أكتوبر 1917-2017. الشيوعية في حالة حركة

المكتبة3 أبريل، 2017

كاترين ساماري Catherine Samary

“من يتحكم بالحاضر يتحكم بالماضي. ومن يتحكم بالماضي، يتحكم بالمستقبل”

 (جورج أورويل، 1984″)

حسبما كان دانيال بنسعيد (2009) يقول:” ليست الشيوعية فكرة خالصة، ولا نموذجا عقائديا للمجتمع”. بل تظل ” اسم حركة، تتجاوز/ تُلغي على نحو دائم النظام القائم”  وتطعن في كل علاقات السيطرة . لذا لا يمكن مماثلة هذه الشيوعية بالأنظمة أو الأحزاب الوحيدة، المعلنة نفسها اشتراكية أو شيوعية، والتي استملكت التطلعات التحررية والحركات الجماهيرية المساواتية، قامعة إياها أو مطوعة إياها لتوطيد امتيازات. وكما يؤكد إنزو ترافرسو  Enzo Traverso (2016) “على عكس حقب أخرى من إعادة النظام القديم، على غرار فرنسا بعد يونيو 1848 أو بعد كومونة باريس، لم يكن للحقبة البادئة بانعطاف 1989 أن تمنح المضطهدين غير ذاكرة اشتراكية مشوهة ، كاريكاتورا توتاليتاريا لمجتمع متحرر” .

ومع ذلك …لابد من تبديد الكذبة الكبرى لثورة ديمقراطية زائفة يزعم أنها “أنهت الشيوعية”  ومن العودة، مع السكان المعنيين، إلى الرهانات الاجتماعية، والأسباب والآليات الداخلية/الخارجية “للتحول الرأسمالي الكبير” الذي طبع نهاية عالم القطبين. ويجب معارضة إرادة المسيطرين التحكم في تأويل الثورات السابقة على نحو جدير بـ 1984 أورويل، رام إلى تجريم تمردات القرن 20 وثوراته باختزالها في الغولاك من أجل تجريم أشد للمقاومات الراهنة والقادمة.

والأسوأ للذين واللائي يرفضون/ن قبول الرأسمالية أفقا غير قابل للتجاوز هو مرافقة لا إرادية لهذا الهجوم الرجعي، باسم المثل غير المحققة في القرن الماضي.  إن إحدى الأهداف المركزية لهذه المساهمة هي محاربة فكرة: “ليس ذلك اشتراكية، وبالتالي لا يعنينا” أو ” “إنها نقاشات متجاوزة”.

يجب إعادة الوصل مع أخصب النقاشات الماضية المرتبطة بالتجارب الثورية، قبل ستلنتها (إضفاء الستالينية عليها) البيروقراطية وضدها، بتحيينها في ضوء المسافة التاريخية التي باتت متاحة واسترشادا بالكفاحات الجديدة.

 بناء الاشتراكية – قطائع و استمرارات، و سيرورات دائمة

لم يكن الاتحاد السوفييتي، بنظر لينين والحزب البلشفي لسنوات 1920، “اشتراكيا” سوى بأهدافه، لا في واقعه المباشر: كان الأمر يتعلق بمجتمع انتقالي بين الرأسمالية والاشتراكية، متوقف على سيرورة “ثورة دائمة” حللها تروتسكي، وشوهها ستالين: كان التحليل ينطلق من “التطور المتفاوت والمركب” للتشكيلات الاجتماعية لشبه الأطراف الرأسمالية، مثل روسيا، وتبعيتها إزاء البلدان الامبريالية. كان التحويل الاشتراكي لهكذا مجتمع وقفا على ثلاث سيرورات متمفصلة: تحول الثورة الديمقراطية البرجوازية (ثورة فبراير) إلى قطيعة مناهضة للرأسمالية (أكتوبر) راسخة في دينامية الصراعات الطبقية ذاتها (David Mandel, 2016) ؛ والتغيير الجذري للمجتمع القديم لصالح الطبقات المسيطر عليها نحو مجتمع لاطبقي – دون وصفات حول كيفية ذلك؛ والتوسع العالمي للثورة ضد النظام الرأسمالي. هل هذا نقاش متجاوز؟ (M. Löwy 2000).

