قمع نضالات الشغيلة التعليمية: الدلالات والبدائل

بقلم: محمد العثماني. مناضل الن.وت – ك.د.ش. بزاكورة

كانت طلائع شغيلة التعليم عرضة لقمع همجي بتاريخ 15 و16 مارس 2021 خلال العطلة البينية، وهم بصدد تنفيذ مسيرة احتجاجية ممركزة بالرباط. خلال هذا القمع لجأت الدولة إلى أعمال البلطجة للبطش بالشباب المناضل بقطاع التعليم أمام عدسات التصوير، والتحرش بالإناث. لم يكن ذاك القمع مفاجئا أو ظرفيا أو غير مسبوق، بل هو قمع معمم، بنيوي ممنهج، مُتوقع و يشمل جميع الجبهات، وهو أحد أهم السمات المميزة للأنظمة الطبقية المستبدة، والذي لا يمكنها الاستغناء عنه كآلية لفرض سيطرتها الطبقية تجاه من هم في أسفل.

 وقد تواصل هذا القمع خلال الاحتجاجات الموالية للشغيلة التعليمية يوم 5 أبريل إزاء المرسمين من نقابيين وأعضاء تنسيقيات، الا أن احتجاج يومي 6 و7 أبريل لمناضلي ومناضلات تنسيقية الأساتذة المفروض عليهم/هن التعاقد قد شهد تصعيدا نوعيا للقمع، باللجوء إلى اعتقال الشباب ذكورا وإناثا على نحو مهين للكرامة، و متابعتهم قضائيا بتهم مفصلة على المقاس ” التجمهر غير المسلح بغير رخصة، وخرق حالة الطوارئ الصحية، وإيذاء رجال القوة العمومية أثناء قيامهم بعملهم، وإهانة رجال القوة العامة بأقوال تقصد المس بشرفهم والاحترام الواجب لسلطتهم”. ومعلوم أن درجة القمع وحِدَّته وأشكاله، تختلف حسب ميزان القوى العمالي والشعبي. هكذا استثمرت الدولة حالة الطوارئ الصحية لتصعيد وتيرة البطش كآلية لردع الاحتجاجات. فبعد الزج بمعتقلي انتفاضة الريف بالسجون وتكميم أفواه الصحافة المعارضة، وتعميم حملة لتسريح العمال والعاملات وقمع النضالات العمالية والشعبية، جاءت فاجعة عمال وعاملات طنجة لتعري حجم الاضطهاد والاستهتار بأوضاع الطبقة العاملة المغربية.

دلالات ما وقع

يحمل ما وقع بالرباط دلالات نذكر منها: 

1-أن الدولة تعلن حربا معلنة، على مرأى ومسمع من الجميع، لإخراس أي صوت مناضل، واضطهاد كل من يقول لا لنظام القهر والاستبداد، ، وتستغل ظرفية وباء كورونا للتحكم كليا في مصائر الشعب المغربي وكثم أنفاسه. 

2-جرى الإمعان في قمع الأساتذة المفروض عليهم التعاقد، على اعتبار أن نضالاتهم تشكل شرارة لحفز نضالات الجميع، وإِنْ هي استمرت وتوسعت، ستشكل رعبا حقيقيا لواضعي نظام التعاقد. ونظام التعاقد “خيار استراتيجي”، من منظور الحاكمين الملتزمين بتوجيهات الأسياد الامبرياليين [استعمار جديد]، والذين يحاولون تمريره بقوة الحديد والنار، إِنْ هم استطاعوا،  لماذ هذا الاصرار؟ لأن التعاقد هو تلك الآلة الجبارة التي ستسوي كل العقبات مع الأرض لتعبيد الطريق أمام الغاية الأساس : الخصخصة الشاملة لقطاع التعليم. فالأكاديميات الجهوية والمديريات الاقليمية “يجب” أن تتحول إلى مقاولات، والتلاميذ إلى زبائن جالبين للأرباح المالية لصالح الرأسمال [وهم بالملايين]. فالدولة تسعى جاهدة لتفعيل كل ترسانتها التشريعية الداعية إلى “تنويع مصادر التمويل”، هذه الصيغة التي لا تزال محتفظا بها في “القانون الإطار” رغم تعديل المادة 42 منه، التي تنص صراحة على فرض رسوم التسجيل على الآباء والأمهات مقابل تعليم أبنائهم، مثلما جرى حذف تعبير “الأسر الميسورة” وذلك تحت الضغط وردود الفعل التي استثارتها المصادقة على تلك الوثيقة الصادرة عن المجلس الأعلى للتعليم. لهذا يجب إقبار ملف النضال ضد التعاقد كي لا يتحول إلى ملف يتبناه الجميع بالوظيفة العمومية. هكذا إذن يمكن أن نفهم جانبا من دلالات هذه الدرجة من البطش، الذي، إذا ما نجحت الدولة في فرضة كآلية ضد الجميع، ستكون قد عبدت الطريق أمام الخصخصة، حيث سيجري المرور إلى الإنزال العملي للهدف الأساس: رسوم التسجيل، وجعل مجانية التعليم مجرد ذكرى. 

