اتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوربي و المغرب: منطق الأقوى لنهب الثروات السمكية

لا تخرج اتفاقية الشراكة الأخيرة في قطاع الصيد بين دول الاتحاد الأوربي و المغرب عن مبدأ “الصيد مقابل المال”، و هي اتفاقية صيد تفرضها الدول الصناعية الكبرى على البلدان المتخلفة اقتصاديا لسلب ثرواتها البحرية. و يعد الإتحاد الأوربي إحدى القوى العظمى المسيطرة على إنتاج الثروات السمكية بجانب اليابان و الولايات المتحدة و روسيا و الصين. و يعاني أسطول صيده مند عقود من أزمة صيد عميقة تتجلى في تراجع معظم مخزونات السمك و تراجع حجم الإنتاج مع وجود تهديد جدي باندثار بعض أنواع السمك نتيجة لذلك. لذا يمثل الصيد بمياه غير أوربية أكثر من نصف السمك المستهلك بدول الإتحاد الأوربي.

تتمثل، إذن مصالح دول الإتحاد الأوربي في أن هذه الاتفاقيات لا تعد فقط وسيلة للحصول على احتياجات أسواقها الداخلية من الأسماك، و لكنها تقلص أيضا من ضغط الأساطيل الممارس على مناطق الصيد الأوربية. أما من جهة أخرى فتساهم هذه الاتفاقيات في تجاوز أحد التناقضات التي يعاني منها أسطول الصيد الصناعي الأوربي، وهي أن حجم استثماراته و بالتالي طاقة إنتاجه تتجاوز كثيرا حجم مخزونات السمك في المياه الإقليمية للدول الأوربية. ولذلك تنشط بواخر الصيد الأوربية في المصايد المغربية بهدف اكتساب مقومات التنافسية بتحقيق مردودية أكبر لاستثماراتها، وبالتالي رفع أرباحها.

أما مصلحة الطرف المغربي المفاوض باعتباره ممثلا لمصالح البرجوازية الكبرى المرتبطة كليا بالإمبريالية، فتتمثل في اللعب بورقة الصيد البحري في المفاوضات التجارية مع الإتحاد الأوربي. إن البرجوازية الكبرى المالكية لأسطول الصيد الصناعي لأعالي البحار، وفي مقدمتها العائلة الملكية صاحية مجموعة مارونا و بعض كبار جنرالات الجيش و كبار بيروقراطيي جهاز الدولة، حرصين على توجيه كل إنتاج بواخرهم نحو التصدير. لذا يستعملون ورقة مفاوضات الصيد من أجل ضمان مرور صادراتهم لدول الإتحاد الأوربي. نفس الأمر ينطبق على أرباب معامل تحويل السمك و مصدري الفواكه و الخضر. كما لا يجب أن نغفل الجانب المغربي يستعمل الصيد في المياه المغربية كورقة سياسية في قضية الصحراء الغربية.

دخلت اتفاقية الشراكة الأخيرة في الصيد البحري حيز التطبيق في 28 فبراير 2007 لتمتد أربعة سنوات، لكنها مددت بسنة واحدة بطلب من المفوضية الأوربية للصيد. و تستفيد من الاتفاقية حوالي 138 باخرة صيد تتوزع إلى ستة أصناف حسب حجمها و طرق صيدها و الأسماك التي تستهدفها. سنكتفي حاليا بعرض مضمون الاتفاقية و بروتوكولها التطبيقي و ملحقاته و الأوراق التقنية للصيد الخاصة بكل صنف، مع التركيز فقط على جوانبها الأساسية التالية:

المقابل المالي لاتفاقية الصيد

يبلغ المقابل المالي لتوقيع اتفاقية الصيد حوالي 36 مليون أورو كل سنة، أي ما يناهز 396 مليون درهم. عكس ادعاءات الطرف الأوربي تندرج هذه الاتفاقية في سياق مبدأ “الصيد مقابل المال” حيث تستغل الدول الصناعية الكبرى حاجة دول الجنوب إلى التمويل من أجل تنظيم سلبها للثروات المحلية. وهذا بخلاف الاتفاقات التي تبرمها الدول الصناعية فيما بينها حيث تتبادل حصص الصيد بقيام بواخر كل بلد بالصيد في المياه الإقليمية للبلد الآخر بشكل متساوي.