كانت هكذا مقاربة تستخلص كل نتائج تحليل الامبريالية، ممثلة انعطافا في الفكر الماركسي سيطمسه إضفاء صبغة ستالينية: كان الرأسمالية تُحلّـل بما هي نظام، متمفصل وتراتبي، وليس مجموع دول لابد لها جميعا من عبور نفس سيناريو التصنيع. كان ذلك تحيينا (لا يزال مطلوبا) لبداية أخذ ماركس المقاومات الصاعدة  في هوامش الإمبراطورية البريطانية  بالحسبان (K.B.Anderson, 2010).

لكن، في سياق عزلة الثورة، بعد المحاكمات الستالينية الكبرى، قرر ستالين أن الاتحاد السوفييتي أصبح مجتمعا اشتراكيا على قاعدة التجميع القسري للاتحاد السوفييتي (مع كل أبعاد الاضطهاد القومي الروسي الكبير) وإرساء التخطيط الممركز. وسيتم ترسيخ التدابير القمعية التي اتخذها لينين إبان الحرب الأهلية، رغم معاركه الأخيرة (M.Lewin, 2015)، في نظام ستاليني توتاليتاري.

يستحيل فهم عالم القرن العشرين20 و 21 بتجاهل الخسائر السياسية، والاقتصادية الاجتماعية، والإيديولوجية المديدة الناتجة من ستلنة الاتحاد السوفييتي هذه، وعن كل ظواهر تبقرط الثورات؛ كما يتعذر ذلك الفهم باعتقاد أن الثورة توقفت مع الثورة المضادة الستالينية.

اعتبر تروتسكي، بوجه صعود الفاشية وسلوكات الأحزاب الشيوعية، أن الأممية الشيوعية المستلنة ماتت وقرر مع رفاقه خلق الأممية الرابعة بنهاية سنوات 1930- حتى قبل أن يقرر ستالين  تعويض الكومنترن بمجرد مكتب إعلامي. كان هذا الفعل تجسيدا  لواقع انعطاف استراتيجي: مذاك بات التغيير الاشتراكي العالمي خاضعا “لبناء الاشتراكية في بلد واحد”. كان من واجب الأحزاب الشيوعية التعريف شعبيا،على نحو تبريري، بالنجاحات السوفييتية وتفادي كل انفلات مناهض للرأسمالية خشية أن يُعزى للاتحاد السوفييتي- ما قد يعرقل مفاوضاته حول تقاسم العالم بين القوى العظمى، على ظهر الشعوب، كما في يالطا. إن كان الاتحاد السوفييتي قد منح دعما لمحاربي الفرانكوية، فقد جرت محاربة هؤلاء واغتيالهم من قبل الكرملين إن هم تجاوزا النضال المعادي للفاشية – كما أبرز ذلك كين لوش في فيلمه “الأرض والحرية”.

لكن، إن كانت نزعة الأحزاب الشيوعية الإصلاحية ذات مصداقية في سياق إعادة  بناء بلدان المركز الرأسمالي بعد الحرب، فإن الشيوعيين اليوغسلاف لم يريدوا خطة مارشال ولم يخضعوا لاتفاقات يالطا.  كذلك لم تحترم الثورة الصينية حدود رؤية مراحلية جعلتها جذرية المواجهات الاجتماعية والسياسية غير قابلة للتطبيق إلا قليلا. . كل هذه الثورات كانت، حسب تسلسلات زمنية وسيناريوهات متباينة، مصادر  أزمة كبيرة للهيمنة الستالينية السوفييتية  في العالم الشيوعي، لكن دون أن تُنهي استبدالية الحزب الوحيد المتحدث باسم العمال، ولا النزعة البيروقراطية – تلك الشرور التي طبعت كل الحركة العمالية، حتى الثورية … (E. Toussaint 2017)..