3-من دلالات التصعيد القمعي كذلك، المس بهيبة الأستاذ وفقده الاعتبار وإذلاله أمام أعين المغاربة، وتصوير كل قبول[من جانبه]  بهذا القمع والإهانة والإذلال، على انه خنوع، واستبطان لثقافة التدجين التي تسعى الدولة إلى تعميمها، ووسيلتها في ذلك هي المدرسة بالذات، وجعل ذلك مرفوقا بتصوير كل أستاذ خنوع، تعرض للإهانة وقبل بها، [تصويره] على أنه فاقد للشهامة، وبالتالي لن يكون أهلا لتربية الناشئة على النخوة والكرامة وعزة النفس.. إن الدولة تتبنى نظرة بعيدة المدى لإفقاد المدرس والمدرسة العمومية قيمتهما في المجتمع. هذا ما يفسر شتى أشكال إهانة الأستاذ أمام الكامرات، لجس نبض كبريائه وكرامته، وكذا كبرياء وكرامة كل أنصار الحرية والعدل والمدرسة العمومية. ولحسن الحظ كان الرد العمالي والشعبي، وضمنه التلاميذي، سريعا يومي 22 و23 مارس،  والذي عم ربوع البلد، عبر الإضرابات والمسيرات.. 

فالدولة المغربية، في سياق حربها الطبقية ضد شعب يتوق إلى الحرية والكرامة، دائما ما تلجأ إلى استصغار حاملات وحاملي راية الكرامة في وجهها واحتقارهم. ولهذا كانت غاية الدولة من المدرسة خلق مدرس خنوع، ومدرسة تنتج تلاميذ يستبطنون الخوف والرعب والعنف بكل أشكاله. وبهذا الصدد يقول عالم الاجتماع بورديو “إن حرب طبقة الأغنياء تجاه الفقراء، تبدأ من المدرسة”. ولهذا الغرض كذلك، تحرص الدولة على نشر الإشاعات والنكت الحاطة بكرامة المعلم المناضل، الذي كان ولا يزال الصلة المباشرة مع الأطفال والشباب والمجتمع برمته.   

4-من دلالات القمع كذلك، إبطال مفعول أي وحدة محتملة لنضالات الجماهير المحتجة. فخلال الشهور الأخيرة عرفت الساحة التعليمية تناميا واضحا لنضالات الشغيلة التعليمية، التي كان من سماتها الأساس؛ التصعيد والطابع الفئوي. 

وبالنظر لانسداد آفاق التفاوض والاستجابة لمطالب كافة الفئات التعليمية، بدأت تتعالى الأصوات والبيانات الداعية إلى الوحدة النضالية. ولأن الدولة تعي جيدا، وأكثر من أي كان، ما سيحدثه تجسيد فعلي لخيار الوحدة النضالية من وقع كبير على مسار النضال العمالي والشعبي عموما، تدخلت بهمجية لإبطال مفعول أي مسار ينحو هذا الاتجاه وتعطيله.

والاعتبار الآخر ذو الأهمية القصوى، هو حساسية ملف التعاقد، على اعتبار أنه ملف موحِّد لعموم شغيلة الوظيفة العمومية، والأسر الفقيرة وأبناء الشعب المغربي.

فالدولة تسعى جاهدة لغرس بذور التشتيت والتفرقة ومنع أي نضال موحد حول ملف التعاقد. لهذا تريد أن تنفرد بالأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، وتضغط باتجاه حجب حقيقة نظام التعاقد، الذي سيأتي على أنقاض الوظيفة العمومية. وغاية الدولة من ذلك هي تعميمه عبر تنويع مصادر التمويل وأشكال التشغيل وتحميل الأسر مسؤولية تمويل تعليم أبنائها، وكذا اللجوء لتجميع صناديق التقاعد بمعايير أسوء من أنظمة التقاعد الحالية، والعمل بـ “إعادة الانتشار” بدل الحركة الانتقالية الضامنة للاستقرار العاطفي والاجتماعي للشغيلة. سيجري كذلك إلغاء الترقي بالأقدمية واللجان الثنائية المركزية، وتعويضه بـ “المردودية”، وفق معايير القطاع الخاص.