يعد المقابل المالي لاتفاقية الصيد في الحقيقة دعما غير مباشر لأسطول الإتحاد الأوربي لشراء حقوق الصيد بأموال دافعي الضرائب الأوربيين.

إن المقابل المالي لتوقيع اتفاقية الصيد لا يعادل غير القيمة النقدية لحوالي 20 ألف طن من الأسماك المصطادة، في حين أن الأسطول الأوربي يملك قدرات صيد صناعي تقدر بملايين الأطنان في السنة الواحدة. و هل يكفي هذا المبلغ لتعويض الخسائر البيئية التي تكبدتها مناطق الصيد المغربية؟ و في مقدمتها استنزاف المخزونات السمكية بالصيد المفرط و رمي آلاف الأطنان من الأسماك في البحر لعدم تطابقها مع معايير التسويق و تدمير موطن عيش و توالد الأسماك بالشعب المرجانية؟ و تعريض مصدر أساسي لغداء الساكنة المحلية للسلب؟

الإفراغ الإجباري لجزء من الحمولة في الموانئ المغربية

لماذا يدافع الطرف المغربي في مفاوضات اتفاقية الصيد مع الإتحاد الأوربي عن مبدأ إفراغ حمولة بواخر الصيد الأوربية في الموانئ المغربية؟

ينتج عن إفراغ الحمولة في الموانئ المغربية مداخيل إضافية للخزينة من خلال الرسوم المفروضة على تسويق السمك و على صادراته. أضف إلى ذلك أنه سيمكن معامل تحويل السمك المحلية من الحصول على مواد أولية ذات تكلفة منخفضة تساعدها على تحسين تنافسيتها في الأسواق العالمية. و يعد ذلك بالفعل تنفيذا لأحد المطالب الأساسية التي طالما نادى بها أرباب معامل تحويل السمك.

ظل الجانب المغربي يطالب بإفراغ حمولة بواخر الصيد الأوربية في الموانئ المغربي إلى أن توصل الطرفان إلى حل وسطي يقضي بالاقتصار على إفراغ جزء من الحمولة فقط. غير أن بروتوكول اتفاقية الصيد لا يفرض هذه الإجبارية على كل البواخر. إن أربعة أصناف من البواخر فقط من أصل ستة هي الملزمة طبقا للاتفاقية بإفراغ جزء من حمولتها في المواني المغربية.

لكن تبين، بعد ثلاثة سنوات من التطبيق، أن بواخر الصيد الأوربية لا تباهي بمضمون الاتفاقية باعتراف اللجنة المشتركة لمتابعة تطبيق الاتفاقية التي أكدت عدم وجود التزام بإجبارية الإفراغ في الموانئ المغربية. فبالنسبة للبواخر من الصنف الأول أفرغت في سنة 2009 حوالي 65 طن من السمك من أصل كمية مصرح بها تبلغ 1112 طن، أي بنسبة تبلغ فقط 6%. هذا في حين أن بروتوكول الاتفاقية ينص على إفراغ نسبة 30% من الحمولة في السنة الثانية من الصيد. و نشير أن الكميات المصرح بها تقل عشرات المرات عن الكميات الحقيقية. أما بالنسبة للبواخر من الصنف الثاني فأكدت اللجنة أن الكميات المفرغة في الموانئ المغربية تفوق تلك المصرح بها، وهو ما يدل على غياب أدنى مصداقية بالنسبة للتصريحات التي تدلي بها هذه البواخر. نفس الأمر ينطبق على بواخر الصيد من الصنف السادس فكمياتها المفرغة في الموانئ في سنة 2009 لا يتجاوز 13%، وهي نسبة تقل كثيرا عن النسبة الإجبارية المدرجة في نص الاتفاقية و التي تبلغ 25%.