كان للثورة اليوغسلافية تأثير قاري فوري ومباشر على دائرة نفوذ الكرملين (كما كانت تدل عليه شعبية مشاريع الكونفدرالية البلقانية). لذا قرر ستالين “إلقاء الحرم” على “التيتوية” في العام 1948 بالافتراء عليها- وبفرض عملية تطهير في الأحزاب الشيوعية. لكن، فيما كان ماو تسي تونغ ينسب نفسه إلى ستالين ضد خروتشوف- مع تجذير الدعم  للمقاومات المضادة للامبريالية، نسب الشيوعيون اليوغسلاف أنفسهم إلى ماركس وإلى كومونة باريس ضد ستالين- مدخلين التسيير الذاتي في العام 1950.  هذا التفرد سيفتح أنابيب تجربة بالغة الثراء يجب تملك حصيلتها على نحو تعددي (C. Samary 2010).

وسيفاقم واقع امتداد الثورة ترجح الولايات المتحدة الأمريكية، فبعد أن قدمت نفسها في البداية كدولة مناهضة للاستعمار بقصد منافسة القوى الأوربية القديمة، ستقوم منذئذ بتبني هيئة المحارب “المدافع عن العالم الحر”. وأدى الخوف من الشيوعية إلى تحققها في كوبا حيث أفضى التدخل الأمريكي إلى تجذير السيرورة الثورية  حتى مستوى القطيعة المناهضة للرأسمالية والتقارب مع الاتحاد السوفييتي في العام 1962. لكن محاربة الشيوعية كانت أيضا الداعي الصريح  للتدخل الأمريكي في فيتنام بعد الهزيمة الفرنسية.  ذلك كان، في هذا القرن، “محور الشر” المبرر للحروب الامبريالية المفترض أنها  مُمدِّنة، معززة بدورها  تحول الكفاحات المناوئة للاستعمار  إلى مناوئة الامبريالية.

وقد كان المهدي بنبركة (1965)، القائد  المغربي رئيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر منظمة القارات الثلاث (المغتال قبل انعقاده في هافانا في العام 1966)( R. Galissot, 2005 ; S. Bouamama, 2016) لخص الأهمية التاريخية لذلك المؤتمر، بقول إنه تتمثل فيه “الحركة المنبثقة من ثورة أكتوبر وحركة الثورة الوطنية التحررية”.  وكانت الثورة الكوبية الوصل بين هاتين الحركتين. وكان ذلك المؤتمر أعظم أهمية وأكثر جذرية سياسيا من مؤتمر  باندونغ  الذي تثمنه  أكثر، عن خطأ،  دراسات ما بعد الاستعمار(Robert J. C. Young, 2005) وسيؤكد نداء تشي غيفارا في السنة التي بعدُ إلى منظمة القارات الثلاث، “خلق فتنام، وفتنامين وثلاث”، ديناميتها المتمثلة في  سعي إلى دحر العدوان الامبريالي وتوسيع الثورة- ما كان على طرف نقيض من سعي الكرملين إلى “تعايش سلمي” بين النظامين.

يعيد سعيد بوعمامة إلى الأذهان تأثير هذا المؤتمر ضد الاستعمار والاستعمار الجديد والامبريالية في العالم الثالث، وحتى في صلب القوى الامبريالية التي تواجه معا صعود الحركة المناوئة للحرب وتجذر كل مكونات حركة السود الأمريكيين، وأيضا الأقسام الثورية لحركة مايو 1968 بفرنسا.  لكن هذا التأثير أُستُشعِر أيضا في بلغراد في يونيو 1968 المطبوع بتصاعد  الإضرابات واحتلال الجامعات حيث تروج نصوص مايو 1968 الفرنسي، وأيضا في صور تشي غيفارا والشعارات المنتصرة لجبهة التحرير الوطني الفيتنامية. ويضاف إلى هذا شعارات “التسيير الذاتي من أسفل إلى أعلى !” وضد “البرجوازية الحمراء” بتأثير من انتقادات المدرسين الماركسيين بمجلة براكسيس Praxis, ضد “اشتراكية السوق”.

