النساء: النضالات ومعيقات التطور

النساء6 يناير، 2015

أسماء

العولمة وتأنيث الفقر

تمثل النساء %70 من ساكنة العالم التي تعيش تحت عتبة الفقر (مليار و200 مليون نسمة)، وفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

فاقمت برامج التقويم الهيكلي من سوء وضع النساء أكثر من الرجال، فقد أصبح تأمين الغذاء ودفع تكاليف الدراسة والعلاج غير متاح بالنسبة لعدد كبير من النساء وأطفالهن، وحتى حين يكون موجودا تدفع العقلية الذكورية السائدة في المجتمع لتفضيل الذكور على الإناث في الحصول على الحقوق الأولية (خاصة التعليم).

ظروف عمل قاسية وعدم مساواة في الأجور وعدم الاعتراف بمساهمة النساء غير المرئية في الإنتاج الإجمالي (تقدرها الأمم المتحدة بـ 11 ألف مليار دولار)، وتأنيث قطاعات إنتاجية بعينها إضافة إلى الدعارة وصناعة الجنس… هذا ما تقدمه العولمة لمجمل نساء الكوكب.

هذا الواقع هو الذي يدفع النساء لاقتحام ساحات للنضال.. واستطاعت مجموعة في من المحطات النضالية أن تثبت ذاتها كإنسانة مستقلة فكريا، وأبانت عن صمود قوي أمام قوات القمع والاعتقال وحتى الاستشهاد، متجاوزة بذلك نظرة المجتمع في محاولة جبارة لتحطيم اقدم سجن في البيت “جدران البيت”، للمطالبة بحقوقها كعاملة ومعطلة وطالبة…؛

المرأة المناضلة متواجدة- وإن بنسب متفاوتة- داخل الإطارات (النقابية والحزبية)، محاربة النظرة الذكورية التي تحصر دور المرأة بالعمل المنزلي وإكثار سواد الأمة، جاهدة لفرض ذاتها داخل هذه الإطارات بكل هيئاتها. هذا الاقتحام ليس منة من أحد، بل نتاج الظرفية التاريخية المرتبطة بتحولات ما بعد الاستقلال ومتطلبات الإدارة “الحديثة” واقتصاد السوق في دفع المرأة، لاخترق مجالات مجتمعية كانت في السابق حكرا على الذكور.

التمدرس

مع الاستقلال الشكلي شجعت الدولة تمدرس النساء، وذلك قصد ملء الفراغ الذي تركته الأطر الفرنسية. إلا أن نسبة النساء المتعلمات ظل محتشما مقارنة مع الذكور أو نسبة لمجموع النساء.

لم يتجاوز من وصل من النساء إلى مستوى التعليم العالي 588 ألف، بينما يصل عدد الأميات 7 ملايين، وهذا ناتج عن:

• سياسة تعليم نخبوية تسعى إلى ضرب الطابع العمومي للتعليم.

• تقاليد المجتمع التي تعطي الأولوية للذكور التي يذكيها الفقر والإقصاء الاجتماعي

• غياب البنيات التحتية خاصة بالعالم القروي الذي يسجل النسب العالية من أمية الإناث

• مصلحة الرأسمالية التي تفضل يدا عاملة رخيصة وطيعة.

التشغيل

يصل عدد النساء العاملات إلى 2817531، تشتغل النسبة الأكبر منهن في قطاع الزراعة والنسيج والتصبير، وهي قطاعات لا تتطلب مؤهلات وتعرف استغلالا بشعا…

لا زال عمل المرأة يعاني من عدم مساواته في الأجور مع الرجال، رغم تقديمها عملا متساويا إن لم يكن أكثر مقارنة مع الرجل.

وشهدت قطاعات بعينها- تتطلب استغلال مكثفا وخنوعا أكبر- تأنيثا متزايدا؛ كقطاعات النسيج والتصبير والفلاحة. استغلال يضاف إلى الوضعية الدونية للمرأة ما يجعل الوضع أكثر كارثية بإضافة التحرش والعنف والجنسي إلى مظاهر الاستغلال الطبقي.

الجانب القانوني

لأزيد من 47 سنة كرست القوانين والتشريعات وضع الاضطهاد والاستغلال الذي تعاني منه المرأة.. في تناقض مع التحولات التي عرفها المجتمع (التمدرس والخروج للعمل).