إلزامية تشغيل بحارة مغاربة

نصت اتفاقية الصيد على إلزامية تشغيل ما بين بحارين إلى ثمانية بحارة مغاربة في البواخر الأوربية حسب حجمها وصنفها، ما عدا البواخر التي يقل وزنها عن 150 ألف طن. و في حالة عدم الامتثال لهذه الإجبارية تؤدي بواخر الصيد 20 يورو عن كل يوم صيد. وفي حالة التكرار يمكن للسلطات المغربية سحب رخصة الصيد من الباخرة التي لم تلتزم بشروط الاتفاقية. بعد ثلاثة سنوات من العمل تبين بالفعل أن البواخر المعنية لا تحترم بنود الاتفاقية. فقد جاء في محضر الاجتماع الخامس للجنة المشتركة أن معظم بواخر الصيد الأوربية لا تصرح بلوائح البحارة المغاربة ولا بعقود شغلهم.

المراقبة و التفتيش

نصت اتفاقية الصيد على خضوع بواخر الصيد الأوربية لأنظمة تفتيش و مراقبة دقيقة و متكاملة في مختلف الأطوار سواء خلال الإبحار أو الصيد أو الإفراغ. و هي بذلك تمكن الجانب المغربي من امتلاك كل الأدوات لكي يراقب مدى احترام مقتضيات الاتفاقية، خاصة كميات السمك المصطادة و أنواعها و طرق صيدها حتى يتمكن من تقييم آثار الصيد على مستوى المخزونات. لكن تجلى خلال معظم مدة الاتفاقية أن بواخر الصيد الأوربية ضربت عرض الحائط بكل أنظمة المراقبة و التفتيش. و يدل ذلك على فقدان الجانب المغربي لكل شروط ممارسة سيادته على ثرواته البحرية.

نصت الاتفاقية مثلا على نظام لرصد بواخر الصيد بالأقمار الاصطناعية،إلى أن دول الإتحاد الأوربي لا ترسل لمركز التفتيش و المراقبة المغربي تقارير تقنية عن هذه البواخر حتى يتمكن من رصدها و متابعتها. أضف إلى ذلك أن معظم البواخر الأوربية لا تحترم إلزامية إعلام السلطات المغربية بالخروج أو الدخول إلى منطقة الصيد المغربية. ونتساءل لماذا لم تقم السلطات المغربية بإلغاء رخص صيد البواخر التي لم تحترم هذه الإجراءات كما تنص الاتفاقية على ذلك و اكتفت بمنح أجل تلو آخر. كما أن هذه البواخر لم تلتزم بإجبارية إرسال تقرير يومي عن كمية و نوعية وحجم الأسماك المصطادة. وهو ما ينسف أية إمكانية للتوفر على معطيات ذات مصداقية. كان يجب على السلطات أن تسحب رخص صيد البواخر الخارقة لإجراءات التصريح الواردة في الاتفاقية، إذا كانت تتوفر على حد أدنى من السيادة و إن كانت لها إرادة للحفاظ الثروات السمكية للبلد.

نصت اتفاقية الصيد على إجبارية إبحار مراقبين علميين يمثلون السلطات المغربية على ظهر بواخر الصيد الأوربية. و يكون إبحار المراقب العلمي دائما بالنسبة لبواخر الصيد الصناعي في الأعماق و لبواخر الصيد الجيبية، في حين يكون مؤقتا للأصناف الأخرى، خاصة ذات الوزن الصغير. يقوم المراقب العلمي بكل مهام المراقبة و التفتيش. لكن يبقى حضوره منحصرا في صفة ملاحظ. إن عدم اكتساب التقارير التي ينجزها المراقب العلمي صفة الإثبات لا يعد غير إحدى تجليات غياب السيادة على الثروات. كيف يعقل أن لا يكون ممثل سلطة المراقبة و التفتيش المغربية مرجعا للتصريح بالمعطيات المتعلقة بالصيد على المياه الإقليمية للمغرب ويعتمد بالعكس على تلك التي تنجزها أرباب مراكب الصيد الأوربية؟