في غضون ذلك في يوغوسلافيا تصدت المجالس العمالية، مدعومة من الجناح الثوري بالحزب الشيوعي والنقابات، للدبابات السوفييتية، بعد ربيع براغ “من أجل اشتراكية ذات وجه إنساني”. كانت سنوات 1968 (Contretemps, 2008)  مطبوعة في العالم بـ”ديالكتيك الثورة العالمية (QI, 1963)  وتجذر المجابهات.

من امتداد الثورة إلى إعادة الرأسمالية : أي دروس؟

الثورة المضادة المسماة نيوليبرالية البادئة مطلع سنوات 1980 رد على كل ما كان يهدد على نحو هيكلي المنظومة-العالم الرأسمالي في العقد الذي قبل. لكن يتعذر تحليلها بالكامل بالتغاضي عن المواجهة الفعلية بين نظامين في سنوات 1970 تخترق كليهما تناقضات كبيرة.

كما يتعذر فهم تجذر الثورة المضادة والحرب الاجتماعية المعولمة دون انعطاف 1989 ودمج الصين وروسيا وأوربا الشرقية في المنظومة-العالم الرأسمالي –  فهو يتيح خلق تنافس عالمي بين الشغيلة.  وبات خيار اشتراكية أو همجية راهنيا أكثر من أي وقت مضى في ظل ظروف  متغيرة جذريا تفرض العودة إلى النقاش  الاستراتيجي (Samary, 2016)

في تبدل الحقبة هذا، يجب التأكيد على غموض ترجح قسم هام من النومنكلاتورا الشيوعية نحو توطيد امتيازاته بعمليات الخصخصة وتحوله إلى برجوازية ذات طابع كمبرادوري بأوربا الشرقية وحتى في روسيا إيلتسين، مغايرة لبزوغ قوى امبريالية جديدة في الصين (Au Long Yu 2010) أو في روسيا بوتين (Samary, 2015) تقوي أبعادا متعددة الأقطاب للعالم الرأسمالي، ولا تخفف بتاتا إذكاء التنافس المعولم بين الشغيلة  غير المسبوق تاريخيا.

يتيح التحليل الملموس لسيناريو عمليات الخصخصة في سنوات 1990 قياس إلى أي درجة – لا سيما في الاتحاد السوفييتي:

–       لم يكن النقد من قبل يقوم بدور رأسمال قابل للمراكمة: كانت الاختلالات (وصفوف الانتظار) تعبر عن إنتاج سيء لقيم استعمالية، دون عقاب السوق للمقاولات (لا إفلاسات) ولا للشغيلة ( لا بطالة)، وحتى دون محاسبة  حقيقية للأكلاف، و بلا آليات سوق للتقويم ولخيارات الاستثمار؛

–       لم يكن الحزب/الدولة مالكا شرعيا ولا مالكا فعليا لوسائل الإنتاج التي لم يكن بمستطاع مديري الجهاز تدبيرها بحرية ولا نقل ملكيتها: كانت إحدى الوظائف الأساسية “لعمليات الخصخصة الجماهيرية”، بعد توزيع أسهم مجانية على العمال “كي يعاد إليهم ما هو ملك لهم”، إتاحة  تملك الدولة الخاص لقسم الصناعة الأساسي. إن أمكن الحديث بوجاهة عن أشكال بيروقراطية من رأسمالية الدولة، في الصين أو روسيا، ففي ما بعد 1989. وقد ترافقت بتغيير جذري في اشتغال النقد كرأسمال وفي علاقات السوق، لا سيما  إعادة النظر في الوضع  المحمي لقوة العمل في النظام القديم – وهي ملاحظات تعزز وجهة نظر انطوان ارتو Antoine Artous (2015, p.24) ضد المدرسة الألتوسيرية في النقاشات المعاصرة بين  الماركسيين حول الدولة الرأسمالية، المزيحة لتحليل علاقات السوق.

فيما كان تراكم الرأسمال يحدث في روسيا على نحو معتم بتقطيع حصص قابلة للتصدير من الصناعة، وإيداع الأرباح في الفراديس الضريبية، تواصل حتى أزمة 1989 الطابع المهيمن  في علاقات المقايضة بين المقاولات، مع بطالة ضعيفة، كاشفا في شكل أزمات عن استمرار العلاقات المخططة السابقة وعن أهمية “الأجر الاجتماعي”، غير النقدي (سكن، حضانات، متاجر، مستوصفات صحية، الخ) مقرونا بالتشغيل المتردي في المقاولات الكبيرة.

كما تتيح الحالة اليوغوسلافية تمييز أشكال تدمج إلى هذا الحد أو ذاك السوق منذ 1950 لكنها وحتى آخر دستور لعام 1973 قيد حياة تيتو وسعت حقوق التسيير الذاتي، من جهة، ومن أخرى إصلاحات العام 1989 الرامية إلى تدمير الملكية الاجتماعية وتفكيكها. كما يجب تمييز التحليل الملموس لأشكال منطق متناقضة، وحتى ميول إلى إعادة  الرأسمالية في إصلاحات سنوات 1960، عن الإعادة الفعلية للرأسمالية- تحت حماية دولة أخرى.

و أخيرا، يتيح التحليل الملموس الإحاطة بتمايزات البيروقراطية المترجحة بين الطبقات الأساسية وسياقات دمج في النظام الرأسمالي – وهي سيرورات تهم أيضا المنظمات السياسية و النقابية اليسارية داخل النظام الرأسمالي، وهي رهانات لا تزال راهنية.

من النقاشات الاقتصادية الكبرى إلى التخطيط القائم على التسيير الذاتي: أي تسيير للمشتركات؟

انه لذو دلالة أن مفهوم مجتمع الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية هذا، المستعمل من قبل  ماركسيي سنوات 1920 بالاتحاد السوفييتي  (Boukharine & co, 1972) ، قبل الستلنة، قد عاد للظهور في قطيعة مع مفاهيم تبريرية ستالينية حول مجتمعات اشتراكية، خلو من النزاعات: نجده  في تحاليل تناقضات الملكية الاجتماعية من قبل الماركسيين اليوغوسلاف (R.Supek dir.1973 ; E.Kardelj, 1976)، لكن أيضا في كتابات تشي غيفارا (1965)، واستعمله ارنست ماندل (1970) وشارل بتلهايم (1970)، كما كان ممكنا أن يستعمله بوخارين وبريوبراجنسكي أيا كانت خلافاتهما حول مكانة السوق التي تظل محتواة في إطار غير  رأسمالي (1).

في الجوهر، كان المفكرون المنوه بهم يحللون المجتمعات المسماة اشتراكية بما هي منطوية على نزاعات وهشة في الآن ذاته، تحت ضغوط رأسمالية خارجية وداخلية، خلف أشكال ملكية قانونية مختلفة، دون أن يكون المستقبل مضمونا. وكان الجميع يعتبر إعادة للرأسمالية ممكنة، دون أن تكون سيناريوهاتها واضحة…  و قد حدثت السناريوهات المحققة في سياق غير مسبوق تاريخيا(Samary 2008a)  : إنها مساحة نظرية للتفكير والتحليل وجيهة.