طيلة عقد التسعينات نشطت الجمعيات النسائية المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة وتغيير مدونة الأحوال الشخصية… لكن انحصار العمل النسائي في النخبة وعدم انغراسه واهتمامه بأوضاع النساء الكادحات، أفرز مدونة أسرة تضمنت تنازلات طفيفة فيما يخص الجانب القانوني (الطلاق، الزواج بدون ولي..).. تنازلات يحد منها الوضع الاقتصادي الهش للمرأة وقوة التقاليد الذكورية.

بسبب وضع الاستغلال والاضطهاد الذي تعاني منه المرأة (اضطهاد مزدوج: طبقي وذكوري)، اندفعت النساء للانخراط في النضال من أجل حقوقهن. بسبب هذا الوضع نجد النساء في الصفوف الأولى للنضال، وهذا ما لوحظ في الثورات التي اندلعت منذ العام الماضي (تونس، مصر، اليمن..).

نضال العاملات

خاضت عاملات المغرب نضالات جبارة في مختلف المدن:

• عاملات صوفاكا للأدوية بالدار البيضاء: على إثر تسريح 46 من عمال الشركة- جلهم من النساء- اعتصمت العاملات لمدة 9 أشهر، إلى جانب خوضهن وقفات ومسيرات احتجاجية، بعد انسحاب العمال بمبرر إعالتهم لأسرهم.

• عاملات الجديدة لإنتاج الورد: خضن معركة إلى جانب مكتبهن النقابي من أجل حقوقهن النقابية (اعتصامات ليلية ووقفات احتجاجية).

• العاملات الزراعيات (شتوكة، مكناس…): خضن معارك ضارية ضد الاستغلال المكثف داخل المزارع الرأسمالية.

• نضال النساء ذوي الحقوق في الأراضي السلالية ضد حرمانهن من حقوقهن فيا لأراضي وضد انتزاع الأراضي من طرف كبار الملاكين والرأسمال الكبير.

المعطلات والطالبات

تشكل نسبة الإناث داخل حركات المعطلين أكثر من النصف، معدل يعكس ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الإناث.. وقد أظهرن طاقات نضالية عالية ومشاركتهن في جميع الأشكال النضالية من معتصمات ومسيرات وإضرابات عن الطعام ومواجهة لقوات القمع، متحديات الصورة الدونية التي يفرضها عليهن وضعن كإناث.

لم تسلم المناضلات المعطلات من القمع والاعتقالات ووصل الأمر حد الاغتيال (الشهيدة نجية أدايا).

نفس الحماس والقتالية أبدته المناضلات الطلابيات، لكن بشكل متفاوت حسب قوة المواقع الجامعية. ناضلت الطالبات إلى جانب رفاقهن الطلاب ضد خوصصة التعليم والتعدي على حقوقهن الاجتماعية.. وكن حاضرات في كافة النضالات الطلابية للتضامن مع الشعوب المضطهدة (العراق، فلسطين..)، وعبرن عن آرائهن داخل النقاشات.. وتعرضن للاعتقال وأداء ضريبة السجن (زهرة بودكور، إلهام الحسنوني..).

لكن نقطة القصور الأساسية هي غياب المطالب ذات الطابع النسوي عن هذه النضالات، حيث تبقى المطالب اقتصادية واجتماعية بالأساس أي ما هو مشترك بين النساء والرجال.. وهي نقطة يجب تجاوزها.

عائلات المعتقلين والشهداء

منذ عقود الستينات والسبعينات وطيلة “سنوات الرصاص”، كانت الأمهات وزوجات المعتقلين في طليعة النضال من أجل حرية المعتقلين. فضحت عائلات المعتقلين التنكيل الذي تعرض له ذووها المعتقلين في سجون الاستبداد.

هذا التقليد النضالي بقي حيا في وجدان النساء المغربيات، ورأينا التضامن الرائع لعائلات معتقلي انتفاضة إفني 2008، وعائلات الطلبة المعتقلين بمراكش 2008، وعائلات معتقلي كلميم في أحداث 20 فبراير؛ وقفات أمام السجون، وإضرابات عامة تضامنية تزامنا مع إضراب المعتقلين عن الطعام من داخل السجن.

كما لعبت عائلات المعتقلين دورا أساسيا في التشهير بالاعتقال من خلال الاتصال بالجمعيات الحقوقية وطنيا ودوليا، وتحتل الأمهات المرتبة الأولى في هذا العمل والزوجات والشقيقات.