تدمير مخزون الثروة السمكية

تشرعن اتفاقية الصيد الاستغلال المفرط للثروة السمكية من طرف بواخر الصيد الصناعي الأوربية. و لا تنظم أي تدبير معقلن لنشاط الصيد لحماية مخزونات الثروة السمكية، بل فتحت المجال أمام العديد من الممارسات الضارة بهذه الثروة، ونذكر من بينها ما يلي:

– لا تضم الاتفاقية أي تحديد لحصة الصيد لكل البواخر ما عدى الصنف السادس الذي حددت حصة صيده في 60 ألف طن في السنة. و يعد ذلك أحد تجليات أن هذه الاتفاقية تخدم بالدرجة الأولى أرباب مراكب الصيد الصناعي الأوربيون. في مناطق الصيد المغربية يمكنهم أن يصطادوا كميات الأسماك بدون تحديد سقف، لكن في مناطق صيد بلدانهم يمنع عليهم تجاوز حصص صيد قانونية لكل أنواع السمك تقريبا.

– تتوفر بواخر الصيد الأوربية على قدرات تكنولوجية كبيرة سواء على مستوى محركاتها أو معدات صيدها أو المعدات الإلكترونية لكشف أمكنة تواجد السمك تفوق تلك المتوفر لدى أسطول الصيد بالأعالي المحلي. فبعض بواخر الصيد الجيبية الأوربية مجهزة بشباك يبلغ طولها عشرات الكلمترات و يمكنها صيد آلاف الأطنان في مسار صيد واحد. و تعد الكثير من هذه البواخر معامل سمك عائمة مزودة بطاقة إنتاج و تخزين كبيرة جدا. لقد حددت الاتفاقية لبواخر الصنف السادس البالغ عددها حوالي 19 باخرة سقف إنتاج لا يتجاوز 60 ألف طن من السردين و الأنشوبا و الماكرو، و الحال أن باخرة واحدة تتمتع بطاقة إنتاج تبلغ مئات الآلاف من الأطنان في السنة الواحدة. يتجلى، إذن، أن أي تحديد لسقف الكميات المصطادة لا معنى له في ظل تواجد بواخر من هذا الحجم.

– و من جملة مظاهر سلب مخزون الثروة السمكية التي تشكل أضرارا بالغة بالمحيط البيئي ما أكدته اللجنة المشتركة نفسها في اجتماعها الخامس. فأسماك القرش تشكل جزءا هاما من الكميات التي تصطادها بواخر الصنف الثاني و الرابع، لتصل أحيانا إلى 90% من الكميات المصطادة. معنى ذلك أن هذه البواخر تصطاد هذا النوع من السمك عن قصد رغم إدراج منع صيده في نصوص الإتفاقية. و تتمادى بواخر الصيد الصناعي الأوربية لعدم اتخاذ إجراءات ردع من قبل سلطة الرقابة و التفتيش المغربية.

هناك أيضا ممارسات تؤدي إلى تبديد الثروة السمكية. فمن أجل تلبية متطلبات السوق و تحقيق أعلى الأرباح تستهدف بواخر الصيد الصناعي الأوربية أنواع السمك و الأحجام ذات القيمة التجارية الأعلى و ترمي الباقي إلى البحر. و قد استنتجت اللجنة المشتركة أهمية الكميات المرمية للصيد الصناعي للأسماك الصغيرة. و هي تتجاوز بالنسبة لبعض لأنواع من السمك الكميات المصطادة.

بقلم: حمزة

————————
لمزيد من التفاصيل الرجوع إلى المصادر التالية:

نصوص اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوربي و المغرب

محضر الاجتماع الرابع و الخامس للجنة المشتركة لمتابعة تطبيق اتفاقية الصيد

موقع المفوضية الأوربية للصيد

شارك المقالة

اقرأ أيضا