 كان كل المفكرين الماركسيين المنوه بهم يؤكدون تبنيهم الأهداف الشيوعية لكن تفرقهم خلافات حول سبل بلوغها في سياقات خاصة؛  وكان التقدم الاشتراكي يقاس بمدى إمساك العمال الجماعي بالخيارات الكبرى (دون وضوح حول الوسائل) في مجال ملاءمة قيم الاستعمال المنتجة للحاجات. ما كان يثير أيضا مسألة الحساب الاقتصادي لـ”كمية العمل الضروري اجتماعيا” الملائمة لمعايير هذا المجتمع، كما كان يؤكد بتلهايم (Samary, 1988) دون جواب مكتمل بهذا الصدد. يجب إخضاع مفهوم مجتمع الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية  لتحيين على صُعد عدة. من جهة يجب محاربة رؤية مراحلية تقوم بترسيخ أطوار متباينة: كما قيل دوما، إن غاب الهدف الشيوعي من البدء قلّـت حظوظ الاقتراب منه.  من جهة أخرى، يجب أن تَدمج تلبية الحاجات، منذ البدء، المعارف ووعي الرهانات البيئية المتعلقة بنفاد موارد الكوكب وضرورة عدم تبذيرها- ما يستدعي الاعتراض على رؤية للشيوعية كمجتمع وفرة، دون حساب وتدبير للندرة.  وقد يكون استعمال الأسعار (ومن ثمة النقد) مفيدا على نحو دائم – لكن على قاعدة مداخيل متساوية – من أجل  ضبط استعمال بعض الموارد، دون تحويلها مع ذلك إلى سلع. و أخيرا إن الطعن، الراهني أكثر من ذي قبل، في سيادة النقد وعلاقات السوق، وضرورة وضع القيمة الاستعمالية للمواد والخدمات في صلب الخيارات المخططة، لا يعني إمكان الاستغناء عن سوق مُشرَّك (تحت رقابة اجتماعية تعددية) للمواد والخدمات ( كما أكد ديان إلسون Diane Elson  في  النقاش بين إرنست ماندل وآلك نوف Alec Nove  (C. Samary, 1997)

لكن، لا غنى أيضا عن العودة إلى النقاش الكوبي الكبير وتحيينه (C. Mesa-Lago C., 1971 ; E. Mandel 1987) حول الحوافز المادية أو المعنوية. كان ذلك النقاش في 1963-1964  في سياق إصلاحات سوق بإيعاز من الاتحاد السوفييتي من قبل ليبرمان Liberman  وفي تشيكوسلوفاكيا من قبل أوتا سيك Ota Sik، داعيا إلى استقلال محاسباتي للمقاولات، وتحميل المدراء المسؤولية، مرفقة بمنح لمن أفلحوا في خفض الأكلاف. كان شارل بيتلهايم يدعمهم معتبرا مستوى قوى الإنتاج لا يتيح وسائل إمساك فعلي بزمام التخطيط المركزي.  وكان تشي غيفارا يعارض ذلك: فمن جهة، فيما يخص حالة كوبا الملموسة، كان يرى أن البلد صغير كفاية لاشتغال تخطيط ممركز، لكنه كان بوجه خاص ضد الحوافز النقدية المفككة للتضامن وللأهداف الاشتراكية. وكان ارنست ماندل يدعمه، مؤكدا على غرار غيفارا  الحاجة إلى اعتماد حوافز مادية، فضلا عن المكافآت المعنوية، لكنها غير نقدية تدفع إلى التعاون بين العمال ( تحسينات مشتركة ملموسة لظروف العمل أو الحياة مثلا).