بكلمة واحدة، لجأت الدولة إلى قمع الأساتذة المناضلين، لكبح أي وحدة نضالية تكون من بين أولوياتها إسقاط مخطط التعاقد الذي يرتبط بنيويا بمخططات طبقية أخرى ستليه.

5-من بين الدلالات الأخرى للاستعمال المفرط لآلة القمع ضد الأساتذة المفروض عليهم التعاقد، هاجس الدولة المتمثل في السعي إلى الفتك بنضال شغيلة التعليم، قصد المرور لتنزيل مخططات أخرى طبقية لا تقل أهمية، من منظور مصالح الرأسمال المحلي والأجنبي، ونخص بالذكر؛ قانون الإضراب وتعميم الخصخصة وتفكيك صناديق التقاعد والحماية الاجتماعية.

بدائلنا المقترحة للرد على قمع الحريات النقابية بقطاع التعليم

من خلال ردة الفعل التلاميذية والنقابية والشعبية ازاء الهجوم القمعي الأخير، تبدو الآفاق جلية بالنسبة  لنا بوضوح.

إن كل تنسيق للنضال بين النقابات والتنسيقيات التعليمية والتلاميذية المناضلة فعلا، من أجل مدرسة عمومية وتعليم ديمقراطي وملف مطلبي مشترك، سيشكل مدخلا حقيقيا للخروج من فخ تشتيت النضالات وهزيمتها. لقد كشف القمع الهمجي، خاصة يومي 6و7 أبريل، بالدليل والبرهان، كل أوهام النضال الفئوي.  

في هذا الاطار يمكن وضع برنامج عمل يكون شعاره تجسيد ” وحدة النضال من أجل مطالب الشغيلة التعليمية والتلاميذ والدفاع عن المدرسة العمومية”، وتكون من بين مهامه:

-الاتفاق على أن حالة القمع المعمم لن نواجهها الا بنضال معمم من أجل الكرامة والمدرسة العمومية 

-الاتفاق الجماعي على أن التعاقد ملف شعبي ملزم لكافة أنصار المدرسة العمومية.

-التأكيد على ضرورة جعل ملف التصدي للاقتطاعات عن أيام الاضراب وصيانة حق الاضراب من بين الأولويات القصوى.

-تجسيد تجارب النضال الوحدوي ميدانيا وتعميمها بين كافة الحركات المناضلة بالقطاع، لتشمل كافة الأقاليم والجهات، وتنفتح على كل كافة التنسيقيات والجمعيات والنقابات.

-تنسيق جهود المعارضة النقابية والدفع بمحاصرة التوجهات البيرقراطية داخل النقابات، عبر دعم التجارب النقابية الكفاحية وتعميمها ونبذ كل التوجهات الرافضة للنضال النقابي.

-دعم الحراك التلاميذي الذي سينبعث من جديد باتجاه مناصرة نضالات الأساتذة والنضالات النقابية المدافعة عن التعليم العمومي المجاني والجيد.

-التأثير على الحركة الطلابية والدفع بها للانخراط  في سيرورة النضال من أجل تعليم ديمقراطي

-جعل جمعيات الآباء والأمهات والأولياء فضاءات حقيقية للنقاش العام حول قضايا التعليم ووسيلة لرفع وعي منخرطيها من آباء وأمهات، مع جعلها فضاء مطلبيا ونضاليا دفاعا عن المدرسة العمومية 

-جعل قضية التعليم قضية كل الأجراء وكل القطاعات النقابية، وخصوصا أمام اصرار الدولة على تنزيل بنود “الميثاق” و”القانون الاطار” الذي ينص على وضع حد للمجانية، كما سبقت الاشارة. 

ولهذا السبب، مفروض على النقابات تضمين ملفاتها المطلبية مطالب ذات علاقة بالتعليم، وأن تناضل من أجلها .

ببرنامج من هذا القبيل، يمكن أن يتطور منحى تلاقي كافة حركات النضال المناصرة للمدرسة العمومية، وسيجري ربط كل القطاعات العمالية والشعبية بالكفاح العام من أجل ملف مطلبي مشترك، يكون قلبه النابض الدفاع عن مجانية التعليم وكرامة الأستاذ والتلميذ على حد سواء.

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا