة بارزة تجد مُوازنا لها في ذقن متين، مربع، معبر عن قوة إرادة. بعد أن قلت له إن اهتمامي مُنصبٌّ على برنامجه الاقتصادي أكثر مما على برنامج للسلم، سألته:
– “هل نزع ملكية المقاولات الصناعية الروسية هو هدف حزبكم؟”
– أجاب قائلا: “لا، لسنا بعدُ قادرين على التكفل بمجمل الصناعة. سيأتي هذا يوما، لكن ليس بوسع أي كان أن يقول متى سيكون ذلك. لحد الآن، ننوي دفع 5 أو 6% من الأرباح السنوية لمالك المصنع تعويضا على استثماره. ما نرمي إليه اليوم هو بالأحرى الرقابة وليس المِلْكية”
– “ماذا تقصدون بالرقابة”
– “أريد قول إننا سنتأكد من كون إدارة المصنع لا تجري بحسب السعي إلى الربح الخاص، بل لغاية المصلحة المشتركة ، بمعناها الاشتراكي الديمقراطي. مثلا، لن نسمح للرأسمالي بإغلاق مصنعه بقصد إخضاع العمال بتجويعهم، أو لأن المصنع لا يدر عليه ما يكفي. إن كان المصنع ينتج ما يفيد اقتصاديا، فيجب أن يواصل الاشتغال. إذا تخلى عليه الرأسمالي، سيفقد مِـلكه، وسنُعين على رأس المصنع هيئةَ إدارة ينتخبها العمال.
على صعيد آخر، قد تستتبع “الرقابة” فتحَ دفاتر حسابات المنشأة ومراسلاتها أمام الجميع، على نحو يُنهي السر الصناعي. وإذا كانت المنشأة تشتغل جيدا بفعل امتلاكها أفضل الطرائق والأجهزة التقنية، سيتم نقل هذه إلى مجمل سائر منشآت نفس الفرع الصناعي، كي يستمد السكان أقصى فائدة من تلك الاكتشافات. إن أفانين التقدم التقني تُحجب اليوم عن باقي المنشآت باسم البحث عن الربح، وقد تبقى منفعة ما نادرة وغالية على المستهلكين طوال سنوات بلا مبرر غير هذا.
وتعني الرقابة أيضا أن المواد الأولية محدودة الكمية، مثل الفحم والنفط والحديد والصلب، ستوزع بين مختلف المصانع بحسب منفعتها الاجتماعية. وعند توزيع مخزون مواد محدود، تكون الأسبقية للمنشآت التي تصنع مواد أساسية على التي تنتج منتجات بذخ.
وأضاف قائلا:” افهمني جيدا، نحن لسنا مُتزهِّدين. سننتج أيضا منتجات بذخ، لكن عندما يكون لدينا ما يكفي من الوقود والمواد لكافة المصانع” .
” كيف ستوزعون مخزون وسائل إنتاج محدود من بين مختلف الصناعات التي تطلبه؟”
” ليس بالكيفية التي يجري بها اليوم، بحسب الصراعات بين الرأسماليين، بل على أساس معلومات إحصائية شاملة، مجمعة بعناية”.
” هل ستكون اللجان العمالية والمسيرون المنتخبون في المصنع أحرارا في إدارة المصنع كما يروق لهم؟”
” لا سيكونون خاضعين للسياسات التي يضعها سوفييت مندوبي العمال المحلي”.
” وهل سيكون هذا السوفييت حرا لتبني ما يريد من سياسات؟”
“لا، سيكون هامش القرار لديه هو أيضا محدودا بأشكال الضبط المقررة في كل صناعة من قبل هيئات الإدارة أو مكاتب الحكومة المركزية”
قلت له:” في محادثة مع الأمير كروپوتكين Kropotkine في الأسبوع الماضي، كان هذا الأخير يلح على ضرورة أن يكون لكل منطقة استقلال في الصناعات التي تستقبلها. مثلا يجب أن تتملك موسكو وتدير كل مصانع المدينة ومحيطها. ما رأيكم؟”
قال تروتسكي منحيا أماما قليلا:” ما يدعو إليه كروبوتكين من نظام بلديات قد يشتغل في مجتمع قائم حصرا على الزراعة والصناعات المنزلية، لكنه غير ملائم بتاتا لسياق المجتمع الصناعي الحديث. مثلا، فحم حوض دونيتس يزود كافة روسيا ولا غنى عنه في كل الصناعات. ترون جيدا أنه إن أتيح لسكان منطقة ما اختيار ما يشاؤون فعله بمناجم فحمها، فقد يؤخر ذلك تطور روسيا برمتها. الاستقلال التام لكل موضع في تدبير صناعاته قد يؤدي، في مجتمع بلغ طورا من التخصص المحلي لصناعته، إلى خلافات وصعوبات لا نهاية لها. وقد يفضي حتى إلى الحرب الأهلية. روسيا التي في ذهن كروبوتكين مضت عليها ستون سنة، إنها روسيا شبابه”.
بهذا النحو ، أنت مع المركزية أكثر مما مع الفيدرالية؟
رد تروتسكي بسرعة قائلا: “لا بتاتا. في المجال الاقتصادي، يجب لدرجة المركزية أن تطابق مرحلة تطور التنظيم الصناعي. ” ومع ذلك، الضبط الموحد للإنتاج مغاير جدا للمركزة التي تميز النظام البائد. ما من حاجة إلى سحق الخطة لمختلف القوميات بقصد إخضاعها لنفس اللغة والدين والتعليم ، الخ”.