وقد جرى منذئذ التحقق من ديناميات وتناقضات الاصطلاحات المقترحة من أوتا سيك (Samary 1988) . لكن المهم أن طريقا ثالثا كان قائما في تشيكوسلوفاكيا (جناح التسيير الذاتي في الحزب الشيوعي وفي النقابات)، مستلهما النقاشات اليوغوسلافية، وغائبا في النقاش الكوبي.  كان الماركسيون اليوغوسلاف بمجلة براكسيس في متم سنوات 1960 (JM. Palmier, 1973 ; Samary 2008b) يقترحون:

–       إحداث جماعات مصالح قائمة على التسيير الذاتي للمنتجين والمستعملين ومسؤولي الدولة المعنيين بمادة أو خدمة بعينها (مدارس، حضانات، مستشفيات، طرقات…): وكان عليها أن تسير مجتمعة إنتاج هذه المادة أو الخدمة واستعمالها على أساس مالية ممنوحة على الصعيد الترابي المناسب، مغذاة بمساهمات اجتماعية. وكان هذا رفضا لرؤية للتسيير الذاتي من زاوية  المنتجين وحدهم.

–       اعتماد تخطيط قائم على التسيير الذاتي على مختلف الصُّعد الترابية على قاعدة تعاون”وحدات قاعدية للعمل المتشارك” موسعا أفق تسيير الملكية الاجتماعية ضد النزعة الدولتية والأفق الضيق للمقاولة أو ملكية المجموعة؛

–       إرساء غرف التسيير الذاتي، على صعيد الجماعات الترابية، وعلى صعيد الجمهورية والفيدرالية، إلى جانب  برلمانات،  متيحة للمسيرين ذاتيا  مساحة سياسية ورقابة  على الأهداف المخططة الكبرى.

–       كان مجمل هذه الاقتراحات يرمي إلى خلق إطارات تسيير مشترك للملكية الاجتماعية، على مختلف الصُّعد حيث ستتجسد – وهي مقاربة تتناغم مع النقاشات الراهنة حول المُشتركات.

        ترجمة: المناضل-ة

        هوامش :

1-     كان شارل بتلهايم أمدا طويلا قريبا من المخططين السوفييت. وفي سنوات1960 اقترب من مواقف ليبرمان او أوتا سيك  في تشيكوسلوفاكيا ضد غيفارا وماندل. ثم اقترب من ماوية الثورة الثقافية وقطع مع كوبا. في كتاب الحساب الاقتصادي وأشكال الملكية أشار (صفحة 7) إلى ” تصحيحات” مفهومية جارية بلورتها، دون “أن تكتمل”  حسب قوله هذه العملية بما يكفي لتغيير هذا الكتاب الهام.

Bibliographie

Au Long Yu (2012), China’s rise : strength and fragility (avec contributions de Bai Ruixue, Bruno Jetin & Pierre Rousset), Resistance Book and IIRE, Merlin Press

Anderson K.B. (2010), Marx at the Margins, on nationalism, etnicity and non-Western Societies, http://abahlali.org/files/Anderson%20-%20Marx%20at%20the%20Margins.pdf

Artous A. (2015) -avec Tran hau Hac, José Luis Solis Gonzalès & Pierre Salama, Nature et forme de l’Etat capitaliste. Analyses marxistes contemporaines. Paris, Syllepse.

Bensaïd D. (2009) « Puissances du communisme ».

Bettelheim C. (1970), Calcul économique et formes de propriété, Maspero

Boukharine N., Préobrajensky E., Trotsky L, ( 1972), Le débat soviétique sur la loi de la valeur, Livres Critiques de l’Economie politique, Maspero.

Bouamama S. (2016), La Tricontinentale. Les peuples du tiers-monde à l’assaut du ciel. Ed. du Cetim (Genève) / Syllepse (Paris)

Contretemps (2008) : 1968. Un monde en révoltes. http://www.contretemps.eu/wp-content/uploads/Contretemps%2022.pdf

Guevara (Che) (1965), Le Socialisme et l’Homme à Cuba, http://classiques.chez-alice.fr/che/chesoc.pdf

Gallissot R., (2005) « Mehdi Ben Barka et la Tricontinentale », Le Monde Diplomatique,  octobre https://www.monde-diplomatique.fr/2005/10/GALLISSOT/12827

Kardelj E. (1976), Les contradictions de la propriété sociale dans le système socialiste, Anthropos.