إن خروج المرأة إلى التمدرس والشغل قد طرح القضية النسائية بشكل لا يمكن إهماله أو مواجهته بالحجج التقليدية (مكان المرأة الطبيعي هو البيت، المرأة ناقصة عقل ودين..)، وفرضت المرأة نفسها داخل الأحزاب وأجهزة الدولة (البرلمان والإدارة والحكومة..)، وكل القطاعات الاجتماعية، وإن كان ذلك نسبيا لحدود الآن ويستوجب المزيد من النضال لإخراج المرأة من معتقلها الأزلي: البيت والعمل المنزلي.

النساء وحركة 20 فبراير

كان لرياح الثورات بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، تأثير على الوضع السياسي والاجتماعي بالمغرب، فظهرت حركة 20 فبراير ذات المطالب السياسية الديمقراطية والاجتماعية.

وكان للعنصر النسوي حاضرا منذ البداية، في التعبئة والنقاشات والعمل داخل اللجان، وكن في مقدمة التظاهرات والمسييرات الاحتجاجية التي خاضتها الحركة لمدة عام.

لكن الحركة اعتراها نقص إدراج المطالب ذات الطابع النسوي في أرضيتها المطلبية التأسيسة، وهو ما طالبت المناضلات باستدراكه… ورفعت شعارات المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في مسيرات ولافتات الحركة..

هذا النقاش سرع بظهور حركة “العيالات جايات”، وهي حركة أنشأتها مناضلات تقدميات منخرطات في نضالات حركة 20 فبراير.. مهمتها الرئيسية تسليط الضوء على وضع النساء وقد قامت الحركة بعدة قوافل تضامنية مع النساء المناضلات (تارودانت، ورزازات..).

لا زال وضع النساء هشا، حتى في ظروف الثورات الديمقراطية التي تعرفها المنطقة. وضع يتحكم فيه طبيعة التيارات التي كانت سائدة في المنطقة قبل اندلاع هذه الثورات.

وضع جعلنا نشاهد متظاهري ميدان التحرير يواجهون بالعنف مسيرة نسائية في عز الثورة ضد مبارك… ورأينا أزواج مترشحات في حزب سلفي يضعون صورهم مكان صور زوجاتهم المرشحات، ومجلس شعب شبه خالي من النساء… وحكومة بالمغرب تتضمن امرأة واحدة فقط.

هذا الوضع بطبيعة الحال ليس خاصا بدول العالم الثالث، فحتى في الولايات المتحدة لا تتعدى نسبة النساء في أجهزة الدولة والمناصب الحكومية %17.

حركة نسائية لا زالت ضعيفة

رغم كل هذا الزخم، لا زالت مهمة بناء حركة نسائية جماهيرية منغرسة في صفوف النساء الكادحات مهمة مطروحة على جدول أعمال المناضلات والمناضلين:

• ما زالت النضالات النسائية مشتتة تطبعها سمة العشوائية والمناسباتية ( 8 مارس).

• هيمنة منظور بورجوازي على النضال النسائي، منظور يركز على الجانب القانوني المحض، رغم أنه مهم، لكن الجانب الاجتماعي والاقتصادي مغيب.

• عمل نسائي مبني على استجداء النظام، وغض الطرف عن النضالات الجيارة التي تخوضها النساء العاملات والمعطلات…

لذلك يلزم العمل على:

• انخراط النساء داخل النقابات (فعدد النساء المنقبات لا يتجاوز 14%)، ودفع النقابات للاهتمام بالمطالب النسائية الصرف عوض تركها لجمعيات تابعة للأحزاب الليبرالية).

• ربط نضالات النساء من أجل حقوقهن بنضالات الكادحين ضد مجمل نظام الاستغلال الرأسمالي والاضطهاد البطريريكي.

• التعريف بالنضالات النسائية كيفما كانت مطالبها، وكسر الطوق الإعلامي المفروض عليها.

• النضال ضد العولمة الرأسمالية التي تؤبد وضع النساء الدوني حيث تستفيد مؤسسات العولمة الرأسمالية من هذا الوضع (التخلي عن الخدمات العمومية يلقي أعباء إضافية على كاهل المرأة، وتكون الإناث أول من يحرم من هذه الخدمات خصوصا التعليم…).

أسماء

شارك المقالة

اقرأ أيضا