” ما الواجب لتلبية مطامح مختلف القوميات الموجودة في روسيا: الفنلندية واللاتفية واللتوانية والروسية الصغيرة، والجيورجية والأرمينية والتترية ؟”
” الحل الوحيد هو وحدة فيدرالية، كالقائمة عندكم في الولايات المتحدة. المقصود أن يتاح لكل ولاية في روسيا المقبلة اتخاذ القرار بكل حرية فيما يخص اللغات والمدرسة والدين والقوانين والنظام الجنائي، الخ”
“هل تقترحون توزيع أرباح المنشآت بين العمال؟”
” لا، توزيع الأرباح مفهوم برجوازي. سيحصل العمال في المصنع على مكافأة عادلة. الأرباح غير الموزعة للمالك ستكون للمجتمع”.
” هل للمجموعة المحلية أم للحكومة المركزية؟”
” ستوزع بين الاثنين بحسب حاجات كل طرف”.
” ما الذي سيوزع؟ مجموع المداخيل بعد خصم تكاليف العمليات؟ أم ستسحبون قسما ما اعتبارا للاهتلاك، كي يكون ثمة ما يكفي للاستعاضة عن مصنع عندما يكف عن الاشتغال؟”
” طبعا، ما سيوزع هو الأرباح الصافية”.
– ” بالتصرف على هذا النحو، بوسعكم الحفاظ على التجهيز الصناعي القائم. لكن في بعض الفروع- مصانع الدراجات أو الجرّارات مثلا- يجب بالضرورة بناء مصانع جديدة للاستجابة لحاجات السكان الجديدة. من أين ستستمدون المال لبناء تلك المصانع الجديدة؟”
– ” يمكننا أن نفرض على الرأسماليين، الذين سنعطيهم ربحا بنسبة 5 أو 6% ، إعادة استثمار قسم مما يحصلون عليه- 25% مثلا، في بعض الصناعات”.
” ألا تخاطرون، إذا حصرتم الأرباح الرأسمالية في روسيا في 5 أو 6% ، بينما قد يكون مردودها أعلى ببلدان أخرى، بالتسبب في هروب رؤوس الأموال؟”
قال بنبرة حاسمة: “لن نسمح للرأسماليين بسحب رؤوس أموالهم من روسيا كما يرغبون”. وواصل قائلا:” ومن جهة أخرى، هل تعتقدون أن الرقابة الرأسمالية ستستمر في سائر العالم ما عدا روسيا؟” أنتظر ثورة اجتماعية بعد الحرب في مجمل البلدان الأوربية المتصارعة. ما دام الجنود في الخنادق، نادرا ما يفكرون في أمور غير مشكلهم الآني (قتل العدو قبل أن يقتلك). لكن حالما يعودون إلى بيوتهم، سيجدون أسرهم مهلكة وبيوتهم مدمرة، وصناعاتهم خرابا، والضرائب مضاعفة خمس مرات عما كانت، وسيتساءلون كيف حلت بهم هذه المصيبة؟ وسيكونون منفتحين على إدراك أن المسؤول عن الحرب هو الصراعات بين الرأسماليين والمجموعات الرأسمالية من أجل الاستحواذ على مساحات استعمارية للاستغلال، أي الامبريالية والدبلوماسية السرية وسباق التسلح الذي يشجعه صناع الذخيرة. وفور ما يدركون أن الطبقة الرأسمالية مسؤولة عن هذه الكارثة الرهيبة التي حلت بالبشرية، سينتفضون ويتولون الرقابة. جلي أن روسيا عمالية لن تذهب بعيدا في أهدافها إذا بقي سائر العالم تحت نظام رأسمالي. لكن الأمر سيكون غير ذلك”.
” أينما أذهب في روسيا أعاين سقوطا لإنتاجية العمال في المصانع بنسبة 40 إلى 50% . أليس ثمة خطر نقص في المواد المصنعة إذا استمر عمال كل مصنع بالوتيرة الحالية؟”
” انخفاض الإنتاجية الراهن رد فعل طبيعي، مرتبط بتنظيم العمل المميز للنظام البائد. آنذاك كان هذا النقص يُعوّض بمستويات إنتاجية مفروضة على كل نقابة مهنة. من كانوا عاجزين عن بلوغ تلك المستويات لا ينالون مزايا الانضمام إلى تلك المنظمات. وفضلا عن ذلك، سيقوم الإنتاج الجماعي باستعمال هام لنظام تايلور للتنظيم العلمي للعمل. لم يكن هذا النظام شعبيا بين العمال لأنه لا يتيح، بتطبيقه الحالي، سوى زيادة أرباح الرأسماليين و لا يفيد العمال والمستهلكين إلا قليلا. عند تراكم كل اقتصاد الجهود الممكن بفضل هذا التنظيم لصالح المجتمع برمته سيتم تبنيه بشكل واسع وبحماس، وعندها سيزول العمل قبل الأوان والعمل المديد وفرط العمل لانتفاء الحاجة إليه.”

ترجمة: فريق الترجمة بجريدة المناضل-ة الموقوفة

شارك المقالة

اقرأ أيضا