Lewin M., (2003), Le siècle soviétique, Paris, Fayard/Le Monde Diplomatique.

Lewin M, (2015) rééd. Le dernier combat de Lénine, Syllepse, Page 2

Löwy M., (2000) : « L’actualité de la révolution permanente », Inprecor, n°449-450, juillet 2000

Mandel D. (2016) dans October 1917, Workers in power (avec des textes P. Le Blanc, E. Mandel, L.Trotsky, R.Luxemburg et Lénine), Resistance Book et IIRE, Merlin Press

Mandel E. (1970), « Du nouveau sur la question de la nature de l’URSS. Lutte entre la ‘loi de la valeur’ et ‘la logique du plan’  » Quatrième Internationale, n° 45, septembre.

Mandel E . ( 1987 ) Le grand débat économique à Cuba, 1963-1964,http://www.ernestmandel.org/new/ecrits/article/le-grand-debat-economique-cuba

Mesa-Lago C. (1971), « Le débat socialiste sur les stimulants économiques et moraux à Cuba », Annales, Economies, sociétés, civilisations, N°2, volume 26, http://www.persee.fr/doc/ahess_0395-2649_1971_num_26_2_422368

Palmier J.M. (1973) « les difficultés de ‘Praxis’ et de l’école d’été de Korčula « , L’Homme et la société, 1973, vol. 27, n°1 http://www.persee.fr/doc/homso_0018-4306_1973_num_27_1_1797

Quatrième Internationale (QI) archives numérisées

QI (1961) Textes du congrès mondial de janvier 1961. Notamment thèses sur la révolution coloniale – http://association-radar.org/IMG/pdf/16-014-00092.pdf

QI(1963)– Textes du Congrès mondial de 1963, notamment « la dialectique de la révolution mondiale « : http://asmsfqi.org/IMG/pdf/16-014-00099.pdf

Samary C, (1988), Plan, marché et démocratie = l’expérience des pays dits socialistes, Cahiers de l’IIRE, n° 7/8, Amsterdam http://www.iire.org/images/stories/notebooks/pdf%20cer%207_8.pdf ; en castillan : https://fileserver.iire.org/cei/PDF%20CEI%207.pdf

Samary C. ( 1997 ) « Les conceptions d’Ernest Mandel sur le socialisme », https://www.ernestmandel.org/fr/surlavie/txt/samary.htm

Samary C. (2008a), « la grande transformation capitaliste en Europe de l’Est », http://revista-theomai.unq.edu.ar/NUMERO17/Samary.pdf

Samary C. (2008b) « Du juin 1968 yougoslave aux impasses du titisme », dans le numéro spécial 1968 : Un monde en révolte de la Revue Contretemps, http://www.contretemps.eu/wp-content/uploads/Contretemps%2022.pdf

Samary C. (2010) « L’autogestion yougoslave pour une appropriation plurielle des bilans », Actes do colloque de la CNT, Barcelone http://www.europe-solidaire.org/spip.php?article21299 (traduit par Viento Sur : http://vientosur.info/spip.php?article1048

Samary C., (2015) « Russie : du court siècle soviétique à la Russie de Poutine », Revue Contretemps.

Samary C. (2016) Contribution au débat sur la situation mondiale et l’impérialisme aujourd’hui. http://www.cadtm.org/Contribution-au-debat-sur-la

Supek R. (Ed.) (1973) Etatisme et autogestion, bilan critique du socialisme yougoslave, Anthropos.

Traverso E. (2016), Mélancolie de gauche, Paris, La Découverte, p.21

Toussaint E. (2017), « Lénine et Trotsky face à la bureaucratie. Révolution russe et société de transition ». http://www.europe-solidaire.org/spip.php?article37007

Young J.C.R. (2005), NY, « Postcolonialism : From Bandung to the Tricontinental », Historein, Vol 5 http://ejournals.epublishing.ekt.gr/index.php/historein/article/view/2160

شارك المقالة

اقرأ أيضا